بسم الله الرحمن الرحيم
تقريب شرح السنة لعامة الأمة
[ صحيح البخاري ]
بابٌ: [كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ]
الحديث الأول – والحديث الثاني
25/3/1446هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
———————————-
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد:
فنشرع بعون من الله عز وجل في شرح صحيح البخاري،
وقد سبق وأن شرحنا صحيح البخاري فيما يتعلق بأحاديثه الأُوْل، وكان شرحًا موسعًا، لكن يبدو أن الهمم في هذا الزمن ضعفت.
فقلنا: من باب تقريب كتب السنة لعامة الأمة، نشرح كتب السنة بداية من صحيح البخاري شرحًا ميسرًا، وأما بالنسبة إلى البخاري، فترجمته لنا فيها كلام ما يقرب من ساعة في اليوتيوب في الشرح السابق، فليعاد إليه.
———————————-
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بابٌ: [كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ]
الوحي: هو الإعلام بخُفية هذا من حيث أصله،
وقد يطلق على الإشارة، {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] ويطلق أيضًا على الإلهام {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، ويطلق على الأمر {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 4-5] يعني أَمَرَها.
ولذلك في سورة الانشقاق { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 3-5].
———————————-
وقول الله جل ذكره {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]
مناسبة ذكر البخاري لهذه الآية؛ لأن هذه الآية تدل على أن جميع الرسل أتت بالتوحيد وبالإخلاص لله عز وجل، فأنت يا محمد لست ببدع من الرسل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] ثم ذكر البخاري رحمه الله تحت هذا الباب الحديث الأول يتعلق بالنية.
قال: حدثنا الحميدي [عبد الله بن الزبير]
طبعا المكي من الثقات رحمه الله.
قال: حدثنا سفيان بن عيينة أيضًا مكي وهو من الثقات المشهورين، وهنا لطيفه وهي الوحي نزل على النبي عليه الصلاة والسلام في مكة، والبخاري له ترتيبات عجيبة،
-وُفِّقَ الرجل- مع أن ما ذكره في هذا الكتاب إنما هي أحاديث وآيات وبعض التعليقات منه رحمه الله، فابتدأ بذكر أول شيخ من مشايخه من أنه مكي، ثم أيضًا ثنّاه بسفيان هو مكي.
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ المدني -سبحان الله- يعني انتقل النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مهاجرًا، ولذلك انتشر العلم في المدينة.
ويحيي بن سعيد الأنصاري هو مدني وتابعي.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أيضًا مدني، وهو من التابعين -من الأوساط التابعين-
أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، أيضًا مدني، وهو من كبار التابعين حتى قيل: إن له صحبة، لكن الأشهر من أنه تابعي.
إذًا الرواة ثلاثة رواة على نسق واحد هم من التابعين يقول:
سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، المنبر: مبهم هنا لكن آل هنا للعهد يعني منبر النبي
عليه الصلاة والسلام.
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: انظروا وهو على المنبر ماذا يقول؟
سمعت هذا يدل على أن توثيق الأحاديث في الخطب له أصل،
لأنه لما قال سمعت وهي من أدوات التحمل القوية يدل على ماذا؟
يدل على أنه يريد إثبات صحة ما سمع.
إذًا في خطب الجمعة من السنة للخطيب أن يعزو الحديث إلى مصدره، وأن يبين صحته حتى يطمئن مَن؟
السامع وهناك أدلة أخرى تدل على هذا الأصل.
يقول: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” ما علاقة هذا الحديث ببدء الوحي؛ ما علاقته؟
البخاري رحمه الله هو أراد أن يبين -طبعا للعلماء توجيهات لماذا ذكره؟ وسأذكر ما أراه صوابا وما يتبين لي أيضًا أنا فيما تأملته- لمَ؟ أراد رحمه الله أن يُذكِّر طالب العلم؛ سواء كان قارئًا لهذا الكتاب أو لغيره أن يذكره بالنية؛ بالإخلاص.
ويظهر لي أيضًا أن ذكر الحديث له متعلق بالوحي
أليس الإخلاص هو المعتقد؟ بلى، هو التوحيد والوحي ما هو؟
هو التوحيد {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] ومقتضى أنه لا إله إلا هو: الإخلاص.
ولذلك هو لم يبتدئ رحمه الله بخطبة، ذكر الحديث؛ لأن هذا الحديث عبارة عن خطبة، لأن عمر رضي الله عنه إنما قاله في الخطبة، أما كونه لم يسمِ ولم يحمد، فقد يكون كما كان يصنع الإمام أحمد رحمه الله أنه سمى وحمد في نفسه طلبًا لزيادة الوقت واختصارًا.
يقول: ” إنما ” إنما: أداة حصر للتوكيد تؤكد ما بعدها
“إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” الأعمال: يشمل عمل الجوارح، وعمل اللسان، قولك الذي تتعبد الله به، عملك من صلاة ونحوها ماذا تريد؟
هي مربوطة بالنية من حيث القبول، ومن حيث الرفض، ولذلك الباء هنا إما أن تكون بمعنى المصاحبة يعني أن العمل مصاحب للنية قبولًا ورفضًا، أو للسببية بمعنى أن سبب قبول العمل
وسبب رفضه متعلق بنيتك.
ولذلك جمع كلمة الأعمال وكلمة النيات، لأن لكل عمل نية، وقد ورد أيضًا كما سيأتي معنا العمل بالنية مفردة مفردة، وسيأتي لها حديث.
قال: “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” لو قيل لمَ لم يدخل عمل القلب؟ لماذا لم تقولوا عمل القلب؟
قد يقال بهذا، لكن كون أن العمل هنا رُبِط بالنية، والنية محلها في القلب، فحتى لا يحدث تسلسل نقول: عمل الجوارح وعمل اللسان مربوط بما في القلب، وهذا يدعو الإنسان إلى أن يكون متحريًا في أعماله وفي أقواله ابتغاء وجه الله عز وجل، لا لشيء آخر.
ثم قال: “وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى” إما أن تكون هذه الجملة مؤكدة للجملة السابقة يعني كل امرئ له ما نواه، إن كان لله أو إن كان لغير الله، أو تكون مستقلة عن السابقة، فتعطي معنىً آخر، ولعل هذا هو الأنسب. قال: “وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى” بمعنى ما مضى؛ هل هو لله أم لغير الله؟
-هذا العمل- نضرب مثالًا على الصلاة، هل أردت بهذه الصلاة: صلاة نفل، صلاة فرض؟ هذا الصوم ما نيتك؟ لأنه إن نوى نية مطلقة في الصوم أو في الصلاة ما أجزأ عن الفرض.
قال: “وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى” ثم ذكر مثالًا على النية هل هي لله أم أنها لغير الله.
قال: “فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ” لماذا ذكر الهجرة؟ لماذا لم يقل فمن كانت صلاته، فمن كان صيامه؟
قال: “فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ” ذكر الهجرة لأنها مناسبة لحال النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يوحى إليه،
كان يتعبد لله في غار حراء، هجر عبادة الأوثان،
فهذه الجملة تبين أن الهجرة نوعان:
1- هجرة ما نهى الله عنه، ولذلك في الحديث: “والمهاجرُ من هجر ما نهى اللهُ عنه “.
2- وهجرة وهي مفارقة الوطن، وهذا النوع الثاني هو المذكور في الحديث.
“فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا” نُكِّرت تنكيرًا لها وتصغيرًا لها، ولذلك جاءت أحاديث كثيرة
في بيان التقليل من الدنيا
“لو كانت الدُّنيا تعدِلُ عند اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقَى كافرًا منها شرْبةَ ماءٍ” والأحاديث كثيرة جدًا.
قال: “يُصِيبُهَا” الإصابة تدل على ماذا؟
تدل على القصد والرغبة في الوصول إليها، وهذا شأن ابن آدم، إلا إن نجَّاه الله عز وجل وعصمه، وإلا فالنفوس مجبولة على حب هذا المال.
ولذلك قال: “إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا” كما أنك ترمي السهم من أجل أن تصيب الهدف.
“أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ” قال: إلى امرأة يعني مهما كانت تلك المرأة من جمال فائق، من ثراء، من حسب، من نسب. “يَنْكِحُهَا” أي: يتزوجها لماذا أفرد المرأة مع أنها من الدنيا؟
الصواب أنها من الدنيا؛ خلافًا لمن قال من أن المرأة أفردت وتختلف عن الدنيا لا، وأظنه كلام النووي إن لم أنسَ لمَ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال؟
“الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ” لكنها أُفردت لخطورة التعلق، حتى لو كانت زوجة
فقد تصرف الإنسان إلى ما يسخط الله؛ ولذلك يجمع بينهما؛ ففي الحديث “فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ”.
قال: “فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ” لم يقل فهجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يعني أتى بهذا الضمير بيانًا من أن مقصوده ليس بذاك المقصود الحسن، فلا تستحق أن تُذكر مرة أخرى.
ولذلك كما سيأتي معنا قال: “فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ ورَسولِهِ ومَن كانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ”
لو قال قائل هناك قصة من أن رجلًا هاجر من أن يتزوج بامرأة فقيل له: مهاجر أم قيس يعني هو لم يهاجر لله، القصة لم تتعلق بالحديث هذا، يعني ليس له علاقة، وإنما قصة منفردة.
وأما ما ثبت من أن أم سليم لما أراد أبو طلحة أن يتزوج بها قالت: إن مهري أن تسلم وتهاجر، فأسلم وهاجر، فهل يدخل في هذا الذنب؟
الجواب: لا، لأنه إنما دخل رغبة في الإسلام، وطلبًا للأجر من الله في هذه الهجرة، وجاءت هذه تبعًا.
ولذلك ماذا كان يقول عليه الصلاة والسلام؟ قال: “ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ” يعني في النكاح
“فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ” وبهذا ينتهي الحديث الأول.
———————————-
الحديث الثاني: قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ هو التِّنِيسي المصري، وهو من أوثق الناس في موطأ الإمام مالك. ولذلك ما الذي بعدها؟
قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ: مالك بن أنس الإمام المعروف.
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، ابن الزبير.
عَنْ أَبِيهِ عروة بن الزبير.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وهي خالة عروة.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أم المؤمنين من حيث الاحترام { وَأَزواجُهُ أُمَّهاتُهُم } [الأحزاب: ٦] المطلق كثيرًا أم المؤمنين لماذا لم يقل أم المؤمنات؟
هن أم المؤمنين وأم المؤمنات، لكن ذكر الذكور هنا تغليبًا.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سبحان الله أظن أن ذِكر هذا الحديث، وإن كان يبين أنواع الوحي أظن حسب تأملي أن البخاري أراد شيئًا
[أنا لم أرَ من تكلم في هذا حسب قراءتي، لكن أتأمل أحيانًا قد أوافق من سبق، وقد انفرد]
لكن أتى هذا الحديث عن عائشة أن الحارث بن هشام
-التوفيق من الله- الحارث بن هشام هو أخو أبو جهل، فالوحي الذي أتى به النبي عليه الصلاة والسلام موحىً إليه من قبل ربه خُذِل منه أبو جهل، ووُفِق له أخوه الحارث بن هشام.
قالت: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟
السؤال هنا عن الكيفية وإلا فهو مؤمن بمجيء الوحي، لكن ما أنواعه؟ وما صفته؟
كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “”أَحْيَانًا”: الحين هو الوقت، لكن لما قال: أحيانًا دلت هذه الكلمة على أن هناك أنواعًا للوحي كل نوع يأتيه في زمن.
فقال: “أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ” مثل منصوبة على نزع الخافض، على نزع حرف الجر، هذا أولى ما يُقال فيها، لأن الروايات يوضح بعضها بعضًا، في بعض الروايات: ” يَأْتِينِي فِي مِثْلِ “
فحُذف حرفُ الجر [في] فنُصِبت كلمة مثلَ.
“يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ” الصلصلة هو الصوت القوي من جراء جر السلسلة القوية على الصخر.
قال: “مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ” كيف يُشَبِّه الوحي بالجرس الذي قال عنه الصلاة والسلام: “الجرسُ مزاميرُ الشَّيطانِ”؟
فالجواب عن هذا أنه قال: “مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ” باعتبار قوة الرنين، لا باعتبار الطرب، لأن الجرس به صوت قوي، وبه حين الضرب نوع من أنواع الطرب، فهنا أراد القوة والشدة عليه.
قال: “مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ” يعني: أثقله علي، ولا عجب ألم يقل الله عز وجل:
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5].
قال: ” فَيُفْصَمُ عَنِّي” أي: يُزال عني ويبتعد عني، لكن سبحان الله.
قال: ” عَنِّي” عن للمجاوزة يتجاوز عني يعني يذهب.
قال: ” فَيُفْصَمُ عَنِّي” لأن الفصم فصل من غير قطع، من غير إبانة كاملة بخلاف القصم، ولذلك لم يقل: فيُقصم عني، ولذلك ماذا قال عز وجل؟
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11] يعني بتر نهائي.
ولذلك تجد في قوله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] لكن سبحان الله الأحاديث النبوية الذي يتأمل فيها، كما يتأمل في كلمات القرآن يجد فيها الفوائد والجُمَل والعِبر العظيمة.
قال: “فَيُفْصَمُ عَنِّي” دل هذا لما قال: ” فَيُفْصَمُ عَنِّي” من أنه يذهب ولكن لا ينقطع، يرجع مرة أخرى،
قال: ” فَيُفْصَمُ عَنِّي” مع أنه شديد، لكن ماذا قال عز وجل؟ {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6].
قال: “وَقَدْ وَعَيْتُ” أي حفظت عنه، لأن الوعي مأخوذ من الوعاء، الوعاء الذي يحفظ فيه الشيء،
ولذلك ماذا قال عز وجل؟
{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] أي تحفظها أذن حافظة.
فإذًا مع أن الوحي شديد عليه من هذا النوع، إلا إنه يحفظه عليه الصلاة والسلام. قال: “وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ” وهذا يدل على قوة حفظ النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه لا يقرأ ولا يكتب.
قال: “وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ” الملك من؟ جبريل عليه السلام، وما ورد من أن إسرافيل أنه كان يأتيه، فليس بصحيح، فالمقصود من الملك هنا هو جبريل.
قال: “وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي” قال: “مَا يَقُولُ” في جميع الأحوال، وهناك أنواع
هنا ذكر نوعين، وإلا فهناك أنواع من الوحي.
ولذلك في رواية عند النسائي: ” وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صُورَةِ الْفَتَى، فَيَنْبِذُهُ إِلَيَّ ” لماذا قال فتى؟
على القوة، ولذلك قال: ” فينبِذُهُ إليَّ” النبذ هو الإلقاء بقوة،
دل هذا على أن هناك قوة هنا، لكن ليست كقوة ما سبق.
ولذلك ماذا قال في الأولى؟
قال: “وَهوَ أشدُّهُ عليَّ” دل على أن غيره شديد لكن ليس بشدة صلصلة الجرس.
“قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ” تُبَيِّن وتؤكد ما قاله عليه الصلاة والسلام، تؤكده واقعيًا وحسيًا.
قالت: “وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ” قالت: ” ينزل عليه الوحي “
فيما مضى قال: ” يأتيني” فلا تعارض بينهما لأن الوحي منزل، وكونه منزلًا لا ينفي أن يكون آتيًا.
“يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ”
ألا يلتحف الإنسان ويبحث عن الدفء، بلى هنا الحال يختلف وهذا يدل على شدة ما كان يأتيه عليه الصلاة والسلام.
قالت: ” فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا” وهذا يدل على ماذا؟
على أن موطن العرق الذي يكثر فيه أكثر من غيره في الجبين، هذا واضح، ولذلك ماذا قالت؟
“لَيَتَفَصَّدُ” لم تقل يسيل هنا.
قالت: “لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا” الفصد هو عند العرب غير الحجامة، هناك فصد وهو قطع العرق حتى يسيل كانوا يفعلونه من أجل الصحة لأبدانهم، ويدل هذا على كثرة العرق الذي يخرج منه في شدة البرد إذا نزل عليه الوحي. “وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا” وهنا يدل على ماذا؟
يدل على فضيلة زوجات النبي ﷺ إذ ينقلن للأمة ما يرينه من أحواله عليه الصلاة والسلام، وبالأخص عائشة رضي الله عنها، ولذا كانت فقيهة نساء الأمة على الإطلاق.
وبهذا ينتهي هذا الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ