تفسير سورة ( نوح )
الدرس (258 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة نوح…. وهي من السور المكية…. وقصة نوح عليه السلام مرت معنا في سور، وذكرها الله وذكر ما يتعلق به وبقومه أكثر من هذا الموطن…
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ } يعني أرسلناه من أجل {أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{قَالَ يَا قَوْمِ} من باب التلطف معهم {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } يعني بين النذارة {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} يعني لتكن عبادتكم وتقواكم الله {وَأَطِيعُونِ} لأني أنا رسول منه عز وجل {وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} يعني إن تفعلوا {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } قيل من أن {مِنْ } هنا زائدة، ولذا بعض أهل اللغة يقولون إن “من” لا تزاد في الإثبات، وإنما تزاد في النفي، وعلى كل حال إن قيل بهذا القول، وإلا فإن{مِنْ } التبعيضية هنا تدل على ماذا؟ تدل على أنه لا يغفر لهم الذنوب المتعلقة بحقوق الخلق فقال الله {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يعني إلى وقت مسمى يعني لا ينزل بكم العذاب {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} أجل الله، وما قدره الله لا يؤخر {لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} لو كنتم تعلمون ذلك فعليكم أن تتوبوا إلى الله حتى لا ينزل بكم عذاب الله.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)}
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} نوَّع معهم أساليب الدعوة في الأوقات المختلفة {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} يعني أنهم هربوا ونفروا أكثر وأكثر، {وَإِنِّي كُلَّمَا} وكلما تفيد التكرار {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} لا أريد أجرا من عندهم {لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} حتى لا يسمعوا الهدى، ولذلك قال {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ} مع أن الذي يوضع في الآذان هو الأنامل، وليست الأصابع، وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية من باب الإتيان بالكل نيابة عن الجزء، والمعروف أن الأنامل هي التي تكون في الآذان، وليست الأصابع، وهذا أسلوب من أساليب اللغة العريبة من أنه يذكر الكل، ويراد منه الجزء كأنهم يريدون أن يدخلوا أصابعهم كلها حتى لا يسمعوا كلامه، {وَاسْتَغْشَوْا} يعني غطوا {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} حتى لا يروني {وَأَصَرُّوا} على الكفر {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} يعني استكبارا عظيما، ولذلك أكده {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)} يعني على الملأ، {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} يعني أتيت إلى أشخاص علانية, {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} يأتي إلى الشخص لوحده لعله أن يتوب {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)} لأنكم إذا استغفرتم الله حصلت لكم هذه الأمور، ومن ثم قال بعض المفسرين أصابهم قحط، ولعل ما ذكروه يدل عليه سياق الآية، ولا يلزم من ذلك أيضا من أنه يصيبهم قحط فإن الاستغفار إذا كان من ثماره هذه الأشياء لا يلزم أن يكون هناك قحط، وعلى كل حال {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)} السماء هنا المطر{مِدْرَارًا } يعني متصببا كثيرا
{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} يعني بساتين، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وهذه فوئد الاستغفار..
{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)}
{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} يعني ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيمه وأيضا ما لكم {لَا تَرْجُونَ} يعني لا تخافون من الله {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} لماذا لا تعظمون الله حق تعظيمه {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} يعني من خلقكم أطوارا من حيث ما كنتم نطفة في أرحام أمهاتكم وتطور بكم الخلق وهكذا بعد ما خرجتم من أرحام أمهاتكم {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} وهذا يدل على أن الذي خلقكم هو الذي يستحق العبودية عز وجل.
{أَلَمْ تَرَوْا} لما ذكرهم بما يتعلق بالآيات التي تخص أنفسهم ذكرهم بما يتعلق بالآيات الأخرى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} يعني أن بعضها فوق بعض تأملوا في السماء {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} يعني في مجموعهن كما قال بعض السلف من أن المقصود من هنا السماء الدنيا {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } ولذلك يقال في مثل هذا الزمن من أنهم وصلوا إلى سطح القمر، لكن لو قال قائل كيف يصلون إلى سطح القمر، والله قال عن الجن {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} قال تعالى {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} إلى غير ذلك من الآيات، فالجواب عن هذا من أن هذه الأشياء لا يمكن أن يجزم بها، فيترك القرآن من أجل تلك النظريات التي لا تثبت يقينا مائة بالمائة، بل إن بعضهم في مثل هذه الأيام من الغرب أثبت من أن ما ذكروه من أنهم وصلوا إلى سطح القمر ليس بصحيح، وإنما صوروا تصاوير معينة، ونشرت من أجل أنهم وصلوا إلى سطح القمر، ولم يصلوا إلى سطح القمر، ومن ثم فإنه في مثل هذا الأمر نقول: من أنه لا يترك دلالة القرآن لهذا الأمر؛ لأن دلالة القرآن دلالة قطعية، لكن لو مثلا لو ثبت مائة بالمائة أنهم وصلوا إلى سطح القمر، لأن الأدلة منها ما هو قطعي، ومنها ما هو ظني، الأدلة القطعية هي النصوص الشرعية، أيضا الحس الذي تشاهده مائة بالمائة هو دليل قطعي، فلو ثبت على افتراض مثل ذلك لو ثبت مائة بالمائة في المستقبل لو ثبت حسيا مائة بالمائة من دون ريب أو شك.
فهنا ما الذي جرى؟ تعارض دليل قطعي بدليل قطعي إذن ما الحل أو ما الجواب؟ الجواب أن الدليل القطعي الذي هو النص الشرعي باقي، والدليل الحسي الذي إن ثبت مائة بالمائة باقي.. إذن يكون الخلل عندنا نحن إذ فهمنا هذا النص الشرعي القطعي فهما غير الفهم الذي فهمناه سابقا، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتعارض النص الشرعي مع الحس القطعي، لا يمكن ذلك هذا على افتراض.
وبما أننا دخلنا في هذا الأمر بعض الناس الآن مما يقول أنا فيزيائي أو ما شابه هؤلاء ويفسرون القرآن، وكذلك ما يقال الإعجاز القرآني ليعلم أن النصوص الشرعية لا تنزل على هذه النظريات، ولا على ما يقال هذا إعجاز قرآني، لم؟ لأن هذه النظريات قد تتغير وتتبدل، نعم وقد تغيرت وتبدلت، ومن ثم فإنه لا يعسف القرآن ولا النصوص الشرعية من أجل أن توافق تلك النظريات أو ما يمسى بالإعجاز القرآني، وإنما على المسلم ماذا؟ أن يجعل القرآن مفهوما، وأيضا السنة مفهومة على فهم السلف، لكن إن أتت نظرية لا تعارض النص الشرعي فإننا نقبلها لكن بشرط ألا نجعلها هي الأساس، والأعظم من ذلك أن بعضهم يعسف النص الشرعي من أجل أن يوافق تلك النظرية، أو ذلكم الإعجاز، بل الأدهى والأدهى والأدهى أن هناك من دخل الآن فيما يسمى بهذه النظريات، وعنده معتقدات فاسدة فيما يتعلق بأسماء الله، وفيما يتعلق بصفات الله، وفيما يتعلق بالقبر، وفيما يتعلق باليوم الآخر، ولذلك أنكر بعضهم ممن هو الآن مشهور، وأنكر بفيزيائياته وبنظرياته ما يكون في القبر، وما يكون في يوم القيامة، فليتنبه لمثل هذا، وهذه إمرارة سريعة، وإلا فالمقام يحتاج إلى توضيح أكثر…
قال تعالى {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} يعني وهاجا مضيئة {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}
{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ} لما ذكر لهم الآية العلوية، هنا بين لهم الآية الأرضية قال {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} {نَبَاتًا} هذا اسم مصدر، وليس مصدرا؛ لأن أنبت يكون مصدره إنباتا، لكن لماذا أتى ب {نَبَاتًا} اسم مصدر؟ قال بعض المفسرين لأن ما قبله فعل يعني والله أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا فيتوافق هنا نباتا مع هذا الفعل المحذوف، وقيل إنه أتى باسم المصدر باعتبار التخفيف، ولذلك مر معنا في قوله تعالى في توضيح أكثر {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}
فقال الله هنا {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} هذا حيث ماذا؟ أصل أبينا آدم
{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} يعني بعد أن تموتوا يعيدكم إلى الأرض، ثم {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} يعني من هذه الأرض.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} بمثابة البساط المذللة لكم، {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا} يعني طرقا {فِجَاجًا} يعني واسعة.
{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) }
{قَالَ نُوحٌ رَبِّ} وأيضا هذا فيه تعريض لكفار قريش لكي ينظروا إلى السماء وإلى الأرض وإلى خلقهم، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} مع تلك العلامات ومع ما بيّن ومع اجتهاده مع أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما {وَاتَّبَعُوا } يعني الأراذل اتبعوا العظماء، {وَاتَّبَعُوا } أولئك العظماء {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} الأموال والأولاد زادت أولئك الكبراء والرؤساء زادتهم خسارا واتبعهم من؟ هؤلاء الأراذل والأسافل
{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} يعني مكروا مكرا عظيما من أجل الكيد والمكر بمن؟ بنوح عليه السلام، من هم؟ أولئك الزعماء.
{وَقَالُوا} يتواصون على الباطل {لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ} يعني لا تتركوا آلهتكم وما هي هذه الآلهة؟ آلهة كثيرة لكن من بين هذه الأشياء، {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } هذه أسماء رجال صالحين كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسماء رجال صالحين كانوا على عبادة صالحة، فلما ماتوا قال قومهم لنجعل لهم تصاوير في مجالسنا حتى نذكر الله، ونعبد الله إذا رأيناهم، ففعلوا ذلك، فلما مات هؤلاء، وأتى الجيل الذي بعده أوحى الشيطان إليهم من أن لهم مكانة، فأوحى إليهم أن اعبدوا هؤلاء، فعبدوهم من دون الله، {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} من؟ الكبراء، وقيل الأصنام، ولا تعارض بينهما، قال إبراهيم عليه السلام {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}
فقال تعالى {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ} يعني دعا نوح عليه السلام عليهم {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} باعتبار أنهم كما قال تعالى {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ} فدعا عليهم بزيادة الضلال.
{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} هي مركبة من كلمة ” من وما ” “ما” زائدة {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} يعني بسبب خطيئاتهم {أُغْرِقُوا } يعني في الطوفان {فَأُدْخِلُوا نَارًا} يعني بعد الإغراق، ما مصيرهم؟ النار
{فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} لم يجدوا أحدا ينصرهم من عذاب الله.
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ} يعني لا تترك {عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}
{دَيَّارًا} يعني يدور في الأرض، أو ممن يسكن الديار، دعا عليهم بالاستئصال، لم؟ لأن الله أعلمه أنه لن يؤمن معه إلا من قد آمن، فدعا عليهم بهذا الدعاء.
{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} يصدون الناس عن دين الله، {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} يجمعون بين الفجور والكفر.
لكن لو قال قائل ما الذي أدراه من أن الذرية التي ستأتي من أنها ستكون فاجرة كافرة؟ فالجواب عن ذلك: إما بإخبار الله له، أو أنه كما قال بعض المفسرين علم من حال الأبناء والصغار من أنهم كانوا يتبعون آباءهم، ويؤذون نوحا، فقال {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}.
ثم قال {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} دلَّ هذا على أن أبوي يعني الأم والأب أن أبوي نوح عليه السلام كانا مؤمنين {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} {مُؤْمِنًا } وهذا يخرج من؟ يخرج زوجته لأنها كافرة، ويخرج ابنه الذي أغرقه الله، وقال بعض المفسرين {بَيْتِيَ} يعني المسجد ولا مانع من دخوله، لكن قد يكون مكان العبادة، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما ثبت عنه: ” المسجد بيت كل تقي بيت كل تقي”، وقال بعض المفسرين: المقصود من ذلك السفينة، وعلى كل حال الأظهر هو البيت، ولا مانع من دخول هذه الأشياء، {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} دعا نوح عليه السلام لكل مؤمن ومؤمنة إلى قيام الساعة، وهذا فيه مزية لأهل الإيمان {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} دعا عليهم {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} يعني هلاكا على هلاكهم….
وبهذا ينتهي تفسير سورة نوح عليه السلام….