شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 36 ) حديث ( 39 ) ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 36 ) حديث ( 39 ) ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع )

مشاهدات: 580

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ الدرس 36 حديث 39

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن لقيط بن صبرة  رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” أسبغ الوضوء ، وخلِّل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )

أخرجه :

الأربعة ، وصححه ابن خزيمة ، ولأبي داود في رواية :

( إذا توضأت فمضمض )

( من الفوائد )

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإسباغ ، وهل هذا الأمر يقتضي الوجوب أو يقتضي الاستحباب ؟

فنقول : إن الإسباغ لفظ مشترك ، فإن كان الإسباغ لأعضاء الوضوء بحيث يعممها ، فهذا إسباغ واجب .

فإن كان من النوع الثاني : وهو  ” تثليث الأعضاء ” فيكون الإسباغ مستحباً  .

فإن كان وهو النوع الثالث : إذا كان التثليث واقعا وحصل معه الدلك للأعضاء ، فإنه يكون فاضلاً .

فتحصل من هذا : أن الإسباغ ثلاثة أنواع ، إما أن يكون واجباً وإما أن يكون مستحباً وإما أن يكون فاضلاً .

ومن ثم فإن الأمر يكون واجبا في النوع الأول ، ويكون مستحبا ومسنونا في النوعين الأخريين .

( ومن الفوائد )

بيان فضيلة الإسباغ ، ولاسيما إذا حصل حرج ومشقة على المسلم ، ولذلك بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن مما يرفع الله عز وجل به درجات العبد ” إسباغ الوضوء على المكاره ” ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ” )

( ومن الفوائد )

  أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتخليل الأصابع ، والأمر هنا هل يقتضي الوجوب أم يقتضي الاستحباب ؟

الجواب عن هذا /  أنه يقتضي الاستحباب.

وما الذي صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب ؟

الذي صرفه : أن الماء سيَّال بطبعه فيصل إلى هذه المواطن الخفية ، فكان التخليل من باب الاستيثاق والاطمئنان .

لو قال قائل : هو أمر بتخليل الأصابع ، أي أصابع ؟

هي أصابع اليدين وأصابع الرجلين ، لما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسند الإمام أحمد ، وحسنه البخاري رحمه الله ، قال صلى الله عليه وسلم :

(إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك )

فيكون التخليل مستحباً لأصابع اليدين

لو قال قائل : بأي يدٍّ يكون هذا التخليل باليسرى أم باليمنى ؟

قيل باليسرى قياساً على الاستنجاء ، لأن هذا إزالة أذى ، وهذا من باب القياس وإلا فلا دليل ينص على تحديد اليسار .

فإذا قال قائل : خللت الأصابع بيدي اليسرى فبأي أصبع يكون التخليل ؟

يكون بالخنصر ، والخنصر هو : الأصبع الصغير في أول اليد .

لما ورد في حديث المستورد في سنن أبي داود  :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل أصابع قدمه بخنصره )

( ومن الفوائد )

أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالمبالغة في الاستنشاق ، فهل هذا الأمر للوجوب أم للاستحباب ؟

ظاهر قوله ( وبالغ ) أنه للوجوب .

ولكن هذا الظاهر معدول عنه ، فتكون المبالغة في الاستنشاق مستحبة .

ما الذي صرفها عن هذا الوجوب ؟

الذي صرفها : أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى الصائم ، ولو كانت المبالغة واجبة لأمر الصائم بها وقيل له تحرز من أن يدخل جوفك شيء من الماء، فلما نهي الصائم عنها ، دل على أن المبالغة في الاستنشاق ليست واجبة .

والمبالغة في الاستنشاق : أن يجذب الماء بنَفَسِه إلى أقصى أنفه ، وذلك لزيل ما يعلق في أنفه من الأذى ، وهذا من باب المبالغة في التطهر ، فيكون المسلم حال لقائه بربه عز وجل في هذه الصلاة ، يكون على أحسن حال .

وهذا يدل على عظم هذه الشريعة وأنها أمرت المسلم بأن يكون على أحسن حال في ظاهره وفي باطنه ، كما أنه مأمور من قِبل الشرع أن يكون نظيف الباطن ، كذلك هو مأمور بأن يكون نظيف الظاهر ، والنصوص في الحث على الاعتناء بالمظهر كثيرة  ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( يكره أن توجد منه الريح الخبيثة )

 و :

( كان يعرف بطيب العود إذا أقبل )

عليه الصلاة والسلام ، نصوص كثيرة تدل على اعتناء الإسلام بهذا الأمر .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل :

المبالغة في المضمضة مستحبة أم لا ؟

الجواب عن هذا / أن كثيرا من العلماء مما اطلعت عليه يرون أنها مستحبة ، قياسا على الاستنشاق ، وهذا القياس في محله ، وقد وجدت حديثا ذكره ابن حجر رحمه الله في تلخيص الحبير وقال ” صححه ابن القطان ” قال :

( وبالغ في الاستنشاق والمضمضة  )

فجاء ذكر المضمضة .

والمبالغة في المضمضة : أن يدير الماء في فمه ، فيحرك الماء تحريكا كثيرا في فمه حتى يزيل ما يعلق بأسنانه .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث استدل به شيخ الإسلام رحمه الله على أن ” الأنف مدخل للطعام” كما هو شأن الفم ، ولذلك نهي الصائم عن المبالغة في الاستنشاق ، لأنه لو بالغ  ربما أفضت به هذه المبالغة الى أن يدخل الماء أو شيء من الماء في جوفه ، ولذا لو أنه قطَّر قطرة في أنفه وهو صائم فوصلت إلى جوفه فسد صومه ، لكن لو قطَّر في عينه أو  قطَّر في أذنه وأحس بطعمها في حلقه فلا تؤثر ، لم ؟

لأن الأنف مدخل من مداخل الطعام ، بخلاف العين وبخلاف الأذن .

( ومن الفوائد )

أن قوله ( إذا توضأت فمضمض ) فيه دليل لمن قال بوجوب المضمضة في الوضوء ، لأن المسألة فيها خلاف ، وهذا الخلاف قد مر معنا بيانه في السنن ، لكن الأمر هنا :

( إذا توضأت فمضمض )

يدل على أن المضمضة واجبة في الوضوء ، بخلاف ما ذهب إليه بعض العلماء من أنها مستحبة ، لم  ؟

لأن ( الأعرابي لما أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن الوضوء ؟ قال توضأ كما أمرك الله )

والذي أمر الله عز وجل به في سورة المائدة ما ذكر فيه المضمضة والاستنشاق .

فيقال : إن المضمضة والاستنشاق داخلتان ضمن الوجه ، لأن الفم والأنف من الوجه.

ومما يدل على أنهما من الوجه الظاهر : أنه لو استنشق أو تمضمض ما فسد صومه ، فلا يمكن أن نخر ج الفم والأنف ، فماذا نقول في الأنف والفم أهما من الداخل أم من الظاهر ؟

إن قلنا من الداخل يرد هذا أن الصائم لا يفسد صومه بالمضمضة ولا بالاستنشاق .

إذاً / لزمنا أن نقول : هي من الظاهر فيجب في مثل هذا الأمر المضمضة والاستنشاق ، ودليل الوجوب هذا الحديث في المضمضة .

ودليل الوجوب في الاستنشاق : قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً )

ويؤكد هذا : أنه عليه الصلاة والسلام ما ترك المضمضة والاستنشاق مطلقا .

( ومن الفوائد )

أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالمضمضة ، فدل على أن هذا الواجب يصدق بأقل ما يكون من وصف المضمضة .

والواجب في المضمضة : أن يدير الماء في فمه أدنى إدارة ، لو حرك الماء في فمه حركة يسيرة اكتفي بذلك ، هذا إذا كان الماء قليلا  .

إما إذا كان الماء كثيرا : فإن الإدارة لا معنى لها ، لأن الفم إذا امتلأ بالماء كأنه أدار الماء في فمه .

( ومن الفوائد )

أن قول ابن حجر رحمه الله : ( أخرجه الأربعة )

يقصد منهم أصحاب السنن ، وهم ” أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه “

وإذا قال ( الثلاثة ) فالمراد هؤلاء ما عدا ابن ماجه .

وإذا قال ( الخمسة ) فالمراد هؤلاء الأربعة مع الإمام أحمد .