تفسير سورة ( المطففين ) الدرس ( 270 )

تفسير سورة ( المطففين ) الدرس ( 270 )

مشاهدات: 483

تفسير سورة ( المطففين ) كاملة

الدرس (  270 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

تفسيرسورة المطففين….

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}

{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } { وَيْلٌ } وعيد وتهديد للمطففين ثم فسرهم ووضحهم {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } يعني أنهم إذا أخذوا حقهم عن طريق الكيل فإنهم يأخذونه تاما، وهذا ليس بمحصور في الكيل والميزان، بل في كل شيء.

{ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } يعني أنهم ينقصونهم حقوقهم، ولا يحصر هذا بالكيل وبالميزان، بل في كل شيء من العقود التي تجري بين الناس، فقال الله { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ } ثم قال { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } وهو يوم القيامة ووصفه بأنه عظيم لشدة ما يقع فيه.

{ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } { يَوْمَ } هنا نصبت يوم لأنها بدل في محل { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } ، وذلك من حيث  المحل منصوب بقول { مَبْعُوثُونَ } {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } يعني من قبورهم.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } { لَفِي سِجِّينٍ } قيل في الأرض السلفى، وقيل في الحبس، وعلى كل حال كتاب أعمالهم في سجين يعني في الحبس، وهذا لا تعارض بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث البراء (اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) وذلك لأنه كلما سجن الإنسان وضيق عليه في السجن كلما تسافل إلى الأرض، فيكون مرد هؤلاء إلى أسفل سافلين وهي النار، ومن ثم استدل بعض العلماء بهذه الآية وبحديث ( اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) من أن جهنم في الأرض السفلى، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) } {كِتَابٌ مَرْقُومٌ } الصحيح وإن كان بعض العلماء قال بغير هذا {كِتَابٌ مَرْقُومٌ }  هذا تفسير لماذا؟ تفسير للكتاب، وليس تفسيرا لسجين {كِتَابٌ مَرْقُومٌ }  كتبت فيه أعمالهم قال { مَرْقُومٌ } والذي هو مرقوم مثل الرقم الذي يكون نقشا في الثوب، فإنه لا يزول {كِتَابٌ مَرْقُومٌ } يعني أن أعمالهم السيئة مكتوبة وسيجدونها كاملة يوم القيامة.

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } وعيد وتهديد للمكذبين، ثم وصفهم { الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } يعني بيوم الجزاء والحساب { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ } يعني بيوم الدين { إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ } يعني أنه متجاوز للحد { أَثِيمٍ } يعني كثير الإثم. { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا } من باب تذكيره ووعظه { قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } حكم على هذا القرآن بأنه أكاذيب وأساطير الأولين.

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يعني أن الران على قلوبهم والران الذنوب قال النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عند الترمذي (إن العبد إذا أذنب ذنبا ثم استغفر صقل منها فإن عاد عادت حتى يغلف بها قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه)

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ } ما هو؟ { مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } من الآثام والذنوب.  ولذا قراءة حفص الوقوف { كَلَّا بَلْ رَانَ } كما قراءته في سورة القيامة { مَنْ رَاقٍ } قال بعض المفسرين: إنه أراد بذلك ألا يظن أنها كلمة واحدة، ففصل بينهما، وقال بعض المفسرين إنما من أن هناك قراءة أخرى سبعية بالوصل { مَنْ رَاقٍ } { بَلْ رَانَ } ولذلك قال بعض المفسرين إن قوله { مَنْ رَاقٍ } خيفة من أن يشتبه من بياع المرق، و { بَلْ رَانَ } خيفة من أن يظن أنها تثنية كلمة بر، لكن قال القرطبي رحمه الله قال هذا يرتفع بماذا؟ من أن كسر القاف يدل على أنه ليس كما قصدوه من أنه بياع المرق وأن كلمة { بَلْ رَانَ } من أن النون مفتوحة، فلو كانت مثنى لقال برانِ، وقيل هذا من باب التخفيف، وعلى كل حال هذه قراءة.

{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } يعني أنهم لا يرون الله، وهذا هو القول الصحيح خلافا لمن قال من أنهم محجوبون عن النعيم، بل إنهم محجوبون عن أعظم النعيم لأن أعظم النعيم ما هو؟ رؤية الله، ومن ثم فإنه إذا كان هؤلاء إذا كانوا قد حجبوا عن رؤية الله، فإن هناك من يرى الله وهم المؤمنون.

ومن ثم فإن قوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } يدل على رؤية المؤمنين لله.

{ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ } ليقاسوا حرها وعذابها.

{ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } يعني في الدنيا.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) }

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني في علو، في السماء السابعة ولذلك قال الله كما في حديث البراء: ( اكتبوا كتاب عبدي في عليين)

{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) } تفسير كتاب الأبرار هو كتاب مرقوم يعني أن أعمالهم قد كتبت فيه، وتلك الأعمال باقية لهم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } يعني لشرف هذا الكتاب لما كتب فيه من الأعمال الصالحة يشهده من الملائكة المقربون.

{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } يعني في نعمة وفي تلذذ { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } يعني على السورة { يَنْظُرُونَ } إلى ماذا ينظرون؟ إلى الله، وينظرون إلى ذلكم النعيم، وينظرون إلى مآل الكفار. 

{ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } من النعمة التي هم فيها فإنها تظهر على وجوههم.

{ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ } { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ } يعني من خمر {مَخْتُومٍ } { خِتَامُهُ مِسْكٌ } ومن ثم قال بعض المفسرين { خِتَامُهُ مِسْكٌ } ليس كخمر الدنيا ختامه طين بمعنى أنه إذا فتح خمر الدنيا، وذلك لما كان قد اعتاد عليه العرب من أنه يكون إذا أراد الإنسان أن يفتحه يكون مختوما بطين، يقول هنا هذا مختوم بمسك، وقيل إن آخر هذا الكأس الذي يشربون منه تنبع منه رائحة المسك، ولا تعارض بين القولين { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ } يعني في ذلك النعيم، ومن ذلك هذا الرحيق { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ } يعني يخلط بماذا؟ { مِنْ تَسْنِيمٍ } يعني ما فسره بعد ذلك { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } { عَيْنًا } وهذا هو الأقرب من قول إن كلمة { عَيْنًا } نصبت على سبيل المدح، والذي يظهر من أنها نصبت لأنها بدل ، فقال الله { وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} { تَسْنِيمٍ } سميت بهذا الاسم؛ لأنها في علو كما يقال سنام الإبل سنام البعير فهذه العين في علو فإذا بهم يشربون منها ، { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } حتى قال بعض المفسرون يشرب منها المقربون صرفا لا تمزج لهم بشيء.

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) }

{ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ } وهم الكفار كانوا في الدنيا { مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ } على سبيل السخرية { وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } يعني يغمز أحدهم بحواجبه من باب ماذا؟ من باب السخرية،  { وَإِذَا انْقَلَبُوا } يعني رجعوا { إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ } يعني يرجعون وقد تلذذوا بهذه السخرية، { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } يقول الكفار { هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } يعني أنهم بعيدون عن الرأي السديد، فكيف يتركون عبادة آبائهم؟! { وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } يعني هؤلاء الكفار لم يرسوا على المؤمنين حافظين لأعمالهم ومراقبين على أعمالهم

{ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } يعني في يوم القيامة يضحك أهل الإيمان، وذلك من باب الاقتصاص منهم { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } يعني على الأسرة ينظرون وقد مر معنا في الآيات السابقة.

{ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }

الجواب نعم ثوب الكفار جوزي  الكفار ما كانوا يعملون، ووصف هذا العقاب بأنه ثواب من باب التهكم بهم كما قال { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ }….