شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 18 ) حديث ( 20 ) ( مر رسول الله بشاة يجرونها )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 18 ) حديث ( 20 ) ( مر رسول الله بشاة يجرونها )

مشاهدات: 662

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )  ـ الدرس 18 حديث 20

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وعن ميمونة – رضي الله عنها – قالت : مر رسول الله صلى الله  عليه وسلم بشاة يجرونها ، فقال : ( لو أخذتم إهابها  ؟ ”                                          

قالوا : إنها ميتة .

فقال : يطهرها الماء والقَرَظ  ” )

أخرجه : أبو داود والنسائي .

 

 

( من الفوائد )

أن البهيمة إذا ماتت حتف أنفها لا تكون لها كرامة ككرامة المسلم إذا مات ، فإنه عليه الصلاة والسلام رآهم يجرونها ومع ذلك ما أنكر عليهم هذا الفعل .

( ومن الفوائد )

أن بعض العلماء يرى : أن ذكر الشاة في حديث ميمونة رضي الله عنها يخصص  ما أطلق في الأحاديث السابقة .

ولعل ابن حجر رحمه الله يلمح إلى هذا ، لأنه ذكر الأحاديث العامة ثم ختم الأحاديث الواردة في جلود الميتة بحديث ميمونة رضي الله عنها .

فبعض العلماء : استدل بهذا الحديث على أن الجلود التي تطهر بالدباغ هي جلود مأكولة اللحم .

( ومن الفوائد )

أن ” الشاة ” تطلق في اللغة على الذكر والأنثى ، فإذا جاءت كلمة ” الشاة ” في النصوص الشرعية علمنا أنها إما ذكر وإما أنثى ، ولا يختص من حيث اللفظ بالأنثى.

( ومن الفوائد )

أن قولهم ( إنها ميتة )

ثم وجههم عليه الصلاة والسلام بقوله

( يطهرها الماء والقرظ )

يدل على أن جلد الحيوان الذي يذكى ذكاة شرعية – فالشاة مثلا إذا ذكيت عن طريق قطع الحلقوم والمريء والودجين وهما ” العرقان المحيطان بالعنق ” – أن جلدها طاهر ولو لم يدبغ .

فإذاً / لو أردنا أن نقسم الجلود نقول هي على ثلاثة أقسام :

القسم الأول :

” جلد مأكول اللحم المذكى  ”

فهذا طاهر  ولو لم يدبغ .

القسم الثاني :

” جلد ما لا يؤكل لحمه ”

مثل الفهد والذئب ونحوه ، فهذا لا يطهر  ولو دبغ على الصحيح ، لظاهر هذا الحديث ، ولما جاء من أحاديث في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( نهى عن جلود النِمار )

وفي حديث آخر :

( نهى عن جلود السباع )

وللرواية الأخرى في حديث سلمة بن المحبِّق السابق :”

( دباغ جلود الميتة ذكاتها )

فنصَّ على التذكية  ، ومعلوم أن التذكية لا تكون إلا في مأكول اللحم .

أما كونه يفسر بالتفسير الآخر من أن دبغها يكون بمثابة ذبحها – فلا يستقيم – لأن التذكية الواردة في الشرع هي التذكية المعروفة ” بقطع الحلقوم والمريء والودجين

القسم الثالث :

” جلد الميتة مأكولة اللحم ”

وهذا يطهر بالدباغ لحديث ميمونة رضي الله عنها .

لكن إذا كان هذا المرجح فبم نجيب عن أدلة من قال بخلاف هذا الرأي ؟

الجواب /

قول من يقول ” إن الميتة لا ينتفع منها بشيء ”

لحديث عبد الله بن عكيم :

( إذا أتاكم كتابي فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب )

فالجواب عن هذا الحديث :

أن فيه عللا في سنده وفي متنه .

أما في سنده / فإنه ” مرسل ” لأن عبد الله بن عكيم لم يسمع  رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ” .

وأما من حيث المتن / فإنه ” مضطرب ” فقد جاء في إحدى الروايات ( أن هذا الكتاب أتى قبل ثلاثة أيام )

وفي رواية : ( قبل شهر )

وفي رواية ( قبل أربعين يوما )

وفي رواية ( قبل شهرين )

وعلى افتراض صحة هذا الحديث /

فإن الإهاب لا ينتفع منه قبل دبغه ، فلا يسمى جلدا قبل الدبغ وإنما يسمى إهاباً ، ويؤكد هذا حديث ميمونة :

( هلا انتفعتم بإهابها )

ولم يقل : ( بجلدها )

وأما قول من يقول :

إن جميع الجلود تطهر ما عدا جلد الخنزير ”  لأن الله عز وجل قال :

{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ }الأنعام145 .

الجواب /

أن هناك أشياء وصفت بالرجسية غير الخنزير .

بل إن بعض المفسرين قال :

” إن الضمير يعود إلى اللحم ولا يعود إلى الخنزير “

ولو كان الضمير عائدا إلى الخنزير فإن الحكم لا يحصر في جلد الخنزير لأنه لا ذكر هنا للجلود ، إنما الذكر هنا للمطعوم {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ }الأنعام145 .

وأما قول من يقول :

أن ” الجلود كلها تطهر بالدباغ ما عدا الخنزير والكلب وما تولد منهما “

والدليل : الآية السابقة إذ إن الكلب مقيس على الخنزير .

فالجواب /

أن هذا القول يسقط من باب أولى ، ولا يعني أن جلد هذين الحيوانين أنهما يطهران بالدباغ – لا – لكن الرد على هذين القولين لأنهما استثنيا ” الكلب والخنزير ” .

وأما قول من يقول :

إن ” الجلود كلها تطهر بالدبغ ظاهرا لا باطنا ”

فتستعمل في اليابسات دون المائعات .

الجواب /

النبي صلى الله عليه وسلم عمم ، قال :

( لو أخذتم إهابها ؟ ” قالوا إنها ميتة ، قال: ” يطهرها الماء والقرظ )

وأعظم ما ينتفع من الجلود في السوائل ، أي في المائعات .

وأما القول المنسوب للزهري رحمه الله :

أن ” الجلود كلها طاهرة ولو لم تدبغ “

لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الميتة : ( إنما حرم أكلها )

نقول / هذه مطلقة مقيدة بالأحاديث الأخرى .

( ومن الفوائد )

أن الأصل – على حسب ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم – أن الأصل في الميتة أنه لا ينتفع منها بشيء “

لو قال قائل : ” عظم الميتة ” أينتفع به ؟

قولان : شيخ الإسلام رحمه الله يرى الانتفاع به ، لأن الدم لا يصل إليه ، وسبب تحريم الميتة ” احتقان الدم “

والصواب / أنه لا ينتفع به ، لأن الصحابة رضي الله عنهم استغربوا أن ينتفع بإهابها ، ولا شك أن العظم أصل أصيل فيها .

ويسرى  هذا القول في ” حليب الميتة “

” لو أن شاة ماتت وبها حليب “

يرى شيخ الإسلام رحمه الله : أن الحليب إذا لم يتعفن أنه ينتفع به .

والصواب / عدم ذلك ، لأن الحليب أصله من الدم {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }النحل66 .

ولو قال قائل :

حكم قرنها وشعرها وظفرها ؟

فيقال : بالنسبة إلى الشعر والوبر والريش فهو مباح ، لأن الله عز وجل قال :

{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ }النحل80 ، وعمم .

والمقصود من الانتفاع بها : أن ينتفع بها دون دبغ .

فيجوز الانتفاع بها شريطة ألا تقلع من أصولها  وإنما تجز جزاً .

وأما بالنسبة إلى ” القرن والأظافر ” فإنها لا تسري فيه الحياة ، فيجوز الانتفاع بها .

لو قال قائل : ما حكم ” الناب ” ؟

نقول : على الخلاف السابق في العظم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( أما السن فعظم )

( ومن الفوائد )

أن الميتة يطهر جلدها بما يذهب عفونتها ورطوبتها ، فكان مما كان موجودا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ( الماء والقرظ )

والقرظ : هو حب شجر يقال له ” السَّلَم “

يوضع مع الماء فيطهر الجلود .

فإذا وجد مواد أخرى أبلغ وأنقى فتستعمل .

( ومن الفوائد )

أن قوله عليه الصلاة والسلام :

( هلا انتفعتم من إهابها )

( هلا ) أداة من أدوات ” التحضيض “

يعني حضٌّ منه عليه الصلاة بأخذ إيهابها .

( ومن الفوائد )

أن كلمة ( لو ) ليست على سبيل الإطلاق يراد منها ما جاء في الحديث عند مسلم :

( لو تفتح عمل الشيطان )

هذا فيما إذا كان الإنسان معترضاً على قدر الله عز وجل .

فنخلص من هذا أن ( لو ) لها أنواع كثيرة ، لكن ما نوعها هنا ؟

هل هي للتمني ؟

هل هي للإخبار ؟

هل هي للندم ؟

نقول : ( لو ) هنا بمعنى ( التحضيض ) لم ؟

لأن الرواية الأخرى فسَّرتها

( ومن الفوائد )

أن بعض العلماء يرى : أن النجاسة إذا أزيلت بالماء أن يضاف معه شيء حاد – كالمسحوق – مثل الأشنان أو القرظ  أو الصابون ،  لقوله ( يطهرها الماء والقرظ )

والصواب / أنه لا يلزم ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن من حديث خولة بنت يسار لما سألته عن دم الحيض ؟ قال :

( يكفيك الماء ولا يضرك أثره )

( ومن الفوائد )

أن الإسلام دين النظافة والتطهر ، فهو يرفع مقام الإنسان ، ولا شك أن من نظر في النصوص الواردة في التطهر علم أن الإنسان حريص على النظافة وعلى عدم وصول الضرر والأذى إلى ابن آدم .