شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 25 ) حديث ( 27 ـ 28 ) (كان رسول الله يغسل المني ـ لقد كنت أفركه )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 25 ) حديث ( 27 ـ 28 ) (كان رسول الله يغسل المني ـ لقد كنت أفركه )

مشاهدات: 438

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ــ الدرس 25 حديث 27 وحديث 28

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

 أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن عائشة رضي الله عنها  : قالت :

” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب ، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه ) متفق عليه

ولمسلم : ” لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه “

وفي لفظ له : ” لقد كنت أحكه يابسا بظفري من ثوبه ” .

ذكر ابن حجر رحمه الله هذه الأحاديث والتي يراد منها بيان حكم ” المني ” من حيث الطهارة ومن حيث النجاسة .

( من الفوائد )

اختلف العلماء في مسألة طهارة المني من نجاسته :

فبعض العلماء يرى :

” أن المني نجس “

ويستدلون على ذلك :

بـ ( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله )

ولأنه يشبه الفضلات الأخرى المفرزة من الطعام والشراب ، فيكون كالبول والغائط

وقال بعض العلماء :

” إن المني طاهر ” لأنه لو كان نجساً لما اقتصر على فركه يابساً .

ومعلوم أن ” الفرك لا يطهر ”

ثم إن هذا المني أصل ومادة خلق الأنبياء ، فتأبى حكمة الله عز وجل أن يكون أصل هؤلاء الأنبياء نجساً .

وقال بعض العلماء :

” يغسل رطبه ويتسامح في يابسه بالفرك “

ففرقوا بين اليابس والرطب لاختلاف الأدلة .

وقد قال من قال بنجاسة المني :

” إن البخاري رحمه الله لم يخرِّج رواية الفرك ، إنما الذي أخرجها مسلم ، فاقتصار البخاري رحمه الله على رواية

( الغسل ) يدل على أنه نجس .

وقالوا : إن قولكم إن أصله خلق الأنبياء يرد عليكم :

أن من أطوار خلق الأنبياء ( العلقة ) والعلقة : دم .

ثم قالوا : لو سلمنا بما قلتم من أن الفرك يدل على عدم النجاسة ، فإن هذا مردود عليكم :

إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفرك مطهرا للنجاسة كما في أحاديث ” دلك النعلين والخفين إذا أصابهما أذى “

فيكون فركه لنجاسته لا لطهارته .

والصواب في هذا /

أن  : ” المني طاهر “

لما ذكره أصحاب القول الثاني من أدلة .

وأما قولهم ” إن العلقة نجسة ” فيقال :

فرق بين العلقة وبين المني ، فإن الدم تحول إلى مني فيما بعد ذلك ، والدم تحول إلى لحم ، فهناك تحولات ، ومعلوم أن الشيء قد يكون نجساً ويتحول إلى طاهر أو العكس .

ثم لو قلتم بهذا القول : يدخل عليكم من أن الدم نجس ويعفى عن يسيره ، أما كثيره فلا يعفى عنه .

فإن كان كما قلت فلنقل في الدم ، كما أبحتم فرك المني  ؟!

وأما قولكم : بأن النعلين والخفين يطهران بالدلك “

فلأن النعلين والخفين يصعب تحرز الأذى لهما ، فمن باب التيسير جعل الشرع الدلك مطهرا ، أما هنا ففرق بين اليابس وبين الرطب ، ولو كان كما قلت لما فُرِّق بين اليابس والرطب ، فإن دلك النعلين يستوي فيه اليابس والرطب .

فيكون غسله عليه الصلاة والسلام للمني من باب التنظف والتنزه كما يغسل المخاط والريق ، ومعلوم أنها طاهرة .

ثم إنه يدخل عليكم بما صح عند ابن خزيمة :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزيل المني بعرق الإذخر  ويَحُت يابسه )

فدل على أنه لم يغسل الرطب منه .

وجاء عند ابن حبان والبيهقي والدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت :

( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي )

فجملة ( وهو يصلي ) جملة حالية ، فدل على أن الفرك في وقت الصلاة ، فلو كان نجسا لما دخل عليه الصلاة والسلام من أول أمره في الصلاة وهو متعلق بهذه النجاسة .

ويمكن أن يكون من أدلة من قال بالنجاسة :

” أن مخرج المني نفس مخرج البول “

لكن لما أتت هذه الأدلة فصلت في الموضوع .

وهناك من يقول :

” إن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بهذا الأمر ” لأن منيه طاهر ، أما مني غيره فلا .

فيجاب عن هذا :

أن الأصل تساوي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأمة في الأحكام إلا إذا جاء الدليل على الخصوصية .

( ومن الفوائد )

أن ( الفرك ) مبين في الرواية الأخرى وهو ( الحك ) فحكُّ الشيء فركه وفركه هو حكه .

 

( ومن الفوائد )

أن عائشة رضي الله عنه أوضحت أنها :

( تفركه يابساً ) ، فكلمة ( يابساً ) حال ، و [ الحال تقيد ] فدل على أن الفرك واقع على اليابس ، ولو أطلقت وقالت :

( كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لشمل اليابس والرطب .

( ومن الفوائد )

أنها رضي الله عنها أتت بالمصدر ( فركاً )

فلو قالت ( كنت أفركه ) وسكتت ، ربما كان معنى ( الفرك ) يحتمل معنى آخر  ، ولذلك أجمع علماء اللغة على :

[ أن المصدر  يؤكد الشيء وأنه هو هو بعينه ولا يحتمل معنىً آخر )

لأنها لو لم تأت بالمصدر لربما قال من قال بنجاسة المني إن الفرك هنا هو الغسل .

ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن العصاة إذا دخلوا النار  ( يميتهم الله إماتةً )

فدل على أنهم يموتون موتا حقيقياً في النار ( ثم يخرجون ضبائر ) يعني جماعات.

وهذا يدل على فائدة اللغة العربية وأن من فهمها ودرسها  استفاد بإذن الله خيرا كثيرا .

 

 

 

( ومن الفوائد )

بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من قلة الثياب ، إذ إن ثوبه الذي يصلي به هو ثوبه الذي ينام فيه .

( ومن الفوائد )

أن من حسن معاشرة الزوجة زوجها أن تخدمه ، كما فعلت عائشة رضي الله عنها .

( ومن الفوائد )

أن الزوجة الصالحة هي التي لا تأنف من أن تنظف ما علق بثوب أو بدن زوجها ولو كان مستقذرا ، لأنها تحتسب الأجر من الله عز وجل .

( ومن الفوائد )

أن بقايا الشيء المباح المستقذر لا ينقص ولا يخل بحياء الرجل ولا بمروءته ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج وأثر الغسل من هذا المني في ثوبه .