تفسير سورة الفاتحة الدرس [13 ]

تفسير سورة الفاتحة الدرس [13 ]

مشاهدات: 458

تفسير سورة الفاتحة ــ الدرس الثالث عشر

تفسير قوله تعالى :

{ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ {3} }

فضيلة الشيخ:  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الآية الثانية من سورة الفاتحة هي :

قول الله تعالى : { الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} }

هذه الآية جاءت  بعد قوله تعالى :

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

وقد اشتملت على اسمين من أسماء الله

{ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} }

ويستفاد من هذه الآية ما يلي :

أولا :

هذه الآية جاءت  بعد قوله تعالى : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } وجاءت قبل قوله تعالى :

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

وهي تنبئ عن لطف وتنبئ عن إحسان ورحمة

بينما الآية التي قبلها :

{ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فيها ترهيب ووعيد وتخويف

كذلك الآية التي بعدها :

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فيها تخويف وترهيب  ووعيد

وجاءت هذه الآية بين هاتين الآيتين من باب مقارنة الترغيب والترهيب في القرآن

ولذا نرى أن الله جمع بين الترغيب والترهيب في آيات كثيرة :

{ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) }

{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ }

جمع بين الترغيب والترهيب

{اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذا فيه إيجاب على البشر أن يكونوا بين الخوف والرجاء

فلا  يغلب الإنسان جانب الخوف من الله فيقع في اليأس و القنوط من رحمة الله

ولا يغلب جانب الرجاء  فيقع في الأمن من مكر الله

وكثير من الناس بين طرفي النقيض من هذين الأمرين

ولذا يقول السلف :

” إن الخوف والرجاء بمثابة جناحي الطائر فإذا علا أحدهما على الآخر سقط الطائر “

البعض من الناس يكون عنده رجاء بالله ونعم المرجو ولكن لا يصل بالإنسان الى أن يفرط في  طاعة الله أو أن يقع في مساخط الله عز وجل ،

كما يفعل البعض إذا وقع في ذنب فقلت له : اتق الله

قال : يا أخي إن الله غفور رحيم  ، إن الله تواب رحيم

نعم هو تواب رحيم لكن لا تغفل الجانب الآخر وهو أن الله شديد العقاب

عذابه أليم

البعض من الناس قد يقع في ذنب وهذا واقع

يقع في ذنب فيتوب إلى الله عز وجل لكن يأتيه خوف عظيم يفضي به إلى أن ييأس ويقنط من رحمة الله

والقنوط من رحمة الله ضلال

اليأس من روح الله : كفر :

{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }

القنوط من رحمة الله ضلال :

{ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }

ولذا ينبغي أن نتفطن إلى هذا الجانب :

هو أن يكو ن الإنسان سائرا إلى الله بين الخوف  والرجاء

لأنه إن غلب  جانب الخوف وقع في اليأس والقنوط من رحمة الله

وإذا غلب جانب الرجاء وقع في  الأمن من مكر الله عز وجل

ولذا يأتي الترغيب والترهيب في نصوص كثيرة

 

الفائدة الثانية :

أن اسم الرحمن ـ كما قال ابن القيم  ــ أن اسم الرحمن مع الاسمين المتقدمين : الله والرب ، أن هذه الأسماء الثلاثة كلها تعرِّف بالله

فكل أسمائه كل صفاته كلها راجعة إلى هذه الأسماء الثلاثة

 

الفائدة الثالثة :

أن في هذه الآية دلالة على علم الله عز وجل

كيف هذه الآية : { الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} } تدل على صفة العلم لله عز وجل ؟

نعم لأن من وسعت رحمته كل شيء  من باب اللزوم أن يعلم كل شيء

ولذا تقول الملائكة :

{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا }

جمعوا بين الأمرين : رحمة وعلما

فإنه جل وعلا لما ذكر أنه رب العالمين ذكر الرحمة

لم ؟

لأنه جل وعلا عالم بهؤلاء العالمين الذين تصل إليهم رحمته

واقرأ في  كتاب الله :

إذا قرأت ما  يدل على الخلق تجد أن هناك ذكرا للعلم :

{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) }

فإذا قرأ الإنسان مثل هذه الآية { الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} } أوقفته إلى أن يخشى من الله لأنه مطلع على كل شيء يعلم السر  وأخفى

 

الفائدة الرابعة :

أن رحمة الله مبنية على العلم لا عن جهل

بينما المخلوق ممكن أن تكون رحمته عن علم وممكن أن تكون عن جهل

وإذا كانت الرحمة ناتجة عن جهل فإنها رحمة مذمومة

يمكن أن ترحم ابنك الصغير الذي بلغ سن التميز يمكن أن ترحمه  فلا توقظه لصلاة الفجر مثلا في فصل الشتاء

هذه رحمة لكنها عن جهل

لم ؟

لأنه لم يترب على خير

ومن ثم إذا كبر فإنك تتلقى آثار تلك الرحمة المذمومة

لأنك ستعاني منه إذا بلغ سن التكليف

وكم من شخص يعاني من أبنائه في قضية الصلاة!

فرحمة الله مبنية على العلم وهو علم كامل

 

الفائدة الخامسة :

أن الإنسان حينما يقرأ  : { الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} } ينتقل فؤاده وقلبه ومشاعره إلى ما يكون من رحمات الله يوم البعث  والنشور

ولذا ما بعدها ؟

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يعني : مالك يوم الجزاء والحساب

{ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} } وتذكر الرحمة في كل آية تدل على يوم القيامة غالبا

لم ؟

لأن رحمته سبقت غضبه

ولذا لو قرأت القرآن لوجدت أن يوم القيامة إذا ذكر تجد أن هناك ذكرا في غالب ما يكون تجد أن هناك ذكرا لاسم الرحمن :

لأن رحمة الله كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إن الله خلق مئة رحمة أنزل رحمة إلى الأرض فبها يتراحمون حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ، فإذا جاء يوم القيامة كمل بهذه الرحمة التسع والتسعين الرحمة التي  جعلها عنده عز وجل ))

اقرأ قول الله :

{ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا }

فيه دلالة على أن هناك رحمة تتنزل من الله يوم القيامة

{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) }

لكن هذه الرحمة لا ينالها أي أحد

ولذا قال  بعدها : { وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا }

{ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا }

ولذا :

النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى امرأة من السبايا تطوف حول الغلمان يكاد أن يطير قلبها فإذا بها ترى طفلا فتضمه إلى صدرها :

فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : (( أتظنون أن هذه طارحة ولدها في النار ؟

قالوا : كيف يا رسول الله وقد فعلت ما فعلت ؟

انظروا إلى رحمة الله :

قال عليه الصلاة والسلام : (( لله أرحم بعباده من هذه بولدها ))

لكن هذه الرحمة تستوجب  منا : العمل

فإن لم يعمل الإنسان وقع في عذاب الله وفي  نقمته

 

الفائدة السادسة :

أن اليقين بهذه الرحمة في القلب يكون بماذا ؟

كيف تملأ قلبك بالرجاء من الله مع الخوف من عقابه ؟

الطريق في  كتاب الله

كيف ؟

إذا تأملت إلى ما خلق الله عز وجل

ولذا لما سأل الكفار النبي عليه الصلاة والسلام : من هوالله ؟

من هو الله ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }

فلما كان هذا مستدعيا إلى معرفة آيات وعلامات على الله

ماذا قال بعدها ؟

{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }

بعدها :

{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

ومع هذا كله ما الذي بعدها من الآيات ؟

بعدها أن هناك صنفا من البشر عدل عن هذا فأحب غير الله فقال تعالى :

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }

فهذه مجمل فوائد تحت هذه الآية في هذه الليلة