تفسير سورة ( الجمعة ) الدرس ( 249 )

تفسير سورة ( الجمعة ) الدرس ( 249 )

مشاهدات: 442

تفسير سورة ( الجمعة )

الدرس (249 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الجمعة….

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)}

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فيما مضى من آيات في سورة الصف {سَبَّحَ لِلَّهِ} يعني في الماضي، {يُسَبِّحُ} يعني في الحاضر، وفي المستقبل؛ لأن الفعل المضارع يدل على ذلك.

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} فهو الملك عز وجل الذي هو مالك كل شيء، والقدوس الطاهر المنزه عن كل عيب  ونقص {الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فهو العزيز القوي الغالب الذي لا ينال بسوء، وهو الحكيم في شرعه وفي أقواله وفي أفعاله.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} {هُوَ الَّذِي بَعَثَ} يعني أرسل {فِي الْأُمِّيِّينَ} وهم العرب {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} وهو محمد عليه الصلاة والسلام {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} يعني أنه يطهرهم، فبعد التلاوة يحصل التطهير، ثم بعد التطهير يحصل الازدياد من العلم ومن الخير، فقال تعالى {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} يعني القرآن {وَالْحِكْمَةَ} يعني السُّنة {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ} يعني من قبل إرسال النبي عليه الصلاة والسلام {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ} يعني بعث عليه الصلاة والسلام بآخرين منهم، {وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} يعني هناك من آمن في زمن الصحابة رضي الله عنهم، وهناك من آمن في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن تأخر إسلامه، {وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}يعني وسيلحقون بهم من حيث  الثواب، لكن من حيث السبق بالإسلام فإنهم لا يلحقونهم، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيح قال: ” لا تسبوا أصحابي، وهذا القول قاله لخالد بن الوليد رضي الله عنه لما حصل ما بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، ودل هذا على أن الصحبة المتقدمة ليست كالصحبة المتأخرة، وكل منهم له فضل.

{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} فقد اختلف في هؤلاء: فقيل هم فارس، ولذلك ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزلت هذه الآية وضع يده على سلمان رضي الله عنه، وقال: ” لو كان الإيمان في الثريا لناله رجال من هؤلاء”، وقيل هم العجم، وقيل هم التابعون، وقيل إنها شاملة من يأتي إلى يوم القيامة، ولا تعارض بين ذلك، فإن من أسلم في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولو تأخر إسلامه فكما سبق معنا من أن له الثواب والفضل، لكن فضل السبق بالإيمان هذا يناله المتقدمون، ولذلك قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وأما من جاء بعدهم فإنهم ينالون ثوابا من عند الله وخيرا لكنهم لن يصلوا إلى فضل الصحبة حتى لو كان من الصحابة الذين تأخر إسلامهم، فإن من جاء بعدهم لا ينال مرتبتهم من حيث الصحبة.

{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} كررها مرة أخرى بعد أن ذكرها في الآية السابقة مما يدل على عزته وحكمته عز وجل.

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} يعني ما مضى من تفضيل هو فضل منه عز وجل، وكذلك كون النبي عليه الصلاة والسلام هو الرسول ذلك فضل من الله {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فهو صاحب الفضل العظيم الذي فضله على جميع عباده.

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} وهؤلاء هم اليهود حملوا التوراة بأن يقوموا بها، ولكنهم لم يحملوها وضيعوها {كَمَثَلِ الْحِمَارِ} وذلك في بلادته {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} يعني كتبا هل ينتفع بها وهي على ظهره مع أنها كتب نافعة؟ فالجواب: لا، فهؤلاء كحال هذا الحمار الذي هو أخس ما يكون، فدل على أنهم بلداء، بل إن الحمير أفضل منهم، ولذلك قال تعالى {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

{بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} يعني بئس هذا المثل مثل من؟ {الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ} وذلك فيه أيضا إشارة إلى صنيع كفار قريش لأنهم كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وذلك لأنهم ظلموا أنفسهم فلم يقوموا بدين الله، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فلم يوفقهم للتوبة، ولم يوفقهم للهداية.

{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} كما قال تعالى عنهم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}

{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ولذلك مر معنا تفسير لها في سورة البقرة {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

قال هنا {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} في سورة البقرة {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} يعني في المستقبل وهنا ذكر ما يتعلق بالحاضر في سورة الجمعة فدل على أنهم لم يتمنوا، ولن يتمنوا الموت لا في حاضرهم، ولا في مستقبلهم.

{وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بسبب ما قدمته أيديهم من الأعمال الخبيثة، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فهو عز وجل أحاط علمه بهؤلاء الظالمين ممن في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وممن سيأتي.

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} بمعنى: أن العبد إذا كان لا يريد الموت ويفر منه، فإنه سيلاقيه كما قال تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} ولذلك الحديث الصحيح حديث عائشة قال عليه الصلاة والسلام: ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول كلنا نكره الموت، فقال ليس ذلكم يا عائشة، وإنما العبد إذا بشر برحمة من الله وبرضوانه وبجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإذا بشر العبد بسخط من الله وبغضب من الله كره لقاء الله فكره الله لقاءه”  فهذا هو تفسير لهذا الحديث.

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الذي هو عالم بما غاب عنكم، وما خفي عنكم، وبما هو ظاهر لكم، {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ومن ثم يجازيكم على ذلك.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}  قال {فَاسْعَوْا}  ليس المقصود من ذلك السرعة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ” عليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا” وإنما المقصود هنا الانطلاق يعني اسبقوا إلى الذهاب إلى الجمعة {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} يعني اسبقوا إلى الذهاب إلى الجمعة مبكرين، {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وذكر الله يشمل الصلاة، ويشمل الخطبة {وَذَرُوا الْبَيْعَ}  يعني اتركوا البيع، ويدخل في ذلك كل ما ألهى عن الحضور إلى الخطبة، وذلك كعقود المعاوضة من إجارة ونحو ذلك، بل إن هذا يكون إثما، وأيضا على الصحيح لا يصح هذا العقد، ويكون العقد باطلا.

{ذَلِكُمْ} أي ما مضى من أحكام {خَيْرٌ لَكُمْ} فافعلوا ما أمرتم به، واتركوا ما نهيتم عنه. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إن كنتم تعلمون فطبقوا ما جاء في هذه الآية من أحكام.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} يعني فرغ من الصلاة {فَانْتَشِرُوا} يعني انطلقوا واذهبوا، {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} هذا الانتشار يشمل على الصحيح الانتشار وهو الذهاب إلى زيارة مريض، أو إلى زيارة قريب، ويشمل أيضا الانتشار للذهاب إلى كسب الأموال من تجارة ونحوها، {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا} يعني اطلبوا {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} يعني عليكم أن تحرصوا على كثرة ذكر الله، ولاسيما إذا ذهبتم إلى كسب الأموال، {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تحصلون على ما ترغبون ويدفع عنكم ما تكرهون.

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} قدم هنا التجارة؛ لأنها هي المقصودة؛ لأن التجارة فيما مضى إذا أتت فإنه يأتي معها ما يصحبها من اللهو من باب الإشعار بقدومها، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} يعني انطلقوا إليها، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة، فأتت القافلة، فذهب من ذهب، وبقي معه صلى الله عليه وسلم من بقي، فنزلت هذه الآية، فالصحابة رضي الله عنهم لم يذهبوا من أجل اللهو، وإنما من أجل التجارة، والصحابة لما فعلوا هذا الفعل فهذا اجتهاد منهم، ولذلك جاء في المراسيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم الصلاة على الخطبة، فظنوا أن الخطبة لا يلزم المسلم أن يحضرها، وهذا مرسل، لكنه ليس مرسلا من مراسيل الصحابة، فلا يكون حديثا ثابتا، ومن ثم فإن الصحابة لما فعلوا هذا الفعل سواء كانت الصلاة قبل الخطبة أو العكس، فإنما ظنوا أن لا جناح عليهم في ذلك باعتبار الحاجة الملحة لهم إلى هذا الطعام الذي يكون في القافلة حتى لا يظن بالصحابة الظن السيء، فكيف يكون ذلك، والله يقول { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } وأعظم هؤلاء هم الصحابة.

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} يعني تخطب {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ} قل يا محمد لهؤلاء الذين انطلقوا وتركوك {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} وقدم هنا اللهو على التجارة؛ لأن ما يتعلق  بالمفاسد فيما يكون من اللهو أعظم مما يكون في التجارة.

{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فهو خير الرازقين، فليطلب الرزق منه عز وجل.

وبهذا ينتهي تفسير سورة الجمعة…..