تفسير سورة البقرة ــ الدرس الثامن والتسعون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ….. }
سورة البقرة ـ الآيات ( 84 ــ 85 ــ 86 )
الجزء الرابع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول الله عز وجل :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الله وصف الدنيا هنا ووصفها في مواطن كثيرة بأنها حياة لكنها موصوفة بأنها دنيا ، وسميت هذه الحياة بالحياة الدنيا لدنوها زمنا ومرتبة
من حيث الزمن فإنها قبل الآخرة فهي دانية يعني أنها قبل الحياة الأبدية
ورتبة لأنها في دنو فكيف يحرص الإنسان عليها مع أنها في الدنو مما وصف حالها والذي به دنو كيف يحرص عليه ؟!
ودلالة ظهور دنوها حالها مع الجميع مع الصغير ومع الكبيرومع المملوك ومع الملك ومع الرئيس ومع المرءوس ومع الوزير ومع الوضيع ومع الغني ومع الفقير
لأنها ليست حياة كاملة تامة
ولذلك يقول ابن القيم كما في زاد المعاد يقول ” لو فتشت العالم كله لوجدت أن الجميع في هذه الدنيا مبتلى إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه “
الكل مبتلى لأنها ليست محلا للنعيم بينما الآخرة ، حتى الفضلات لا توجد في الجنة لأنها كاملة والكامل لا يخرج منه سوء ولا يأتي بسوء ولا ينقطع ولاهم ولا نصب ولا يزول
بل قل ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين فيما يرويه عن ربه عز وجل :
(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))
{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وتجد حال هؤلاء اليهود تشبثوا بهذه الدنيا الدنية ، ولذلك يحرصون على هذه الحياة بأي وسيلة كانت كما قال تعالى{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } حياة مطلقة أي حياة ؟ حياة ذليلة حياة عزيزة بها إرضاء الله بها إسخاط لله
{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } لم ؟ لأن همته ضعيفة ولذلك في مثل هذه الآيات فيها تذكير لنا نحن هذه الأمة أن نحذر مما وقعت فيه الأمم السالفة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــ
بيان أن عذاب جهنم درجات ، ولذلك قال : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ }
إذًا هناك عذاب شديد
ولتعلموا : أن أفعل التفضيل إذا جاء من حيث الأصل وإلا فقد يخرج في اللغة العربية إذا جاء من حيث الأصل أن أفعل التفضيل إذا أتى فإن المفضل والمفضل عليه يشتركان في الصفة
ويزيد المفضل على المفضل عليه
لما نقول الآن : نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أشرف المرسلين
الأنبياء كلهم شرفاء فهم اشتركوا في الصفة لكن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من حيث الصفة
لما تقول : زيد أكرم من عمرو كلاهما كريم لكن زيدا أكثر
هنا : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } جهنم بها عذاب شديد لكن بها ما هو أعظم
ولذلك قال تعالى عن النمافقين { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا }
فالنار لها دركات ، والعذاب في جهنم وإن كان فيه الشديد وفيه ما هو أشد لكن أي عذاب في جهنم فهو لا يلائم الإنسان ، فهو شديد
ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : ( يؤتى بالرجل يوم القيامة من أنعم أهل الدنيا لكنه من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ) يغمس غمسة واحدة ( فيقال : يابن آدم هل مر بك نعيم قط ؟ هل مر بك خير قط ؟ فيقول : لا والله يارب ما مر بي نعيم قط )
إذًا أين تلك القصور وأين تلك الأموال وأين تلك النساء وأين وأين تلك المتع في هذه الدنيا ؟
غمسة واحدة فيها أحدثت له مسحت كل نعيم مر عليه
وفي المقابل في تتمة الحديث :
( يؤتى بالرجل من أبأس أهل الدنيا وهو من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال : يا ابن آدم هل مر بك بؤس قط هل مر بك فقر قط ؟ فيقول : لا يارب ما مر بي بؤس قط )
ولذلك ما سمي العذاب بهذا الاسم إلا له معنى كما قال أهل اللغة لماذا سمي العذاب بهذا الاسم ؟
لأن العذاب مرتبط بالماء العذب لماذا هوعذب ؟ لأنه يمنع الإنسان من الظمأ
العذاب : يمنع الإنسان من الراحة والسعادة والخير
فالعذاب كلمة العذاب تدل على المنع
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــ
بيان إحاطة علم الله عز وجل بكل ما يفعله الإنسان ولذلك قال : { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }” ما ” هنا نافية
سبحان الله ! هنا نفى الغفلة عن الله
انتبه :
عقيدة أهل السنة والجماعة التي تدل عليها الأدلة : أن لله صفات تلك الصفات تنقسم إلى قسمين :
ــ صفات ثبويتة
ــ وصفات سلبية يعني منفية
صفات ثبوتية أتى النص الشرعي من الكتاب والسنة بإثباتها
وصفات سلبية يعني أتى الشرع بنفيها عن الله عز وجل
نأتي إلى الصفات الثبوتية :
الصفات الثبوتية تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
صفات خبرية وهي ثبويتة جاء الخبر بها مثل إثبات أن لله يدا أن لله عينا أن لله قدما هي بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء لكن نحن لا نقول هي أبعاض لله ، نقول هي صفات خبرية أتى الخبر بها
القسم الثاني من الصفات الثبوتية :
لابد أن تعرف عقيدة أهل السنة والجماعة أتعرفون أن أعظم ما يقرب القلوب إلى الله من أي شيء آخر أن تعرف ما لله من أسماء ومن صفات
ولذلك أعظم الآيات في القرآن هي الآيات والسور التي تتحدث عن آيات الله وصفاته
لماذا ظفرت آية الكرسي بأنها أعظم آية ؟ لأنها تحدثت عن أسماء الله وصفاته
لماذا سورة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن لأنها تحدثت عن أسماء الله وصفاته
لماذا سورة الفاتحة هي أعظم سورة ؟ لأنها تتحدث عن أسماء الله وصفاته
لما يكون لديك علم وإلمام بهذه الأسماء والصفات :
يعني أنت مريض تعرف أن من بين أسمائه الشافي من يؤمن بهذا الاسم الشافي ويستحضر ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ( بيدك الشفاء لا شفاء إلا شفاؤك ) يتخلى بل ينسى كل الأسباب لا يتلفت إلى ما يقوله ذلك الطبيب أو ذلك الطبيب أو ذلك المجرب
علق قلبه بهذا الاسم
لكن هل نحن لما نصاب بمثل هذا هل لنا تعلق بهذا الاسم ؟
كما ذكرت ؟ لا ، لأنه ليس هناك قرب
إذًا : القسم الأول من الصفات الثبويتة الصفات الخبرية
القسم الثاني الصفات الذاتية :
التي لا تنفك عن الله مثل صفة الكلام مثل صفة السمع مثل صفة البصر
هذه صفات ذاتية لله عز وجل
القسم الثالث من الصفات الثبوتية الصفات الفعلية :
يعني يفعلها متى شاء : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير ) هذه فعلية يفعلها متى شاء
القسم الثاني الصفات السلبية يعني المنفية عن الله :
كما هنا : { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } هكذا فقط ؟ لا
تنفي عن الله ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله عليه الصلاة والسلام مع إثبات كمال الضد { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } لابد أن تقول لكمال علمه
{ وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } نفيت الظلم عن الله وتسكت ؟ إن سكت خطأ بل زلل ، تقول : لكمال عدله
{ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } لكمال حياته وقيوميته
لابد أن تثبت كمال الضد لأنك لما تنفي قد تنفي ويكون هذا النفي ليس مدحا
{ وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } لم ؟ لكمال عدله
أنا أقول هذا العمود لا يظلم نفيت عن هذا العمود الظلم هل فيه كمال ؟ لا لم ؟ لأنه جماد قد لا يظلم الإنسان لضعفه كما قال الشاعر عن تلك القبيلة :
قُبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
لضعفهم ولذلك صغرهم قال قُبيلة
لم يقل قبيلة والتصغير للتحقير يعني هم عاجزون
إذاً النفي المحض ليس بمدح
إذا أردت أن يكون النفي مدحا لله { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } لكمال علمه وإحاطته جل وعلا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا { عَمَّا تَعْمَلُونَ }
” ما ” هنا موصولية إذًا هذه هي فائدة معرفة الأدوات في اللغة العربية
” ما ” تفيد العموم لأنها اسم موصول
{ عَمَّا تَعْمَلُونَ }يعني لا يمكن أن يعزب عنه جل وعلا شيء يعني عن الذي تعملون
والأسماء الموصولة :
قاعدة في اللغة وفي الشرع : الأسماء الموصولة تفيد العموم
إذًا لا يغيب عن الله شيء كما قال تعالى : { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) }
نحن عرفنا أن الله ليس بغافل عما نعمل ، ما الثمرة ؟
أن تحذر فتقوم بالواجب الذي أوجبه الله عليك على أحسن ما يكون وأن تحذر مما حرمه الله عليك