شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 104 ) حديث 121 (قالت أم سلمة يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي …. )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 104 ) حديث 121 (قالت أم سلمة يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي …. )

مشاهدات: 482

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ حديث 121

( باب الغسل وحكم الجنب )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

{ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنِّي اِمْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعْرَ رَأْسِي, أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ اَلْجَنَابَةِ?

وَفِي رِوَايَةٍ:

( وَالْحَيْضَة ؟ )  فَقَالَ: “لَا, إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ” }

رَوَاهُ مُسْلِم ٌ   . 

 

 ( من الفوائد )

أن ابن حجر رحمه الله لما ذكر صفة غسل الجنابة في حديثني عائشة وميمونة رضي الله عنهما ، ناسب أن يذكر هذا الحديث الذي يخص المرأة ، وما حال شعر المرأة حال غسل الجنابة وحال غسل الحيض إذا كان مجموعا بعضه إلى بعض

( ومن الفوائد )

بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ سألن بعض الأسئلة التي تحتاج إليها نساء الأمة ، لاسيما فيما يخص الشعر إذا كان ضفائر ، فإنه نقضه قد يكون فيه من العسر ما يكون .

( ومن الفوائد )

أنها قالت :

(  إِنِّي اِمْرَأَةٌ أَشُدُّ شَعْرَ رَأْسِي )

فذكر ” الشعر ” قال الصنعاني رحمه الله في ” سبل السلام ” لعله ذكرها بالمعنى ، وإنما اللفظ  ( ضَّفْر رأسي ) وفي ضبط آخر بضم الضاد والفاء ( ضُفُر رأسي )

والضفيرة : هي الخصلة من الشعر إذا أُدخل بعضها في بعض .

( ومن الفوائد )

هل يجوز أن يروى الحديث بالمعنى ، على افتراض أن ما ذكره ابن حجر رحمه الله هنا بالمعنى – كما أشار إلى ذلك الصنعاني – والعلم عند الله ، قد يكون هناك لفظ بذكر الشعر ، لكن ما نعرفه ( ضَفْر رأسي )

فهل يجوز أن يروى الحديث بالمعنى ؟ وهل هو مخصوص بالصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمه الله الذين لم تتغير ألسنتهم ، أم أنه يجوز في كل العصور ؟

رواية الحديث بالمعنى اختلف فيها العلماء :

قال بعضهم العلماء : لابد أن يروى الحديث بالمبنى لا بالمعنى ، ولذلك أُثر عن أبي بكر رضي الله عنه :

” أنه ما كان يذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى ، إنما كان يذكره بالمبنى “

يعني كما سمعه ، ولذلك قلَّت روايته رضي الله عنه مع شدة وعظم وطول وقرب ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم .

وأُثر عن أبي حنيفة رحمه الله ” أنه ما كان يذكر الحديث إلا بالمبنى  لا بالمعنى “

حتى إن العلماء الذين قالوا : لابد من رواية الحديث بالمبنى ، قالوا إنه لا يحق له أن يبدل كلمة ” النبي بالرسول ” فإذا جاء في الحديث كلمة ” قال نبي الله ” فيأتي بها على حالها ” قال رسول الله ” يأتي بها على حالها ، وهكذا .

ومن بين أدلة هؤلاء :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في السنن :

( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها )

ومن الأدلة :

ما جاء في حديث البراء عند البخاري :

( إذا أتيت مضجعك فتوضأ و ضوءه للصلاة ثم قال اللهم أسلمت نفسي إليك ) في آخر الحديث ( آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) فأعادها البراء فقال ( وبرسولك الذي أرسلت ) فأنكر عليه صلى الله عليه وسلم ، فقال

( وبنبيك الذي أرسلت )

فدل هذا على أن ضبط الحديث بمبناه هو مطلب شرعي .

وقال بعض العلماء : يجوز رواية الحديث بالمعنى .

ومن بين أدلتهم :

أن الله عز وجل ذكر ما جرى وما تُكلم به من السابقين ذكر عنهم بعض الأشياء وليس هي نصَّ ألفاظهم إنما ذكرها بالمعنى .

ومن بين الأدلة :

أن ذكر الحديث بالمبنى دون المعنى فيه حرج على الأمة ، ولو قيل بذلك لتركت أحاديث كثيرة .

فيقولون بجواز رواية الحديث بالمعنى بشرط :

[ ألا يكون المروي مما يُتعبد بلفظه]

فيجب أن يؤديها الراوي كما هي مثل الأذكار ، مثل صيغ الأذان  ، فإذا كانت فيما لا يتعبد بلفظه فيجوز أن يروى بالمعنى ، ولذلك قال بعض الصحابة رضي الله عنهم :

( من قال لكم إنني أحدثكم بملفوظ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نطق فقد كذب ، وإنما أحدثكم بالمعنى )

ويكون أيضا لديه علم باللغة العربية ، بمعنى أن هذه الكلمة إذا وقعت موقع تلك الكلمة الأخرى لم يكن هناك اختلاف في الحكم .

وهذا هو الصواب ، لكن ما الجواب عن حديث :

( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها ) ؟

نقول : الجواب / أكمل الحديث ، قال :

( رُبَّ حامل فقه ليس بفقيه ، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه )

فدل هذا على أن المقصود ليست الألفاظ وإنما المقصود المعنى ، وأيضا هذا الحديث روي بألفاظ متعددة .

وأما حديث البراء رضي الله عنه :

فإنه لو قال ( وبرسولك الذي أرسلت )

لم يكن هناك زيادة فائدة فصار تكرارا بدون فائدة ، لكن إذا أتى بكلمة ( وبنبيك الذي أرسلت ) كان هناك معنى آخر لأن النبي يختلف في معناه عن الرسول .

قال ابن العربي / هذا يخص الصحابة والتابعين لقربهم من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولمعرفتهم بدقائق اللغة .

لكن رُدَّ عليه – كما ذكر القرطبي رحمه الله في التفسير – رُدَّ عليه من أن الحكم لا يختلف ، فمتى ما توفرت الشروط فإن الجواز باقي .

( ومن الفوائد )

أن شدَّ ضفر الرأس يدل على أن المرأة لها حق التصرف في شعرها بماء تشاء شريطة ألا يكون هناك محظور شرعي ، كأن يكون فعلها في شعرها فيه تشبه بالكافرات أو الفاجرات ، أو تشبه بالرجال ، أو الصِّبغ بما حرَّم الله عز وجل وهو الأسود الخالص .

ومن ثمَّ فإن المرأة لها أن تقص شعر رأسها إذا أرادت من ذلك التخلص من تبعة الاعتناء به أو أرادت التجمل لزوجها ، بشرط ألا يكون هناك تشبه بالرجال أو الكافرات أو محظور آخر من المحظورات الشرعية .

ولذلك جاء عند مسلم :

( أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته قصصن شعورهن )

إذاً لو أن المرأة قصت شعر رأسها فلا حرج في ذلك بشرطة ألا يكون هناك محظور شرعي .

وكان الشعراء فيما مضى يتغنون بالشعر الطويل ، لكن الناس يختلف عصرهم من عصر إلى عصر، ففي هذا العصر يحبون من المرأة أن تقص شعر رأسها – في الجملة –  وهذا إن دلَّ يدل على أن ابن آدم لا يمكن أن يستقيم له حال يسعد به طيلة حياته ، فإنه إن رئي حال الناس فيما مضى إذا بهم يرغبون في إطالة الشعر ، بينما في هذا العصر اختلف الحال ، فيما مضى كانوا يحبون المرأة السمينة المليئة ، ولذلك عائشة رضي الله عنها قالت :

( كنت نحيفة فأحبت أمي أن تدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمنت ، فأطعمتني الطعام فلم يتوافق لها شيء حتى أطعمتني القثاء بالرطب )

والقثاء : طعمه يشبه الخيار ،لكن أطول من الخيار وأفتح منه لونا .

وهذا إن دلَّ يدل على أن الجمال في السابق إنما هو ببدانة المرأة لا بنحفها .

وذلك الرجل الذي هو ” مخنث ” وقال لأحد الصحابة:

(  إن فتح الله علينا ثقيف رأيتك امرأة تقبل في أربع )

يعني أن عكن بطنها قد تكسرت من السمنة، بينما في هذا العصر اختلف الحال فإنهم يحبون المرأة النحيفة وتعجبهم أكثر من السمينة ، بل لا يرغبون في السمينة مطلقا ، وإن نظرت إلى الحال وجدت العجب من هذه البشرية ، كيف ؟

كأنهم يخالفون واقعهم – سبحان الله – لما كان الطعام قليلا فيما مضى ونحف المرأة أقرب من بدانتها أحبوا البدينة ، بينما في هذا العصر لما كثر الطعام وتنوع وتشكل وكان من المناسب والأقرب لحال المرأة أن تكون إلى السمنة أقرب من النحافة أحبوا  النحيفة .

ولذا جاءت وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة كما عند ابن ماجه ،قال صلى الله عليه وسلم :

( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )

 

 

 

 

 

( ومن الفوائد )

ما حكم نقض المرأة لشعر رأسها حال الجنابة ؟

القول الأول – وهو قول الجمهور :

” لا تلزم المرأة بنقض شعر رأسها لا في حال الجنابة ولا في حال الحيض شريطة أن يصل الماء إلى أصول الشعر “

فإذا وصل الماء إلى أصول الشعر فلا ينقض الشعر لا للجنابة ولا للحيض .

أما إذا لم يصل الماء إلى أصول الشعر فإن الواجب نقضه .

القول الثاني :

” أنه يجب أن ينقض الشعر ” وهو رأي إبراهيم النخعي رحمه الله ، وحكوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، لأنه كان يفتي النساء بأن ينقضن شعور رؤوسهن ، فأنكرت عليه عائشة رضي الله عنها فقالت :

( ألا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن ؟! )

لكن الصحيح أنه منسوب إلى إبراهيم النخعي سواء كان رجلا أم امرأة ، سواء كان لغسل الجنابة أم لغسل الحيض ، وصل الماء أو لم يصل .

ولعله رحمه الله لم يبلغه الحديث، وهو من كبار طلاب ابن مسعود رضي الله عنه ، ولكن هذا هو شأن البشر  من علم شيئا فقد غابت عنه أشياء .

القول الثالث :

قال بعض العلماء “ ينقض في غسل الحيض دون غسل الجنابة ” لم ؟

قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :

( لما سألته أسماء عن غسل المحيض ؟

قال صلى الله عليه وسلم تأخذ ماءها وسدرها وتفيض الماء على شعر رأسها وتدلك شعر رأسها حتى يبلغ شؤون رأسها )

فقالوا : إن الأمر بالسدر يلزم منه أن يحصل نقض في غسل الحيض .

لكن لما سئل في نفس الحديث عن غسل الجنابة ؟

قال : ( تفيض الماء على رأسها فتدلك رأسها حتى يبلغ شؤون رأسها )

وأما رواية ( والحيضة ) في حديث أم سلمة فإنها شاذة .

وممن يرى أنها شاذة ” ابن القيم والألباني ” رحمهما الله ، قالوا : لأن الرواة الكثر إنما رووا الحديث بلفظ الجنابة بدون ذكر الحيضة .

ومما يدل على ضعف لفظة ( الحيضة ) ما جاء في حديث أسماء أنه أمرها بأن تأخذر ماءها وسدرها في غسل الحيض بينما الجنابة لا .

وعلى هذا القول ” لو لم يصل الماء يقينا إلى أصل شعرها فيكفيها أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات في غسل الجنابة .

ثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت عائشة بسرف – وعند البخاري  ” أنها لم تطهر إلا ليلة عرفة “

( أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة وأن تغتسل وأن تنقض شعر رأسها )

وهي حائض .

ورُد هذا / لأن الغسل منها للتنظف ، لأنها لو ارتفع هذا ما ارتفع حيضها .

ولكن قالوا : أنه إذا أمرها بنقض شعر رأسها فيما هو مستحب إذاً ما كان للوجوب فمن باب أولى .

ثالثا : جاء عند أبي داود ، قوله صلى الله عليه وسلم :

( اغمزي قرونك )

وهذا يدل على أهمية وصول الماء إلى أصول الشعر .

قال بعض العلماء : إن الحكم يتعلق بالرجال دون النساء ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل أصول شعر رأسه .

والأقرب – والعلم عند الله – ما قاله الجمهور ، من أن الماء إذا وصل إلى أصول الشعر فإن المرأة لا تلزم بنقضه .

يلي ذلك في القوة قول من يقول ” إن المرأة تختلف عن الرجل “

أما رواية ( والحيضة ) فقد رأى جملة من العلماء ثبوتها ، ومما يدل على ثبوتها ما سيأتي من حديث ( إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر )

وجاء عند أبي داود : أن عليا رضي الله عنه قال :

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ”  إن تحت كل شعرة جنابة ” فمن حينها عاديت شعر رأسي )

قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص ” إسناده صحيح “

ورأى بعض العلماء أنه موقوف على علي رضي الله عنه .

فخلاصة المسألة :

المسألة وردت فيها أدلة ، ومن بين الأدلة ما ذكر في الباب

( أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال لا )

فدل هذا على أن المرأة في حال غسل الجنابة لا تلزم بنقض شعر رأسها ولو لم يصل الماء إلى أصول الشعر – عند بعض العلماء .

وقال بعض العلماء : إن وصل الماء فلا تلزم المرأة بنقضه وإن لم يصل فتلزم للأحاديث الأخرى التي أمرت بغمز القرون .

وجاءت رواية عند مسلم ( والحيضة ) فهل يلحق الحيض بغسل الجنابة في التيسير في ذلك ؟

قال بعض العلماء :لا ، لأنها رواية شاذة .

وقال بعض العلماء : هي ثابتة ؟

لكن من يفرِّق بين الجنابة وبين الحيض قالوا :

إضافة إلى أنها شاذة فإن غسل الجنابة يتكرر فيشق على الإنسان ، وأما بالنسبة إلى الحيض فإنه يأتيها في الشهر مرة فلو نقضت شعر رأسها فإنه لا إشكال في ذلك .

ومن الأدلة : عند مسلم :

( خذي ماءك وسدرك ) وهذا يلزم منه النقض .

لكن نقول : من ضمن الحديث ( سئل عن الجنابة وأمرها بالدلك دون السدر  ) فكونه يأمر بالسدر لا يعني أنه يلزم النقض في الحيض دون الجنابة ، لم ؟

لأنه أمر بالدلك ، والدلك دليل على أنه لابد أن يصل الماء إلى أصول الشعر كما قال الجمهور بدليل آخر الحديث :

( حتى يبلغ شؤون رأسها )

ومن الأدلة :

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اغسلوا الشعر ) وقال ( تحت كل شعرة جنابة ) وهذا يشمل الجميع حتى يصل الماء إلى أصول الشعر .

ومن الأدلة :

أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( أمر عائشة رضي الله عنه بنقض شعر رأسها لما حاضت في الحج )

وهذا يدل على أن غسل الحيض عند بعض العلماء  ليس كغسل الجنابة .

ومن الأدلة :

قوله صلى الله عليه وسلم :

( اغمزي قروك )

يدل على وجوب إيصال الماء إلى أصول الشعر .

( ومن الفوائد )

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إنما يكفيك أن تحثي )

بالسكون ولا تصح بالفتح ( تحثيَ ) لأنها من الأفعال الخمسة ينصب بحذف النون .

فلا يصح أن يقال : ” أن ” أداة نصب ” و” تحثي ” فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة ” هذا خطأ .

والصواب ” تحثي ” فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة .

( ومن الفوائد )

أنه قال:

( إنما يكفيك أن تحثي )

الحثية : هي ملئ اليدين ، كما هو الشأن في تعريف الحفنة .

 ( ومن الفوائد )

أن قوله :

( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات )

يدل على أن ما هو دون الثلاث ليس بكافٍ ، فتلزم المرأة في حال غسل الجنابة أو في غسل الحيض- على القول الآخر – أنها إذا لم تنقض شعر رأسها أنها تحثي ثلاث حثيات على رأسها ، فإن ما دون الثلاث لا يكون كافيا .