تفسير سورة البقرة الدرس ( 94 ) [ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل .. الآية ( 83 ) الجزء التاسع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 94 ) [ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل .. الآية ( 83 ) الجزء التاسع

مشاهدات: 448

تفسير سورة البقرة الدرس ( 94)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ {83}

الآية {  83  } الجزء التاسع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ {83}  }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن بني إسرائيل  مع هذا الميثاق ما هو حالهم تولوا فقط ؟

لا

تولوا مع إعراض { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }  ولذا جملة

{ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }  جملة حالية يعني توليتم حالة كونكم معرضين

وفرق بين التوالي وبين الإعراض

إنسان تولى تولى بماذا ؟

تولى ببدنه

من تولى ببدنه دون قلبه يرجى له أن يعود لكن إن تولى ببدنه وهو معرض بقلبه كحال هؤلاء اليهود فإنه لا يرجى له أن يعود

وبالتالي :

فإن التولي غير الإعراض { وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } فنسأل الله السلامة والعافية

يعني العلم قد لا ينفع صاحبه مع أن العلم يغذي القلب بالإيمان { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } من يخشى الله حق الخشية هم العلماء لكن قد يحرم كما حرم بنو إسرائيل فإن لديهم علما ، ومع ذلك ما هو حال هذا القلب الذي كان من الواجب أن يكون مليئا بالإيمان والإقبال ليس بالإعراض ما حال هذا القلب ؟ معرض مع التولي بالأبدان

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن الكثرة من بني إسرائيل نقضوا هذا الميثاق وتخلوا عنه ولم يقم به إلا قلة لقوله تعالى { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } وهذا يدل على خبث نفوس  اليهود

التولي هو الفرار لكن الفرار نوعان كما قال ابن القيم  فرار إلى الله وفرار من الله ، وكلما خاف الإنسان كما قال رحمه الله كلما خاف الإنسان شيئا وعظم خوفه منه فر منه وهرب بينما كلما عظم خوفك من الله فررت إليه

ولذلك قال تعالى { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ } فليس الفرار مذموما في جميع الأحوال الفرار إلى الله منقبة عظيمة نسأل الله لنا ولكم هذه المنقبة { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ }

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــ

أن الأسلوب هنا أسلوب لبيان حال بني إسرائيل { لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } ثم تغير الأسلوب قال { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } لم يقل ثم تولوا على حسب السياق لو كان في غير القرآن ثم تولوا

من ؟

بنو إسرائيل

لكن هنا قال { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } يعني الأسلوب رجع إلى الخطاب { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } لم يقل ثم تولوا

لماذا ؟

أتى هذا الأسلوب بأسلوب الخطاب { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } لأن هذا الميثاق أخذ على أسلاف بني إسرائيل لكن الذرية والسلالة هي الطبيعة هي هي لا تتغير  ولذلك لما كان حال هؤلاء الأحفاد كحال هؤلاء الأجداد توجه الأسلوب إليهم يخاطبهم فقال { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } يعني من ؟

أنتم يا من في عصر النبي عليه الصلاة والسلام

وهذا يدل على أن اليهود الذين في عصر النبي عليه الصلاة والسلام لم ينكروا ما كان عليه أسلافهم وإنما اتبعوا أسلافهم فأدخلوا ضمن من نقض  الميثاق إلا قليلا من ؟

كعبد الله بن سلام

وهذا أسلوب يسمى عند البلاغيين بالالتفات

يعني الأسلوب تغير من أسلوب إلى أسلوب غيره فائدتها تحضر ذهنك أنت يا قارئ  القرآن ما تمر عليك الآية هكذا

إن قلت لماذا تغير هنا ليتحرك الذهن

إذًا يتغير الأسلوب لفوائد من بين هذه الفوئد ما ذكرت لكم

أيضا من  بينها أن القلب يحضر

 

ومن الفوائد  :

ـــــــــــــــــــــــ

أن طبيعة اليهود واحدة { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } الأسلاف والأحفاد

ولذلك يقولونها في رجز من الرجز الشعري أو العربي يقولون شيشنة أعرفها من أخزم

هذا مثل ، وهذا في جزء  من رجز أبيات

شيشنة أعرفها من أخزم

شيشنة يعني طبيعة وشجية

أعرفها من أخزم

يقولون كان هناك رجل له ابن اسمه أخزم وكان عاقا به أشد العقوق فمات أخزم الذي هو ابن العاق وبقي الأب

هذا الابن العاق الذي هو أخزم ترك خلفه أبناء أولئك الأبناء عقوا جدهم فضربوه حتى أدموه

فماذا قال ؟ شيشنة أعرفها من أخزم

يعني هذا هو حال أخزم

اليهود طبيعتهم هكذا

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الإنسان لا ييأس من أن يخرج الله من بيئة فاسدة أن يخرج من تلك البيئة الفاسدة صالحين فاليهود سوء ومع ذلك قام بهذا الميثاق بعضهم كما  قال عز وجل

بل حتى في البيت قد يكون البيت كله سوء ويخرج الله فيه من هو صالح

وأكبر دليل امرأة فرعون بيت فرعون بيت فسق بيت كفر نعم بل أعظم الكفر ادعى الربوبية ومع ذلك { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ }

وعلى العكس يعني بعض الناس يقول سبحان الله ! كيف خرج هذا الشخص من تلك البيئة أو من ذلك البيت { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ }

أبو جهل من صناديد قريش وقتل كافرا ، أخرج الله من صلبه صحابيا اسمه عكرمة بن أبي جهل العظيم في الكفر في العداوة للنبي عليه الصلاة والسلام

أبو لهب أنزل الله في شأنه سورة أخرج الله من صلبه طفلة اسمها درة ، درة بنت أبي لهب صحابية

عقبة بن أبي معيط الذي وضع سلا الجزور على رأس النبي عليه الصلاة والسلام وهو ساجد وخنق  النبي خنقا شديدا حتى كاد أن يقتله فأتى أبو بكر ودفع به فقال { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ }

هذا الرجل أخرج الله من صلبه بنتا اسمها أم كلثوم ولا يعلم امرأة خرجت في عصر الإسلام مهاجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام إلا هذه المرأة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط

خرجت كما جرى بعد صلح الحديبية

ولذلك أنزل الله في شأنها بعض الآيات في سورة الممتحنة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ }

في شأن من ؟ أم كلثوم

بيئة فاسدة

أصلاب فاسدة ومع ذلك خرج الله منها هذا الطيب

فلا يستغرب أحد أن يخرج شخص أو يخرج عالم من العلماء من بيت كله فاسد

وعلى العكس قد يكون البيت صالحا قد يكون البيت فيه علماء لكن الله يخرج من هذا البيت أولادا أو ولدا فاسدين

نوح عليه السلام أول رسول إلى أهل الأرض من صلبه ذلكم الولد كما في سورة هود { يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)  }

مع هذا كله حنان الأب ولو كان الولد فاسقا أو فاجرا يعلمه الله ولذلك لما أغرقه قال { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } نوح لم ير ابنه مباشرة حال الغرق وإنما حال الموج بين هلاك ابنه وبينه بهذا الموج

زوجة نوح زوجة لوط { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا } يعني بالكفر لم يجعل الله من باب رفعة الأنبياء لم يجعل تحت نبي بغيا أبدا

الخيانة هنا من هاتين المرأتين خيانة الكفر

فانظروا كيف أخرج الله عز وجل من بيئة اليهود هؤلاء الثلة الذين أخذوا بهذا الميثاق

 

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال تعالى هنا { وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }

أنتم جمع لماذا ضمت التاء في أنتم ؟

سبحان الله !

اللغة العربية غريبة

لما تقول أنتَ فتحت التاء أنتَ يخاطب بها مذكر

لما تقول أنتِ يخاطب بها المؤنث

إذًا علامة الفتحة للمذكر وعلامة الكسرة للمؤنث

إذاً ما بقي عندنا إلا الضمة فلما جمع هذا الضمير أو ثني نقول أنتم بالضم أو أنتما بالضم

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال إلا قليلا وأنتم معروضون  أو منكم ؟

{ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ }  مما يدل على أن هذه الثلة التي قامت بهذه الميثاق من من هذه البيئة أو من هذه الأصلاب