التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( ق ) الدرس ( 237)

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( ق ) الدرس ( 237)

مشاهدات: 440

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( ق)

الدرس (237 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة ” ق “، وهي من السور المكية…

{ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}

{ق} وهذا من الحروف المقطعة، وقد بينا ذلك في أول سورة البقرة، {وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ} أقسم الله بالقرآن، ووصفه بأنه مجيد؛ لأنه ذو المجد والعظمة والبركات، وبركاته كثيرة، وعظيمة {وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ} جواب القسم يدل عليه ما بعده من أنه أقسم بالقرآن من أن هؤلاء تعجبوا من ماذا؟ من حال النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يكون رسولا، وهو بشر، وأيضا تعجبوا من قيام البعث، {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} يعني وهو النبي وهو منهم ومن أنسابهم، {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} يعني قالوا هذا شيء  عجيب أن يأتي بشر، وأن يأتي هذا البشر بذكر أننا نبعث، ولذلك ماذا قال بعدها؟ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} يعني أنه رجوع بعيد يعني مستبعد أن يقع، وأن يتحقق {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يعني ما تنقص الأرض لما يدفنون فيها كل شيء، ما ذهب في الأرض {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} وهو اللوح المحفوظ كتب الله فيه كل شيء، {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} وهو هذا القرآن، وما جاء فيه من ذكر يوم القيامة، {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} يعني مختلط مرة يقولون سحر، مرة يقولون شعر، مرة يقولون كهانة، {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}.

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} دلائل ينظرون إلى الدلائل العلوية، {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} قال {فَوْقَهُمْ} مع أنها فوقهم قال {فَوْقَهُمْ}  من باب أن النظر إليها سهل، فليتأملوا في هذه السموات من خلقها؟ هو الله، فواجب عليهم أنهم يعبدوا الله، وأن يقروا بالبعث والنشور.

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} بناها عز وجل من غير عمد، وجعلها قوية، {وَزَيَّنَّاهَا} بالنجوم {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} يعني ما لها من تصدع، ولا من شقوق، ولذلك ماذا قال تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أيضا فلينظروا إلى الأرض، أيضا من الآيات الكونية السفلية، {وَالْأَرْضَ} هنا نصبت باعتبار محل السماء {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} لأن كلمة إلى السماء في محل نصب، {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} مدها الله وفرشها وجعلها ممهدة لخلقه، {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} يعني جبالا رواسي من أجل ألا تضطرب {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل صنف من أنوع النباتات {بَهِيجٍ} ذو منظر حسن يسعد الناظرين.

{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى} يعني ما مضى من تلك الآيات العلوية والأرض {تَبْصِرَةً} يتبصر بها من هو صاحب العقل النير{وَذِكْرَى} يعني يتذكر بها، {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} يعني رجاع إلى الله عز وجل.

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} ومن بركاته أن الله ينبت به الأرض  ولذلك قال {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}  {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ} بسببه {جَنَّاتٍ} يعني بساتين {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} يعني الحبوب التي تحصد من القمح والشعير وما شابه ذلك.

{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} يعني أنشأ بسبب هذا الماء ماذا؟ النخل {وَالنَّخْلَ} يعني وأنشا النخل {بَاسِقَاتٍ} يعني مرتفعات {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} {طَلْعٌ} الذي هو مخرج الثمار {نَضِيدٌ} يعني أن ثماره متراكب بعضها على بعض.

{رِزْقًا لِلْعِبَادِ} يعي أنبت هذه الثمار وتلك الجنات {رِزْقًا لِلْعِبَادِ}

{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} يعني هذا الماء {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} مثل ما أحيينا الأرض الميتة الجدباء كذلك نخرج هؤلاء من قبورهم.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)}

 {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} هنا ماذا؟ عظة لهؤلاء يعني انظروا يا كفار قريش إلى الأمم السابقة لما كذبوا أنبياءها، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} وهم الذين كانوا عند البئر، ومر معنا تفصيل لهم في سورة الفرقان، {وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)} {وَإِخْوَانُ لُوطٍ} يعني هم إخوانه من حيث النسب لا من حيث  الدين، ولذلك في آيات أخرى {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} يعني هو أخوهم وهم إخوة له من باب النسب، {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} وهي الشجر الملتف الذين أرسل إليهم شعيب {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}

{وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} ومر تفصيل لهم في سورة الشعراء، {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} يعني قوم تبع، وتبع أسلم كما مر معنا في قوله تعالى {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} فإن قومه كفروا فأهلكهم الله، {كُلٌّ} يعني تلك الأمم السابقة {كَذَّبَ الرُّسُلَ} فما الذي جرى؟ {فَحَقَّ وَعِيدِ} يعني فوجب وعيد الله عليهم {فَحَقَّ وَعِيدِ}.

{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} يعني هل حصل لنا تعب وإعياء بالخلق الأول لما خلقناهم من نطفة وخلقناهم من تراب؟ الجواب: لا، لم نعي بذلك، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَىولذلك ماذا قال؟ {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني بل هم في شك من خلق جديد يعني من إحيائهم مرة أخرى يعني أفلا يتأملون من أنشأهم من العدم قادر على أن ينشئهم من قبورهم، ولذلك قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} يعني هذا الإنسان مهما كان، فحاله الله عز وجل  مطلع عليه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} يعلم عز وجل ما توسوس به نفسه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} الحبل هنا هو العرق، والوريد هو العرق يعني العرق الذي يكون في العنق،  ولذلك أضافه إليه باعتبار اختلاف اللفظين من باب التأكيد.

{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} هل هذا قرب الله أم قرب الملائكة؟

فصلنا ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ومن ثم قال كثير من أهل العلم قالوا إن القرب هنا قرب الملائكة؛ لأنه لو كان قرب الله فالله قال قبلها {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ولما قال هنا {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ما الذي بعدها؟ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} دل هذا على أن القرب هنا قرب الملائكة، وبعض المفسرين بعض أهل السنة يقول: القرب هنا قرب الله، وعلى كل حال مر مفصلا في سورة البقرة.

{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} من هما؟ الملكان، {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وجاءت أحاديث من أن صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} لم يقل قعيدان، يعني قعيد هذا وهذا قعيد، وليس من القعود وإنما من الملازمة.

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} يعني ملك يرقبه ويرقب ما يقول {عَتِيدٌ} يعني حاضر لا يفارقه، وقد مر معنا هل يكتبون كل شيء أم يكتبون ما يتعلق بالثواب والعقاب في قوله تعالى {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} جاءت أمارات الموت، وعلامات الموت {بِالْحَقِّ} الذي لا مرية فيه {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} يعني يا أيها الإنسان تنبه إلى حالك إذا جاءتك سكرات الموت، {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} ما كنت منه تهرب، ولا تريد أن تسمعه، ولا تريد أن تذكره.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} هذه البعثة يوم يبعث الله الناس من قبورهم يعني بعد الموت بعد سكرات الموت، ثم تدفن إذا بك إلى المحشر إذا نفخ إسرافيل في  الصور {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} قال {يَوْمُ الْوَعِيدِ} مع أنه يوم الوعد أيضا لأهل الجنة، لكن ذكر الوعيد من باب التخويف، {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ}لأن السياق  في سياق من؟ من يكفر بالله.

{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} يعني كل نفس معها سائق يعني معها ملكان ملك يسوقها إلى المحشر، وملك يشهد عليها.

{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} يعني في الدنيا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} يعني أزلنا عنك غطاءك الذي كنت تنكره {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} يعني ما أعظم بصرك حينما تبصر هذه الأشياء واضحة أمامك لا تستطيع أن تنكرها، ولذلك قال تعالى {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} يعني ما أشد سمعهم، وأشد بصرهم، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ} يعني في الدينا {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)}

{وَقَالَ قَرِينُهُ} يعني الملك {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} هذا ما كتبته على هذا الرجل {مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يعني حاضر.

{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} هل هذه التثنية من باب خطاب الواحد، يكون لملك واحد، أو للملكين السائق والشهيد؟ قيل بهذا، وقيل بهذا، وعلى كل حال الأمر  جد خطير، {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} معاند للحق، {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} ما يعطي الخير الذي وجب عليه {مُعْتَدٍ} يعتدي على غيره {مُرِيبٍ} يعني في شك.

{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} هذه صفة أخرى، بعض المفسرين يقول هي  منفصلة يعني {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} عقابه {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}.

{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} {قَالَ قَرِينُهُ} يعني الشيطان، وهذا أصح من قول من يقول الملك {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} يعني أني ما كتبت عليه زيادة، لكن الأظهر من أن السياق يدل على الشيطان، ولذلك الشيطان يتبرأ {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} إلى أن قال {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}

قال هنا {قَالَ قَرِينُهُ} يعني من الجن، {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} يعني ما أوقعته في  الطغيان والكفر، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} كان في ضلال، وأي ضلال؟ {بَعِيدٍ} يدل على أنه انغرق في هذا الضلال {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}.

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يقول الله {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} انتهى وقت الخصام  {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} قدمت إليكم في الدنيا أتتكم رسلي، وأنزلت الكتب {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}.

{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} يعني من أنه عز وجل قال{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} ويدخل فيه أيضا من أن أحدا لن يستطيع أن يغير القول الذي قلته فقال الله {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وذلك لكمال عدله.

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)}

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} يعني في يوم القيامة {هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} {هَلِ امْتَلَأْتِ} هل هذا بمعنى أنها تقول هل امتلأت فتقول هل من مزيد بمعنى أنها تقول لم يبق في شيء حتى يوضع في، يعني قد اكتملت، يعني لا أريد أحدا وهذا الاستفهامن وإن كان لا بأس به، لكن الأظهر من أن المقصود هنا من أنها تقول {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} يعني أريد المزيد، أريد المزيد، أريد المزيد حتى كما جاء بذلك الحديث الصحيح يضع الله قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض فتقول قط قط” يعني يكفيني يكفيني، فدل هذا على أنها تطلب المزيد حتى يضع الرب قدمه فيها فتقول ” قط قط ” يعني يكفيني يكفيني. 

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} يعني قربت الجنة للمتقين يعني لمن اتقى الله {غَيْرَ بَعِيدٍ} هنا تأكيد يعني {غَيْرَ بَعِيدٍ}ولو قال قائل كيف تقرب الجنة، والجنة في مكان كيف تقرب؟ فالجواب عن هذا: من أن هذه أمور غيبية لا نعلم بها هل هي تقرب أم أنها تبقى في مكانها؟ وإذا بهؤلاء يعطيهم الله من قوة البصر ما تكون قريبة منهم، المهم جوابنا أن هذا فيما يتعلق بأمور الآخرة ولا ندرك ذلك المهم أنها تقرب.{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أما كيفيتها، فعلمها عند الله، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} هذا يقال لأهل الجنة للمتقين، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} يعني في الدنيا {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} {أَوَّابٍ} يعني رجاع {حَفِيظٍ} يعني من حفظ حدود الله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عنه: ” احفظ الله يحفظك”

{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} صفته أيضا {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} يعني خشي الرحمن وهو لم ير الله، وخشي الرحمن في حال سره كما يكون في حال علانيته، {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} جاء إلى الله {بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} أقبل على الله بقلبه إقبالا تاما مستلزما للعمل، يدل على صلاح هذا القلب من أنه قد امتلأ بالتوحيد، وقد اجتنب الشرك، {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} فيأتي إلى الله بهذا القلب الذي هو القلب السليم كما قال تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}.

{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} يقال لهم {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} يسلم الله عليهم، وتسلم عليهم الملائكة، ويسلم بعضهم على بعض، وأيضا {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} يعني أنكم سلمتم من الآفات ومن المكاره وما شابه ذلك، {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}.

{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} لهم ما يريدونه {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}

{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} المزيد هنا ما هو؟ المزيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا قوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} هي رؤية الله، فأعظم نعيم في الجنة رؤية الله، وأيضا يدخل فيه أنهم يزدادون من أنواع النعيم، لكن أعظم النعيم رؤية الله.

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)}

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} كم هنا للتكثير يعني ليتعظ كفار قريش،

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أشد منهم قوة {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} يعني أنهم نقبوا في البلاد، وقلبوا في البلاد وفعلوا وفعلوا وحرثوا الأرض، {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} يعني لما جاء عذاب الله {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} يعني هل من نجاة لهم ينجيهم من ذلك، أو يكون معنى الآية على القول الآخر {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا} يعني لما وقع العذاب نقبوا في البلاد وبحثوا في البلاد هل هناك ملجأ يلتجئون فيه؟ الجواب: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} يعني لا محيص ولا مهرب ولا نجاة.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} يعني ما مضى في هذه السورة {لَذِكْرَى} لمن يتذكر

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} ولا ذكرى إلا عن طريق القرآن، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} يعني حي {أَلْقَى السَّمْعَ} يعني من حين ما يتلو القرآن، {وَهُوَ شَهِيدٌ} يعني حاضر القلب، يقول ابن القيم: يكون العبد تقيا لله إذا وجد ماذا؟ المؤثر الذي يؤثر في قلبه، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} القرآن يؤثر لكن بشرط ماذا؟ أن يوجد المحل ما هو المحل؟ القلب الحي {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قال تعالى {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} يعني من هو حي القلب، قال رحمه الله {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} يعني أتى بالسبب من أنه إذا قرئ القرآن ألقى بسمعه بإنصات، وانتفى المانع وهو شهيد يعني أن قلبه حاضر ليس بغافل، فإذا اجتمعت هذه الصفات كلها هنا انتفع العبد بكتاب الله.

لكن لو قال قائل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى} لِم لَم يقل وألقى حتى تجتمع الصفات؟

فالجواب عن ذلك: من أن الناس أصناف: بعض الناس لما في قلبه من الفطرة هذا صنف لما في قلبه من الفطرة والخير بمجرد ما يأتي القرآن إذا به ينتفع من هذا القرآن كما قال تعالى {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} وهذا يدل على أن الإنسان إذا أراد أن ينتفع بالقرآن عليه أن يكون قلبه حيا، وأن يلقي بسمعه وينصت، وأن يكون قلبه حاضرا يعني غير غافل {وَهُوَ شَهِيدٌ}.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} يعني لتتأملوا فيها الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام أليس هو القادر على أن يخلق هؤلاء، ولذلك قال تعالى {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} قال هنا {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} يعني من إعياء ولا تعب؛ لأن اليهود لما انتهى الله من الخلق في يوم الجمعة قالوا إن الله في يوم السبت أصابه الإعياء، فاستراح يوم السبت تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

فقال{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} لكن مع هذا {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}. اصبر يا محمد على ما يقولون، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)} هذا تسبيح، وبعض  المفسرين يقول هذا يدل على الصلوات الخمس، يعني {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} صلاة الفجر{وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}  صلاة ماذا؟  الظهر والعصر {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} صلاة المغرب والعشاء {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قيل هي الأذكار التي تقال بعد الصلاة، وقيل أدبار السجود هما الركعتان اللتان بعد المغرب، ولا تعارض بينهما.

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}

{وَاسْتَمِعْ} يعني استمع يا محمد، {وَاسْتَمِعْ} أنت يا عاقل لما يخبرك الله عنه عن هذا اليوم استماع بقلب، {وَاسْتَمِعْ} ماذا؟ ما يخبرك الله عنه، {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} وهو إسرافيل، {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} فيسمعه الجميع، ولذلك قال بعض المفسرين: إنه ينادي من صخرة بيت المقدس، فيقال يا أيتها العظام البالية، وما شابه ذلك، وهذا لا أرى دليلا عليه من السنة، ولعله من الإسرائيلين، وعلى كل حال ليس هناك دليل في هذا، لكن مكان قريب الله أعلم به.

{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} يعني يوم ينفخ إسرافيل في الصور بالحق الذي لا باطل، فإنه الحق الذي لا مرية فيه، {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} من القبور.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} يحي الله من يشاء، فيحييه من العدم، ويميت عز وجل من يشاء، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} المرجع.

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} يعني يوم تشقق الأرض يوم القيامة {سِرَاعًا} يعني أنهم يخرجون مسرعين من قبورهم، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} سهل وسهل على الله.

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} فلا تحزن يا محمد عليهم، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} لست بمتسلط عليهم حتى تجبرهم على الإيمان {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} الذي يخاف وعيد الله هو الذي ينتفع بهذا القرآن، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} فالذي ينتفع بالقرآن من يخاف وعيد  الله.

وبهذا ينتهي تفسير سورة (( ق )).