شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 27 حديث 30
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض يصيب الثوب :
( تحته ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه ) .
متفق عليه
ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث
وهو حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، وأسماء هي أخت لعائشة رضي الله عنهما ، وهي أكبر منها بعشر سنين ، وقد عُمِّرت فبلغت مائة سنة ، وما سقط لها سن وما غاب لها عقل .
توفيت بعد أن قتل ابنها عبد الله بأقل من شهر .
( فمن فالفوائد )
أن الأفضل في غسل النجاسة اليابسة أن تكون بهذه الطريقة المرتبة .
أولا : ( تحته ) حتى يزول الجرم .
ثانيا : ( تقرصه ) أي يدلك الموضع بشيء من الماء .
ثالثا : ( تنضحه ) أي يغسل بالماء الغزير .
فتكون الضمائر راجعة إلى الدم :
( تحته ، ثم تقرصه بالماء ، تنضحه )
ويرى القرطبي رحمه الله كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله ” أن النضح إنما هو راجع إلى الثوب فلا داعي إلى غسل الدم لأنه زال بالحك ثم بقرصه بالماء ”
فيكون غسل الثوب من باب الاحتياط ، فلربما أصاب الثوب شيء من هذه النجاسة فيحتاط بنضحه وهو رشه بالماء .
والصواب / هو القول الأول ” أن الضمير راجع إلى الدم “
لأن الأصل عدم اختلاف الضمائر .
ثم ما هو اليقين الذي لدينا أن الثوب أصابه شيء أو لم يصبه ، فيكون النضح على القول الأول هو الغسل .
وعلى ما قاله القرطبي هو الرش .
وهذا يقرر ما سبق من أن ” النضح يأتي لغسل الشيء ولرشه .
والأصل فيه الرش .
( ومن الفوائد )
أن الدم نجس ، لكن ما هو هذا الدم النجس ؟
الجمهور يرى : ” أن الدم الخارج من غير السبيلين نجس ويعفى عن يسيره ” قياسا على دم الحيض .
وير ى آخرون : أن الدم الذي يخرج من بدن الإنسان من غير السبيلين يرون أنه طاهر كثر أم قلَّ .
وهو الأقرب من حيث الأدلة ، لأن القياس هنا قياس مع الفارق ، فكيف يقاس الدم الذي يخرج من بدن الإنسان على الدم الذي يخرج من السبيلين .
ثم إذا قررتم أنه نجس، فيلزمكم أن تجعلوا كله نجساً ولا يستثنى القليل منه .
فالأدلة تقوي القول الأخير ، ولذلك لعدم الدليل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه دم الشهيد بأنه يخرج ( اللون لون الدم والريح ريح المسك ) فكونه يُشَبَّه بالمسك يدل على طهارته ، فلو كان نجسا ما حسن تشبيهه بالمسك .
والجمهور يرون أن ” دم الشهيد طاهر ” فلماذا التفريق ؟
ثم إن الجمهور يرون : أن الإنسان لو قطعت يده فإنها طاهرة ، ولو كان بها دم ، فكيف يجعلون المنفصل من هذا العضو نجساً ، وهذا العضو يجعلونه طاهرا ؟
ولأن دم السمك طاهر ، لم ؟ لأن ميتته طاهرة ، فكذلك يقال في الآدمي بما أن ميتته طاهرة فكذلك دمه .
أما إذا كان هذا الدم خارجاً من السبيلين فإنه نجس ، فكل ما خرج من السبيلين فهو نجس .
وكذلك – كما مر معنا في السنن – حكم النبي صلى الله عليه وسلم على :
( المذي بأنه نجس )
والأدلة كثيرة على أن ما خرج من السبيلين يعد نجساً .
ولكن هل يعفى عن يسيره ؟
ظاهر هذا الحديث يدل على أنه ” لا يعفى عن يسير دم الحيض “
بينما يرى بعض العلماء : أنه يعفى عن يسيره ، لما جاء عند أبي داود :
( أن عائشة رضي الله عنها كانت تبل قطرة الدم من الحيض من ثوبها بريقها )
ومعلوم أن الريق لا يطهر ، فدل على أن اليسير من دم الحيض يعفى عنه .
بينما من يرى أنه نجس مطلقا يقول : إن فعل عائشة رضي الله عنها يدل على أنه نجس ، فلو لم يكن نجساً ما بلته بريقها ، وإنما تركته على حاله .
ويجاب عن هذا :
أن الريق لا يطهر – ولا شك في ذلك – وإنما أرادت أن تزيل هذا الدم من باب تحسين الثوب وإظهاره بالمظهر اللائق .
وشيخ الإسلام رحمه الله يرى ” أن يسير النجاسة مطلقاً يعفى عنه إذا كانت هناك مشقة “
ولا شك أن دم الحيض فيه مشقة ، كما أن من به سلس بول تحصل له مشقة ، وأدلة شيخ الإسلام رحمه الله كثيرة منها :
” الاستجمار ” والاستجمار لا يطهر الموضع كله ، وإنما يبقى يسير منه .
ومنها “ دلك النعلين في التراب إذا أصابهما أذى ” ويبقى يسير من ذلك .
ومنها “ حديث ذيل المرأة “
وأدلته كثيرة ، مع القواعد العامة التي جاءت بها الشريعة .
( ومن الفوائد )
أن الثوب إذا أصابته نجاسة فنظِّف منها فيصلى في هذا الثوب ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( ثم تصلي فيه )
( ومن الفوائد )
أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر شيئاً سوى الماء ، فالمواد الحادَّة لا يلزم الإنسان باستعمالها مثل الصابون وما شابه ذلك من المطهرات .
( ومن الفوائد )
أن فقهاء الحنابلة استدلوا به على أن ما سوى الماء لا يطهر ” لأنه ذكر الماء فقط
وشيخ الإسلام رحمه الله يرى :
أن [ النجاسة عين مستقذرة متى ما زالت زال حكمها بماء أو بغيره ]
والأدلة على ذلك كثيرة ، منها :
دلك النعلين المصابين بالأذى دلكهما في الأرض “
وإنما ذكر الماء : ” لأن الماء أسرع في إزالة النجاسة فيما مضى ” لكن في هذا الوقت قد تكون هناك مطهرات أبلغ من الماء .
ثم إن الماء أيسر على المكلف ، فهو موجود ، بينما المطهر قد لا يكون موجودا ، ولاسيما في ذلك العصر .
( ومن الفوائد )
أن فيه ردا على من قال : ” إن النجاسة يشترط في غسلها أن تكون سبع مرات ”
فإنه ما ذكر هنا عددا .
وأما حديث : ( أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً ) فهو حديث لا يصح .