تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 5 ]

تفسير سورة الفاتحة الدرس [ 5 ]

مشاهدات: 449

تفسير سورة الفاتحة ــ الدرس الخامس

من أسماء سورة الفاتحة :

الرقية

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مازال الحديث متواصلا عن تفسير سورة الفاتحة  :

 وسورة الفاتحة :

من بين الأسماء التي سُميت بها هذه السورة

 سماها النبي صلى الله عليه وسلم  بأنها :

الرقية :

وهذه لها قصة  :

جاء في الصحيحين أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه :

كان في سرية ، وعدد هذه السرية ثلاثون شخصا ، فانطلقوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم و إذا بهم يمرون على حي من أحياء العرب ،  فاستضافوهم فلم يضيّفوهم – منعوا ما كان واجبا عليهم من تقديم الضيافة – فقدر الله سبحانه وتعالى على سيد هذا الحي أن يُلدغ ،

فبحث له قومه عما يدفع عنه هذا البلاء

فقال بعضهم :

( لو ذهبتم إلى هؤلاء النفر فلربما وجدتم عندهم دواءً )

أي رقية

فأتوا إليهم و قالوا  : من يرقي سيدنا ؟

فقال أبو سعيد:

( استضيفناكم فلم تضيّفونا فلن نرقيه حتى تجعلوا لنا جُعلا)

جاء في صحيح البخاري:

جعلوا لهم ثلاثين شاة لعل هذا العدد بمقدار هذه السرية فيقول أبو سعيد فرقاه أحدُنا ،

والراقي :

كما جاء في رواية هو أبو سعيد رضي الله عنه ، رقاه فقرأ عليه سورة الفاتحة فقط

و جاء في بعض الروايات: أنه قرأها عليه ثلاث مرات ،

و جاء في بعض الروايات : أنه رضي الله عنه قرأها عليه سبع مرات ،

إذًا :

ما يقوله البعض  : من أن بعض القراء يقرأ سورة الفاتحة سبع مرات يُعد بدعة

فإن هذه الرواية ترد قوله فإن هذا الصحابي قرأ على هذا الرجل في بعض الروايات ثلاث مرات وفي البعض الآخر سبع مرات  .

فلعله أدرك أبا سعيد وهو يقرأ ثلاث مرات ثم خرج وحضر الآخر وهو يقرأ سبع مرات ،  فروى أنه قرأها سبع مرات ، فلما قرأها عليه فكأنما  نشط من عقال ، فانطلق دون أن يعوقه عائق  فلما أرادوا أن يقتسموا بينهم هذه القسمة

قال أبو سعيد :

( انتظروا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم  )

وهذا من حرص الصحابة رضوان الله عليهم :

ألا يفعلوا شيئا إلا بعد أن يستطلعوا الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم  لأن قلوبهم معلّقة بالله عز وجل

فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم و أخبروه بالخبر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحسنتم )

أي أحسنتم حينما قرأتم عليه سورة الفاتحة ، وحين أرجأتم القسمة حتى تعودوا إليّ

فقال عليه الصلاة والسلام :

( اقسموه واضربوا لي معكم بسهم )

 لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اضربوا لي بسهم ؟

ليطّيّب خواطرهم رضي الله عنهم بأن ما أخذوه هو حلالا  لا مرية فيه ولا شبهة

وفيه لمحة كرم وفضيلة لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه :

فإن الجُعل له لكنه رضي الله عنه جعل من معه في القسمة

يقول ابن القيم رحمة الله عليه لما ذكر هذا الحديث :

(( انظروا كيف أثرت سورة الفاتحة على هذا الرجل مع أنه إما أن يكون فاسقا أو كافرا  ، فإن حال هؤلاء القوم مجهول ))

ولأنهم لو كانوا على درجة عالية من الإيمان ما منعوا حق الضيافة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : (( وما يدريك لعلها رقية ))

 

لكن لو قال قائل :

مادامت بهذه المنزلة فكيف يصنع الإنسان إذا قرأها  أيقرؤها آية أية ؟

أم يقرأ السورة بأكملها فإذا قرأها جمع ريقه فَنَفَث ؟

نقول :

الأمر سواء ، جاء عند أبي داود ما يؤكد أن قراءتها بأكملها

 

وما يؤكد ذلك :

قصة أخرى جاءت عند أبي داود عن خارجة بن السلط  :

وهو صحابي رضي الله عنه عن عمه يقول :

( مررت على قوم وإذا برجل معتوه عندهم قد أوثق بالحديد فقالوا لي لقد أتيت من هذا الرجل  لعل عندك شيئا تقرأ به عليه – فيقول عم خارجة نعم فظللت عندهم ثلاثة أيام أقرأ غدوة وعشية سورة الفاتحة فإذا قرأتها كلها جمعت ريقي ونفثت عليه فكأنما أُنشط من عقال

 

ففي هذا الحديث فوائد :

من بين هذه الفوائد :

1ــ أن الفاتحة تُقرأ كلها ثم ينفث بعدها.

2ــ أنه لو خُصِص في أول النهار قراءة الفاتحة على المريض وفي آخر النهار لجاز

فيقول رجعت للنبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطوني جُعلا

فقال عليه الصلاة والسلام : ( كُلْ فلعمري ما أكلتَ برقية باطل )

وهذا فيه أمر من النبي صلى الله عليه وسلم له أن يأكل لأنه لم يأكل بباطل

 

وسورة الفاتحة :

لها أثر عجيب ولا يعرف هذا الأثر إلا من جرّب

ابن القيم رحمة الله عليه في زاد المعاد قال :

( ذهبت إلى مكة فأصابتني أوجاع فافتقدت الدواء والطبيب ، وكنت آخذ جرعة من ماء زمزم فأقرأ فيها سورة الفاتحة فيزول ما ألم بي ، فيقول : ( لما انصرفت من مكة وعدت إلى بلدي جعلت أتعاطى هذا العلاج كلما ألم بي مرض )

بعض الناس يقول إن هذه القراءة لا تؤثر في المقروء عليهم

فلذا يقول رحمة الله عليه :

(إن قراءة القرآن والأذكار بمثابة السيف الصارم ، ولكن السيف بضاربه )

 

لذا:

لو نظرت إلى السياف الذي يضرب من عليه قصاص تجده يُدحرج رأسه من ضربة واحدة ، فلو أعطيت هذا السيف الذي يضرب به هذا السياف شخصا آخر ليضرب به يمكن ألا يحسن الضرب ؟

فهل العيب في السيف أم في الضارب ؟

العيب في الضارب ، فالخلل ليس في الآيات وإنما الخلل إما في القارئ أو المقروء  عليه

 

ولذا :

من استعاض بعلاج أمراضه بالذهاب إلى السحرة فقد خسر خسرانا مبينا  يقول تعالى :

{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } {الشعراء:80}

هذا قول من؟

قول إبراهيم عليه السلام

وأيوب ماذا قال عليه السلام ؟

قال كما في قوله تعالى  :

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } {الأنبياء:83} .

لا تلجأ إلا لله عز وجل، ولا يغرنك ما يُسمع من بعض الفتاوى من جواز الذهاب للسحرة أو الكهنة من أجل العلاج لأن ذلك مخالفا للأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم

 

 ومما يدل على الخلل في هذه الفتوى :

هي رد جماهير علماء الأمة على هذه الفتوى

بل هي وسيلة من الوسائل الشّركيّة ، لأنك لو ذهبت لهذا الساحر أو هذا الكاهن معناه أنك صدقت أنه يعلم الغيب قال تعالى :

{ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)

وحينما يذهب هذا الرجل من أجل العلاج  فيكون مصدقا له فيدخل تحت هذا الوعيد الشديد

ثم مما يدل على أن فيها خللا :

 أن الشرع أمر بقتل الساحر

فإذا أجزنا الذّهاب إلى بعضهم أصبح من الإلزام الإبقاء على بعضهم ، لأن في إبقاء بعضهم مصلحة وفائدة ، وهذا فيه تضارب وتعارض بين النصوص الشرعية

 

ثم مما يدل على أن في هذه الفتوى خللا :

أننا لو قلنا بهذا فهذا معناه أن القرآن الكريم- وحاشا أن يكون- عاجزا

ألم يقل الله تعالى :

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }

فحذاري حذاري أن يتلقى المسلم أي فتوى يسمعها خاصة في العقائد

لأن الإنسان إذا زاغ عن عقيدته انهار كل شيء عنده حتى ولو كان من العباد الذين يصلون أطراف الليل والنهار ، فيجب على المسلمين أن يعرفوا لهذا القرآن قدره

ثم إن في قضية هذه الأمراض في هذا العصر

سببها :

أنفسنا

قوله تعالى :

{ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ }

والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند ابن ماجة : ( خمس أعوذ بالله أن تدركوهن  )

ذكر منها  :

( ما شاعت الفاحشة في قوم إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)

ونحن الآن عندنا أمراض وأوجاع لم تكن في الآباء والأجداد بسبب هذه الذنوب ، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم أن هناك أمراضا مستعصية ، وكانت عندهم أمراض مستعصية ولكنها كانت غير مهلكة كما يحدث في هذا الوقت من فتاكة بعض الأمراض والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك

 

لذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام :

( اللهم إني أعوذ بك من القسوة ومن الغفلة ومن الذلة ومن المسكنة والسمعة ومن الرياء ومن البرص والجذام )

هذا كانت أمراض مستعصية عندهم

ثم لما كانت الأمراض كثيرة ولا تنحصر في زمن ولا في عصر ختم دعاءه فقال :

( وأعوذ بك من سيء الأسقام )

هذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم

 

فحري بنا أن نكثر من هذه الدعوات.

ونسأل الله تعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين وللحديث تتمة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم