شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 100 ) حديث 118 (كان رسول الله ينام وهو جنب)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 100 ) حديث 118 (كان رسول الله ينام وهو جنب)

مشاهدات: 459

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ حديث 118

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

 

{ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ, مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً }

وَهُوَ مَعْلُول .

 

 

 

 

 

( من الفوائد )

ذكر ابن حجر رحمه الله حديث عائشة وعزاه إلى ” الأربعة ” ومر معنا معنى ” الثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة والتسعة “

فمقصوده رحمه الله هنا بالأربعة ” هم أهل السنن “

[ الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه ]

( ومن الفوائد )

أن الحافظ رحمه الله قال ( وهو معلول )

وعلته ليست في الحديث كله ، لأن صدر الحديث عند مسلم ، وإنما الجملة التي حكم عليها ابن حجر رحمه الله بأنها معلولة ( ولم يمس ماء )

وهذه الجملة علتها أن بها ” أبا إسحاق ” هو ثقة لكنه مدلس ، والحكم المقبول في التدليس عند المحدثين ” أن يصرِّح المدلس الثقة بالتحديث ممن سمع منه “

فهل أبو إسحاق صرَّح بالتحديث أم لا ؟

قال بعض العلماء : إنه لم يصرِّح بالتحديث ، وبالتالي فإن الحديث معلول لا يحتج به .

وقال بعض العلماء : إنه صرَّح بالتحديث فزالت عنه هذه العلة فيصبح هذا الحديث صحيحاً .

وممن يرى صحته ” النووي وكذلك الألباني رحمهما الله .

( ومن الفوائد )

ما حكم الوضوء لمن أراد النوم وهو جنب ؟

اختلف العلماء في هذا :

فقال بعض العلماء – وهم الظاهرية – يقولون بوجوب الوضوء

أولا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كما في الصحيحين من حديث ابن عمر :

( أينام الرجل وهو جنب ؟ فقال صلى الله عليه وسلم نعم إذا  توضأ )

فهذا دليل على أنه يجب عليه أن يتوضأ

ثانيا : جاء في السنن :

( رخص النبي صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أن يتوضأ )

والرخصة تدل على أن هناك أمرا واجبا .

القول الثاني :

” أنه لا يستحب الوضوء ” لم ؟

قالوا : لهذا الحديث (   ولم يمس ماء )

القول الثالث – وهو قول الجمهور – أن الوضوء في حق الجنب إذا أراد أن ينام سنة وليس بواجب – وهو الصحيح .

والدليل / حديث ابن عمر في الصحيحين :

( أينام الرجل وهو جنب ؟ قال نعم إذا توضأ )

جاء عند ابن خزيمة الاستثناء ( إذا شاء ) فجعل الأمر موكولا إلى مشيئة الإنسان ، وهذه الزيادة زيادة عزيزة ، لا نحتاج معها إلى الاستدلال بهذا الحديث ( ولم يمس ماء )

فإن أثبتنا ( ولم يمس ماء ) فإن في هذا دليلا آخر ، يعني لم يمس ماء لا للوضوء ولا للغسل ، ويدل على ذلك تلك القاعدة الأصولية التي نذكرها مرارا

[ أن الفعل المنفي يدل على العموم ]

بينما من لم يقف على تلك الزيادة ( إن شاء ) ويرى الاستحباب ، يقول ( ولم يمس ماء ) يعني لم يمس ماء للغسل ، ولا ينفي أنه لم يتوضأ .

ولكن نقول : القاعدة الأصولية تدل على أنه لم يمس ماء للغسل ولا ماء للوضوء.

فخلاصة القول في هذه المسألة :

أن الوضوء في حق الجنب إذا أراد أن ينام سنة وليس بواجب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عزى الأمر إلى المشيئة .

أما من يقول بعدم الاستحباب فإنه يخالف تلك النصوص التي أتت بالأمر كما في حديث ابن عمر في الصحيحين .

ولو قلنا إنه لم يمس ماء لا للوضوء ولا للغسل فمن باب أن يبين صلى الله عليه وسلم أنه غير واجب .

ويؤكد السنة / أن الوضوء سنة في حق من أراد أن ينام ولو لم يكن جنبا ، حديث البراء في الصحيحين :

( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة )

فإذا كان الوضوء متأكدا في حق من أراد النوم ولم تتعلق به جنابة ، فمن به جنابة من باب أولى .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل : ما العلة في استحباب الوضوء لمن كان جنبا وأراد النوم ؟

العلة في ذلك : أن الوضوء يخفف من الجنابة ، ولا يزيلها ، ما نوع هذا التخفيف وما قدره ؟

جاء عن شداد بن أوس رضي الله عنه من قوله :

( إن الوضوء للجنب هو نصف غسل الجنابة )

فكأن الوضوء يخفف من الجنابة نصفها .

ثم إن الجنب ربما تقبض روحه في تلك النومة ، فليكن على طهارة ولو كانت صغرى عند ملاقاة ربه عز وجل .

ولذا جاء حديث السنن :

( لا تقرب الملائكة جنازة هؤلاء بخير ) وذكر منهم ( الجنب ) فهذا الحديث اختلف في صحته ، بعض العلماء يقول إنه ليس بثابت ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ، وكذلك أذن للصحابة رضي الله عنهم .

وقال بعض العلماء : إنه ثابت ، والمقصود هو الجنب الذي لا يتوضأ – ولو قيل بهذا فيكون الوضوء واجبا عند النوم .

فيكون معنى ( لا تقرب الملائكة جنازة الجنب بخير )

والمقصود من ذلك إن صح الحديث المقصود الجنب الذي يؤخر الاغتسال حتى يدخل عليه الفرض الآخر ، فيكون مفرطا في أداء الواجبات التي عليه والتي لا يصح فعلها حال الجنابة  .

مثال / إنسان أجنب الظهر يجب عليه أن يغتسل من أجل أن يصلي الظهر ، لكن لم يغتسل حتى دخل عليه وقت العصر ، وربما استمر به الحال إلى أن يدخل عليه وقت المغرب ، فمثل هذا لا تحضر الملائكة جنازته بخير باعتبار أنه فرَّط في الواجب لا أنه فرَّط في تأخير الغسل .

لو قال قائل :

ما فائدة الوضوء لمن أراد النوم وليست به جنابة ؟

الجواب / أنه إذا قبضت روحه يكون قد تطهر بهذا الوضوء الطهارة الحسية الظاهرة ، والحديث لم يقتصر على الوضوء فإنه قال في آخره ( إن مت مت على الفطر ) بمعنى أن هذا الدعاء ينظف الباطن والوضوء ينظف الظاهر .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل :

لو أن الجنب أراد أن ينام وتيمم بدل الوضوء ؟

الجواب : ظاهر الأحاديث أن التيمم لا يفيده ، لكن جاء عند البيهقي بسند حسن كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن ينام توضأ أو تيمم )

وهذا فيه تسهيل ، لكن بعض العلماء يقول : إن هذا الحديث محمول على تعذر الماء .

وفيما يبدو أن الحديث عام ، لم ؟

لأنه جعل الأمر مخيرا ( توضأ أو تيمم ) ولو كان الماء مفقودا لبين في الحديث  ، والأفضل للإنسان أن يتوضأ من حيث النشاط ، فإنه إذا توضأ تنشَّط وربما يدعوه هذا الوضوء إلى أن يغتسل .

ومر معنا حديث ( الرجل الذي مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلَّم فلم يرد عليه السلام ) في إحدى الروايات :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى الجدار فتيمم )

فدل هذا على أن التيمم قد يقع مع وجود الماء ولو لم يكن هناك عذر فيما يمكن أن يفوت – كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .

( ومن الفوائد )

هل الوضوء يخفف حدث الحائض ؟

امرأة حائض فقالت أريد أن أنام أيخفف الوضوء هذا الحدث ؟

الجواب / لا ، لم ؟

أولا : عدم ورود الدليل ، لأن الأصل أن الوضوء ما ورد إلا في تخفيف الجنابة ، ولو لم يرد دليل لهذا الأمر لقلنا إن الوضوء لا يخفف الجنابة .

ثانيا : أن الجنب أمره بيده لو شاء أن يقوم فيزيل هذا الحدث الأكبر قام واغتسل ، لكن الحائض لو اغتسلت ما ارتفع عنها حدثها ، إذا الغسل الأكبر لا يؤثر على الحيض ، إذا الوضوء الذي هو أقل منه من باب أولى .

ومما يدل على أن الوضوء يخفف الجنابة ، ما جاء عند ابن أبي شيبة  :

( أن الصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا جنبا وأراد أحدهم أن يمكث في المسجد توضأ وجلس)

لو قالت المرأة الحائض : عندي حلقة تحفيظ في المسجد أو محاضرة وأريد أن أتوضأ لأمكث في المسجد ؟

نقول : لا .

لو قالت المرأة الحائض : أريد أن أقرأ القرآن عن ظهر قلب أو من المصحف بحائل ؟

نقول : المسألة فيها خلاف ، والصحيح أنه يجوز لها ، لأن الجنب أمره بيده ، بينما الحائض أمرها ليس بيدها  .

 

( ومن الفوائد )

أن الدلالة في الشرع ثلاث دلالات :

[ مطابقة – تضمن – لزوم ]

وهي مهمة لطالب العلم .

كونه صلى الله عليه وسلم يؤخر الغسل إلى ما بعد أن يستيقظ من النوم يدل على أنه يجوز للجنب أن يمكث في بيته يقظان وهو على جنابة من غير وضوء – هذه دلالة اللزوم – لأنه لما ذكر الوضوء للجنب عند النوم ، دل على أنه في حال اليقظة ليس على وضوء وليس على غسل .

( ومن الفوائد )

صدر الحديث ( وهو جنب ) جملة حالية قيدت الحكم ، ولو قالت ( كان ينام ) هذا مطلق ، لكن لما قالت ( كان ينام وهو جنب ) دلَّ على أن الجملة الحالية تقيد ، وهذه فائدة ” الحال ” أنه يقيد ويخصص .

( ومن الفوائد )

بيان إحدى الحكم الكثيرة التي من أجلها عدَّد النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج ، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا بات عند عائشة رأت منه ما لم تر الأخرى ، ورأت الأخرى ما لم تره عائشة ، وهذه فائدة ومصلحة للأمة من أن كل واحد تنقل ما رأته في بيتها عنه صلى الله عليه وسلم ، ويتضح هذا أكثر في الحديث الآتي في غسله صلى الله عليه وسلم ، فعائشة ذكرت وصفا لغسله ، وميمونة ذكرت وصفا لغسله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك الحديث ما ليس في الحديث الآخر .

( ومن الفوائد )

قولها ( كان ينام )

” كان ” اختلف العلماء فيها ، هل تفيد الزمن الماضي أم أنها تفيد الاستمرار والدوام ؟

مختلف في ذلك ، فبعض العلماء يرى أنها ليست للاستمرار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحين قالت :

( كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت )

والطواف بعد الحل لا يكون إلا في الحج ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة .

وبعض العلماء قال : تفيد الاستمرار ، والنصوص واردة وكثيرة في ذلك.

وبعضهم قال : هي للاستمرار إلا إذا وجد دليل يقيد الاستمرار ، قال تعالى :

{  وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء 96

فلم يزل ولا يزال جل وعلا يغفر ويرحم .