تفسير سورة البقرة الدرس (92 )
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ {83}
الآية ( 83 ) الجزء السابع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ {83} }
من الفوائد :
أن الله عز وجل لما أمر بني إسرائيل بالإحسان الفعلي أمرهم بالإحسان القولي
الإحسان بالفعل ويدخل فيه القول أيضا
الإحسان إلى الوالدين وإلى المساكين وإلى ذي القربى وإلى اليتامى
بعد أن أمر بالإحسان الفعلي أمر بالإحسان القولي فمن جمعهما فقد جمع الخير ومن فوتهما فقد فاته الخير ومن أتى بأحدهما فهو على خير باعتبار وباعتبار آخر ليس كذلك
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن القول لا يخلو إما أن يكون حسنا وهذا هو المأمور به كما في هذه الآية ولذا لو أردت أن تستدل بدليل من القرآن على حسن التعامل بالقول فاذكر هذه الآية { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }
وإما أن يكون القول سيئا وهذا منهي عنه ويذم صاحبه
ولذلك :
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )
إما أن يكون القول ليس بحسن وليس بسوء وإنما هو لغو لا طائل من ورائه وهذا اللغو مما ينزه أويتنزه المؤمن عنه
ولذلك لما وصف الله المؤمنين ماذا قال { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) } وفي أواخر سورة الفرقان { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } لأن اللغو بوابة إلى الشرور
ولذلك عرف الله طبيعة البشر وأن هؤلاء البشر يحبون الكلام
ولذلك الكلام لسهولته هو أكثر من الفعل ، ما يقال كثير لكن ما يفعل قليل
فحصرها النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيقل خيرا )
هذا هو الأصل فيه مما أمرت به شرعا الأصل فيك أن تكون صامتا إلا إن كان خيرا
ولذلك قال ( فليقل خيرا أو ليصمت )
إذًا إذا أراد أن يقول لكن هذا القول ليس بخير وليس بشر من مدلول هذا الحديث لا تقل واسكت
وكم من كلمة أوقعت صاحبها في مهالك إما مهالك دينية أو دنيوية ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم (( قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا ))
وفي الحديث الآخر ( أبعد مما بين المشرق والمغرب )
وفي رواية :
( لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه )
بينما الكلمة الرضية ( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله بها له رضوانه )
ولذلك حذر جل وعلا قال عز وجل { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } وقال { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) }
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن الإحسان بالقول يسير بينما الإحسان بالفعل عسير
ولذلك هو جل وعلا لما علم أن بعضا من الناس قد لا يتمكن من أن يحسن بفعله فتح له بابا آخر
ما هو ؟
الإحسان بالقول
فإنك لن تسع الناس بمالك وإنما تسعهم بحسن خلقك
وكم من كلمة أثمرت في القلب حبا وقربا أعظم مما يبلغه الفعل
لم ؟
لأن الإنسان هذا الإنسان الذي تراه قد تراه عظيما ربما بكلمة تحطمه وربما بكلمة ترفعه
ولذلك يحذر المربون والشرع يحذر أصلا قبل هؤلاء المربيين يحذرون من أن يوصف الطفل بألفاظ أو بألقاب أو تقال عنده كلمات حتى لا يكون محبطا
لأن الإنسان مشاعر إما أن تسعده كلمة وإما أن تعذبه كلمة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن الإحسان بالقول مأمور به من هنا ؟
بنو إسرائيل لكن هؤلاء لم يطبقوا
سبحان الله !
ليس مع المخلوقين بل مع الله
{ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ }
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } فكيف يرجى من هؤلاء حسن فعل أو حسن قول وهكذا هو كلامهم مع الله جل وعلا الذي خلقهم وأوجدهم
ولذلك من يتتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء القوم يجد أنهم بذيئوا الكلام
نعم
دخل نفر من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة قالوا ( السام عليك يا محمد )
حذفوا اللام لأن هذا اللفظ قريب من كلمة السلام السام السلام لا يفرق بينهما إلا من أحضر ذهنه
ومعنى كلمة السلام هو طلب السلامة من الله للمسلم عليه بينما السام معناه الموت
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ( الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ) يعني الموت
فقالوا ( السام عليك يا محمد )
فعائشة قالت ( وعليكم السام واللعنة ) فطنت لكلامهم
فقال صلى الله عليه وسلم ( مهلا يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق )
قالت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا ؟
قال صلى الله عليه وسلم ( ألم تسعمي ما قلت لهم قلت وعليكم )
ولذلك إذا سلم علينا الكفار فنقول وعليكم
لأنهم إن تلفظوا بلفظ حسن وهو السلام ( وعليكم ) الجزاء الحسن منكم من جنس الجزاء الحسن
وإن كانت هذه اللفظة الصادرة منهم توحي أو تضمر أو تخفي كلمة نابية ( وعليكم ) أيضا مثل ما قلتم
فانظروا إلى حالهم مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يغتر في مثل هذا الزمن بحسن ما يقولون من خطابات أو من أفعال
هم هم اليهود هم أولئك وهم هؤلاء
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن الله أمرهم بأن يقولوا القول الحسن لمن ؟
للناس يعني لعموم الناس
وبالتالي :
فإن المسلم مأمور بأن يكون كلامه حسنا مع الجميع مع المؤمن المتقي مع الفاسق مع الفاجر مع الكافر حتى مع الكافر لأنه قال { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } والمؤمن والفاجر والفاسق والفاجر والكافر من الناس وأكبر دليل على ما قلت قصة عائشة لما قالوا السام عليكم قال صلى الله عليه وسلم ( مهلا يا عائشة ) مع أن الجزاء من جنس العمل { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ }
والإنسان على ما اعتاد عليه فرود نفسك على حسن القول
ولذلك تجري على ألسنة كل واحد منا بعض الكلمات التي اعتاد عليها هكذا قد تكون كلمة حسنة أو تكون كلمة غير ذلك أو تكون كلمة عادية لكن جرى لسانه بها فلماذا لا نعود ألسنتنا على اختيار الكلام المناسب
بعض الناس لما يسخط ويغضب على ابنه يدعو عليه أو يقول كما يقول لعنة الله عليك أو أحيانا يعلن نفسه لعنة الله على والديك أو أخزاك الله أو قبحك الله أو أهلكك الله أو انتقم الله منك
يعني مثلا استبدل وأنا أقول سهلة يعني لو عودت لسانك عليها اعتدت : الله يهديك
بهذا تعتاد على القول الحسن
أيضا ربما تصادف تلك الدعوة الصادرة منك وأنت والد قد تصادف وقت استجابة فإن كانت دعوة له استجاب الله لك وإن كانت دعوة عليه استجاب الله لك فتضرر ابنك
ونحن في حال غضب
يعني يمكن لو قيل للوالد لو مزق ابنك الآن في حالة هذا الغضب لقال نعم أوافق من شدة الغضب
{ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ } مثل ما يدعو بأن يرزق بخير وقلبه مشغوف في حالة الغضب يدعو بالضر وبالشر عليه وعلى من يحب كما يحب أن يتحقق الخير الذي له { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } لو هدأت الأعصاب انتهى كل شيء
مثل ما يحصل من بعض الناس من سباب وشتام مع زوجته وربما يسبها ويسب أهلها وربما يصدر ما يصدر بعد حين من الزمن لما يتخلى الشيطان إذا بالندم يحصل
ولذلك تجد الخصام العظيم الشديد
يعني يمكن لو كان له سبيل او كان لها سبيل أن يقتل أحدهما الآخر لقتله لكن بمجرد أن يقول أنت طالق انتهى كل شيء ، تحقق ما يريده الشيطان
هنا تخلى
ولذلك :
لنتنبه إلى خطورة اللفظ
ربما تصدر كلمة من شخص فيندم بعدها
وكم ندم أشخاص على مر التاريخ
كم ندم أشخاص على ما قالوا وكما قلت هذا اللسان على ما تربى عليه
وأدل على ما أقول :
ببعض الكلمات التي تصدر منا يعني لما ندخل على أبنائنا نحن السعوديين يا ولد يا ولد
تلقائيا تصور لو أن اللفظ كان حسنا طبعا كلمة يا ولد ليس بها عيب لكن أقول لكم إن بعض الكمات تجري على اللسان بسهولة ودون قصد لأن اللسان اعتاد عليها
إذًا لماذا لا نعود ألسنتنا على قول الخير
ولذلك :
يؤثر عن عمر بن عبد العزيز أنه لما مر في طريق اعترض طريقه كلب من الكلاب قال أخر اصلحك الله
قالوا سبحان الله ! كيف تقول هذا القول لكلب قال أريد أن أعود لساني على القول الحسن
هؤلاء أئمة في هذا الباب
ولا يعرف بشجاعته بل حتى في رجولته إلا في حالة الغضب
ولذلك قال تعالى { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن الله أمر بني إسرائيل بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد ما ذكر من أوامر
لم ؟
{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ }
لم ؟
لأن أعظم طريقين للتقرب والقرب من الله ومن الناس عن طريق هاتين العبادتين إذا أردت أن تقرب من الله فعيك بهذه الصلاة
لكن هل قال صلوا ؟
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } إقامة الصلاة بقدر ما تقيم الصلاة بقدر ما يقوم قلبك وتحسن أخلاقك
نسب ، بنسبة كذا يكون قلبك هكذا
والزكاة وسيلة إلى قرب الناس منك لأنك تحسن إليهم بالمال