تفسير سورة ( العلق)
الدرس (283 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة العلق…
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} هذه سورة العلق صدرها أول ما نزل من القرآن، وأما ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه أن أول ما نزل من القرآن سورة المدثر، فالجواب عن هذا: من أن سورة المدثر هي أول سورة نزلت كاملة، أما أول الآيات نزولا فهي ما ذكر في صدر هذه السورة، وبهذا يحصل الجمع، وقيل غير ذلك من الأقوال..
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وذلك أن جبريل أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يتعبد في الغار، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، وقصته مشهورة، فقال تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وأتى بكلمة { اقْرَأْ } في أول الآية مما يدل على عظم التعلم.
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } يعني مستعينا بالله الذي خلقك وخلق غيرك {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} لم يقل خلق الإنسان من نطفة، وذلك من باب ماذا؟ من باب انتقال النطفة إلى شيء آخر لأن ما بعد النطفة العلقة، وهي قطعة من الدم.
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ } وكرر كلمة {خَلَقَ } باعتبار ماذا؟ من أنه لما ذكر العموم في كلمة {خَلَقَ } {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} نص هنا على ماذا؟ على خلقه عز وجل للبشر، {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ } كرر كلمة { اقْرَأْ } لأهمية العلم { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } وهذا يدل على أن التعلم ولاسيما العلم الشرعي نعمة من الله وكرم من الله {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) } يعني علم الكتابة بالقلم، وهذا يدل على ماذا؟ يدل على القراءة والكتابة {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} يعني كان جاهلا فعلمه الله { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} مر معنا في سورة المدثر خلاف العلماء في كلمة {كَلَّا } هل هي للردع والزجر أم أنها بمعنى حق؟ ومن أراد التفصيل فليرجع إلى هناك في قوله تعالى {كَلَّا وَالْقَمَرِ }
قال هنا {كَلَّا } ليس هناك ما تقدم حتى ينكر، ومن ثم فإن الأظهر من أن كلمة {كَلَّا } هنا بمعنى حقا { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى } جنس الإنسان إلا من هداه الله { لَيَطْغَى } يعني ليتجاوز الحد بسببب ماذا؟ {أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى } إذا أغناه الله كما قال تعالى { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ } إلى غير ذلك من هذه الآيات.
{ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } يعني أن الجميع سيرجع إلى الله كما قال تعالى {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى }
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } وذلك أن أبا جهل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عند البيت فقال الله {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } يعني لتتعجب يا محمد من حال هذا الكافر {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } ينهى من؟ { عَبْدًا إِذَا صَلَّى } وهو النبي عليه الصلاة والسلام.
{ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } يعني إذا كان هذا العبد الذي يصلي كان على الهدى { أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } يعني أمر غيره بالتقوى.
{أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } يعني هذا الجاهل وهو أبو جهل { أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ } كذب بالحق { وَتَوَلَّى } عن العمل.
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ومن ثم فهنا محل العجب كيف لهذا الرجل الذي كذب كذب وتولى ينهى ذلك الرجل الذي هو عبد يصلي، وهو على الهدى وقد أمر بالتقوى فقال الله هنا {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الله قد أحاط به علما، ومن ثم فإنه سيعاقبه { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } { كَلَّا } حرف ردع وزجر لما صنعه هذا الرجل الكافر الفاجر { كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يعني عن نهيه للنبي عليه الصلاة والسلام { لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } يعني لنأخذن بقوة بناصية رأسه لأن الناصية هي أشرف ما في مقدمة الإنسان فإذا أخذت تكون إهانة له
ثم قال { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } وها كلمة { نَاصِيَةٍ } بدل فكيف يبدل المنكر من المعرف؟ وهنا لما كانت هذه النكرة موصوفة هنا جاز البدل { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ } يعني في أقوالها { خَاطِئَةٍ } يعني في أعمالها { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } يعني فليدع من يجتمع معهم وذلك لأن أبا جهل قال إني من أكثر الناس عشيرة، ومن أكثر الناس أصحابا فقال الله { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) } وهم الملائكة لتعذيبه { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } يعني لا تطع هذا الكافر، واسجد لله عز وجل، واقترب له عز وجل.