شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 41 حديث 44
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عائشة رضي الله عنه قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يعجبه التيمنُ في تنعله ، وترجله ، وطهوره ، وفي شأنه كله )
متفق عليه
( من الفوائد )
أن هذا الإخبار من عائشة رضي الله عنها يدل على ” استمرار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأدب الرفيع ، لأنها صدَّرت الحديث بقوله ( كان )
و ( كان ) تفيد الاستمرار والدوام إلا إذا أتى دليل يخرجها عن ذلك .
( ومن الفوائد )
أن عائشة رضي الله عنها ذكرت أحد نوعي الإعجاب ، فالإعجاب نوعان :
النوع الأول : إعجاب إنكار .
كما في قوله تعالى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ }الصافات12 ، يعني هذا ليس أمرا مستحسناً منهم ، بل إن هذا عجب يراد منه الإنكار على فعل الكفار .
وهذا يحصل في واقعنا ، كما لو قلت لشخص تكلم بكلام تقول ” عجبتُ من كلامك ” تريد بذلك الإنكار عليه .
النوع الثاني : ” إعجاب استحسان ” كما هنا ( كان يعجبه ) يعني يستحسن التيمن .
( ومن الفوائد )
أن التيمن – كما قال النووي رحمه الله – ” يكون فيما من شأنه التكريم ، أما ما سوى ذلك فتقدم الشمال “
ولا شك أن التطهر وترجيل الشعر والإدهان له ، والتنعل ، لا شك أنها تكريم ، فنبدأ باليمين ، وأما ما سوى ذلك فيكون بالشمال ، ولذلك حفصة – رضي الله عنها – تقول ( كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم لأكله وشربه وأخذه وإعطائه ، وكانت شماله لما سوى ذلك )
( ومن الفوائد )
أن السنة في حق المسلم إذا أراد أن ينتعل أن يبدأ بالقدم اليمنى .
وإذا أراد أن يسرِّح وأن يدهن شعره : فإن السنة في حقه أن يبدأ اليمين ، وكذلك في الطهور .
ولذلك استدل العلماء على أن التيامن في الوضوء سنة ، فلو قدَّم غسل اليد اليسرى على اليمنى ، أو قدَّم غسل الرجل اليسرى على اليمنى فلا إشكال في ذلك ، لكن الأفضل والأكمل أن تقدم اليمين .
( ومن الفوائد )
أنه لما كان التكريم له مواطن كثيرة قالت رضي الله عنها :
( وفي شأنه كله )
وهذا يطلق عند أهل اللغة : بـ
[ التعميم بعد التخصيص ]
لما ذكرت أشياء مخصصة عممت ، مثل ما قال عز وجل :
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }الحجر87
السبع المثاني : سورة الفاتحة ، فعمم بعد التخصيص ، من باب التأكيد على أهمية هذا المُخَصَّص الذي أُفرد من اللفظ العام ، يعني يؤكد على قضية البداءة باليمين في تسريح الشعر ودهنه ، وفي لبس النعال ، وفي الطهور .
( ومن الفوائد )
قد يقول قائل :
إن عائشة رضي الله عنها قالت :
( وفي شأنه كله )
يشمل كل شيء ؟
فيقال : إما أن يقال : إن هذا عام مخصص بالأحاديث الأخرى التي بينت أن ما ليس من باب التكريم أنه يخرج .
أو يقال – وهو الأقرب – أن قولها :
( وفي شأنه كله )
فيما يوازي ويشابه ما ذُكر من ” الطهور والتنعل والترَّجل “
ولعل ذكرها رضي الله عنها للتنعل والترجل والطهور ”
من باب التأكيد على أن قولها : ( وفي شأنه كله ) ليس على وجه العموم ، وإنما على وجه العموم فيما يخص التكريم .
( ومن الفوائد )
بيان فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن لنا ما قد يخفى على الأمة مما يحصل منه صلى الله عليه وسلم في بيته .
( ومن الفوائد )
جاءت رواية عند أبي داود :
( وفي سواكه )
بعضهم استدل بهذه الرواية على أن ” الاستياك باليمنى أفضل من اليسرى ”
وهذا في الحقيقة ليس بظاهر ، لم ؟
لأن المراد في ذلك العضو الذي يقع عليه فعله صلى الله عليه وسلم ، بدليل أنها قالت : ( في تنعله ) يعني في النعال ، يعني حينما يدخل قدمه في النعل ، حينما يبدأ في تسريح شعره ، وحينما يبدأ بالتطهر ، وكذلك الشأن في سواكه .
فيقال : إن السنة أن يستاك أول ما يستاك من جهة يمين الفم ، فلا يكون فيه دلالة على أن الاستياك يكون باليد اليمنى .
سؤال : حديث ( الصلاة بالسواك خير من سبعين صلاة )
الجواب / حديث ضعيف ، ولو صح كما قال ابن القيم رحمه الله في ” المنار المنيف ” لأن هناك أحاديث تشابهه ، ليس في قضية السواك – لا – وإنما في قضية الفضل ، يقول رحمه الله : هذا يدل على أن الأعمال تتفاوت بتفاوت ما في القلوب ” لأنه لما استاك ، استاك وهو موقن بحصول فضل الله عز وجل ، فعظم هذا في قلبه ، وما أقدم عليه إلا لأنه موقن بهذا الفضل ، فيحصل له أجر من صلى سبعين صلاة .