تفسير سورة الفاتحة ــ الدرس الثاني
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الحديث قد توقف بنا عند أسماء سورة الفاتحة
فمن بين أسمائها :
الفاتحة :
ودليل ذلك :
ما جاء في صحيح مسلم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عنده جبريل فسمع نقيضا يعني صوتا في السماء:
فقال جبريل : يا محمد أتدري ما هذا ؟ إن هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل إلى الأرض قط ، وهذا باب فتح من السماء لم يفتح من قبل قط فنزل هذا الملك وقال :
( يا محمد أبشر بنورين أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة )
لو قال قائل :
لماذا سميت هذه السورة بأنها الفاتحة
سميت بهذا الاسم لأمرين :
الأمر الأول : لأنه يفتتح لها الصلاة قراءة
ولذا قال أنس كما في الصحيحين :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين
سميت بهذا الاسم لأنه يفتتح بها قراءة الصلاة
ولأنه يفتتح بها القرآن كتابة
فأول سورة في القرآن الفاتحة
والدليل على أنها أول سورة يفتتح بها الكتاب :
ما جاء في الحديث المذكور آنفا :
(( أبشر بنورين أوتيتهما : قال فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ))
إذًا :
هذه هي العلة وهذا هو المغزى من تسمية سورة الفاتحة بهذا الاسم
أما ما يتوهمه البعض من أنها سميت الفاتحة لأنه يفتتح بها كل شيء فهذا خطأ عظيم بل من الابتداع في الدين
لأن هذا لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن صحابته رضي الله عنهم
لأن البعض يظن أنه متى ما افتتح محلا أو افتتح مشروعا أنه يقول هذه السورة
أو إذا مات شخص قال : لنقرأ الفاتحة على روح فلان
وكل هذا من البدع
اسم آخر لهذه السورة :
تسمى بالنور :
ولاشك أنها نور لما احتوت عليه من المعاني العظيمة
بل كما سيأتي معنا هذه السورة كما قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه ويذكر هذا عن بعض السلف قال : [ إن الله عز وجل أنزل الكتب فجعل معاني هذه الكتب المنزلة في القرآن وجعل معاني القرآن في سورة الفاتحة وجعل معاني سورة الفاتحة في قوله تعالى :
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
فمدار القاعدة على قوله تعالى :
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
لم ؟
لأن العبد لابد أن يكون عابدا مطيعا لله عز وجل ، ولن يصل إلى مرتبة العبودية إلا بعون منه جل وعلا
فمن أسمائها :
النور
لقول الملك : ” أبشر بنورين أوتيتهما “
من أسمائها :
الصلاة
ودليل هذا:
ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :
(( قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ))
الصلاة هنا في الحديث هي الفاتحة
لو قال قائل :
لماذا سميت الفاتحة بالصلاة ؟
لأن الصلاة لا تصح إلا بها
ولذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام ))
وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح :
(( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ))
ولذا فإن قراءتها واجبة في جميع الصلوات :
سواء كانت فرائض أو نوافل
لو قال قائل :
إن صلاة النافلة حكمها أنها نافلة والنافلة يجوز لي أن أقطعها فلو تركت قراءة الفاتحة فيها أكون آثما أم لا ؟
نقول : أنت آثم
صحيح أنه يجوز لك أن تقطع صلاة النافلة
ولذا قال ابن قدامة :
” أجمع العلماء على أن النافلة يجوز قطعها – أي نافلة نافلة صلاة نافلة صيام “
قال : (( كل نافلة يجوز أن يقطعها العبد إلا الحج والعمرة ))
متى ما تلبس الحاج بالحج والعمرة ولو كانت نافلة فإنه لا يجوز له أن يقطعها ولو صرح بذلك فإنه يبقى محرما لقوله تعالى :
{ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ }
فلو قال هذا الرجل :
أكون مذنبا لو لم أقرأ الفاتحة متعمدا في صلاة النفل ؟
نقول : تكون آثما
لم ؟
لأنه يجب عليك أن تؤدي هذه الصلاة على الوجه الشرعي وإلا من الأصل لا تصلي
لك ألا تصلي هذه النافلة لكن إذا صليتها فيجب عليك أن تأتي بها على مقتضى الشرع وإلا كنت مذنبا
ولذا فإن القول الصحيح من أقوال العلماء : أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا يجوز للعبد أن يتركها سواء كان مأموما أو إماما أو منفردا لعموم قوله عليه الصلاة والسلام
(( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب ))
حتى ولو كنت مع الإمام :
ولذا أبو هريرة رضي الله عنه قيل له : إذا كنت مع الإمام ماذا أفعل ؟
فقال رضي الله عنه : ” اقرأ بها سرا :
ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد قال :
(( لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ))
فقط
أما ما عدا ذلك فلا يقرأ
وأما قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
فهي آية عامة يستثنى منها الفاتحة
وأما حديث النبي عليه الصلاة والسلام : ((من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ))
هذا حديث مختلف فيه بين العلماء هل هو ثابت أو غير ثابت ؟
ومع ثبوته فهو حديث عام يستثنى منه الفاتحة فقراءة إمامك لك قراءة ما عدا الفاتحة فإنه يجب عليك أن تقرأها
وأما قوله عليه الصلاة والسلام لما قال في السنن :
(( ما لي أنازع القرآن ))
فانتهى الناس عما يجهر به
فالمراد من هذا الحديث : ما عدا سورة الفاتحة
ولذا:
إذا قرأت الفاتحة مع الإمام فلا تقرأ بعدها أي سورة
فبعض العوام يظن أن صلاته لا تصح إلا إذا قرأ مع الفاتحة سورة أخرى
ولذا :
نسمع البعض إذا قرأ الفاتحة قرأ بعدها سورة ظانَّا أن سورة الفاتحة لا تجزؤه إلا إذا قرأ معها سورة أخرى
وهذا ليس بصحيح
” فإذا كنت في صلاة سرية كالظهر والعصر يسنُّ لك أن تقرأ بعد الفاتحة سورة وأما إذا كنت مع الإمام فإنك تقرا الفاتحة فقط وأما ما عداها فتستمع إلى قراءة الإمام “
ولذا البعض من الناس يخطئ إذا أتى والإمام يقرأ في سورة غير سورة الفاتحة يستفتح دعاء الاستفتاح
ونحن نقول له :
إذا أتيت والإمام يقرأ في سورة غير سورة الفاتحة فكبر واستدرك قراءة الفاتحة ولا تقرأ دعاء الاستفتاح لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إذا قرأ الإمام فأنصتوا ))
لكن يستثنى من عموم هذا الحديث سورة الفاتحة
فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة من ركعاتها
ومن ترك قراءتها فقد ترك ركنا من أركان الصلاة وصلاته لا تصح
بعض العلماء يقول : أن المأموم إذا كان وراء إمام يجهر بالقراءة أنه لا يقرأ الفاتحة واستدل بتلك الأحاديث التي ذكرت آنفا ولكنها أحاديث ونصوص عامة يستثنى منها ” الفاتحة “
من أسماء هذه السورة :
الحمد :
تدعى بسورة الحمد
لم ؟
لأن كلمة الحمد ذكرت فيها
كما يقال سورة البقرة لأن كلمة البقرة ذكرت فيها
سورة آل عمران لأن كلمة آل عمران ذكرت فيها
وهلم جرا
فسيمت بسورة الحمد لأن لفظ الحمد جاء فيها
ومن أسمائها :
أم القرآن
وأم الكتاب
كما صح بذلك الخبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام
لماذا هي أم الكتاب ؟
لماذا هي أم القرآن ؟
أسلفنا أن شيخ الإسلام رحمة الله عليه ذكر ما ذكره بعض السلف :
” ان الله عز وجل أنزل الكتب فجعل معاني هذه الكتب المنزلة في القرآن وجعل معاني القرآن في سورة الفاتحة وجعل معاني سورة الفاتحة في قوله تعالى :
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
ولذا :
لو تؤملت هذه السورة لوجدت أنها تحتوي على معاني القرآن :
القرآن فيه ذكر للتوحيد :
التوحيد ثلاثة :
توحيد الربوبية
توحيد الألوهية
توحيد الأسماء والصفات
هذا موجود في الفاتحة
الثناء على الله موجود في الفاتحة
ذكر اليوم الآخر موجود في الفاتحة
ذكر ما يكو ن في القبر موجود في الفاتحة
ذكر وجوب العبادة موجود في سورة الفاتحة
ذكر التوكل والاستعانة بالله موجود في سورة الفاتحة
ذكر الرسل موجود في الفاتحة
بيان ضلال الفرق موجود في سورة الفاتحة
الدعاء الذي هو العبادة موجود في الفاتحة
فكل هذه المعاني التي تحدث عنها القرآن موجودة في سورة الفاتحة وسيأتي في ثنايا تفسير آياتها سيأتي إشارة إلى هذه المعاني بإذن الله
هناك أسماء أخرى نستلحقها في الدرس القادم إن شاء الله