تفسير قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم …) سورة النساء الآية (11)

تفسير قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم …) سورة النساء الآية (11)

مشاهدات: 639

تفسير قوله تعالى

{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ }

النساء11 الآية

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد :

فهنا تنبيه قبل أن نشرع في درسنا ، أحيانا ندع القنوت ، وتركنا للقنوت هو من اتباع السنة ، لأن هذا القنوت ليس واجبا ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرت عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ، قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد على إحدى عشرة ركعة ، لا في رمضان ولا في غير رمضان ، يصلي أربعا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن ، ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن طولهن وحسنهن ، ثم يصلي ثلاثا )، ولم تذكر رضي الله عنها أنه قنت ) فدل هذا على أن ترك القنوت في بعض الليالي من السنة ، هذا ما أردنا التنبيه عليه ، لأن بعضا من الناس إذا تركنا القنوت كأنه وجد في نفسه أنه لم يصل الوتر ، وليس من السنة أن يكون هذا الظن موجودا .

فمما تلي في هذه الليلة ، قول الله تعالى :

{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا }النساء11

هنا أوصى الله سبحانه وتعالى الوالدين وصية يحرِّص فيها على الأبناء والأولاد ، فكما أن الله سبحانه وتعالى أوصى الأولاد بوالديهم خيرا ، فكذلك أوصى الله سبحانه وتعالى الوالدين بأولادهم خيرا ، إذاً هنا مصالح متبادلة ، حقوق متبادلة ، فكما يجب على الأولاد لوالديهم من الحقوق ، فكذلك يجب على الوالدين لأولادهم حقوق ، وإذا فرَّط أحد الطرفين في حقه الذي أوجبه الله عليه ، فإن الأمور تختل ، وما ترى اختلالا وضعفا في العلاقة بين الوالد وولده ، إنما هو حاصل من تفريط أحد الطرفين ، قد يكون الولد مفرطا وقد يكون الوالد مفرطا ، ومن ثمَّ فإن الواجب علينا إذا كانت هناك علاقة غير جيدة بيننا وبين والدينا أو بيننا وبين أولادنا

علينا أن نفكر فيما نفعل ، وفيما أوجبه الله علينا ، هل أقمنا الحق الذي أوجب الله علينا أم لا ؟ لا شك أن من حاسب نفسه وجد الخلل ، فقول الله تعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } ذكر فرض وإرث الأولاد { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } بمعنى أنه لو اجتمع الأولاد من ذكور وإناث بعدما مات أبوهم ، هنا يكون للذكر نصيبان ، ويكون للأنثى نصيب واحد ، وأضرب على ذلك مثالا ، لو أن شخصا هلك وترك ذكرين وبنتاً ، وخلَّف عشرة آلاف ريال ، ما نصب البنت وما نصيب الأولاد ؟

قاعدة :

 [ نأخذ المبلغ ونقسمه على رؤوس هؤلاء الأولاد ، فإن كان فيهم ذكور ، فالذكر نجعله اثنين ، والبنت نجعلها واحدة ]

 هلك شخص عن ولدين ، وأنا أقول ولدين من باب مصطلح الناس ، وإلا فالولد في اللغة يطلق على الذكر والأنثى ، فلو خلَّف ذكرين من الأولاد وبنتا ، نأخذ عشرة آلاف ريال ونقسمها على كم ؟ خمسة ، الناتج ألفان ، هذا نصيب البنت ، ونصيب الولدين أربعة و أربعة ، فالمجموع عشرة ، هذا إذا اجتمع الذكور والإناث { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ }

إذاً لو ترك الأب ابنتين ولم يترك ذكورا ، هنا كم يكون للبنتين ؟ ثلثا التركة ، فلو ترك أربع بنات كم لهن ؟ الثلثان ، لو ترك عشر بنات لهن الثلثان ، وهكذا ، إذاً من اثنتين فأكثر الثلثان ، أضرب مثالا : لو أن شخصا خلَّف ابنتين ، وليس هناك ذكر ، وكانت التركة مثلا خمسة عشر ألف ريال ، كم يكون للبنتين ؟ عشرة آلاف ، المتبقي لأقرب عصبة ، قد يكون هناك عصبة أب ، وقد يكون هناك عصبة أخ { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لكن إن كانت واحدة ؟ قال تعالى { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } يعني إن ترك الأب بنتا واحدة لها النصف ، ترك ابنتين فلهما الثلثان ، فلو أن شخصا هلك عن بنت وعن أب ، وكانت التركة عشرة آلاف ريال ، كم يكون للبنت ؟ خمسة آلاف ، والمتبقي للأب .

ثم لما ذكر سبحانه وتعالى فرض الأولاد الذين هم الفروع ، ذكر إرث الأصول ، من هم الأصول ؟ الأب والأم ، ولذا قال تعالى { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ }

 إذاً متى تأخذ الأم السدس ؟ ومتى يأخذ الأب السدس ؟ إذا كان هناك ولد ذكر ، لو أن شخصا هلك عن ولد وعن بنت وعن أب وأم ، الأم والأب  كم نعطيهما ؟ السدس ، والمتبقي للولد وللبنت { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } كيف نقسم مثل هذه القسمة بالآية الحاسبة لأنها أسهل ، وإلا للفرضيين طريقة في التقسيم والحساب ؟ الآن مثلا عندنا مائة ألف ريال تركها هذا الشخص ( هلك عن أب وعن أم وعن ولد وعن بنت ) أول ما نبدأ بأصحاب الفرض السدس ، نأخذ المبلغ مائة ألف ريال ونقسمه على ستة ، الناتج مقدار الأب ، ونأخذ مثله للأم ، إذا أخرجنا من مائة ألف السدسين اللذَيّن هما مقدار الأب والأم ، المتبقي نُقسِّمه على رؤوس الأولاد من الذكور والإناث، هو ترك ولد وبنت ، نننإذاً الولد عن اثنين والبنت عن واحدة ، إذاً المتبقي نقسمه على ثلاثة ، والناتج مقدار البنت والمتبقي للولد .

ثم قال سبحانه وتعالى { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ }

لو أن شخصا هلك ولم يدع أولادا لا ذكورا ولا إناثا ، كم نصيب الأم ؟ نص سبحانه وتعالى هنا على أن نصيب الأم الثلث ، وأبهم نصيب الأب ، فدل على أن الرجل لو هلك عن أمه وعن أبيه ، الأم كم نعطيها الثلث والمتبقي نعطيه الأب ، لما نص على نصيب الأم وهو الثلث ، دل على أن المتبقي للأب .

{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ }

 إذاً لو كان من بين الورثة أخوة ، هنا الأخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس ، ولابد أن يكونوا اثنين فأكثر ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا ، ثم كل هذا { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } دل على أن التركة لا تقسم على الورثة ، وإنما قبل ذلك إذا ترك الشخص تركة ننظر هل عليه دين ، أول ما ننظر إلى الدين ، لأن ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى ما عليه )  كما جاء عند الترمذي ، ننظر هل عليه ديون ، فإن كان عليه ديون ، استخرجنا هذه الديون من هذه التركة ثم سددنا الدين ، إذا لم يوجد دين ، ننظر هل هذا الميت أوصى أو لم يوصِ ؟  فإن أوصى نخرج الوصية ، والمتبقي بعد سداد الدين وبعد تنفيذ الوصية ، ماذا يصنع به ؟ يوزع على الورثة ، ومن ثم فإن هناك من الورثة من هو عاق وقاطع لميته ، فإن بعضا منهم قد يكون على مورثه ديون ولديه عقارات خلَّفها ، فينتظر حتى ترتفع أسعار هذه العقارات ثم يسدد ما على مورثه ، وهذا ظلم ، فإن الواجب على المسلم أن يسدد ما على مورثه من الديون ، ولو كانت الممتلكات التي تركها بعد وفاته لا تساوي إلا مبلغا قليلا ، ولا يُنتظر بها حتى ترتفع أسعارها ، فهذا ظلم وجور ، لأنه من حق الميت لا من حقك أنت أيها الوارث ، ما لك حق إلا إذا سددت الدين ونفذت الوصية ، ما بقي فهو لك .

ثم قال سبحانه وتعالى{ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }

قد يجنح بعض الناس فيحرم بعض ورثته ، قد يخصص المال لوالديه حتى يحرم أولاده ، أو يخصص المال لأولاده حتى يحرم والديه ، وهذا ظلم ،ولذلك قال تعالى  { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }

ما تدري النفع فيمن ، في الأولاد أو في الوالدين ؟

 إذاً ما الواجب علينا ؟ الواجب علينا أن نقيم شرع الله في المواريث ، بأن نعطي كل ذي حقٍ حقه ، ومن ثم فهنا نصيحة لنفسي ولكم ، أن نتقي الله سبحانه وتعالى في الإرث ، لأن بعضا من الناس قد يوصي وصية لا يريد منها البر والتقوى ، لا يريد منها إلا أن يحرم ورثته هذا المال أو جزءا من هذا المال ، بعض الناس قد يوقف ويُسبِّل عقارات له من أجل أن يحرم ورثته ، وهذا ظلم ولا يؤجر عليه ، بل يأثم ، وهناك من الناس من يوقف ويسبل ممتلكاته على أولاده ، لم يا فلان تسبلها ؟ أتريد البر والتقوى ؟ إن كان يريد البر والتقوى وعدل في هذا الوقف وقسمه على الورثة ، فهنا شيء آخر يثاب عليه ، لكن إن أراد بالوقف أن يُحجِّر على أبنائه ، فيقول من أجل ألا يصل هذا المال في أيديهم ، أريد أن أحبس لهم هذا المال بعد وفاتي ، نقول هذا ظلم ، الله سبحانه وتعالى أوجب لهم هذا ، ليس لك حق ولا نصيب ، بعد موتك انتقل هذا المال منك إلى ورثتك ، فلا يجوز للإنسان أن يجنح إلى مثل هذا فيوقف أو يُسبِّل من أجل أن يحرم الورثة أو من أجل أن يحجر عليهم ، يقول أخشى أن هذا المال الذي جمعتهم أن يذهب مع فلان أو فلان ، أو ربما البنت تأخذ هذا المال ثم يأخذه زوجها ، أو ما شابه ذلك ، فهذا كله من الظلم ، الله سبحانه وتعالى أوجب وقدَّر لكل شخص قدره ونصيبه من الإرث ، فلا يجوز لك أن تعتدي ، ولذلك ماذا قال سبحانه وتعالى ؟ قال { فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } هو أعلم وأحكم جل وعلا ، فيضع الشيء في موضعه المناسب له { فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } فهذا المال بعدما يتركه الميت ليس له ، وليس له حق التصرف فيه ، وإنما ينتقل إلى الورثة إجبارا ، ولذلك مما يدل على أن هذا المال بعد وفاة الإنسان ليس مالا له وإنما انتقل إلى الورثة ، لو أن شخصاً عُلم واشتهر أنه يرابي وأنه يرشي وأن أمواله كلها سحت ، وأنه أخذها من طرق محرمة ، وأصبحت لديه ملايين ، ثم مات فإن هذا المال حِلٌ لأبنائه ، لهم الغُنم وعليه الغُرم ، هو يعذب في قبره نتيجة ما فعل وما صنع من سلب هذه الأموال من الطرق المحرمة ، لكن هذا المال انتقل إلى ورثته انتقالا شرعيا بسبب مباح شرعي وهو الإرث ، ثم ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك إرث الزوجات والأزواج والأخوة ، ونكتفي بهذا القدر

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .