شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 21 حديث 23
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أنس -رضي الله عنه :
أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر ، فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة )
أخرجه البخاري
( من الفوائد )
أن أواني الذهب والفضة لا يجوز الأكل والشرب فيهما – كما سبق – وهذا بالإجماع ، بينما استعمالهما في غير الأكل والشرب مختلف فيه ، وسبق ترجيح هذه المسألة في حديث أم سلمة رضي الله عنها .
لكن في هذا الحديث : أن إناء النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء من الفضة ، ومر معنا زيادة ( ولا في شيء منهما )
وهنا هذا القدح يُشرب فيه وفيه شيء من الفضة ، فكيف يوجه هذا الحديث ؟
توجيه : من أن هذا مستثنى من الأحاديث الماضية .
فإذا انكسر الإناء وضُبِّب بضبَّة يسيرة جاز استعماله ، ولو لم يكن هناك ضرورة .
يعني لو وجد غير الفضة من حديد أو نحاس ، فله أن يضبب بضبة يسيرة من الفضة شريطة ” ألا يكون هذا التضبيب من الفضة للزينة “
فإن كان للزينة فيحرم .
( ومن الفوائد )
هل له أن يباشر هذه الضبَّة أثناء الشرب ؟
بعض العلماء : كره ذلك .
والذي يظهر : ” عدم الكراهة ” لأن الحديث لم ينقل فيه ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوقى الشرب من هذا الصدع الذي ضُبِّب بفضة ” .
وقلنا إنها ” يسيرة ” لأن ” الشَّعب يكون يسيرا .
( ومن الفوائد )
أن قوله ( سِلسِلة من فضة ) ضبطت بفتح ” السين ” ( سَلسَلة )
فبعضهم رجَّح الفتح وبعضهم رجَّح الكسر .
وبعضهم : فرَّق في المعنى ،فقال :
إن ( سَلسَلة ) بالفتح هي ” حلقات الحديد المجتمع بعضها مع بعض .
بينما ( سِلسِلة ) بالكسر ، هو ” السلك من الحديد ونحوه .
( ومن الفوائد )
أن بعض العلماء يرى : أن هذا التضبيب ليس من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من أنس رضي الله عنه ، لما جاء عند البخاري عن عاصم الأحول قال:
( رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس انكسر فسلسله من فضة )
ثم في آخر الحديث :
( فأراد أنس رضي الله عنه أن يُغيِّر حلقة من حديد في هذا الإناء بسلسة من فضة ، فقال أبو طلحة رضي الله عنه :
لا تغير شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فقالوا إن قوله : ( فسلسله من فضة ) راجع إلى أنس رضي الله عنه .
وقال آخرون : إن ” الضمير ” راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
إذاً / الضمير محتمل ، ومما يقوي أن الضمير راجع إلى أنس رضي الله عنه أنه أراد أن يغيِّر هذه الحلقة في هذا الإناء .
ولكن في آخر الحديث يدل على أن الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن أبا طلحة عدل بأنس من أن يغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن السلسلة ليست هي الحلقة .
فأنس أراد أن يغير حلقة من حديد كانت في هذا الإناء المكسور الذي ضبَّبه النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أن ( القَدَح ) يختلف عن ( القِدْح )
فـ ( القِدْح ) هو ” السهم ” .
( ومن الفوائد )
بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من شظف العيش ، فإنه جبر كسر هذا الإناء واستخدمه ، ولا شك أن الأدلة متظافرة على قلة عيشه صلوات ربي وسلامه عليه .
( ومن الفوائد )
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظون ما ورثوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأواني ، كما فعل أنس رضي الله عنه هنا ، وكما فعلت أم سلمة رضي الله عنها .
وهذا الحكم خاص به صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز أن يحفظ مما تركه الموتى على وجه التعبد والتبرك ، بينما هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم .