شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 27 ) حديث ( 30 ) ( تحته ثم تقرصه بالماء … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 27 ) حديث ( 30 ) ( تحته ثم تقرصه بالماء … )

مشاهدات: 425

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 27 حديث 30

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أسماء بنت أبي بكر  – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله  عليه وسلم قال في دم الحيض يصيب الثوب :

( تحته ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه    ) .

متفق عليه

ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث

وهو حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما  ، وأسماء هي أخت لعائشة رضي الله عنهما ، وهي أكبر منها بعشر سنين ، وقد عُمِّرت فبلغت مائة سنة ، وما سقط لها سن وما غاب لها عقل .

توفيت بعد أن قتل ابنها عبد الله بأقل من شهر  .

( فمن فالفوائد )

أن الأفضل في غسل النجاسة اليابسة أن تكون بهذه الطريقة المرتبة .

أولا : ( تحته ) حتى يزول الجرم  .

ثانيا : ( تقرصه ) أي يدلك الموضع بشيء من الماء .

ثالثا : ( تنضحه ) أي يغسل بالماء الغزير .

فتكون الضمائر راجعة إلى الدم  :

( تحته ، ثم تقرصه بالماء ، تنضحه  )

ويرى القرطبي رحمه الله كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله ” أن النضح إنما هو راجع إلى الثوب فلا داعي إلى غسل الدم لأنه زال بالحك ثم بقرصه بالماء ”

فيكون غسل الثوب من باب الاحتياط ، فلربما أصاب الثوب شيء من هذه النجاسة فيحتاط بنضحه وهو رشه بالماء .

والصواب / هو القول الأول ” أن الضمير راجع إلى الدم “

لأن الأصل عدم اختلاف الضمائر  .

ثم ما هو اليقين الذي لدينا أن الثوب أصابه شيء أو لم يصبه ، فيكون النضح على القول الأول هو الغسل .

وعلى ما قاله القرطبي هو الرش .

وهذا يقرر ما سبق من أن ” النضح يأتي لغسل الشيء ولرشه .

والأصل فيه الرش .

( ومن الفوائد )

أن الدم نجس ، لكن ما هو هذا الدم النجس ؟

الجمهور يرى : ” أن الدم الخارج من غير السبيلين نجس ويعفى عن يسيره ” قياسا على دم الحيض .

وير ى آخرون : أن الدم الذي يخرج من بدن الإنسان من غير السبيلين يرون أنه طاهر كثر أم قلَّ .

وهو الأقرب من حيث الأدلة  ، لأن القياس هنا قياس مع الفارق ، فكيف يقاس الدم الذي يخرج من بدن الإنسان على الدم الذي يخرج من السبيلين .

ثم إذا قررتم أنه نجس، فيلزمكم أن تجعلوا كله نجساً ولا يستثنى القليل منه .

فالأدلة تقوي القول الأخير  ، ولذلك لعدم الدليل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه دم الشهيد بأنه يخرج ( اللون لون الدم والريح ريح المسك ) فكونه يُشَبَّه بالمسك يدل على طهارته ، فلو كان نجسا ما حسن تشبيهه بالمسك .

والجمهور يرون أن ” دم الشهيد طاهر ” فلماذا التفريق ؟

ثم إن الجمهور يرون  : أن الإنسان لو قطعت يده فإنها طاهرة ، ولو كان بها دم  ، فكيف يجعلون المنفصل من هذا العضو نجساً ، وهذا العضو يجعلونه طاهرا ؟

ولأن دم السمك طاهر ، لم ؟ لأن ميتته طاهرة ، فكذلك يقال في الآدمي بما أن ميتته طاهرة فكذلك دمه .

أما إذا كان هذا الدم خارجاً من السبيلين فإنه نجس ، فكل ما خرج من السبيلين فهو نجس .

وكذلك – كما مر معنا في السنن – حكم النبي صلى الله عليه وسلم على :

( المذي بأنه نجس )

والأدلة كثيرة على أن ما خرج من السبيلين يعد نجساً .

ولكن هل يعفى عن يسيره ؟

ظاهر هذا الحديث يدل على أنه ” لا يعفى عن يسير دم الحيض “

بينما يرى بعض العلماء : أنه يعفى عن يسيره ، لما جاء عند أبي داود  :

( أن عائشة رضي الله عنها كانت تبل قطرة الدم من الحيض من ثوبها بريقها )

ومعلوم أن الريق لا يطهر ، فدل على أن اليسير من دم الحيض يعفى عنه .

بينما من يرى أنه نجس مطلقا يقول : إن فعل عائشة رضي الله عنها يدل على أنه نجس ، فلو لم يكن نجساً ما بلته بريقها ، وإنما تركته على حاله .

ويجاب عن هذا :

أن الريق لا يطهر – ولا شك في ذلك – وإنما أرادت أن تزيل هذا الدم من باب تحسين الثوب وإظهاره بالمظهر اللائق .

وشيخ الإسلام رحمه الله يرى ” أن يسير النجاسة مطلقاً يعفى عنه إذا كانت هناك مشقة “

ولا شك أن دم الحيض فيه مشقة ، كما أن من به سلس بول تحصل له مشقة ، وأدلة شيخ الإسلام رحمه الله كثيرة منها :

” الاستجمار ” والاستجمار لا يطهر الموضع كله ، وإنما يبقى يسير منه .

ومنها “ دلك النعلين في التراب إذا أصابهما أذى ” ويبقى يسير من ذلك .

ومنها “ حديث ذيل المرأة “

وأدلته كثيرة ، مع القواعد العامة التي جاءت بها الشريعة .

( ومن الفوائد )

أن الثوب إذا أصابته نجاسة فنظِّف منها فيصلى في هذا الثوب ، لقوله صلى الله عليه وسلم :

( ثم تصلي فيه )

( ومن الفوائد )

أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر شيئاً سوى الماء ، فالمواد الحادَّة لا يلزم الإنسان باستعمالها مثل الصابون وما شابه ذلك من المطهرات .

( ومن الفوائد )

أن فقهاء الحنابلة استدلوا به على أن ما سوى الماء لا يطهر  ” لأنه ذكر الماء فقط

وشيخ الإسلام رحمه الله يرى  :

أن [ النجاسة عين مستقذرة متى ما زالت زال حكمها بماء أو بغيره ]

والأدلة على ذلك كثيرة ، منها :

دلك النعلين المصابين بالأذى دلكهما في الأرض “

وإنما ذكر الماء : ” لأن الماء أسرع في إزالة النجاسة فيما مضى ” لكن في هذا الوقت قد تكون هناك مطهرات أبلغ من الماء .

ثم إن الماء أيسر على المكلف ، فهو موجود ، بينما المطهر قد لا يكون موجودا ، ولاسيما في ذلك العصر .

 

 

( ومن الفوائد )

أن فيه ردا على من قال : ” إن النجاسة يشترط في غسلها أن تكون سبع مرات ”

فإنه ما ذكر هنا عددا .

وأما حديث : ( أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً ) فهو حديث لا يصح .