تفسير قوله تعالى ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ …) سورة النساء الآية (92 )

تفسير قوله تعالى ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ …) سورة النساء الآية (92 )

مشاهدات: 456
   تفسير قوله تعالى
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا }
النساء92 الآية
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
     أما بعد :
فمما تلي في هذه الليلة ،  قوله تعالى :
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } النساء92
قوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } يدل على أن من حمل في قلبه الإيمان الكامل لا يقدم على قتل المؤمن ، هذا محال ، محال أن يدعوه إيمانه إلى قتل أخيه المسلم ، ولذلك قال تعالى نافيا
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا } لم يقل ( وما كان لإنسان ) لا ،
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } يمكن أن يقع قتل المؤمن للمؤمن عن طريق الخطأ ، أما عن طريق العمد لا يمكن أن يكون هذا ممن حمل إيمانا في قلبه ،
 ولذا قال تعالى بعد هذه الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا } على وجه العمد { فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا } انظروا على عِظم هذا الوعيد المتكرر { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }النساء93
لكن إن وقع قتل من مؤمن لآخر على سبيل الخطأ ، هنا لا يكون آثما ، والقتل عن طريق الخطأ مثاله : أن يرمي إنسان صيدا فيصيب إنسانا ، هذا قتل الخطأ ، أو يريد أن يصيب هدفا ما ، فوقعت هذه الإصابة في إنسان مؤمن ، ويلحق بقتل الخطأ ما يجري في هذا العصر من حوادث السيارات ، كأن يركب إنسان مع آخر ثم يحصل انقلاب أو حادث فيموت هذا الراكب ، هنا على السائق أمر ، ما هو هذا الأمر ؟ الدية والكفارة ،
ولذا قال تعالى { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } يعني لو حصل قتل الخطأ لمؤمن ، ما الذي يلزم هذا القاتل ؟ يلزمه أمران : الكفارة ، ما هي الكفارة ؟ تحرير رقبة مؤمنة ، كأن يعتق رقيقا أو أمة مؤمنة ، وهنا قد يعدم مثل هذا الأمر في هذا الزمن أو يقل ، ويمكن لإنسان إذا وقع في مثل هذه الأمور ، ونسأل الله ألا يبتلينا وإياكم ، يمكن أن يذهب إلى دار الإفتاء فيتفق معهم على أن يعتقوا له رقبة توجد في بعض البلدان الإفريقية ، يمكن يأخذون عليه عشرين ألفا ، أو ما شابه ذلك ، لكن في الغالب أن الرقبة تكون معدومة أو قليلة ، إذاً هذه الكفارة ، وهي عتق رقبة ، والدية ( مائة من الإبل ) كما جاءت بذلك السنة ، وتقدر بالنقود الموجودة في هذا العصر
ولكن هذه الدية تُسلم إلى أولياء المقتول{ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فأفهمتنا هذه الآية أن الإنسان إذا قُتل له قتيل على سبيل الخطأ ، أن الأفضل في حق الورثة أن يعفوا عن هذه الدية للقاتل ، وتكون هذه الدية صدقة لهم ، كما أن العفو عن القصاص صدقة ، كما قال تعالى في سورة المائدة { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ }المائدة45 ، يعني لو أن إنسان جُرح ثم عفا ، هذا العفو صدقة وتطهيرا له ، وكذلك لو أن شخصا قتل له قتيل على وجه العمد ثم عفا عن القاتل ، فتكون صدقة لولي المقتول ، ولذا جاء عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ تصدَّق بشيء من جسده كان كفارة له بقدر ما عليه من الذنوب ) إذاً العفو عن الدية فيه خير عظيم .
وهنا أمر وهو : أن بعضا من الناس قد يحصل له حادث فيموت معه إنسان فيأتي المرور ويقول عليك خطأ مثلا بنسبة عشرة في المائة  ، فيحمله القاضي مثلا من الدية عشرة في المائة  ، فهل تجب عليه الكفارة وهي عتق رقبة ، مع أن الخطأ عليه عشرة في المائة  أو خمسة في المائة  ؟
الجواب / نعم ، متى ما وقعت نسبة واحدة من الخطأ فعليه الكفارة ، أما الدية ، فعلى تقدير المرور ، فيما لو قال عليه خمسون أو أربعون في المائة يحددها القاضي ، هذا فيما يتعلق بالدية .
ثم قال جل وعلا : { فَإِن كَانَ } يعني المقتول { مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } بمعنى أنه لو كان في صفوف الأعداء رجل مسلم فقتل يُظن أنه كافر ، فتبين أنه مؤمن ، فماذا يلزم القاتل ؟ يلزمه أمر واحد وهو عتق رقبة ، وهي الكفارة ، هذا صنف ، الصنف الثالث  { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } يعني لو كان بيننا وبين الكفار عهد ، وقتل قتيل لهم من مؤمن على سبيل الخطأ ، فيلزم فيه ما يلزم في القتيل المسلم ، ما الذي يلزم في القتيل المسلم ؟ الكفارة والدية
ومثال هذا : أن يسير إنسان مسلم على سيارته فيصدم إنسانا كافرا يعيش بيننا ، هنا له الدية ، ولهم دية محددة إن كان يهوديا أو نصرانيا ، فعليه ثلث دية المسلم ، فعليه الدية والكفارة ، وهي عتق رقبة { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ } يلزمه أن يصوم شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بفاصل ، فإن فصل بينهما بفاصل من غير عذر فإن عليه أن يستأنف من جديد ، ويمكن أن يكون الصيام في هذا العصر هو المتيسر ، بخلاف عتق الرقبة ، إن وجد الإنسان عتق رقبة عن طريق الإفتاء كما قلنا من قبل ، فهذا شيء آخر ، وإلا فعليه الصوم [  وكل نفس لها كفارة ] لو أن شخصا مات معه في الحادث مثلا عشرة ، فعليه عشر كفارات ، كل واحد صيام شهرين متتابعين .
ولو قال قائل ؟
 لو أن شخصا اعتدى على حامل ، أو أن الحامل رفعت شيئا ثقيلا فأسقطت جنينها ، فهل تلزمها الكفارة ، وهي صيام شهرين متتابعين ؟ نعم ، أي نفس تقتل فعلى القاتل خطأً الكفارة ، صيام شهرين متتابعين { تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على عظم الإسلام ، لأن الخاطئ قد لا يسلم من أن يقع منه تفريط ، فأوجب الله عز وجل عليه الكفارة ، لكن الدية هل تلزمه هو أو تلزم عاقلته ، وهم أقرباؤه ؟ الدية في قتل الخطأ تلزم العاقلة ، كما جاءت بذلك السنة ، ومن ثمَّ فإننا نرى أناسا يقفون في المساجد ويسألون الناس المساعدة في تسديد دية عليهم عن طريق حوادث جرت ، هذا السائل إن كان له عاقلة أغنياء ، فواجب عليهم أن يدفعوا له ، وهذا أمر يجب يتنبه إليه ، وهو أن الإنسان لو كان بين أسرة وقد حصل منه قتل خطأ ، فواجب عليك إن كنت قادرا ، أن تشارك في دفع الدية ، وليست مِنَّة منك ولا معونة ، إنما هو واجب شرعي ، متى ما تخلَّفت عنه أثمت ، فليتبين وليتنبه لهذا الأمر ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .