شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 23 ) حديث ( 25 ) ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية .. )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 23 ) حديث ( 25 ) ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية .. )

مشاهدات: 459

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 23 حديث 25

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وعنه : قال :

لما كان يوم خيبر ، أمر  رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى : 

” إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ، فإنها رجس )

متفق عليه

 ( من الفوائد )

هذا الحديث قال ابن حجر رحمه الله :

( وعنه )

هذه الكلمة يؤتى بها اختصارا إذا كان الراوي هو نفس الراوي في الحديث السابق ، وراوي الحديث السابق هو :

( أنس بن مالك رضي الله عنه )

(و من الفوائد )

أن ” يوم خيبر ” المراد منه غزوة خيبر ، وقد وقعت في السنة السابعة من الهجرة .

وخيبر : مدينة تقع شمال المدينة ، تبعد عنها مائة وستين كيلو متر   ، وهي بلدة عامرة بالقطاعات الحكومية .

(و من الفوائد )

أن ” التبليغ ” موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو تبليغ العلم ونشره .

ويختار في ذلك – إذا كانوا في جميع – يختار  ” الصَيِّت ” وهذا يدل على أن أبا طلحة رضي الله عنه كان صيِّتا .

إذاً / ما جاء في هذا العصر من وسائل تبليغ الخير والعلم للجمع الغفير  من الأمور المستحسنة شرعا ، إذ لو كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لفعلها.

(و من الفوائد )

أن قوله :

( إن الله ورسوله ينهيانكم )

أضمر ولم يظهر ، قال ( ينهيانكم )

ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( مر على خطيب وإذا به يقول ” من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى “

فقال : صلى الله عليه وسلم ” بئس أنت خطيب القوم )

فما هو الجواب ؟

الجواب /

قال بعض العلماء : إن الخطبة تحتاج إلى إطناب وإيضاح ، فلا يتناسب فيها الإضمار ، بينما هو خبر  من الأخبار .

نظيره : قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )

وقال بعض العلماء : إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم  ، فلا يشاركه غيره .

والصواب / هو الأول .

( ومن الفوائد )

أنه جاء عند البخاري في روايته :

( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فقال ” قُتلت الحُمُر يا رسول الله ”

ثم جاء آخر فقال ” أُكلت الحُمُر يا رسول الله “

ثم جاء ثالث فقال “ أفنيت الحُمُر يا رسول الله “

فأمر عليه الصلاة والسلام أن تكفأ القدور وهي تغلي باللحوم )

(و من الفوائد )

أن ” جماهير الأمة يرون أن الحُمُر الأهلية حرام أكلها “

لهذا الحديث .

بينما ابن عباس رضي الله عنهما كما جاء عند البخاري قال : ( لا أدري أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر من أجل الركوب أو من أجل التحريم )

ولذا ما سئل عن لحوم الحمر  ؟

استدل بقوله تعالى :

{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }الأنعام145

فاستدل بالآية على إباحة الحُمُر  .

فيجاب عن الآية :

أن الآية عامة قيدها الحديث .

ويمكن أن يستدل لهذا بما جاء عند أبي  داود  :

( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” أصابتنا سنة يا رسول الله وليس عندي ما أطعم به أهلي إلا سُمُن حُمُري ؟

فقال ” أطعم أهلك سُمُن حُمُرك ” )

فيجاب عن هذا الحديث :

من أن العلماء قالوا : إنه ” مضطرب ”

والاضطراب : علة في الحديث .

ولو صح ، فإن هذه الحال محمولة على الضرورة ، لأنه قال ( أصابتنا سنة ، وليس عندي ما أطعم به أهلي إلا سُمُن حُمُري)

وأما ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما

فيقال : إن النهي يقتضي التحريم عند الإطلاق

إذاً / الصواب :

أن لحوم الحُمُر الأهلية حرام ، وكذلك ألبانها ، لأن ألبانها متولدة من دمائها

لو قال قائل :

هل الحُمُر الأهلية طاهرة البدن ، فيما يفرزه بدنها من عرق ، وما يفرزه أنفها من مخاط هل هو طاهر أم لا ؟

الجواب /

إحدى الروايات في مذهب الإمام أحمد يرى أنه نجس ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّم بعلة فقال :

( فإنها رجس )

وهذا يشملها كلها .

والصواب /

أن هذه المذكورات طاهرة ، لما يلي :

أولا : أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يركبونها ، وكانت تهطل الأمطار  وينشأ منها عرق ومخاط ولعاب ولم يأت دليل على نجاسة هذه الأشياء .

ثانيا :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الهرة ( إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين عليكم )

فإذا كانت الهرة طاهرة مع أن ملامستنا لنا أقلَّ من ملامستنا للحمار ، فالحمار من باب أولى .

وليعلم أن ” البغل ” يدخل في هذا الحكم ، فما يقال في الحمار يقال في البغل ، لأنه  ( متولد منه ومن غيره )

أما فضلاتها من ” روث وبول ودم ” فإنها نجسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال عن ورثة الحمار  : ( إنها رجس )

( ومن الفوائد )

أن ( حُمُر ) جمع حمار ، ولذا يخطئ البعض إذا ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم (  فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم )

بعضهم يقول ( حُمُر ) وهذا خطأ .

فإن ( حُمُر ) جمع حمار   ، وإنما الصحيح ( حُمْر ) بتسكين الميم ، وهي الإبل الحمراء .

( ومن الفوائد )

أن الوصف بكونها ( أهلية ) منسوبة إلى الأهل وهو ” الاستئناس بالبشر  ” يخرج من هذا الحكم ( الحُمُر الوحشية ) فإنها صيد ، وقد أكل منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه .

( ومن الفوائد )

أن العلماء اختلفوا :

هل ( الحُمُر الوحشية ) هل هو هذا الحمار المخطط أم أنه غيره ؟

والصواب / أنه يصدق عليه أنه حمار وحشي .

( ومن الفوائد )

أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّل بعلة واضحة وهي ” الرجسية ”

فسبب التحريم هو النجاسة  .

ثم إننا نستفيد من العلة غير ما ذكر في هذا الحديث ، فهذه العلة تفيدنا :

[ أن كل نجس حرام  وليس كل حرام نجساً ]

( ومن الفوائد )

أن النهي أتى يوم خيبر ، فدل على أنها كانت مباحة قبل يوم خيبر  ، وهذا يدل على القاعدة الشرعية :

[ ما انتفى ضرره شرعاً انتفى ضرره قدرا ]

فإن الحاجة لما كانت موجودة لها فأكلوها ما أضرتهم ، كشأن الميتة إذا كان مضطرا إليها الإنسان فإنه لا يتأثر لأن الجسم يقبل  ، وبحاجته لها يدفع مضارها

( ومن الفوائد )

أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على اللحوم فلا يفهم أن ما سواها يكون حلالا ، لم ؟

لأن هذا الحديث جاء لبيان الواقع ، وعندنا قاعدة وهي  :

[ أن النص إذا جاء لبيان الواقع فلا مفهوم له ]

فيكون كل ما يتعلق بالحمار نجس ، لكن استثنينا العرق وما يفرزه الفم والأنف للأحاديث الماضية ، فيبقى الأصل على ما كان عليه .