شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 37 حديث 40
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم :
( كان يخلل لحيته في الوضوء )
أخرجه : الترمذي ، وصححه ابن خزيمة .
( من الفوائد )
ابن حجر رحمه الله ذكر هذا ضمن أحاديث الوضوء ، ومعلوم أن أحاديث الوضوء ممن نقلها من الصحابة رضي الله عنهم ” عثمان رضي الله عنه ” وهو راوي هذا الحديث ، وهذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته ، ليس فيه فحسب ، بل في كل حديث ورد في تخليل اللحية ، مع أنه ورد عما يقرب من أربعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم .
فمن العلماء من نظر إلى كثرة هذه الأحاديث فقال : بتحسينها ، لأن الأحاديث إذا كثرت وتعددت طرقها وكان لها شواهد – وإن كانت ضعيفة – إلا أنها تنتقل من الضعف إلى درجة الحسن لغيره ، وإلا فلو نُظر إلى كل حديث بنفس لكان غير صحيح .
ومنهم من رأى : عدم ثبوت أحاديث تخليل اللحية .
ولعل مستندهم : ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال ” ليس هناك صحيح في تخليل اللحية ” .
ومعلوم مقام الإمام أحمد رحمه الله ، فإن قلنا بالتسليم لظاهر ما ذكره رحمه الله ، فيقال هو إمام من الأئمة وقد خالفه أئمة آخرون .
لكن في ظني أن الإمام أحمد رحمه الله ” لم يثبت حديثا في تخليل اللحية ” من باب النظر إلى كل حديث بذاته ، ولذلك تقسيم الحديث عنده لا يقسم على أنه ثلاثة أقسام [ صحيح – ضعيف – حسن ] لا ، تقسيم الحديث عند الإمام أحمد أنه :
[ صحيح وضعيف ]
ولذلك الحديث الحسن ضعيف عنده ، من حيث النظر لهذا الحديث وحده .
وهذا الحديث بحسب ما ورد فيه : رأى من رأى من العلماء ” وجوب تخليل اللحية “
بالنظر إلى هذه الأحاديث وبالنظر إلى أنه كما يجب أن يُغسل موضع اللحية قبل أن ينبت الشعر ، فكذلك يجب أن يغسل هذا الموضع بعدما نبت الشعر ، فما الفرق؟
ومن العلماء من قال : بالسنية ، وهو الأقرب ، لكثرة هذه الأحاديث الواردة .
( ومن الفوائد )
لو قال قائل : كيف صفة تخليل هذه اللحية ؟
نقول : ورد من ضمن أحاديث تخليل اللحية ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع كفاً من ماء تحت حنكه يخلل به لحيته )
( ومن الفوائد )
أن فقهاء الحنابلة يرون التفريق بين ما هو كثيف من اللحية وما هو خفيف .
فيقولون : إن الخفيف يجب أن يغسل وما تحته ، لأن ما تحته داخل ضمن الوجه .
وأما إذا كان كثيفاً فإن البشرة لا ترى ، ومن ثم فلا تحصل المواجهة – التي بها يُعرَّف الوجه – لا تحصل المواجهة بهذا المستور ، إنما تحصل بشعر اللحية ، ومن ثمَّ فإذا كانت كثيرة فيجب غسل ظاهرها ويُسن تخليل باطنها.
فخلاصة القول عندهم : أنها إذا كانت خفيفة فتغسل وما تحتها ، وإن كانت كثيفة فيجب غسل ظاهرها ، وأما غسل باطنها فمستحب لهذه الأحاديث .
( ومن الفوائد )
أن اللحية : هي ما نبت من شعر ” على اللحيين الذين هما العظمان النابت عليهما الأسنان “
” وما نبت على الخدين والذقن ”
والذقن : هو مجمع اللحيين من الأسفل .
فهذا حدُّ اللحية .
ولذا لو أن الإنسان أخذ ما تحت حنكه مما ليس نابتاً على اللحيين والذقن فلا يدخل في ضمن المحرم .
لكن الحديث الذي أوردناه وهو :
( أنه كان عليه الصلاة والسلام يضع كفَّا من ماء تحت حنكه فيخلل به لحيته ) يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يترك لحيته على ما هي عليه ، ولا يتعرض لها بشيء ، وما جاء عند الترمذي أنه صلوات ربي وسلامه عليه :
( كان يأخذ من طولها ومن عرضها )
قال البخاري رحمه الله عنه ” هذا منكر ” كما نقل ذلك الترمذي رحمه الله .
وقال عنه الألباني رحمه الله : ” حديث موضوع “
والأحاديث في تركه صلوات ربي وسلامه عليه للحيته كثيرة ، بل منها أحاديث تخليل اللحية ، فهذه الأحاديث تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان :
( كثَّ اللحية )
فخليق بالمسلم ألا يعبث بلحيته وألا يتعرض لها ، لأن بعضاً من الناس قد يأخذ شيئا مما أجاز الشرع أن يؤخذ كما هو تحت الحنك ، ثم يودي به الأمر إلى أن يأخذ ما يقرب منها ( ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )
ولا أجمل من ترك اللحية على ما هي عليه ، لأن من يأخذ ما نبت تحت حنكه أو يأخذ ما نبت على الخدين – مع أنه لا يجوز له أن يأخذه – يتشوه وجهه إذا طالت هذه الشعور ، ثم أيضا يشعر بحساسية في هذه المواطن ، ولذلك لو ترك الإنسان هذا الأمر على ما هو عليه كان خيراً له وأحسن .
والذين يأخذون ما نبت على الخدين ، يمكن أن يكون مستندهم هو ” أن الخدَّ لا يسمى لحية ” لعل هذا ما اعتمدوا عليه ، مع أنه إذا لم يوجد ضابط أو حقيقة شرعية لمعرفة أمر في الشرع فيعاد إلى اللغة ، واللغة أتت بأن اللحية ” ما نبت على الخدين واللحيين والذقن “
ولو جاء في اللغة أن اللحية ” ما نبت على اللحيين والذقن فقط “
فنقول : إن [ من علم من أهل اللغة حجة على من لم يعلم ] .
( ومن الفوائد )
أن اللحية ولو طالت يجب أن تغسل ، وأن يغسل ما استرسل منها ، فلو كانت تصل إلى سُرَّته مثلاً فإنه يجب أن يغسلها ، لم ؟
لأن المواجهة تحصل بها ، فالوجه سمي وجهاً لأن المواجهة تحصل به .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .