قوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } يدل على أن من حمل في قلبه الإيمان الكامل لا يقدم على قتل المؤمن ، هذا محال ، محال أن يدعوه إيمانه إلى قتل أخيه المسلم ، ولذلك قال تعالى نافيا
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا } لم يقل ( وما كان لإنسان ) لا ،
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} يمكن أن يقع قتل المؤمن للمؤمن عن طريق الخطأ ، أما عن طريق العمد لا يمكن أن يكون هذا ممن حمل إيمانا في قلبه ،
ولذا قال تعالى بعد هذه الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا } على وجه العمد { فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا } انظروا على عِظم هذا الوعيد المتكرر { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }النساء93
لكن إن وقع قتل من مؤمن لآخر على سبيل الخطأ ، هنا لا يكون آثما ، والقتل عن طريق الخطأ مثاله : أن يرمي إنسان صيدا فيصيب إنسانا ، هذا قتل الخطأ ، أو يريد أن يصيب هدفا ما ، فوقعت هذه الإصابة في إنسان مؤمن ، ويلحق بقتل الخطأ ما يجري في هذا العصر من حوادث السيارات ، كأن يركب إنسان مع آخر ثم يحصل انقلاب أو حادث فيموت هذا الراكب ، هنا على السائق أمر ، ما هو هذا الأمر ؟ الدية والكفارة ،
ولذا قال تعالى { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } يعني لو حصل قتل الخطأ لمؤمن ، ما الذي يلزم هذا القاتل ؟ يلزمه أمران : الكفارة ، ما هي الكفارة ؟ تحرير رقبة مؤمنة ، كأن يعتق رقيقا أو أمة مؤمنة ، وهنا قد يعدم مثل هذا الأمر في هذا الزمن أو يقل ، ويمكن لإنسان إذا وقع في مثل هذه الأمور ، ونسأل الله ألا يبتلينا وإياكم ، يمكن أن يذهب إلى دار الإفتاء فيتفق معهم على أن يعتقوا له رقبة توجد في بعض البلدان الإفريقية ، يمكن يأخذون عليه عشرين ألفا ، أو ما شابه ذلك ، لكن في الغالب أن الرقبة تكون معدومة أو قليلة ، إذاً هذه الكفارة ، وهي عتق رقبة ، والدية ( مائة من الإبل ) كما جاءت بذلك السنة ، وتقدر بالنقود الموجودة في هذا العصر
ولكن هذه الدية تُسلم إلى أولياء المقتول{ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فأفهمتنا هذه الآية أن الإنسان إذا قُتل له قتيل على سبيل الخطأ ، أن الأفضل في حق الورثة أن يعفوا عن هذه الدية للقاتل ، وتكون هذه الدية صدقة لهم ، كما أن العفو عن القصاص صدقة ، كما قال تعالى في سورة المائدة { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ }المائدة45 ، يعني لو أن إنسان جُرح ثم عفا ، هذا العفو صدقة وتطهيرا له ، وكذلك لو أن شخصا قتل له قتيل على وجه العمد ثم عفا عن القاتل ، فتكون صدقة لولي المقتول ، ولذا جاء عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ تصدَّق بشيء من جسده كان كفارة له بقدر ما عليه من الذنوب ) إذاً العفو عن الدية فيه خير عظيم .
وهنا أمر وهو : أن بعضا من الناس قد يحصل له حادث فيموت معه إنسان فيأتي المرور ويقول عليك خطأ مثلا بنسبة عشرة في المائة ، فيحمله القاضي مثلا من الدية عشرة في المائة ، فهل تجب عليه الكفارة وهي عتق رقبة ، مع أن الخطأ عليه عشرة في المائة أو خمسة في المائة ؟
الجواب / نعم ، متى ما وقعت نسبة واحدة من الخطأ فعليه الكفارة ، أما الدية ، فعلى تقدير المرور ، فيما لو قال عليه خمسون أو أربعون في المائة يحددها القاضي ، هذا فيما يتعلق بالدية .
ثم قال جل وعلا :{ فَإِن كَانَ } يعني المقتول { مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } بمعنى أنه لو كان في صفوف الأعداء رجل مسلم فقتل يُظن أنه كافر ، فتبين أنه مؤمن ، فماذا يلزم القاتل ؟ يلزمه أمر واحد وهو عتق رقبة ، وهي الكفارة ، هذا صنف ، الصنف الثالث { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } يعني لو كان بيننا وبين الكفار عهد ، وقتل قتيل لهم من مؤمن على سبيل الخطأ ، فيلزم فيه ما يلزم في القتيل المسلم ، ما الذي يلزم في القتيل المسلم ؟ الكفارة والدية
ومثال هذا : أن يسير إنسان مسلم على سيارته فيصدم إنسانا كافرا يعيش بيننا ، هنا له الدية ، ولهم دية محددة إن كان يهوديا أو نصرانيا ، فعليه ثلث دية المسلم ، فعليه الدية والكفارة ، وهي عتق رقبة { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ } يلزمه أن يصوم شهرين متتابعين لا يفصل بينهما بفاصل ، فإن فصل بينهما بفاصل من غير عذر فإن عليه أن يستأنف من جديد ، ويمكن أن يكون الصيام في هذا العصر هو المتيسر ، بخلاف عتق الرقبة ، إن وجد الإنسان عتق رقبة عن طريق الإفتاء كما قلنا من قبل ، فهذا شيء آخر ، وإلا فعليه الصوم [ وكل نفس لها كفارة ] لو أن شخصا مات معه في الحادث مثلا عشرة ، فعليه عشر كفارات ، كل واحد صيام شهرين متتابعين .
ولو قال قائل ؟
لو أن شخصا اعتدى على حامل ، أو أن الحامل رفعت شيئا ثقيلا فأسقطت جنينها ، فهل تلزمها الكفارة ، وهي صيام شهرين متتابعين ؟ نعم ، أي نفس تقتل فعلى القاتل خطأً الكفارة ، صيام شهرين متتابعين { تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على عظم الإسلام ، لأن الخاطئ قد لا يسلم من أن يقع منه تفريط ، فأوجب الله عز وجل عليه الكفارة ، لكن الدية هل تلزمه هو أو تلزم عاقلته ، وهم أقرباؤه ؟ الدية في قتل الخطأ تلزم العاقلة ، كما جاءت بذلك السنة ، ومن ثمَّ فإننا نرى أناسا يقفون في المساجد ويسألون الناس المساعدة في تسديد دية عليهم عن طريق حوادث جرت ، هذا السائل إن كان له عاقلة أغنياء ، فواجب عليهم أن يدفعوا له ، وهذا أمر يجب يتنبه إليه ، وهو أن الإنسان لو كان بين أسرة وقد حصل منه قتل خطأ ، فواجب عليك إن كنت قادرا ، أن تشارك في دفع الدية ، وليست مِنَّة منك ولا معونة ، إنما هو واجب شرعي ، متى ما تخلَّفت عنه أثمت ، فليتبين وليتنبه لهذا الأمر ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .