تفسير سورة ( المعارج ) الدرس ( 257 )

تفسير سورة ( المعارج ) الدرس ( 257 )

مشاهدات: 449

تفسير سورة ( المعارج )

الدرس (257 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة المعارج… وهي من السور المكية…

{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}

{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} والسؤال يتضمن الدعاء يعني دعا داع بعذاب واقع، كما قال تعالى عن ذلكم الرجل الكافر قال الله عنه {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فقال تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أين عقل هؤلاء  كيف يسألون عذاب الله؟!

{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ} إذا نزل {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} لن يدفعه أحد عنهم.

{مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} هذا العذاب إذا نزل إنما ينزل من الله {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}  يعني ذي الدرجات فهو عز وجل له الصفات العليا، وأيضا يرفع درجات أوليائه، وأيضا هو صاجب النعم يعطيها عز وجل من يشاء.

{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} الملائكة والروح وهو جبريل {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ} يعني تصعد الملائكة {وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} يعني إلى الله {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} تعرج في أي يوم؟ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} هل هذه في الدنيا أم في يوم القيامة؟ قيل المقصود من هذا اليوم هو يوم القيامة، وقيل هو ما يكون في الأرض باعتبار ماذا؟ ما يكون من أمره حينما تعرج الملائكة والروح من أطباق الأرض السفلى إلى ما يكون في منتهاها عند العرض، وقد مر معنا تفصيل لذلك، وتوضيح له أكثر في سورة السجدة. فقال تعالى {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.

{فَاصْبِرْ } يا محمد وهذا يدل على ماذا؟ على أنه لم يؤمر بالقتال، وقد مر معنا توضيح مثل هذا فيما يتعلق بالأمر بالصبر والأمر بالقتال متى يكون هذا؟ ومتى يكون هذا؟ {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} الصبر الجميل هو الذي  لا شكوى معه، ولذلك ماذا قال يعقوب عليه السلام {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}

{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)} {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} يعني بعيدا من حيث الوقوع يعني يرونه بعيدا من أنه مستحيل أن يقع، {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} يعني هذا اليوم يوم القيامة {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}

{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ} يعني ماذا؟ كالزيت في ذوبانها كما قال تعالى {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}

{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} يعني كالصوف المنفوش الذي يتطاير.

{وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} يعني لا يسأل قريب قريبه.

{يُبَصَّرُونَهُمْ}  كل منهم يبصر الآخر من أنه يرى أن هذا هو أخوه، وأن هذا هو أبوه {يُبَصَّرُونَهُمْ}  ومع ذلك لا يسأل أحدهم أحدا باعتبار شدة الموقف، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} يتمنى المجرم {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}  وقد مر معنا في سورة هود في بعض الآيات “يومَئذ” و “يومِئذ” {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ} يعني زوجته {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ} يعني العشيرة يعني القبيلة {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} يعني تضمه {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} يعني يتمنى حتى من كان في الأرض أنه ينجيه من عذاب الله.

ولو قال قائل أين ذكر الأم، وأين ذكر الأب؟ وعلى كل حال هنا يقال في مثل هذه الأيام لم تذكر الأم والأب، لم؟ لأنه لو تمنى أن يقدم أباه وأمه فإنه يكون بذلك عاقا، وسيغضب الله عليه؛ لأن الوالدين لا يقدمان لهذا العذاب، ولكن في هذا القول ما يدل على أنه مخالف وتعارضه الأدلة، لم؟ لأن الإمام مالك لما سئل عن فصيلته قال رحمه الله: ” الفصيلة هي الأم” باعتبار ماذا؟ أنه انفصل منها، وإذا كانت الأم يدل هذا على ماذا؟ يدل على أن الأب داخل من حيث السياق، وإذا قيل إن الفصيلة هي العشيرة فإن الأب يدخل من ضمن العشيرة والقبيلة، ثم إنه على هذا الكلام ماذا قال تعالى في سورة عبس {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)} إذا كان يفر من أمه وأبيه أليس عقوقا على حسب هذا الكلام الذي ينشر؟ الجواب: سيكون عقوقا، لكن في يوم القيامة تختلف الأمور، ليسوا في الدنيا حتى يكون هناك ما يتعلق بماذا؟ أن هذا حرام أو غير حرام، في يوم القيامة {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)} بل إن قوله {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} يدخل في ذلك الأم والأب.

{كَلَّا} كلمة ردع وزجر ليس كما تمنى، لا، {إِنَّهَا لَظَى}  يعني النار لظى يعني تتقد وتلتهب {إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)} يعني تنزع ماذا؟ جلدة الرأس، وقيل تنزع الجلود، وهذا أيضا صحيح، فإنها تنزع الجلود {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا} يوم القيامة {تَدْعُوا } النار {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ} في الدنيا {وَتَوَلَّى} أدبر عن الحق {وَتَوَلَّى}   يعني أعرض {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} تقول تعال تعال {وَجَمَعَ فَأَوْعَ } يعني جمع المال فأوعاه وحفظه ولم يخرج حقوق الله.

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {هَلُوعًا} ما تفسيره؟ قيل بتفاسير كثيرة، لكن نحن نقول الهلوع مفسر بما بعده {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} أي شر يمسه فإنه يجزع ويتسخط {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ } يعني من الرزق {مَنُوعًا} يمنع الخير {إِلَّا الْمُصَلِّينَ } من هم محافظون على الصلاة، ولهم هذه الصفات ليسوا كهؤلاء {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} ومر معنا توضيح لهاتين الآيتين.

{وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} يعني يصدقون بيوم الجزاء.

{وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} يعني أنهم خائفون، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} يعني لا يأمن أحد عذاب الله عز وجل.

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)} يعني لا يلامون على هذا الفعل {فَمَنِ ابْتَغَى} يعني طلب {وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} الذين تجاوزوا حدود الله ومرت معنا هذه الآية مفسرة بأحكامها في أول سورة المؤمنون.

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} يعني أنهم يراعون ويحافظون الأمانة والعهود ومرتفسيرها في أول سورة المؤمنون.

{وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} يعني يقيمون الشهادة له، ولا يخفونها، وإذا أقاموها يقيمونها لله, { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ }

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} مع أنهم يداومون عليها هم يحافظون عليها، وكرر ذلك للاهتمام بالصلاة.

{أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} مكرمون في جنات النعيم لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} هنا استفهام إنكاري {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ} يعني اتجاهك {قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} يعني أنهم يسرعون ويمدون أعناقهم إليك يا محمد استهزاء.

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)} { عِزِينَ } يعني جماعات، وذكر الشمال واليمين لأن الغالب أن الإنسان يكون لمن أراد بأحد سوءا أن يكون عن يمينه وعن شماله، والمقصود من جميع الجهات{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ } يعني يستهزئون بك وبما أتيت به.

{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا} حرف ردع وزجر يعني ليس كما يزعمون، {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} يعني خلقناهم من ماء مهين يعلمون أصلهم من ماء مهين، فكيف يتكبرون على الحق، وأيضا ليست العبرة بماذا؟ من أنهم خلق، وإنما المقصود من أنهم يستوون هم وغيرهم من أنهم خلقوا من ماء مهين، إذن الذي يرتفع درجات عند الله هو من أطاع الله، لا من حيث أصل الخلقة، ولذلك أبهمه هنا من باب التحقير.

{فَلَا أُقْسِمُ} يعني أقسم ومر معنا توضيح لكلمة “لا” في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }

{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} وقد جمعنا بين المشارق والمغارب، والمشرق والمغرب في سورة الصافات. {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} أقسم الله على أنه قادر، وعلى ماذا؟ {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} يعني لسنا بعاجزين من أننا نغير هؤلاء كما قال تعالى {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ }

{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} وهذا للتهديد {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} والخوض إذا أتى مع اللعب الخوض يدل على ماذا؟ على تكذيبهم بالأخبار الشرعية، واللعب يدل على ماذا؟ يدل على تركهم للطاعة كما ذكر الله عن فرعون {فَكَذَّبَ وَأَبَى} كذب بالأخبار وأبى الطاعة.

فقال الله هنا {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا} يعني ليستمروا على هذه الصفات الذميمة إلى أن يلاقوا {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} الذي وعدهم الله. ما هذا اليوم؟ {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} يعني من القبور {سِرَاعًا} يعني مسرعين {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} يعني إلى أشخاص بارزة كأصنامهم {يُوفِضُونَ}  يعني يسرعون كما كانوا يسرعون في الدنيا إلى أصنامهم، إذن يوم القيامة إذا دعا الداعي كل منهم كما قال تعالى يومئذ {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ } فقال تعالى {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } تغشاهم ذلة، وأبصارهم خاشعة من الذل {ذَلِكَ } يعني ما مضى من ذكره من ذلك اليوم {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } الذي وعدهم الله به وتحقق…

وبهذا ينتهي تفسير سورة المعارج….