شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 37 ) حديث ( 40 ) ( كان يخلل لحيته في الوضوء )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 37 ) حديث ( 40 ) ( كان يخلل لحيته في الوضوء )

مشاهدات: 528

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 37 حديث 40

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن عثمان رضي الله عنه  أن  النبي صلى الله عليه وسلم :

(  كان يخلل لحيته في الوضوء )

أخرجه : الترمذي ، وصححه ابن خزيمة .

( من الفوائد )

ابن حجر رحمه الله ذكر هذا ضمن أحاديث الوضوء ، ومعلوم أن أحاديث الوضوء ممن نقلها من الصحابة رضي الله عنهم ” عثمان رضي الله عنه ” وهو راوي هذا الحديث ، وهذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته ، ليس فيه فحسب ، بل في كل حديث ورد في تخليل اللحية ، مع أنه ورد عما يقرب من أربعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم .

فمن العلماء من نظر إلى كثرة هذه الأحاديث فقال : بتحسينها ، لأن الأحاديث إذا كثرت وتعددت طرقها وكان لها شواهد – وإن كانت ضعيفة – إلا أنها تنتقل من الضعف إلى درجة الحسن لغيره ، وإلا فلو نُظر إلى كل حديث بنفس لكان غير صحيح .

ومنهم من رأى  : عدم ثبوت أحاديث تخليل اللحية .

ولعل مستندهم : ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال ” ليس هناك صحيح في تخليل اللحية ” .

ومعلوم مقام الإمام أحمد رحمه الله ، فإن قلنا بالتسليم لظاهر ما ذكره رحمه الله ، فيقال هو إمام من الأئمة وقد خالفه أئمة آخرون .

لكن في ظني أن الإمام أحمد رحمه الله ” لم يثبت حديثا في تخليل اللحية ” من باب النظر إلى كل حديث بذاته ، ولذلك تقسيم الحديث عنده لا يقسم على أنه ثلاثة أقسام [ صحيح – ضعيف – حسن ] لا ، تقسيم الحديث عند الإمام أحمد أنه :

[ صحيح وضعيف ]

ولذلك الحديث الحسن ضعيف عنده ، من حيث النظر لهذا الحديث وحده .

وهذا الحديث بحسب ما ورد فيه : رأى من رأى من العلماء ” وجوب تخليل اللحية “

بالنظر إلى هذه الأحاديث وبالنظر إلى أنه كما يجب أن يُغسل موضع اللحية قبل أن ينبت الشعر ، فكذلك يجب أن يغسل هذا الموضع بعدما نبت الشعر ، فما الفرق؟

ومن العلماء من قال : بالسنية ، وهو الأقرب ، لكثرة هذه الأحاديث الواردة .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل : كيف صفة تخليل هذه اللحية ؟

نقول : ورد من ضمن أحاديث تخليل اللحية ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع كفاً من ماء تحت حنكه يخلل به لحيته )

( ومن الفوائد )

أن فقهاء الحنابلة يرون التفريق بين ما هو كثيف من اللحية وما هو خفيف .

فيقولون : إن الخفيف يجب أن يغسل وما تحته ، لأن ما تحته داخل ضمن الوجه .

وأما إذا كان كثيفاً فإن البشرة لا ترى ، ومن ثم فلا تحصل المواجهة – التي بها يُعرَّف الوجه – لا تحصل المواجهة بهذا المستور ، إنما تحصل بشعر اللحية ، ومن ثمَّ فإذا كانت كثيرة فيجب غسل ظاهرها ويُسن تخليل باطنها.

فخلاصة القول عندهم : أنها إذا كانت خفيفة فتغسل وما تحتها ، وإن كانت كثيفة فيجب غسل ظاهرها ، وأما غسل باطنها فمستحب لهذه الأحاديث .

( ومن الفوائد )

أن اللحية : هي ما نبت من شعر ” على اللحيين الذين هما العظمان النابت عليهما الأسنان “

” وما نبت على الخدين والذقن ”

والذقن : هو مجمع اللحيين من الأسفل .

فهذا حدُّ اللحية .

ولذا لو أن الإنسان أخذ ما تحت حنكه مما ليس نابتاً على اللحيين والذقن فلا يدخل في ضمن المحرم .

لكن الحديث الذي أوردناه وهو :

( أنه كان عليه الصلاة والسلام يضع كفَّا من ماء تحت حنكه فيخلل به لحيته ) يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يترك لحيته على ما هي عليه ، ولا يتعرض لها بشيء ، وما جاء عند الترمذي أنه صلوات ربي وسلامه عليه :

( كان يأخذ من طولها ومن عرضها )

قال البخاري رحمه الله عنه ” هذا منكر ” كما نقل ذلك الترمذي رحمه الله .

وقال عنه الألباني رحمه الله : ” حديث موضوع “

والأحاديث في تركه صلوات  ربي وسلامه عليه للحيته كثيرة ، بل منها أحاديث تخليل اللحية ، فهذه الأحاديث تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان :

( كثَّ اللحية )

فخليق بالمسلم ألا يعبث بلحيته وألا يتعرض لها ، لأن بعضاً من الناس قد يأخذ شيئا مما أجاز الشرع أن يؤخذ كما هو تحت الحنك ، ثم يودي به الأمر إلى أن يأخذ ما يقرب منها ( ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )

ولا أجمل من ترك اللحية على ما هي عليه ، لأن من يأخذ ما نبت تحت حنكه أو يأخذ ما نبت على الخدين – مع أنه لا يجوز له أن يأخذه – يتشوه وجهه إذا طالت هذه الشعور ، ثم أيضا يشعر بحساسية في هذه المواطن ، ولذلك لو ترك الإنسان هذا الأمر على ما هو عليه كان خيراً له وأحسن .

والذين يأخذون ما نبت على الخدين ، يمكن أن يكون مستندهم هو ” أن الخدَّ لا يسمى لحية ” لعل هذا ما اعتمدوا عليه ، مع أنه إذا لم يوجد ضابط أو  حقيقة شرعية لمعرفة أمر في الشرع فيعاد إلى اللغة ، واللغة أتت بأن اللحية ” ما نبت على الخدين واللحيين والذقن “

ولو جاء في اللغة أن اللحية ” ما نبت على اللحيين والذقن فقط “

فنقول : إن [ من علم من أهل اللغة حجة على من لم يعلم ] .

( ومن الفوائد )

أن اللحية ولو طالت يجب أن تغسل ، وأن يغسل ما استرسل منها ، فلو كانت تصل إلى سُرَّته مثلاً فإنه يجب أن يغسلها ، لم ؟

لأن المواجهة تحصل بها ، فالوجه سمي وجهاً لأن المواجهة تحصل به .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .