شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 12 ) حديث ( 14 ) (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه… )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 12 ) حديث ( 14 ) (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه… )

مشاهدات: 460

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس الثاني عشر

حديث ( 14 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء  )

أخرجه البخاري ، وأبو داود وزاد :

( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء )

الشرح :

 

( من الفوائد  )

أن الراوي لهذا الحديث هو  ” أبو هريرة رضي الله عنه ”  كما جاء في صحيح البخاري .

وقد ورد في غير الصحيح رواية أنس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنها لهذا الحديث .

وبهذا يندفع ما تُحدِّث في أبي هريرة رضي الله عنه وطُعن فيه إذ كيف يليق به أن يروي مثل هذا الحديث – كما زعم من لا علم عنده – مثل ” محمود أبي رية ” في كتابه أضواء على السنة المحمدية

فقد ردَّ هذا الحديث ولمز بأبي هريرة رضي الله عنه ، فيرد عليه أن هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله ، وأن هناك من رواه غيره من الصحابة كأنس وأبي سعيد رضي الله عنهما ، وأن مقام أبي هريرة رضي الله عنه لا يمكن أن يناله مثل هذا الرجل ، لأن مقامه مقام عظيم ، فهو صحابي اشتغل بحفظ الحديث وتتبع حال النبي صلى الله  عليه وسلم ، ولم تشغله لا زراعته ولا تجارته عن الحديث .

ثم إن الطب أثبت ما جاء في هذا الحديث ، ونحن على يقين تام بأن هذا الحديث وارد سواء أثبت الطب ذلك أو لم يثبت ، لكن إذا أتى ما يؤكد ذلك فهذا خير على خير  .

شهد الأنام بفضله حتى العِدا

                 والفضل ما شهدت به الأعداءُ

وإن من المصائب على هذه الأمة فيما مضى وفيما يعاصر الآن أن يقدح في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من أناس لا علم لهم ولا دراية بالحديث ، حتى لو طلبت من أحدهم أن يقرأ سورة الفاتحة ما أتقنها وما أحسنها .

كمن يقول في مثل هذا العصر – وهذا حديث قريب الزمن – يقول إن حديث:

( ما تركت بعدي فتنة أشد ضرر على الرجال من النساء )

يقول إنه أسلوب وحشي لا يتناسب مع هذا العصر ”  فهذا من العجائب ،وهذا عنوان من أزاغه الله عز وجل ، وإلا فكيف لشخص يطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها القلوب إذا خلت من تعظيم الله عز وجل قالت ما تشاء ، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم

( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )

ولذا يتاح لهؤلاء في الكتابة في الصحف ما لا يتاح لغيرهم من أهل العلم الذين يفندون  مزاعم كل من ينتسب إلى العلم الشرعي ، وهذه سنة الله عز وجل  أن يكون هناك صراع بين الحق والباطل ، ولكن ليعلم المؤمن مهما استولى المنحرفون على الأقلام والكتابة ، ليعلم أن العاقبة للمتقين .

( من الفوائد  )

أن ( الذباب ) هو ” كل حشرة لها جناحان.

وهذا الذباب يقصد منه في هذا الحديث الذباب المعروف ، وإلا فيدخل تحت مسمى الذباب ” كل حشرة لها أجنحة “

ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( الذباب كله في النار إلا النحل )

فلعل إيقاع الذباب في النار من باب تعذيب أهلها أو الزيادة في تعذيبهم  ، لأن الذباب لا يطاق بجميع أنواعه .

و ( الذباب ) خلقه الله عز وجل لحكمة ، ولذا ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح ” أن ملكا من ملوك الدنيا كان جالسا عنده الشافعي ، فآذى هذا الملك ذبابٌ ، فسأل الشافعي رحمه الله لم خلق الله الذباب ؟

فلم تكن هناك إجابة حاضرة من الشافعي رحمه الله إلا الموقف الذي هو فيه ، فقال رحمه الله ” خلقه الله عز وجل مذلة للملوك ”

فالذباب كلما طردته عاد إليك .

 ولذلك يقول بعض العلماء :

إن كلمة الذباب تدل على ذلك :

” ذُبَّ – آب “ يعني إذا ذُبَّ وطرد ” آب ” يعني رجع .

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح “

`أن الذباب أكثر الحشرات سفادا  .

#وأن فضلته إذا وقعت على لون أبيض صارت أسود ، وإذا وقعت على لون أسود صار أبيض .

`ويُذكر أنه لا يبقى أكثر من شهر أو أربعين يوما ، وإلا لو بقي اكثر مع هذا العدد الهائل لما استطاع الناس أن يعيشوا {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49 .

( ومن الفوائد  )

أن الذباب طاهر  سواء كان حيا أو ميتاً  ، مع أنه ينقل الجراثيم ، وهذه الجراثيم منها ما تعلق بأجنحته ، ومنها ما يأكل منها ، فإذا أكل منها تولَّد في أحد جناحيه الداء ، فهو طاهر  في حال الحياة وفي حال الموت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم

 ( أمر بغمسه في الإناء ) وإذا غُمس في الإناء وكان هذا الإناء بما فيه حار  فإنه يهلك ولا محالة ، فدل على طهارة هذا الشراب .

( ومن الفوائد  )

$أن العلماء قاسوا على الذباب :

[ كل ما لا نفس له سائلة ]

فكل ما لا دم له سائل فيدخل ضمن هذا الحكم .

( البعوض ) له دم لكنه لا يسيل ، فيدخل ضمن هذا الحكم .

( الخنفساء – العقرب – الزنبور – العنكبوت )

هذه لها دم ، ولكن دمها لا يسيل ، فتدخل ضمن هذا الحكم .

وذلك لأن الميتة حرمت من أجل أن دمها الذي فيها يحتقن ، أما هذه فإنه لا دم عندها يسيل فلا يحتقن .

( ومن الفوائد  )

`أن الحكم يشمل الشراب والطعام ، فإذا وقع الذباب في الشراب أو في الطعام لرواية (  وفي طعام أحدكم )

فإن هذا الشراب أو هذا الطعام يجوز شربه وأكله ، بل يستحب .

ولكن هل يجب ؟

الجواب / لا يجب ، فإذا عافت النفس هذا الشراب أو هذا الطعام الذي غُمس فيه الذباب ، فلا يأثم ، لأنه يدخل ضمن حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

( إذا قدِّم إليه طعام وكان لا يشتهيه قال ”  أجد أني أعافه ” )

ولا يقل أحد ” لماذا هذا الحديث مع وفرة الطعام ؟

نقول : إن الشرع جعل أحكاما صالحة لكل زمان ومكان بل ولكل حال ، فقد يكون هذا الطعام محبوبا نفسيا حتى في زماننا هذا ، مع وفرة الطعام قد يكون محبوبانفيسا ، فكيف يضيع ؟ كيف يهدر ؟

( ومن الفوائد  )

_أن الشرع حريص على حفظ الأطعمة والأشربة ، ولذلك ما أمر – صلوات ربي وسلامه عليه – بإراقة ما في الإناء ، فهذا يدعونا إلى أن نحافظ على النعمة وألا نستهين بها ولو قلَّت .

( ومن الفوائد  )

_أن في أحد جناحي الذباب داء  أي سبب المرض ، ليس المقصود المرض وإنما هو سبب للداء ، فقد لا يمرض العبد ، لكنه سبب قوي ( وفي الآخر شفاء ) يعني سبب للشفاء .

والذباب ( يتقي بجناحه الذي فيه الداء ) حتى لا يغرق ، فهو سلاح له ، فحتى نبطل ضرره نغمس الجناح الآخر الذي به الشفاء

ولذا في رواية :

( فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء )

 

 

( ومن الفوائد  )

_تحريم السم ، لهذا الرواية ، ولهذا ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكله وسماه خبيثا )

لكن هذا السم إذا زال أثره فلا حكم له ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بغمس الجناح الآخر الذي به يبطل السم في الجناح الآخر .

( ومن الفوائد  )

_أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه ولم يأمر بأكله فدل على ما قاله الفقهاء من قواعد في تحريم الحيوانات ، ومن بينها :

[ ما كان مستخبثا ]

فالمستخبث يحرم أكله.