التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( الطور )
الدرس (239 )
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الطور، وهي من السور المكية، وقد أقسم الله في مطلعها بهذه الأشياء ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما المخلوق فإنه لا يجوز أن يقسم إلا بالله…
{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
{وَالطُّورِ} والطور هو الجبل، قيل كل جبل، وقيل هو الطور الذي كلم الله عنده موسى، {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} والكتاب المسطور قيل هو اللوح المحفوظ، وقيل هو الكتاب الذي فيه أعمال بني آدم، وقيل هي الكتب المنزلة، ولعل هذا هو الأقرب، ولا يمنع من دخول ما مضى؛ لأنه قال بعدها {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} والرق هو الجلد، وما يشابهه مما تكتب عليه هذه الكتب، ولاسيما القرآن {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} يعني أنه ظاهر وواضح، وأما من قال من أن المقصود من ذلك كتاب الأعمال فإنه لا تنافي بين هذا، وبين هذا؛ ولذلك قال تعالى {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا}
فقال تعالى {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)} وهو البيت الذي يدخله كما ثبت بذلك الحديث الصحيح يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ويسمى بالضراح، وهو كما جاء بذلك الحديث الذي لا بأس به هو في السماء، وهو كعبة أهل السماء مقابل الكعبة الأرضية لو سقط لسقط عليها، فقال تعالى {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} ولذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم ليلة الإسراء والمعراج قد استند إلى البيت المعمور، وذلك لأن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة الأرضية. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني السماء، فالله رفعها وجعلها سقفا للأرض، {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} يعني البحر الممتلئ، والمسجور يعني المتقد نارا يوم القيامة، {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} ما هو جواب أقسم؟ لماذا أقسم الله بهذه الأشياء؟ إن العذاب نازل بهؤلاء وواقع بهم {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} يعني بهؤلاء {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} أي لا أحد يدفع عذاب الله إذا نزل بهؤلاء.
{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}
{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} يعني يوم تضطرب السماء مورا {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} وذلك بأنها ترفع كما قال الله {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} حينها ويل ووعيد شديد للمكذبين {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} يخوضون في دين الله بالأباطيل، وذلك عن طريق اللعب.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} يوم يدفعون إلى نار جهنم دفعا، {هَذِهِ النَّارُ} يعني يقال لهم {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} يعني في الدنيا.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا} كما كنتم تقولون في الدنيا {أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} بل إنهم يبصرون، {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} فقد أبصروها الآن.
{اصْلَوْهَا} يعني قاسوا حرها {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} يعني صبرتم أم لم تصبروا، {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} هذا بسبب أعمالكم.
ثم لما ذكر هذا الصنف ذكر صنف أهل الإيمان:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} يعني في بساتين وفي نعيم نعيم يتلذذون به {فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}
{فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ} يعني متلذذين بما أعطاهم الله، {فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} ولذلك قال تعالى { لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ }
فقال الله {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا} يقال لهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} وهذا يدل على ماذا؟ على أنه أكل وشرب به هناء، وذلك لأنه مستساغ ولذيذ، ولا يكون بعده ما يكون من الآلام، ولذلك فإن الإنسان في هذه الدنيا قد يأكل طعاما لذيذا لكن بعد أكله تأتي إليه المتاعب من هذا الطعام، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} وقد قال بعض المفسرين {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} يعني أنهم يهنئون بهذا الشيء ولاشك أن مثل هذا داخل، ولكن الظاهر من هذه الآية من أنه يقال لهم فيما يتعلق بهذا الطعام من أنهم يأكلون ويشربون هنيئا، هنيئا فيما يتعلق بهذا الطعام {هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي بسبب أعمالكم.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} يعني أنهم يتكئون على سرر مصفوفة، يعني من أنها صفت على أحسن ما يكون من الترتيب والنظام، {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} زوجهم الله بحور عين، والحور هن النساء اللاتي يحار الطرف في جمالهن فإنهن شديد بياض العين، وشديد سواد العين، وعين يعني أنهن واسعات الأعين.
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} يعني في منازلهم في الجنة، وذلك من أن الآباء إذا كانوا أعلى منزلة من الأبناء، فإن هؤلاء الأبناء إذا كانوا مؤمنين فقصرت أعمالهم من أن يصلوا إلى درجات آبائهم، فالله يرفع الأبناء إلى منزلة الآباء. قال {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} يعني ما أنقصنا من أعمال الآباء، وإنما هو تفضل من الله إذا اجتمع الأبناء مع الآباء، وهل يلحق ذلك إذا كان الأبناء أرفع منزلة من الآباء؟ فالجواب عن ذلك: نعم؛ لأن كلمة الذرية تدل وتصدق على الأبناء، وعلى الآباء، يعني من أن الآباء ذُرئ منهم يعني خلق منهم الأبناء، والأبناء ذرئوا من الآباء، فدل هذا على أن الأبناء إذا كانوا أعلى منزلة فإن الآباء يرفعون إلى منزلة الأبناء، ولذلك سمى الله الآباء سماهم بأنهم ذرية كما في سورة يس.
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} يعني أنه مرهون بعمله كالدين لابد أن يوفيه، فدل هذا على ماذا؟ على أن كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
{وَأَمْدَدْنَاهُمْ} يعني أعطيناهم {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} يعني مما يشتهونه.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا} يعني يعطي بعضهم بعضا هذه الأواني {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} يعني يشربون الخمر {لَا لَغْوٌ فِيهَا} يعني لا تورث اللغو، وهو الكلام البالطل، ولا يحصل من شربها ما يوجب الكلام السيء الذي هو إثم {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ}.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ} وهم الولدان كما قال تعالى {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} يعني من حيث الجمال كأنهم كأمثال اللؤلؤ المكنون يعني المصون المحفوظ، {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ} وقال {لَهُمْ} مما يدل على ماذا؟ مما يدل على أن هؤلاء مخصوصون بهؤلاء، فقال الله {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ}.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} يعني أهل النة الجنة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} يسأل بعضهم بعضا، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} يعني في الدينا {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} يعني خائفين من عذاب الله مع أننا بين أهلينا، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} يعني تفضل علينا {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} وهو عذاب السموم الحار، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} يعني إنا كنا من قبل في الدنيا ندعوه بأن يدخلنا الجنة وأيضا ندعوه يعني من أننا نعبده عز وجل، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فهو البر اللطيف الصادق فيما وعد، وقد صدقنا وعده {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فرحمنا إذ وفقنا للعمل الصالح ولهذه الدار.
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36)}
{فَذَكِّر} يا محمد {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} يعني لست بكاهن، ولست بمجنون كما يقول هؤلاء، لم؟ لأن الله أنعم الله عليك بنعم عظيمة، ومن أعظم هذه النعم هذه الرسالة.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} يعني بل أيقولون شاعر {نَتَرَبَّصُ بِهِ} يعني ننتظر {رَيْبَ الْمَنُونِ} الريب هي الحوادث، المنون يعني الدهر يعني نتربص به حوادث الدهر، ومن ذلك كما قال بعض المفسرين من أننا ننتظر موته.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا} قل لهم تربصوا {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} يعني انتظروا ما يحل بكم، وما يحل بي.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} هل عقولهم تأمرهم وهنا بل ومعها ماذا؟ همزة الإنكار بل أتأمرهم أحلامهم يعني عقولهم بهذا، فالعقول لا تأمر بهذا، لم؟ لأن هذا القول متناقض مرة ساحر، ومرة كاهن، ومرة مجنون، {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} الجواب: لا، {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} يعني بل هم قوم طاغون يعني تجاوزوا الحد.
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} يعني هل القرآن بل أيقولون تقوله يعني محمد {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} فالجواب: لا، لم يتقوله عليه الصلاة والسلام، {بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} يعني بل لا يؤمنون به عليه الصلاة والسلام.
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} يعني إن كان كما زعموا من أنه تقوله {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} فتحداهم فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بعشر سور فلم يستطيعوا، وتحداهم بسورة واحدة فلم يستطيعوا، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} فيما زعموه.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} بل أخلقوا من غير شيء؟ الجواب: لا، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} الجواب: لا، إذن من الذي خلقهم؟ الله.
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} بل أخلقوا السموات والأرض العظيمة؟ الجواب: لا، ولذلك حتى هم إذا سئلوا {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} ليس عندهم يقين حتى يؤمنوا بهذا الدين.
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} بل أعندهم خزائن ربك من الأرزاق؟ الجواب: لا، {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} يعني بل أهم المسيطرون الذي يسيطرون على ملك الله ؟ الجواب: لا.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} بل ألهم سلم يصعدون إلى السماء فيستمعون إلى ما أوحى به إلى الملائكة؟ فالجواب: لا، إن كان عندهم ذلك {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} بحجة بينة على ما قال.
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} بل أله البنات ولكم البنون؟ هذا إنكار الجواب: لا؛ لأنه هو الذي خلق البنين والبنات.
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} بل أتسألهم يا محمد أجرا على الدعوة فأصبحوا في مغرم في ديون قد أثقلتهم؟ الجواب: لا.
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} بل أعندهم الغيب فهم يكتبون حتى يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا؟ الجواب: لا.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} بل أيريدون كيدا بالنبي صلى الله عليه وسلم، {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} فالذين كفروا، ولذلك قال {فَالَّذِينَ كَفَرُوا} مما يدل على أنهم كفار، {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} يعني من أن كيدهم يعود إليهم ولذلك قال تعالى {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} بل ألهم إله غير الله؟ الجواب: لا، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} ولذلك نزه نفسه {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} هؤلاء لو رأوا كسفا يعني قطعا من العذاب في السماء لو رأوه لقالوا سحاب مركوم، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} يعني هذا سحاب مركوم قد تراكم بعضه على بعض.
{فَذَرْهُمْ} يعني اتركهم يا محمد وهذا من باب التهديد {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} وذلك حينما يكون في يوم القيامة، فيصعقون عند النفخة، ويصعقون من عذاب الله، وهذا هو أظهر ما قيل في ذلك؛ لأن بعضهم قال إن هذه الآية تدل على غزوة بدر، وقال بعضهم تدل على ماذا؟ على عذاب القبر، لكن الذي يظهر من أن المقصود هنا ما يتعلق بيوم القيامة؛ لأنه قال {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}. {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} يعني في ذلك اليوم لا يفيد كيدهم شيئا؛ لأن الله قال {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} فلذلك قال عز وجل {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} يعني لا أحد يستطيع أن ينصرهم، والدليل هنا على ما ذكرت.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} يعني قبل ذلك العذاب الذي صعقوا فيه، متى يكون متى؟ يكون في الدنيا، ويكون أيضا في القبر، وهذا من الأدلة التي تدل على عذاب القبر، {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} لجهلهم ولبعدهم عن طريق الحق، وعن هذا القرآن، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} إلا من هداه الله.
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} {وَاصْبِرْ} يا محمد {لِحُكْمِ رَبِّكَ} يعني لحكم ربك القدري وأيضا الجزائي إذا أنزل بهم هذا العذاب، وأيضا {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} الحكم الديني بأن تبلغه، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} يعني على مرأى منا، وعلى حفظ منا، وفي هذا إثبات صفة العين لله بما يليق بجلاله وبعظمته، ومر معنا التفصيل حول هذه المسألة بأوسع مما في هذا المقام.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} يعني حين تقوم للصلاة، ولذلك بعض المفسرين حلمه على دعاء الاستفتاح في الصلاة، أو حين تقوم من نومك، أو حين تقوم من مجلسك، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني سبحه في الليل، وقد قال بعض المفسرين المقصود من ذلك صلاة الليل فيما يتعلق بالمفروضة المغرب والعشاء فقال الله {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} يعني حينما تدبر النجوم، قال بعض المفسرين بل أكثر المفسرين هي السنة التي قبل صلاة الفجر، وقال بعض المفسرين بل المقصود صلاة الفجر، ولا تعارض بينهما، فالمقصود من ذلك المحافظة على سنة الفجر، وعلى صلاة الفجر….
وبهذا ينتهي تفسير سورة الطور……….