تقريب كشف الشبهات

تقريب كشف الشبهات

مشاهدات: 1064

تقريب كشف الشبهات

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فإن هذا التقريب سبقه شرح لكشف الشبهات ، ومتن كشف الشبهات فيه بعض الإيهام لدى الطلاب الذين لم يسبق لهم أن يقرءوا هذا المتن ، ولصعوبته عند كثير من الطلاب ، لأنه أوسع من القواعد الأربع ، ولأن الشيخ رحمه الله استفاض من الإكثار من الشبهات التي لدى المنحرفين عن توحيد الله عز وجل وأجاب عنها ، لما استفاض الحديث به ورد عليهم صعب هذا المتن ، فأحببنا نزولا عند رغبة بعض الطلاب أن نقرِّب هذا المتن بذكر هذه الفوائد ، فهذه الفوائد مستوحاة ومستنبطة من كلام الشيخ رحمه الله ، وإن كان هناك تعليق قلت فيه ( قلت ) من باب أن هذه الكلام يُنسب إلي ولا ينسب إلى الشيخ رحمه الله ، فإذا قرأ الطالب هذا التقريب سهل عليه بإذن الله تعالى الأصل ، ولعلنا إذا فرغنا من هذا التقريب نقرأ الأصل بحيث تتواكب المعلومات ويمتزج بعضها ببعض ونكون بذلك جمعنا بين أمرين ، لأننا لو قرأنا كشف الشبهات من أول الأول أظن أن كثيرا من الطلاب لن يستمر كثيرا ، لكن إذا أتينا بهذا التقريب صار هذا التقريب تمهيدا وتسهيا لما سيقرأ إن شاء الله من الأصل ، وهذا التقريب لا يغني عن الأصل .

من الفوائد :

أن التوحيد هو إفراد الله عز وجل بالعبادة ، ومن أجله أُرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، فأول الرسل نوح عليه السلام أرسله الله عز وجل إلى قومه لما غلوا في الصالحين ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي كسَّر صور هؤلاء الصالحين .

قلت :

يوم أن دخل مكة ، لأن ودا وسواعا وما ذكر في الآية انتقلت من قوم نوح إلى جزيرة العرب كما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما

ومن الفوائد :

أن مشركي العرب يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ، ومع ذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لعدم إتيانهم بتوحيد الألوهية ، والدليل على إقرارهم بتوحيد الربوبية قوله تعالى { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }يونس31 .

قلت :

في هذه الآية أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية ، فكما أنك تقر بأن الله عز وجل هون الرازق المحيي المميت وهي صفات عظيمة ، فيلزمك أن تعبد من هذه أسماؤه وصفاته ، وهذا ظاهر في تتمة الآية .

فائدة :

أن مشركي العرب أشركوا في توحيد الألوهية ، كدعاء الصالحين واتخاذهم شفعاء ، وقد قال الله تعالى { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18 ، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون الدعاء والذبح وجميع أنواع العبادات كلها لله عز وجل .

ومن الفوائد :

أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يدخلهم في الإسلام وأن دعاءهم للصالحين ونحو ذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم .

ومن الفوائد :

أن التوحيد هو معنى قولك لا إله إلا الله لا مجرد لفظها بل لابد من المعنى .

قلت :

وإن كان التلفظ بها مطلوبا ، لكن لا ينفع بدون معنى ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب ( قل لا إله إلا الله ) وهذا دليل على أنه لابد من التلفظ بكلمة التوحيد ، فالمعنى مطلوب ولا يكفي مجرد اللفظ لأن المنافقين واليهود يقولونها ولم ينفعهم ذلك .

ومن الفوائد :

أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة إفراد الله عز وجل بالعبادة والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه .

ومن الفوائد :

أن جهال الكفار أعرف من بعض من يدعي الإسلام بـ ( لا إله إلا الله ) لأن الكفار يعرفون معناها ، وهؤلاء لا يعرفون معناها ، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، قالوا  { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً }ص5 وهؤلاء البعض يظنون أن التفلظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من معانيها يكفي فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى ( لا إله إلا الله )

ومن الفوائد :

أن على الموحد أن يفرح بنعمة الله عز وجل إذ هداه كما قال تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58

قلت :

الهداية للتوحيد نعمة من أجل النعم كما قال تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }الفاتحة7

وكقوله تعالى { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164

ومن هنا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

( عليك أن تخاف من الشرك بعد أن أنعم الله عليك بهذا التوحيد لأن الإنسان قد يكفر بكلمة يخرجها من لسانه )

وقال أيضا في أحد كتبه : 

( من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ولم يتعلمه ولم يدخل فيه ولم يترك الشرك مع أنه يُقر أنه من اعتقد في الحجر والشجر أنه مشرك مع كل هذا فهو كافر لكونه لم يتعلم التوحيد ، ويقاتل مع انه لا يبغض الدين ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك )

وقال أيضا :

( أن من عرف ذلك وفضّل من اعتقد في الحجر وغيره على من وحَّد الله وترك الشرك فهو أعظم من الأول ، قال تعالى { وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89 )

وقال أيضا :

( من عرف التوحيد واتبعه وعرف الشرك وتركه لكنه يكره أن يدخل أحد في التوحيد فهو كافر ، قال تعالى{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد9 )

وقال أيضا :

(من سلم ممن تقدم ولكنه يقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ببدنه وماله فهو كافر ، لأنهم لو أمروا بترك صوم شهر رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بمفارقتهم فعل لقوله تعالى { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء91 )

قلت :

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى (  إني دائما من أعظم الناس نهيا من أن ينسب معين إلى الكفر ( يعني شخص  بعينه ) أو تفسيقه إلا إذا علم قيام الحجة عليه ، ولكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين

ومن الفوائد :

إن الإنسان قد يكفر بكلمة يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله كما قص الله عن أصحاب موسى مع صلاحهم إذ قالوا { اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }الأعراف138 ، فحينئذٍ يعظم خوفك من الوقوع في الشرك .

ومن الفوائد :

أن الله عز وجل لم يبعث نبي لهذا التوحيد وإلا وجعل له أعداءً كما قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112

وقد يكون لهؤلاء الأعداء حجج وعلوم كما قال تعالى { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }غافر83

فإذا عرفت أن هناك أعداء أهل فصاحة وعلم ، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يكون لك سلاحا تقاتل به هؤلاء الشياطين ،و من أقبل على تعلم دين الله فلا تغره حججهم ، قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76 .

قلت :

لهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله ” ما يأتي مبتدع بحجة إلا كانت عليه وليسه له عند التأمل في حجته ” .

ومن الفوائد :

لهذا قال الشيخ ” العامي من الموحدين يغلب ألفا من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }الصافات173

وهم غالبون أي بالحجة وبالسيف ، والخوف إنما هو على الموحد الذي لا سلاح معه ، وسلاح الموحد موجود في هذا القرآن الذي هو تبيان لكل شيء كما قال تعالى {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }الفرقان33 ، قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى قيام الساعة  .

ومن الفوائد :

أن الرد على أهل الباطل من طريقين مجمل ومفصل :

المجمل : أن تقول إن الله عز وجل ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ، وأنا أقطع أن كلام الله عز وجل لا يتعارض مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخالفه ، قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7 .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سم الله فاحذروهم )

وهذا جواب سديد لمن ذكر كلاما للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره فلا تستهين بهذا الجواب فإنه كما قال تعالى { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فصلت35 .

وأما الجواب المفصل :

فإن أعداء الله لهم اعتراضات على دين الرسل من بينها :

أولا : قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه النافع الضار وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن هذا الولي ، لكن أنا مذنب وهؤلاء الصالحون لهم جاه عند الله فلست أطلبهم ولكن أطلب من الله بهم .

فهذه شبهة ، والجواب عليها :

أن من قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئا إنما أرادوا منهم الجاه والشفاعة والله تعالى يقول { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء25

فإن قالوا إن هذه الآية نزلت فيمن يعبد الأصنام فكيف تجعلون الصالحين بل كيف تجعلون الأنبياء أصناما ؟

الجواب /  أن هؤلاء الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعو الأولياء ومنهم من يدعو عيسى وأمه ، كما قال تعالى {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المائدة75

ومنهم من يعبد الملائكة كما قال تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41}

فإن قالوا إن الكفار يريدون منهم ونحن لا نريد إلا من الله ، ولكن نقصد الصالحين ونرجو من الله شفاعتهم ؟

الجواب / إن هذا قول الكفار سواء بسواء ، كما قال تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3

وقال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }يونس18

فهذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم فإذا فهمتها فما بعدها أيسر منها .

ثانيا : من اعتراضاتهم  /

قولهم ( نحن لا نعبد  إلا الله ودعاء الصالحين ليست عبادة )

الجواب / أن يقال أنت تقر بأن الله فرض عليك أن تخلص العبادة لله فما هي هذه العبادة ؟ فإن قال لا أعرفها – بينها له – وقل كما قال تعالى { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }الأعراف55 ، ثم قل له لو دعوت الله هل هذه عبادة ؟ فلا بد أن يقول نعم إنها عبادة ، ومن هنا يقال له لو دعوت الله ليلا ونهارا في قضاء حاجة ثم دعوت في تلك الحاجة نبينا أو وليا فهل أشركت في هذه العبادة أم لا ؟ فلابد أن يقول نعم ، وعلى هذا فقس

قلت :

فبهذا المثال بينت له أنه قد أشرك مع الله غيره في شيء هو من خصائص الله عز وجل وهو ( الدعاء ) .

كما لو قيل لو نحرت لله هل هذه عبادة أم لا ؟ فلابد أن يقول نعم ، فقل له إذا نحرت لمخلوق هل أشركت في هذه العبادة غير الله ؟ فلابد أن يقول نعم ، ثم قل له وهل كانت عبادة المشركين للملائكة والصالحين إلا في الدعاء والذبح ونحو ذلك ، فهم يدعونهم بالجاه والشفاعة مع أنهم مقرون بأنهم عبيد لله .

ثالثا : من اعتراضاتهم :

قولهم أنكم تنكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .

والجواب عن هذه الشبهة .

نقول : إننا لا ننكرها بل نرجو شفاعته ، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى { قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }الزمر44 .

ولكن لا تكون الشفاعة إلا بعد توفر شرطيها :

  • إذن الله عز وجل للشافع أن يشفع ، كما قال تعالى { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }البقرة255 .
  • رضاه عن المشفوع له ، كما قال تعالى { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }الأنبياء28 .

والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85

فإذا تبين هذا فعليك أن تطلب الشفاعة من الله ، وقل اللهم لا تحرمني شفاعته صلى الله عليه وسلم .

فإن قال : إن الله قد أعطاه الشفاعة وأنا أطلبها منه ؟

فالجواب /

أولا : نعم ، إن الله عز وجل أعطاه الشفاعة ونهاك أن تدعو غيره ، كما قال تعالى  { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18 .

قلت :

لأن الشفاعة دعاء كما جاء في حديث ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ) يعني قبل دعاءهم

ومن هنا قال شيخ الإسلام رحمه الله عليك أن تطيع الله في قوله { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18 .

ثانيا : إن الشفاعة تكون لغير النبي صلى الله عليه وسلم فليزم على قولك أن تطلب الشفاعة من الملائكة والأفراط ، لأن الله عز وجل أعطاهم الشفاعة ، فإن قلت أطلبها من هؤلاء رجعت إلى عبادة الصالحين ، وإن قلت لا أطلبها بطل قولك أن الله أعطى الشفاعة لنبيه فأطلبها منه .

إذاً  الجواب طلبها من الله عز وجل لا من الرسول صلى الله عليه وسلم .

رابعا : من اعتراضاتهم  :

أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك .

والجواب / أن يقال هل أنت تقر أن الله عز وجل حرَّم الشرك أعظم من تحريم الزنا ؟ فما هو هذا الأمر الذي حرَّمه الله ولا يغفره ؟

فإنه لا يدري معنى الشرك ، فيقال له كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه ؟ وكيف يحرمه الله عليك ولا تسأل عنه ؟

فإن قال أنا أعرف الشرك .

قلنا فما تعريفه ؟

قال عبادة الأصنام ، وأنا لا أعبدها .

فالجواب عليه : نقول أتظن أن من يعبد الأصنام من خشب وحجر أنه يعتقد أنها تخلق وترزق ؟

فإن قال نعم ، فالقرآن يكذبه ، وإن قال لا يعتقدون بذلك وإنما يدعونها ويذبحون لها بدعوى تقربهم إلى الله عز وجل ويعطيهم الله ببركتها ، فنقول صدقت هذا هو اعتقاد المشركين وهذا هو فعلكم عند القبور وغيرها .

ثم إن قولك إن الشرك هو عبادة الأصنام فقط مردود بما ذكره الله عز وجل في كتابه من كفر من يتعلق بالملائكة وعيسى عليه السلام والصالحين .

ومن الفوائد :

اعلم أن شرك الأولين والمقصود بالأولين هنا ( قريش ) أخف من شرك أهل هذا العصر لأمرين :

الأول : أن الأولين إنما يدعون الأولياء في الرخاء ، أما في الشدة فيخلصون لله الدعاء ، كما قال تعالى { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً }الإسراء67 وغيرها من الآيات .

أما في هذا الزمن فيدعونهم في الرخاء والشدة .

ثانيا : أن الأولين إنما يدعون مع الله عز وجل إما مقربين عند الله كالأنبياء ونحوهم ، أو يدعون أشجارا وأحجارا مطيعة لله عز وجل ليست عاصية .

وأهل هذا الزمن يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس ، يحكى عنهم الفجور من الزنا وترك الصلاة ، فيكون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم أصح عقولا وأخف شركا من هؤلاء .

خامسا من اعتراضاتهم :

قولهم إن الأولين لا يشهدون ( أن إلا إله إلا الله ) ويكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالبعث ، ونحن خلافهم نقر بالشهادة ونصدق بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ونؤمن بالعبث والقرآن ، فكيف تجعلوننا مثلهم ؟

فالجواب عليهم :

إن العلماء متفقون أن من آمن ببعض القرآن وجحد بعضه كافر لم يدخل في الإسلام ، كذلك من صدق النبي في كل شيء و جحد وجوب الصلاة كافر ، ومعلوم أن التوحيد هو أعظم ما أمر الله عز وجل به ، فكيف إذا جحد التوحيد ؟ هل بعد هذا لا يكفر ؟ سبحان الله ما أعجب هذا الجهل .

ومن الردود عليهم أيضا :

أن أتباع مسيلمة الكذاب يقرون بالشهادتين ويؤذِّنون ويصلون ومع ذلك قاتلهم الصحابة رضي الله عنهم.

فإن قالوا إنما قاتلوهم لقولهم إن مسيلمة الكذاب نبي ؟

قلنا لهم هذا هو المطلوب – سبحان الله – من رفع رجلا إلى درجة النبي صلى الله عليه وسلم كفر ، فكيف بمن رفع وليا أو نبيا إلى مرتبة جبار السماء والأرض ؟

ولهذا أحرق علي رضي الله عنه بالنار بعض أصحابه الذين اعتقدوا فيه مثل هذا الاعتقاد مع أنهم يدَّعون الإسلام وتعلموا العلم من الصحابة ولو كان كما قلتم لما كان في تبويب الأئمة في كتب الفقه باب ( حكم المرتد ) أي فائدة ، فقد ذكروا أشياء يسيرة مَنْ فعلها أو قالها على سبيل المزاح كفر ، ثم في قوله تعالى { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }التوبة65 كفرهم الله عز وجل بكلمة مع أنهم في جهاد ( غزوة تبوك ) ويصلون ويزكون .

 

سادسا من اعتراضاتهم :

أنهم استدلوا بقول بني إسرائيل لما قالوا لموسى { اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }الأعراف138 .

وقول بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ( اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ) فحلف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا نظير ما قالته بنو إسرائيل لموسى ومع ذلك لم يكفروا .

والجواب على هذه الشبهة :

أن بني إسرائيل وهؤلاء الصحابة لم يفعلوا ذلك ، ولو فعلوا لكفروا بعد تنبيههم ، فهذه القصة تفيد أن العالم قد يقع في شيء من الشرك وهو لا يدري عنه فكيف بمن دونه .

إذاً قول الجاهل إن التوحيد قد فهمناه من أكبر الجهل ومن كيد الشيطان .

وقول بني إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام وقول الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم تفيدنا هاتان القصتان :

أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفري وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته فلا يكفر .

ومن فوائد هاتين القصتين : أنه لو لم يكفر بجهله فإنه يغلظ عليه في الكلام تغليظا شديدا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

سابعا من اعتراضاتهم :

استدلالهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قتل من قال ( لا إله إلا الله ) .

والجواب /

أن أسامة قتل رجلا ادعى الإسلام ، فأسامة ظن أن الرجل ادعى الإسلام خوفا على دمه وماله .

والواجب أن الرجل إذا أظهر الإسلام يجب أن يكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك  ، ولهذا قال الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا }النساء94 ( أي تثبتوا )

فإذا قال لا إله إلا الله وتبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل ، وإلا لم يكن في قوله { فَتَبَيَّنُوا } فائدة ، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة إذ قال ( أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله )

ثامنا من اعتراضاتهم :

استدلالهم بحديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) فمن قالها لا يكفر ولو فعل ما فعل .

والجواب :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولونها ، والصحابة قاتلوا بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب وهم يقولونها ، وكذلك الذين حرقهم علي رضي الله عنه ، والنبي أمر بقتل الخوارج مع كونهم أكثر الناس عبادة حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عند عبادتهم ومع ذلك لم تنفعهم هذه الكلمة ولا كثرة العبادة لما ظهر منهم مخالفة الشريعة ، بل هّمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزوا بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة .

تاسعا من اعتراضاتهم :

أن الناس يستغيثون بالأنبياء يوم القيامة ، فدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركا .

والجواب عن هذه الشبهة : أن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما في قصة موسى عليه السلام { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ }القصص15 ، ونحن ننكر استغاثة العبادة التي تفعلونها عند القبور أو فيما لا يقدر عليه إلا الله ، ولهذا أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف إذا دعا النبي نفسه ؟

قلت :

ولهذا لما حصل القحط في عهد عمر رضي الله عنه طلبوا من العباس أن يدعو لهم ولم يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره .

عاشرا من اعتراضاتهم :

أن جبريل عليه السلام ما ألقى إبراهيم في النار قال ( ألك حاجة ؟ قال إبراهيم أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم ) فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركا لم يعرضها على إبراهيم .

والجواب على هذه الشبهة :

أن جبريل عرض عليه أمرا يقدر عليه لأنه شديد القوى ، فلو أمره الله أن يرفعه إلى السماء لفعل ، وإنما رفض إبراهيم كحال رجل محتاج يعرض عليه غني أن يقرضه أو أن يهبه فيأبى هذا المحتاج ويصبر حتى يأتيه الله برزق لا مِنَّة فيه لأحد .

ومن الفوائد :

أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما ، فمن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر كإبليس وفرعون ، وقد قال الله تعالى عن أئمة الكفر

{ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ }البقرة146 .

ومن عمل بالتوحيد ظاهرا وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق في الدرك الأسفل من النار .

ومن الفوائد :

أن الله تعالى قال { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }التوبة66، فإذا تحققت أن بعض الصحابة كفروا بكلمة على وجه المزاح تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفا من نقص مال أو جاه أو مداراة  أحد يكون أعظم ، أي أعظم كفرا ممن نطق بها مازحا .

ومن الفوائد :

أن قوله تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل106

لم يستثن إلا المكره المطمئن قلبه بالإيمان ، أما غيره فيكفر بعد إيمانه سواء فعل الكفر خوفا أو مداراة أو مشاحة لوطنه أو أهله أو عشيرته أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره .

 

ومن الفوائد :

أن الإكراه لا يكون إلا على الكلام أو الفعل ، أما عقيدة القلب فلا يمكن أن يكره عليها أحد .

الفائدة الأخيرة :

أن قوله تعالى  { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }النحل107

فيه أن الله عز وجل صرح بأن هذا كفر ، وهذا العذاب لم يكن بسب الاعتقاد أو الجهل أو بغض الدين أو محبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين .

وبهذا تم بعون الله تقريب كشف الشبهات ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .