شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 23 حديث 25
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وعنه : قال :
لما كان يوم خيبر ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى :
” إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ، فإنها رجس )
متفق عليه
( من الفوائد )
هذا الحديث قال ابن حجر رحمه الله :
( وعنه )
هذه الكلمة يؤتى بها اختصارا إذا كان الراوي هو نفس الراوي في الحديث السابق ، وراوي الحديث السابق هو :
( أنس بن مالك رضي الله عنه )
(و من الفوائد )
أن ” يوم خيبر ” المراد منه غزوة خيبر ، وقد وقعت في السنة السابعة من الهجرة .
وخيبر : مدينة تقع شمال المدينة ، تبعد عنها مائة وستين كيلو متر ، وهي بلدة عامرة بالقطاعات الحكومية .
(و من الفوائد )
أن ” التبليغ ” موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو تبليغ العلم ونشره .
ويختار في ذلك – إذا كانوا في جميع – يختار ” الصَيِّت ” وهذا يدل على أن أبا طلحة رضي الله عنه كان صيِّتا .
إذاً / ما جاء في هذا العصر من وسائل تبليغ الخير والعلم للجمع الغفير من الأمور المستحسنة شرعا ، إذ لو كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لفعلها.
(و من الفوائد )
أن قوله :
( إن الله ورسوله ينهيانكم )
أضمر ولم يظهر ، قال ( ينهيانكم )
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم :
( مر على خطيب وإذا به يقول ” من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى “
فقال : صلى الله عليه وسلم ” بئس أنت خطيب القوم )
فما هو الجواب ؟
الجواب /
قال بعض العلماء : إن الخطبة تحتاج إلى إطناب وإيضاح ، فلا يتناسب فيها الإضمار ، بينما هو خبر من الأخبار .
نظيره : قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )
وقال بعض العلماء : إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يشاركه غيره .
والصواب / هو الأول .
( ومن الفوائد )
أنه جاء عند البخاري في روايته :
( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فقال ” قُتلت الحُمُر يا رسول الله ”
ثم جاء آخر فقال ” أُكلت الحُمُر يا رسول الله “
ثم جاء ثالث فقال “ أفنيت الحُمُر يا رسول الله “
فأمر عليه الصلاة والسلام أن تكفأ القدور وهي تغلي باللحوم )
(و من الفوائد )
أن ” جماهير الأمة يرون أن الحُمُر الأهلية حرام أكلها “
لهذا الحديث .
بينما ابن عباس رضي الله عنهما كما جاء عند البخاري قال : ( لا أدري أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر من أجل الركوب أو من أجل التحريم )
ولذا ما سئل عن لحوم الحمر ؟
استدل بقوله تعالى :
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }الأنعام145
فاستدل بالآية على إباحة الحُمُر .
فيجاب عن الآية :
أن الآية عامة قيدها الحديث .
ويمكن أن يستدل لهذا بما جاء عند أبي داود :
( أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” أصابتنا سنة يا رسول الله وليس عندي ما أطعم به أهلي إلا سُمُن حُمُري ؟
فقال ” أطعم أهلك سُمُن حُمُرك ” )
فيجاب عن هذا الحديث :
من أن العلماء قالوا : إنه ” مضطرب ”
والاضطراب : علة في الحديث .
ولو صح ، فإن هذه الحال محمولة على الضرورة ، لأنه قال ( أصابتنا سنة ، وليس عندي ما أطعم به أهلي إلا سُمُن حُمُري)
وأما ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما
فيقال : إن النهي يقتضي التحريم عند الإطلاق
إذاً / الصواب :
أن لحوم الحُمُر الأهلية حرام ، وكذلك ألبانها ، لأن ألبانها متولدة من دمائها
لو قال قائل :
هل الحُمُر الأهلية طاهرة البدن ، فيما يفرزه بدنها من عرق ، وما يفرزه أنفها من مخاط هل هو طاهر أم لا ؟
الجواب /
إحدى الروايات في مذهب الإمام أحمد يرى أنه نجس ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّم بعلة فقال :
( فإنها رجس )
وهذا يشملها كلها .
والصواب /
أن هذه المذكورات طاهرة ، لما يلي :
أولا : أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يركبونها ، وكانت تهطل الأمطار وينشأ منها عرق ومخاط ولعاب ولم يأت دليل على نجاسة هذه الأشياء .
ثانيا :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الهرة ( إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين عليكم )
فإذا كانت الهرة طاهرة مع أن ملامستنا لنا أقلَّ من ملامستنا للحمار ، فالحمار من باب أولى .
وليعلم أن ” البغل ” يدخل في هذا الحكم ، فما يقال في الحمار يقال في البغل ، لأنه ( متولد منه ومن غيره )
أما فضلاتها من ” روث وبول ودم ” فإنها نجسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال عن ورثة الحمار : ( إنها رجس )
( ومن الفوائد )
أن ( حُمُر ) جمع حمار ، ولذا يخطئ البعض إذا ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم )
بعضهم يقول ( حُمُر ) وهذا خطأ .
فإن ( حُمُر ) جمع حمار ، وإنما الصحيح ( حُمْر ) بتسكين الميم ، وهي الإبل الحمراء .
( ومن الفوائد )
أن الوصف بكونها ( أهلية ) منسوبة إلى الأهل وهو ” الاستئناس بالبشر ” يخرج من هذا الحكم ( الحُمُر الوحشية ) فإنها صيد ، وقد أكل منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه .
( ومن الفوائد )
أن العلماء اختلفوا :
هل ( الحُمُر الوحشية ) هل هو هذا الحمار المخطط أم أنه غيره ؟
والصواب / أنه يصدق عليه أنه حمار وحشي .
( ومن الفوائد )
أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّل بعلة واضحة وهي ” الرجسية ”
فسبب التحريم هو النجاسة .
ثم إننا نستفيد من العلة غير ما ذكر في هذا الحديث ، فهذه العلة تفيدنا :
[ أن كل نجس حرام وليس كل حرام نجساً ]
( ومن الفوائد )
أن النهي أتى يوم خيبر ، فدل على أنها كانت مباحة قبل يوم خيبر ، وهذا يدل على القاعدة الشرعية :
[ ما انتفى ضرره شرعاً انتفى ضرره قدرا ]
فإن الحاجة لما كانت موجودة لها فأكلوها ما أضرتهم ، كشأن الميتة إذا كان مضطرا إليها الإنسان فإنه لا يتأثر لأن الجسم يقبل ، وبحاجته لها يدفع مضارها
( ومن الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على اللحوم فلا يفهم أن ما سواها يكون حلالا ، لم ؟
لأن هذا الحديث جاء لبيان الواقع ، وعندنا قاعدة وهي :
[ أن النص إذا جاء لبيان الواقع فلا مفهوم له ]
فيكون كل ما يتعلق بالحمار نجس ، لكن استثنينا العرق وما يفرزه الفم والأنف للأحاديث الماضية ، فيبقى الأصل على ما كان عليه .