شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 45 حديث 48
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه “
أخرجه : الدارقطني بإسناد ضعيف .
( من الفوائد )
هذا الحديث ضعفه جماعة من المحققين ، ويرى الألباني رحمه الله أنه ” حسن “
ولكن الكثير يرون أنه ضعيف
وسواء قيل بتحسين الألباني ، أو قيل بتضعيف هؤلاء الأئمة ، ومن بينهم ابن حجر رحمه الله كما هنا :
فإن هذا الحديث أتى به ابن حجر رحمه لأن معناه تؤيده أحاديث أخرى ، وهذا الحديث نصٌّ في تفسير آية المائدة ، قال عز وجل { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }المائدة6
فهل ما بعد ” إلى ” يدخل فيما قبلها أو لا يدخل ؟
هذا ما يسمى عند أهل اللغة ” بالغاية ”
هل ما بعد الغاية يدخل فيما قبل أو لا يدخل ؟
لا يمكن أن يعرف هذا إلا بالقرائن ، وإن كان الأظهر أن ” ما بعد [ إلى الغائية ] لا يدخل ” هذا هو الأصل .
فلربما قرأ قارئ قوله تعالى :{ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }المائدة6، فقال إن المرافق غير داخلة في غسل اليدين ، فلما أتى هذا الحديث :
( إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه )
دلَّ على دخول المرفقين في وجوب غسل اليدين .
لكن يقولون : هذا الحديث ضعيف .
نقول : يؤيده من حديث المعنى : حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم ( أن النبي صلى الله عليه غسل يده حتى أشرع في العضد )
ومعلوم أنه إذا أشرع في العضد لزم من ذلك أن يدخل المرفق في الغسل .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( حتى أشرع في العضد )
هل يدل على دخول المرفقين في غسل اليدين فقط أو أنه يدل على هذا مع غسل ما زاد عن العضو الواجب ؟
ابن القيم رحمه الله يقول : هذا يدل على دخول المرفقين فقط ، ولا يدل على غسل ما زاد على العضو الواجب .
بعض العلماء يقول : يغسل ما زاد عن العضو الواجب ، ويستدلون عليه بهذا الحديث ، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( فمن استطاع أن يطيل غرَّته فليفعل )
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )
وبفعل أبي هريرة رضي الله عنه .
والصواب / هو ما قاله ابن القيم رحمه الله .
أما جملة ( فمن استطاع أن يطيل غرَّته فليفعل )
فقد سبق الحديث عنها ، وأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، ووجهنا الحديث في موضعه .
أما حديث : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )
فإن ” التحلي ” كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : لا يمكن أن يكون في العضد حتى يغسل ، وإنما يكون في الساعد ، وإنما جاء الحديث لبيان التأكيد على إسباغ العضو الواجب .
وأما فعل أبي هريرة رضي الله : فإنه رضي الله عنه كان يختفي عن الصحابة رضي الله عنها لما يفعل هذا الفعل ، ثم فعله رضي الله عنه معارض بفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أن الدارقطني رحمه الله هو : أبو الحسين علي البغدادي .
وهو أحفظ علماء عصره ، بل قالوا إنه لا نظير له في الحفظ وفي العلم في عصره .
وهو من أحسن العلماء في علم العلل وأسماء الرجال ، وأمثال هذا العالم يدل على أن الخير موجود في أهل العراق ، بعض الناس لما يسمع أن الفتن تخرج من المشرق ” وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من ( العراق ) قد يساء الظن بمن يسكن في العراق ، وهذا ليس بصحيح ، ففي العراق أئمة كبار ، وإنما منبع الفتنة من ذلك الموطن ، ولا يدل على نقصان في قدر أهلها ، وإنما الميزان للناس هو التقى ، وكلٌ بحسبه ، ولذا قد تخرج الفتن من المشرق وفيها من الأخيار من ينفع الله به الأمة .