شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 15 ) حديث ( 17 ) ( الذي يشرب في آنية الفضة … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 15 ) حديث ( 17 ) ( الذي يشرب في آنية الفضة … )

مشاهدات: 417

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 15

حديث ( 17 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أم سلمة  – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله  عليه وسلم :

( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يُجرجر في بطنه نارَ جهنم   ) .

متفق عليه .

ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث بعد الحديث السابق ليبين عقاب من شرب في آنية الفضة ، لأن الحديث السابق فيه ذكر النهي عن الشرب والأكل فيهما ، وفي هذا الحديث بيان لعقوبة من خالف هذا النهي .

( من الفوائد )

أن الحديث نصَّ على ( الفضة ) ولم يذكر  ( الذهب )

ويمكن أن يقال :

إن عدم ذكر ( الذهب ) من باب الأولوية أن يأخذ هذا الحكم ، لأن الذهب أنفس من الفضة ، بل إن الشريعة جاءت بالسماح في بعض صور الفضة ما لم يأت في الذهب .

مع أنه وردت رواية عند مسلم – وقد انفرد بها مسلم رحمه الله – جاء فيها تصريح بذكر  (الذهب مع الفضة ) فيشمل هذا الوعيد من شرب في آنية الفضة ومن شرب في آنية الذهب .

وقد مر معنا فيما سبق حكم الاستعمال ، ومرت معنا العلة في تحريم الشرب والأكل في آنية الذهب والفضة .

( ومن الفوائد )

أن :

[ الاسم الموصول يفيد العموم ]

فيشمل الرجل والأنثى ، فإن الأنثى وإن كان الذهب مباحاً لها لبساً وكذلك الفضة ، فإنه ” يحرم عليها الشرب في آنيتهما “.

ودلَّ على هذا الاسم الموصول .

( ومن الفوائد )

أنه لم يذكر ( الأكل ) والذي يظهر أن ( الأكل ) أفظع وأشنع من ( الشرب )

( ومن الفوائد )

أن :

[ الجزاء من جنس العمل ]

فإن الشارب فيهما يُدخل المشروب إلى جوفه ، فيعذب هذا العذاب في جوفه ، وهو ” صوت جرجرة النار “

فإن هذا العضو لما استباح ما حرَّم الله عز وجل كانت هذه عقوبته  .

( ومن الفوائد )

أنه ذُكِر هذا العقاب بلفظ ( يُجرْجِر )

والجرجرة : ” صوت تدفق الماء إلى الجوف ”

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” مأخوذ من جرجرة البعير إذا هاج “

فإنه إذا هاج أصدر صوتاً مزعجاً فظيعاً .

إذاً / مع ما يناله من العقوبة في هذا العضو ، يضعَّف عليه العذاب بسماع هذا الصوت الفظيع الذي يكون في حلقه .

( ومن الفوائد )

أن الرواية المشهورة :

( يجرجر في بطنه نارَ جهنم )

فكلمة ( نار ) مفعول به .

الفاعل : هو الشارب .

أي :” يجرجر الشارب في بطنه نارَ جهنم ”

وضبط بالرفع :

( يجرجر في بطنه نارُ جهنم )

فتكون ( النارُ ) هي الفاعل .

أي : ” ينصب في جوفه نار جهنم “

 

ولو قال قائل :

كيف للنار أن تفعل هذا بنفسها ؟

الجواب /

أن كثيراً من أهل اللغة يرون :

” أن هذا من قبيل المجاز “

وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى في البلاغة ذكر لذلك .

والصواب الذي عليه المحققون :

[ أنه لا مجاز في اللغة ولا القرآن ولا في السنة ]

وإنما يقال عن هذا :

” أسلوب من أساليب اللغة العربية له أغراض شتى “

ومن الأغراض هنا :

” الوعيد والتغليظ “

إذ إن النار بنفسها كأنها هي التي تعذبه “

( ومن الفوائد )

أن ( جهنم ) علمٌ على ( النار )

والمقصود من العلم هنا ليس العلم الذي يقصد منه المعرفة وما شابه ذلك ، لكنه علم على النار .

وسميت بهذا الاسم :

إما لبعد قعرها ، كما قال بعض العلماء .

وإما لغلظتها وشدتها .

( ومن الفوائد )

أن فيه ردا على طائفة من المتكلمين الذين قالوا” إن من في النار يتكيف بعذابها ” فلا يشعر بألم “

وفيه الرد على ما نحى إليه بعض المتكلمين من ” أن النار تنقلب على أهلها أنساً ولذة “

وكل هذا كلام باطل ترده النصوص الشرعية ، ومن بينها هذا الحديث :

( فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم )

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث يتوافق من حيث المماثلة في العذاب مع ” من أكل مال اليتامى “

قال تعالى :

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }النساء10 .

وكذلك مع ” من أكل مالا ليحرف كلام الله “

كما قال تعالى في سورة البقرة :

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ }البقرة174

 ( ومن الفوائد )

أن على المسلم أن يحذر من طريقين ، هذان الطريقان في الغالب يوديان بصاحبهما إلى النار ( الفم والفرج )

فإنه ذكر هنا ( البطن ) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج )

وقال :

( من يضمن لي ما بين لحيين وفخذيه أضمن له الجنة )

والأحاديث في هذا كثيرة .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث يستثنى منه ” الإناء الذي ينكسر فيضبب بضبة من فضة يسيرة”

كما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه :

( انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة )

( ومن الفوائد )

” أن الاسم الموصول لما أشبه الشرط دخلت الفاء في الجملة التي تليه “

(فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم )

كما في بعض النسخ .