شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس ( 13 )
حديث ( 15 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أبي واقدٍ الليثي – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ما قُطع من البهيمة – وهي حية – فهو ميِّت ) .
أخرجه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، والفظ له .
*ذكر ابن حجر رحمه الله حديث أبي واقد الليثي ، واسمه [ الحارث بن عامر الليثي ] وهذا الحديث يتضمن فوائد من بينها :
أن العلماء أخذوا منه قاعدة ، وهي :
[ كل ما أُبِين من حين فهو كميتته حلا وحرمة ، طهارة ونجاسة ]
فمعنى [ ما أبين ] يعني ما ” قطع ”
ولنضرب على ذلك أمثلة :
( الشاة ) إذا قطعت رجلها، فحكم رجلها من حيث الحل والتحريم والطهارة والنجاسة كحكم الشاة إذا ماتت حتف أنفها ، إذا ماتت الشاة حتف أنفها أيجوز أكلها ؟
لا ، فهي نجسة ، وعلى هذا فقس .
#لو شخصا رأى سمكة فقطع جزئا منها ، هذا الجزء أيجوز أكله ؟
نعم ، لم ؟ لأن السمك إذا مات فهو حلال طاهر .
( ومن الفوائد )
أن العلماء استثنوا من هذه القاعدة شيئين :
أولا : ( الطريدة )
ما هي الطريدة ؟
الطريدة : هي التي تهرب من بهيمة الأنعام أو الغزلان ، فيأتي القوم عليها ، فهذا يقطع قطعة وذاك يقطع أخرى حتى يجهزوا عليها ، هذه القطع كلها حلال ، لكن لو أنهم طردوها وقطعوا منها قطعاً ثم هربت منهم ، هذه القطع حرام أكلها ، لم ؟ لأنهم لم يجهزوا عليها كلها .
والدليل على هذا :
( فعل الصحابة رضي الله عنهم ، كانوا يفعلون ذلك في مغازيهم )
ثانيا : ( المسك وفأرته )
المسك : هو الطيب .
الفأرة : يعني وعائه .
فهناك ما يسمى بـ ( غزال المسك ) لونه أسود ، وله نابان أبيضان ، وقد خلق الله عز وجل فيه غدة تفرز مادة تصل إلى سُرَّته ، هذه المادة تأتي في أوقات معينة من السنة فيمرض معها الغزال ، فيتحول هذا المُفْرَز إلى وعاء في سرته ، فيقومون بطرده ، فيطرونه ويُسرعونه حتى ينفصل هذا الوعاء الذي في سرته منه .
$إذاً هذا منفصل من حي ، ولكنه طاهر .
$ما الدليل ؟
أدلة كثيرة منها :
$قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ( أطيب الطيب المسك )
$ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه – كما عند البخاري – ( شبه رائحة دم الشهيد بريح المسك ) .
$ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم
( شبه الصديق الصالح بحامل المسك ) كما في الصحيحين .
فأتى بالمسك في أحوال يشرف فيها ، ولو كان نجسا ما ذكره في هذه المقامات التي يمدح فيها .
( ومن الفوائد )
% أن هذا الحديث له سبب :
جاء في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم :
( لما أتى المدينة وجد بعضهم يجزون أسنمة الإبل وهي حية ، وإلية الشاة وهي حية ) فذكر هذا الحديث .
( ومن الفوائد )
$أن ( ما ) المصدرة في الحديث
( موصولية ) بمعنى ( الذي ) فدل على عموم :
[ ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميِّت ]
واستثني من هذا العموم ما ذكرناه :
[ الطريدة والمسك وفأرته ]
لأن الأسماء الموصولة كما هو مقرر في الأصول [ تفيد العموم ] .
لو قال قائل :
لو أن شخصا سرق فقطعت يده ، فما حكم يده أهي طاهرة أم نجسة ؟
الجواب /
طاهرة ، لم ؟ لأن ميتة الإنسان طاهرة .
لو قال قائل :
لو أن شعر البهيمة جُزَّ يعني حُلِق ، أيكون طاهرا أم لا ؟
الجواب /
يكون طاهرا ، لم ؟
لأنه في حكم المنفصل ، ليس من البهيمة ، ولذلك قال عز وجل :
{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ }النحل80
فالله عز وجل أباحه لنا .
والقرن والناب يدخلان في حكم الشعر ، كما نص على ذلك ” شيخ الإسلام رحمه الله ” لأنهما لا يوصفان بحياة ولا بموت ، لأن العلة في تحريم الميتة ما فيها من الدم، وهذه أعضاء لا يحل بها الدم .