تفسير سورة هود من الآية ( 36) إلى (60) الدرس ( 134)

تفسير سورة هود من الآية ( 36) إلى (60) الدرس ( 134)

مشاهدات: 496

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة هود

من آية 36 إلى آية60

(الدرس 134)

للشيخ زيد بن مسفر البحري

 بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين. وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين. نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد. وكنا قد توقفنا عند قول الله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ)

 لما ذكر عز وجل طلب أولئك طلب أولئك وهم قوم نوح طلبوا من نوحٍ عليه السلام العذاب هنا ذكر عز وجل أن هؤلاء بعد هذا العناد لن يؤمن منهم إلا من قد آمن بك. (وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ) أي فلا تحزن (بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) من هذا الإجرام، ومن هذا الكفر، ومن هذا العناد (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أمره عز وجل أن يصنع السفينة وهي الفلك (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) بأعيننا، أي على حفظٍ منا وعلى مرأىً منا (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أي بما أوحينا إليك من صنع هذا الفلك. وقال هنا (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) ومن ثم فإن قوله تعالى: (بِأَعْيُنِنَا) هنا معتقد أهل السنة والجماعة من أن لله عز وجل عينين تليقان بجلاله وبعظمته، وذلك لدلالة الأحاديث النبوية وهذا معتقد أهل السنة والجماعة بدليل ماذا؟ بدليل أن النبي صلَ الله عليه واله وسلم كما ثبت عنه قال عن الدجال إن ربكم ليس بأعور بمعنى أن الدجال يدعي الربوبية فقال إن ربكم ليس بأعور ومعلومٌ أنه من هذا الكلام يدل على أن لله عز وجل عينين تليقان بجلاله وبعظمته خلاف ما ادعاه هذا الدجال من الربوبية فهو أعور إحدى العينين فقال إن ربكم ليس بأعور. وجاء حديث إذا قام العبد يصلي فإنه بين عيني ربه بصيغة التثنية، لكن هذا فيه ما فيه من المقال لكن مما يؤيد ما ذكر من أحاديث أيضا ما جاء في معجم الطبراني قوله صلَ الله عليه واله وسلم إن ربكم سميعٌ بصير، وأشار صلَ الله عليه واله وسلم إلى عينيه. وهذا الحديث قال عنه ابن حجر رحمه الله في الفتح إسناده حسن قلت مع أن فيه ابن لهيعة ولعله حسنه رحمه الله باعتبار الشواهد الأخرى مما يدل صراحةً على أن لله عز وجل عينين تليقان بجلاله وبعظمته. لكن لو قال قائل إن الله عز وجل قال: (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي) ذكرها مفردة. فالجواب عن هذا من أن كلمة عين أضيفت إلى ياء المتكلم. ومن هنا إذا أضيفت فإنها تقتضي أنها أكثر من واحدة. ولذا قال عز وجل (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ) قال نعمة مفردة لكن لما أضيفت فإنها عامة (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ومن ثم فإن الإفراد لما أضيف إلى ياء المتكلم دل هذا على ماذا؟ على أنها أكثر من واحدة. أما ما في هذه الآية وما يشبهها (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) أتت بصيغة الجمع لأن المضاف وهو أعين جمُع باعتبار ماذا؟ باعتبار (نا) التي هي للتعظيم لله عز وجل وهذا أسلوب من أساليب اللغة العربية من أن المضاف يجُمع على مثل هذا النحو وقد مر معنا ما يتعلق بذلك أيضا فيما يتعلق بيد الله عز وجل وفصلنا الحديث في قوله عز وجل (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) كذلك الشأن هنا فخلاصة القول أن لله عز وجل عينين تليقان بجلاله وبعظمته لا تشبه عيني المخلوق فيجب على المسلم أن يثبت ذلك فإنك (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) نهاه عز وجل أن يخاطبه في الذين ظلموا لمَ؟ لأن مصيرهم إلى الغرق (إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) يعني السفينة وأتى بصيغة الفعل المضارع مع أن الصنع قد مضى وانتهى من باب أن يستحضر المسلم والقارئ للقرآن كأن نوحاً ما زال يصنعها (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) يعني السفينة (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) سَخِرُوا مِنْهُ كيف يصنع سفينةً وهو في البر (سَخِرُوا مِنْهُ) قال نوح لهم (قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) فالجزاء من جنس العمل. وهنا ذكر العلماء أقوالاً كيف لنوحٍ عليه السلام أن يستهزأ بهؤلاء وذكروا أقوالا منها من أنه يستهزئ بهم لما استهزءوا به في مثل هذا الأمر يستهزأ بهم إذا نزل عقاب الله عز وجل بهم. أو كما قال بعض العلماء نحن نستجهلكم كما تستجهلوننا ومن ثم فإن قوله تعالى:(فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) هذا يدل على ماذا؟ على أن المجازاة مجازاة من ظلم ممن سخر بالسخرية فإنه لا يعد عيبا. ولذا مر معنا في قوله عز وجل 🙁الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) فدل هذا على أن السخرية نوعان فإذا كانت في مقابلةِ فإذا كانت نظير ما يسخر به الإنسان فعاقبه نظير عمله حتى تظهر القوة له وحتى يكون كلامه هو الصواب كنوحٍ عليه السلام فإنه لا يعد عيبا ومن ثم فإن مثل تلك الأقوال التي قالها بعض العلماء حتى يخرج نوحاً من الاستهزاء فالجواب عنه كما ذكرنا ولذلك قال عز وجل  (:فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وبينا أن صفة السخرية لله عز وجل ثابتةٌ مقيدة فهو يسخر عز وجل بمن يسخر بشرعه ومن يسخر بأوليائه ومن يسخر بدينه. (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (فَسَوْفَ تَعْلَمُون) فَسَوْفَ تَعْلَمُون يقول لهم نوح (فَسَوْفَ تَعْلَمُون مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) فَسَوْفَ تَعْلَمُون مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ في هذه الدنيا حيث يُخزى ويُذل (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) وهو عذاب الآخرة. ولذا قال عز وجل (مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) ما الذي بعدها؟ (فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا )  (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) حَتَّىٰ متعلقة بقوله ويصنع يعني (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) إلى أن أمره الله عز وجل بأن يخرج من تلك البلدة (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) جَاءَ أَمْرُنَا بعقاب هؤلاء(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ)والتنور اختلف فيه قيل هو ما على الأرض وقيل ما ارتفع من الجبال وقيل هو التنور الذي يخبز فيه وهذا هو الصواب لأن هذا هو المشهور في اللغة إذا جعل الله عز وجل لنوحٍ في إغراق قومه من أنه إذا رأى الماء قد نبع وفار من التنور هنا ليعلم أن أمر الله قد أتى فليخرج هو ومن آمن معه (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) وَفَارَ التَّنُّورُ (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا) قلنا لنوح احمل فيها يعني في السفينة (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ) أي من كل زوج نوعين من ذكرٍ وأنثى من الدواب (مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) يعني واحمل أهلك أيضاً معهم (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي من سبق عليه القول من أهلك فإنك لا تحمله لأنه سيكون من المغرقين وذلك كابنه كما سيأتي في آيات بعد هذه الآية وأيضاً كذلك زوجته ولذا قال عز وجل (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) الخيانة هنا هي الكفر وليست خيانة الزنا فإن الله عز وجل لم يجعل تحت نبي لم يجعل تحته امرأةً زانية. فقال عز وجل هنا (إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) أي احمل من آمن معك. وَمَنْ آمَنَ ثم بين (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) لم يؤمن معه. مع طول بقائه ألف سنة إلا خمسين عاما. لم يؤمن معه إلا القليل وهذا يدل على ماذا؟ على أن من يدعو إلى الخير لو قل الأعداد الذين معه أو لم يتبعه إلا القلة فإن في قصة نوحٍ عليه السلام أسوةً له مكث ألف سنة إلا خمسين عاما ومع ذلك لم يؤمن معه إلا القلة ومن ثم فإن العلماء اختلفوا كم عدد من آمن به وعلى كل حال لا نعرف دليلاً صحيحاً يثبت عدداً معينا المهم أن من آمن معه قله (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا) قال نوح لمن آمن معه (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا) أي في السفينة. (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) أي قولوا بسم الله، بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا أي حال جريانها مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا أي حال انتهاء سيرها (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) فهو عز وجل غفورٌ للذنوب. ومن ثم فإن من أذنب وهو مؤمن فتاب فإن الله يغفر له وينجيه وهو رحيم إذ رحم نوحاً ومن آمن معه فنجاهم من الغرق. (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (وَهِيَ تَجْرِي) يعني السفينة (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ) يعني أن الأمواج متلاطمة وعظيمة فهم يجرون في ماذا؟ يجرون في هذا الموت ومع هذا ما هي هذه السفينة التي كان يركبها نوحٌ ومن آمن معه قال عز وجل مبيناً من أنها كانت سفينةً ضعيفة ومع ذلك نجاهم الله عز وجل فقال (وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر)ٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر يعني مسامير (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) والله جل وعلا قادرٌ على أن ينقذه من غير سفينة. لكن أراد عز وجل من العباد أن يبذلوا الأسباب (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَال) ذلكم الموج وتلك الأمواج كالجبال الشاهقة ومع ذلك سبحان الله العظيم نجاهم الله عز وجل في موجٍ كالجبال (وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ) لما رأى نوحٌ عليه السلام وهو في السفينة رأى ابنه قد انعزل في مكانٍ (وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ) أتته رأفة ورحمة الأب فقال (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ )لا تبقَ مع الكافرين (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) قال هذا الابن سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ يعصمني من الماء لمَ؟ لأن هذا الولد كان كافرا ومن كان كافرا فإنه لا يتوكل على الله وإنما توكل على الأسباب المادية. (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) قال له أبوه (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) لا أحد يعصم من أمر الله (إِلَّا مَن رَّحِمَ) إلا من رحمه الله فلتركب معنا. وقيل عاصم بمعنى معصوم أي لا معصوم من أمر الله ومن قدر الله (إِلَّا مَن رَّحِمَ) إلا من رحمه الله عز وجل لكن ما الذي جرى (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) كلمة حال تدل على ماذا؟ تدل على أنه حال الموج بسرعة بينهما (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) ولذا قال بعض العلماء (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) من أجل ألا ينظر نوحٌ إلى ابنه وهو يغرق فإن الأب بقلبه رحمة لابنه ( وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) دل هذا على أنه لم يغرق وحده وإنما غرق معه من غرق وكان من المغرقين (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ والله جل وعلا يخاطب الجمادات ولها إدراكات يعلمها عز وجل. ونحن لا ندركها. ولذا قال تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) ولم يقل ابتلعي ابلعي من باب ماذا؟ من باب السرعة ومن باب ماذا؟ من باب ما يشابه بلع الإنسان بحيث لا يستقر الشيء في فمه. (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) أي ما عليك من الماء (وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي) أي كفي عن هطول الأمطار لم؟ لأن الله عز وجل قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ) أي ماء المطر وماء الأرض (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) على أمر قد قدره الله عز وجل  (وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ) أي نقص الماء (وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) قضي الأمر كما قال عز وجل : (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا)  قضي الأمر بين أهل الإيمان وبين أهل الكفر فنجى الله نوحاً ومن معه وأهلك من كفر من قومه فقال عز وجل:( وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) واستوت هنا لم يذكر شيءٌ وإنما دلالة السياق تدل على السفينة واستوت على الجودي والجودي جبلٌ جبلٌ في العراق كما قال بعض العلماء وقيل بالشام المهم( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا) أي هلاكاً (وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وهؤلاء قد ظلموا أنفسهم وما ظلمهم الله فكانت هذه العاقبة عاقبةً لهم. (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ) الفاء هنا ليست للترتيب الزمني وليست للتعقيب، وإنما هي فاء الترتيب في الذكر فهي تبين تلك المناداة. (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ) ما هي المناداة (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) مِنْ أَهْلِي لأنه قال عز وجل واحمل فيها من كلٍ زوجين اثنين وأهلك (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ( ولذا ماذا قال في تلك الدعوة ليس مصرحا وإنما وإنما هو عليه السلام يستلطف ويستعطف ربه ( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ إذ إن وعدك أن تنجي أهلي (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) قال هنا أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ لمَ؟ لأن له الحكم الشرعي فإنه عز وجل أرسل نوحاً بالشرع فلم يؤمن قومه وله جل وعلا الحكم القدري ولذا قدر على هؤلاء الغرق وله الحكم الجزائي الذي أوقع بهؤلاء جزاء أعمالهم (وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذين هم من أهل النجاة. (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.) وأما ما قاله بعض العلماء من أن هذا الابن ليس ابنا له وإنما امرأته قد زنت فإن مثل هذا الكلام باطل لما ذكرنا من أن قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) أي بالكفر وليس بالزنا كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما لم يجعل الله تحت نبيٍ امرأةً زانية. قال (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) إنه عملٌ سبحان الله جعل هذا الابن كأنه هو العمل الذي هو غير صالح. إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ مما يدل على ماذا؟ على أن من كفر بالله. فإن أعماله ليست صالحة. إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ وقيل إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ يعني إن سؤالك لنجاة ابنك عمل غير صالح ولا تعارض بين القولين.( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم  )أي ما ليس لك به علم فلا تسألني إلا ما تثبت منه(فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ  )ممن يسأل مما لا علم له به.( قَالَ رَبِّ) انظر نوح عليه السلام لجأ إلى الله (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ)  أستجير بك أعوذ بك أستجير بك (أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) فمن لم يغفر الله له ومن لم يرحمه فإنه من الخاسرين. وتأمل هذه الدعوة ومر معنا من أن سؤال المغفرة والرحمة ينجي العبد من الخسارة. ولذا قال عز وجل عن توبة آدم:( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وكما قال عز وجل عن قوم موسى لما عبدوا العجل قال عز وجل عنهم. (قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ) أي اهبط وأنزل من السفينة. (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا) أي سلامة من الآفات ومن الشرور (وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ) دل هذا على ماذا؟ على أن تلك السفينة لما استوت على الجودي أُمر بالهبوط ومن ثم فإنه عز وجل لطف به وبمن معه فطمأنهم من أن الآفات تزول عنهم ولا تزول الآفات فقط لأنه قال بسلام وإنما مع زوال الآفات حصول الخيرات. قال وَبَرَكَاتٍ مما يدل على ماذا؟ على أن نوحاً عليه السلام لما نجاه الله ومن معه هنا زالت عنهم الشرور لقوله بسلام وأتتهم الخيرات وبركات بِسَلَامٍ مِّنَّا قال بِسَلَامٍ مِّنَّا وما أعظم السلام الذي من الله عز وجل فإنه يكون في حفظ الله عز وجل وفي رعايته بِسَلَامٍ مِّنَّا قال وَبَرَكَاتٍ مما يدل على ماذا؟ على أن الخيرات تتوالى فهي كثيرة (بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ) يعني تلك البركات تكون عليك وعلى أمم من ذرية من معك في هذه السفينة بمعنى أن من معك في هذه السفينة ستكون لهم ذرية بها أمم تلك البركات كما تكون عليك تكون على تلك الأمم، ولكن من؟ الأمم المؤمنة. ولذا قال (وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ) (وَأُمَمٌ) هذا استئناف جديد وَأُمَمٌ يعني أمم كافرة وأممٌ من ذرية من معك (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) في هذه الدنيا (ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) ولذا قال عز وجل (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) يعني يا ذرية يا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا فتأسوا بنوحٍ عليه السلام. (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ) تلك يا محمد من أي بعض من أنباء من أخبار الغيب لأن قصة نوح ما كنت تعرفها وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أنك صادق فإنك أخبرت قريشاً بخبر نوحٍ عليه السلام (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ) أي ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا من قبل نزول هذا القرآن (فَاصْبِرْ ) على أذى كفار قريش لمَ؟(إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) فالعاقبة الطيبة الحسنة للمتقين كما قال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ)  فكل متقٍ فالعاقبة الطيبة له إلى قيام الساعة ولذا قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) ( وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا )  قصة هود عليه السلام مع قومه عاد وقد ذكرت في موطناً في غير هذا الموطن قصة هودٍ مفصلة وجمعت فيها ما جمعته مما قدره عز وجل من آيات في سورٍ متعددة من أراد أن يرجع إليها فليرجع إليها فقال عز وجل هنا ( وَإِلَىٰ عَادٍ) وذكر وذكر قوم عاد بعد نوح لأنهم هم بعد نوح. ولذا ماذا قال عز وجل كما في سورة الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) (وَإِلَىٰ عَادٍ) أي وأرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودا فهو أخوهم من حيث النسب. وإلا فلا أخوة بينهم وبينه من حيث الدين. لأن الأخوة في الدين إنما هي على الإيمان. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) وعادٌ هي في اليمن كما سيأتي بيانه كما ذكر عز وجل في سورة الأحقاف (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ) وكانت ديارهم ذات رمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ) أمرهم بماذا؟ أمرهم بالتوحيد، ولذا لو تأملنا ما قاله نوح أمرهم بعبادة الله. وما جاء في أول السورة (أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي ما أنتم إلا مفترون، لأن أعظم الافتراء هو الشرك بالله، ولذا مر معنا في تفسير سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا). فقال لهم (إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ). (يَا قَوْمِ) هذا من باب التلطف معهم. (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) أي لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) أي ما أجري إلا على الذي فطرني أي خلقني وهو فطركم وخلقكم إذا كما أنه هو الذي فطرني وفطركم فهو الذي يستحق العبادة.  (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) أليست لديكم عقول حتى تتركوا الشرك وتؤمنوا بالله عز وجل؟! (وَيَا قَوْمِ) هذا أيضاً تكرار منه من باب التلطيف ومن باب أن يستلطفهم (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) مر معنا مرارا من أن الاستغفار إذا ذكر فتدخل فيه التوبة والتوبة إذا ذكرت يدخل الاستغفار لكن إذا اجتمعتا فالمراد بالاستغفار لما مضى والتوبة لما يستقبل. يعني العبد يستغفر من ذنبه الماضي وعليه أن يستمر على تلك التوبة. فقال عز وجل عنه (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)   وتأمل هنا ماذا قال عز وجل في أول السورة (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) إذا أُمروا في شريعة محمدٍ صلَ الله عليه واله وسلم  بالتوحيد وبالاستغفار ومن ثم في قصة عاد في قصة عاد ذكر لهم نبيهم هود الاستغفار والتوبة ما ثمار التوبة والاستغفار (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا) يعني المطر مدرارا يعني كثيرا ولعله والعلم عند الله أصابهم ما أصابهم من قحط فكان هذا من بيان ثمرات الاستغفار ولذا قال نوحٌ عليه السلام (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ) هم معهم قوة عظيمة ولذا ماذا قال عز وجل عنهم:( وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)  فلهم قوةٌ عظيمة ومع ذلك ذلكم الاستغفار وتلكم التوبة تزيد العبد قوة ولذا فاطمة رضي الله عنها لما اشتكت من كثرة العمل بالبيت فقالت يا رسول الله لو أعطيتني خادماً يخدمني فقال صلَ الله عليه واله وسلم  ألا أدلك على ما هو خيرٌ من خادم؟ فأرشدها إلى أن تقول عند النوم سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين والله أكبر أربعاً وثلاثين هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هذا الذكر يقويها على العمل (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ) تلك القوة تكون لكم قوة أخرى قوة في الأبدان وقوة في طاعة الله عز وجل (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) أي لا تعرضوا وأنتم مجرمون، حالة كونكم مجرمين. وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ أي لا تنصرفوا مجرمين فكأنه عليه السلام أحس من أن هؤلاء ليست قلوبهم مقبلة وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ. (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ أي ببيانٍ واضح يدل على أنك صادق (مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ) أي بسبب قولك (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) لتقطع اليأس (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ). ولذا في سورة الأعراف (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فقال عز وجل عنهم (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ) أي ما نقول إلا اعتراك أي أصابك (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) لما عبت آلهتنا أصابتك بسوءٍ وجنون فأصبحت تهذري وتقول هذا القول يا هود. وتأمل ماذا قالوا؟ (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ) يعني بعض آلهتنا يعني لو أن آلهتنا اجتمعت عليك لأصبت بضررٍ أعظم ونعوذ بالله من الطغيان (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) لكن صدع عليه السلام مع أنه كان وحده وأمامهم. وأيضاً هم من القوة ما هم من القوة ومع ذلك ماذا قال؟ (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ) أشهد الله على أنه لا إله إلا هو وإن عبادتكم باطلة (وَاشْهَدُوا) أنتم أيضا (أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) (مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ) يعني اجتمعوا علي بكل كيد وبكل مكر جميعا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ أي لا تجعلوا مهلةً من الزمن، بل إنكم تجتمعون وتفعلون بي ما تفعلون ولا تنظرون. (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) وهذا من توكله عليه السلام (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم) لما قال على الله أكد ذلك من أنه هو الإله الذي يستحق العبودية وهو الرب الذي لم تعبدوه لكنه هو معبودي وهو ربي (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ) في الأرض (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا.) الناصية مقدمة الرأس ومن أخذت بناصيته فإن هذا يدل على الإذلال وعلى الخضوع (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا.) وأنتم دواب تسيرون في الأرض ولو كانت بكم من القوة ما بكم من القوة فنواصيكم بيد الله. ولذا ماذا قال (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). أيضاً هو عز وجل على صراطٍ مستقيم، إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ معنى ذلك أقواله عدل، أفعاله عدل، أحكامه عدل. يعني إن أخذكم وعاقبكم فهو ليس بظلمٍ منه عز وجل (إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). (فَإِن تَوَلَّوْا) أي أعرضوا (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ. يعني ما أمرت به من التبليغ بلغت (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ولذا عاقبهم الله عز وجل قال (وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا) وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا في سورة التوبة ماذا قال تعالى: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا) لم يقل ولا تضرونه شيئاً في سورة التوبة لمَ؟ لأنها معطوفة على ما هو مجزوم إلا إن الشرطية وما بعدها من فعلٍ وجوابٍ للشرط. فقال ولا تضره شيئاً بحذف حرف النون لأنه من الأفعال الخمسة لكن هنا معطوفٌ على مرفوع (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) فهو على كل شيءٍ حفيظ. يحفظني منكم ومن بطشكم. وأيضاً يحفظ أعمالكم وأقوالكم وسيعاقبكم الله عز وجل عليها. (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا بهلاك قوم عاد (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا) نجا الله عز وجل هوداً. والذين امنوا معه (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا) برحمةٍ من الله عز وجل وهذا يدل على ماذا؟ على أن هناك من قوم عاد قد آمن بهود عليه السلام. فقال عز وجل (بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) ذلكم العذاب الغليظ هي تلك الريح. قال عز وجل (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (وَتِلْكَ عَادٌ) قال وَتِلْكَ عَادٌ تلك الإشارة إلى ماذا؟ إلى قوم عاد والإشارة إلى آثارهم التي بقيت بعدهم ينظر إليها من وفقه الله عز وجل للاعتبار (وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ) جحدوا بآيات ربهم لم يقوموا بحق الله فيما يتعلق بآيات الله ولم يقوموا بحق نبيهم هود وعصوا رسله ولم يقل وعصوا هوداً أو عصوا رسوله وعصوا رسله لأن من كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل لأن الرسول يأتي بدعوة التوحيد وكل نبيٍ أتى بالتوحيد، ولذا ماذا قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) مما يدل على أن من كذب بنبي فقد كذب بجميع الأنبياء (وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)  اتبعوا يعني أن الأراذل اتبعوا الأسافل اتبعوا من؟ الكبراء والرؤساء الجبارين اتبعوا هؤلاء واتبعوا أمر أمر أي ما يأمر به وما هو حال لهؤلاء المتكبرين واتبعوا أمر كل جبار عظيم الجبروت والغلظة والشدة عنيد معاند للحق وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) بعد ذلك العذاب أتبعوا مع ذلك العذاب أتبعوا به بلعنةٍ من الله. وهي الطرد والإبعاد عن رحمة الله. (وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) بمعنى أنهم ملعونون في الدنيا وفي الآخرة. (وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا) للتنبيه وهي للتوكيد. إن للتوكيد (أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ) ذلكم العذاب وتلكم اللعنة بسبب كفرهم (أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا) أي ألا سحقاً وهلاك. (أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) الذين أتاهم نبيهم الذي نصح لهم وقال يا قومي وكرر ذلك كله ومع ذلك لم يؤمنوا به.