شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 59 حديث 67
( باب ” نواقض الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال :
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون )
أخرجه : أبو داود ، وصححه الدارقطني ، وأصله في مسلم .
قد عقد ابن حجر رحمه الله هذا الباب ، وهو باب ” نواقض الوضوء ” بعد أن ذكر الوضوء وصفته ، وما يتضمنه من المسح على الخفين ، فكان هذا العقد لهذا الباب مناسبا ، إذ إن هذا الوضوء لما عرفتَ صفته وما يتضمنه ، لتعلم أن له نواقض تبطله ، وقد ذكر حديث أنس رضي الله عنه .
( من الفوائد )
أن هذا الحديث في ظاهره أن النوم لا ينقض الوضوء ، فلماذا ذُكر تحت هذا الباب ؟
إما لكي يبين أن هناك من يقول من العلماء : أن النوم ليس بناقض .
أو على قول من يقول إن النوم ينقض الوضوء إذا كان كثيرا ، ولا ينقضه إذا كان يسيرا .
وهل النوم ناقض للوضوء أم لا ؟
خلاف بين أهل العلم :
القول الأول : من يقول ” إن النوم ليس بناقض للوضوء مطلقا ، ودليلهم :
ما ذكر هنا ، لأن هناك رواية ( يضعون جنوبهم )
وجاء عند الترمذي : ( أنهم يوقظون للصلاة )
ومن يضع جنبه ويوقظ للصلاة هو المستغرق في النوم ، فكانوا يصلون ولا يتوضئون .
القول الثاني : أن النوم ناقض للوضوء ، لحديث صفوان بن عسَّال ، كما مر معنا ( لكن من غائط وبول ونوم )
القول الثالث : أن النوم ناقض للوضوء ” ولكن إذا خفق رأسه خفقات متفرقة ، أو خفقتين متتاليتين فلا ينقض .
الخفقة هي : أن يسقط رأسه إلى أسفل ، لكن إذا كانت ثلاث خفقات فأكثر متتابعة فينقض .
القول الرابع : ” أن النوم ليس بناقض للوضوء ” لكن ينقض الوضوء إذا كان مضطجعا ”
لما مر معنا في السنن :
( لا وضوء إلا على من نام مضطجعاً )
وهذا الحديث ضعيف .
القول الخامس :
” أن النوم ناقض للوضوء إلا ” راكعا أو ساجدا أو قائما ، في صلاة أو في غيرها “
والدليل : ما جاء عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن العبد إذا نام في سجوده باهى الله به ملائكته فيقول ” روح عبدي عندي وبدنه ساجد بين يدي ” )
لكن هذا الحديث ضعيف .
القول السادس : هو كالقول الخامس ، لكن يقصرون الحكم على السجود والركوع ، ودليلهم هو الدليل السابق ، وقاسوا الركوع على السجود المذكور في الحديث .
والحديث كما أسلفنا ضعيف .
القول السابع : ” أن النوم ناقض للوضوء إلا إذا نام في الصلاة “
فمتى ما نام في الصلاة على أي هيئة كانت فإن صلاته صحيحة ، ودليلهم ما سبق .
القول الثامن “ وهو قول الجمهور ” أنه يجمع بين الأدلة ” فنصوص أتت بأن النوم ناقض للوضوء ، ونصوص أتت بأن النوم ليس بناقض للوضوء ، وبالتالي فإن ” النوم الكثير هو الذي ينقض الوضوء ، أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء “
ضابطه – وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله – فضابط النوم اليسير ” أن شعوره لا يذهب ” والنوم الكثير ” أن شعوره يزول “
كيف نفرِّق ؟
لو أن شخصاً قد نام ، فقيل له يا فلان حولك أناس يتحدثون ، هل سمعت ما يقولون ؟
فإذا قال لا ، لم أسمع شيئا ، فهذا هو النوم المستغرق الكثير .
لكن لو قال أنا أسمع أصواتا من حولي ، لكنني لا أدرك ماذا يقولون ؟ هناك ضوضاء وأصوات ، لكن لا أدرك معنى ما يقولون ، نقول هذا هو النوم اليسير .
لكن كيف يجاب عن حديث ( يضعون جنوبهم ) ؟
ورواية ( يوقظون للصلاة ) ؟
الجواب / أن صاحب النوم اليسير يصدق عليه أنه يضع جنبه ، ولا إشكال ، وأنه يوقظ ولا إشكال ، والواقع يشهد بذلك .
فخلاصة القول / أن النوم ناقض للوضوء إذا كثر ، وإذا لم يكثر فإنه ليس بناقض للوضوء ، جمعا بين الأدلة ، ولذا تأتي القاعدة الأصولية التي تقول :
[ إذا أمكن الجمع بين الأدلة فلا يعدل عن الجمع إلى الترجيح ]
وصاغها بعض الأصوليين ، فقال :
[ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]
( ومن الفوائد )
” بيان ما كان يصيب الصحابة رضي الله عنهم من جهد وتعب ومشقة في نهارهم إلى درجة أنهم لا يتحملون أن يبقوا كثيرا بعد دخول وقت العشاء “
وهذا خلاف ما عليه حالنا ، فهم ازدادوا نشاطاً وقوة وإقبالا على الخير ، ونحن على العكس من ذلك .
( ومن الفوائد )
” جواز النوم في المسجد ، ولاسيما إذا كان ينتظر الصلاة “
وجوازه من أدلة أخرى ، حتى لو كان لغير الصلاة ، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري :
( أنه كان ينام في المسجد وهو أعزب )
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
” أن هذا الحديث من قبيل الحديث المرفوع حكما “
لم ؟
لأن هذا الفعل صدر من الصحابة رضي الله عنهم في عهده صلى الله عليه وسلم ، ومر معنا الحديث عن الحديث المرفوع بنوعي ” المرفوع حقيقة والمرفوع حكماً “
( ومن الفوائد )
” استحباب تأخير صلاة العشاء “
لأنهم ما ناموا هذه النومة إلا لأنه عليه الصلاة والسلام تأخر عنهم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :
( لولا أن أشق على أمتي لأخرتها إلى ثلث الليل )
وقال : ( والله إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )
( ومن الفوائد )
” استحباب انتظار الصلاة “
وأن انتظار الصلاة له فضل ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه )
وفي رواية :
( ما زال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة )
( ومن الفوائد )
هل يجوز النوم على الجنب الأيسر ؟
الجواب / نعم يجوز ، والدليل :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحلم من الشيطان ، قال ( وليتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر )
ولكنه مضر بالقلب ، نافع للبدن ، كما قال ابن القيم رحمه الله .
بينما النوم على الجنب الأيمن نافع للقلب .
لم كان النوم على الجنب الأيسر نافعا للبدن ؟
لأن به يحصل هضم الطعام أكثر .
ما حكم النوم على الظهر ؟
جائز ، لكن قال ابن القيم رحمه الله كما في ” زاد المعاد ” قال ” وهو أردأ النوم صحة ” إلا من أراد أن يسترخي فقط ، أما أن يستغرق في النوم ، فيقول رحمه الله ليس بجيد .
ما حكم النوم على البطن ؟
محرم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند :
( لما رأى رجلاً قد نام على بطنه أيقظه وقال ” إن هذه نومة جهنمية )