شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 64 حديث 72 ـ 73
( باب ” نواقض الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن طلق بن علي رضي الله عنه قال : قال رجل مسست ذكري ، أو قال ” الرجل يمس ذكره في الصلاة ، أعليه وضوء ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، إنما هو بَضعة منك “
أخرجه : الخمسة ، وصححه ابن حبان ، وقال ابن المديني : هو أحسن من حديث بسرة .
عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
” من مسّ ذكره فليتوضأ “
أخرجه : الخمسة ، وصححه الترمذي ، وابن حبان .
وقال البخاري : هو أصح شيء في هذا الباب .
(من الفوائد )
هذان الحديثان حديث طلق وحديث بسرة رضي الله عنهما ، في ظاهرهما التعارض ، ولتعارضهما اختلف العلماء ، هل مس الذكر ناقض للوضوء أم أنه غير ناقض للوضوء ؟
فحديث طلق صححه ابن المديني .
وابن المديني هو : علي بن المديني ، ينسب إلى جده ، وهو حافظة عصره ، حتى قال النسائي رحمه الله ” كأنه لم يخلق إلا لهذا العلم “
فمن سمع كلامه في علم الحديث ، قال إن هذا لم يخلق إلا لهذا العلم ، لغزارة علمه .
والحديث الآخر : قال عنه البخاري رحمه الله :
والبخاري أحد طلاب ابن المديني، وكذلك من طلابه أبو داود صاحب السنن .
وهذان الحديثان من غرائب الأحاديث ، وغرابتهما تكمن فيما يلي :
أولا : أن هذين الحديثين رواهما الخمسة وهم ” أصحاب السنن والإمام أحمد “
ثانيا : أن أحد هذين الحديثين يقرر حكما والآخر يقرر خلافه .
ثالثا : أن جماعة من أهل العلم ضعفوا حديث طلق ، وآخرين منهم ضعفوا حديث بسرة ، وبالتالي فما هو الحكم في شأن من مسَّ ذكره ؟
بناء على هذين الحديثين اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول / رجَّحوا حديث طلق على حديث بسرة ، فقالوا ” إنه لا ينقض الوضوء “
القول الثاني : رجحوا حديث بسرة ، وقالوا ” بنقض الوضوء من مس الذكر باليد “
القول الثالث : جمعوا بين هذين الحديثين ، فقالوا ” إن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب وليس بلازم “
القول الرابع : جمعوا بين الحديثين بجمع من وجه آخر ، قال ” إن قوله صلى الله عليه وسلم :
( إنما هو بضعة منك ) وفي رواية ( مضغة ) وفي رواية ( حذية ) قالوا هذا يدل على أنه إذا مسه من غير شهوة ، بينما حديث بسرة إذا مسه بشهوة .
القول الخامس : أنه ناقض للوضوء بقطع النظر عن الشهوة من عدمها إذا كان من غير حائل ، إما إذا كان بحائل فيحمل عليه حديث طلق ، ولا شك أن القاعدة الأصولية تقول :
[ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]
فالجمع بين الحديثين أولى ، لكن ما هو القول الأرجح فيمن قال بالجمع بين الدليلين ؟
القول الراجح / هو القول الأخير، إذا كان بحائل فلا ينقض الوضوء ، وأما إذا كان من غير حائل ، فينقض الوضوء ، لم ؟
لأنه قال :
( الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء ؟ )
ومعلوم أن مس الذكر في الصلاة لا يمكن أن يكون إلا بوجود حائل .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
( إنما هو بضعة منك )
يعني بمثابة ما تلمس يدك أو قدمك ، فمحمول على ما ذكرنا ، ولا يعني أن مس الإنسان ذكره بيده يستوي من حيث اللمس مع مسه ليده أو لقدمه ، فهناك فرق ، فهما ليسا في درجة واحدة ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين :
( لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول )
فالحكم مخصص باليمين ، لكن كونه صلى الله عليه وسلم ينص على اليد مع الذكر يدل على أن لمس الذكر باليد يختلف عن مس اليد لأي عضو آخر .
ولذلك اختلف العلماء : أيجوز للمسلم أن يمس ذكره في غير حالة الوضوء أم لا ؟
بعض العلماء : منع ، فالحكم عام ، فإذا نهي عن مس ذكر باليمين في حالة قضاء الحاجة ففي غير هذه الحال من باب أولى .
خلاصة القول : أن مس الذكر ناقض للوضوء .
والعلماء لما يتحدثوا يقولون ” حديث بسرة وحديث طلق “
ويظن أن الذي روى هذا الحديث هو بسرة رضي الله عنها فقط – لا – بل رواه سبعة عشر صحابيا ، منهم ” أبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وأبو أيوب ” فهؤلاء وغيرهم رووا هذا الحديث ، بل إن طلقا رضي الله عنه روى حديث ( من مس ذكره فليتوضأ )
ولذا رجح من رجح حديث بسرة قالوا لأن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم حديثا في السنة السابعة من الهجرة ، وحديث طلق إنما قاله صلى الله عليه وسلم لما كان يبني مسجده .
وقالوا يؤكد هذا / أن طلق اليمامي – من اليمامة – سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إليه مرة أخرى فسمع حديث ( من مس ذكره فليتوضأ )
ولذا بعض العلماء يقول : إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق ، لأن طلقاً ممن روى حديث :
( من مس ذكره فليتوضأ )
بل إن رواة حديث طلق رضي الله عنه لم يحتج بهما صاحبا الصحيحين ” البخاري ومسلم ” بينما رواة حديث بسرة احتج بهما البخاري والمسلم .
فمنهم من رأى أن حديث طلق يكون مرجوحا إما لأنه منسوخ وإما لأنه ضعيف ، وإما لأن حديث بسرة أقوى منه .
وشيخ الإسلام رحمه الله / تردد ، مرة يقول إن القول المرجح هو الاستحباب ، ومرة يقول إن المقصود بالنقض إذا مسه بشهوة ، إما من غير شهوة فلا .
وعلى كل حال الراجح هو ما ذكرنا ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ستر فقد وجب الوضوء )
فدل هذا على أنه إذا كان هناك ساتر فإنه لا يجب الوضوء .
ولأن حديث بسرة ناقل عن الأصل ، لا نقول إن الأصل براءة الذمة وأنه لا يلزم الوضوء ، نقول هناك قاعدة أخرى وهي ” أن حديث بسرة ناقل عن الأصل “
ما هو الأصل ؟ براءة الذمة ، لكن حديث بسرة نقل هذا الحكم عن أصله .
فمن مس ذكره بيده من غير حائل فإن وضوءه ينتقض ويجب عليه الوضوء .
( ومن الفوائد )
الكف : من أطراف أصابع اليد إلى الرُّسغ .
لأن اليد إذا أطلقت في الشرع من غير تقييد ، فالمقصود منها الكف .
ولذلك قال عز وجل في حق من سرق :
هل تقطع جميع اليد ؟
لا ، وإنما تقطع الكف .
لكن إذا قيدت فعلى حسب ما قيدت به ، ولذا قال عز وجل في آية الوضوء ، قال :
{ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }
فدل هذا على أن اليد إذا أطلقت من غير تقييد فالمقصود منها الكف .
ولذا لو أنه لمس ذكره بساعده أو بمرفقه ، فإن وضوءه باقي ، لأن المقصود الكف .
ويستوي في ذلك باطن الكف وظاهره “
لأن بعض العلماء أخرج ظاهر الكف ، لماذا ؟
قالوا / لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره من غير ستر فقد وجب الوضوء )
والإفضاء إنما يكون بباطن الكف لا بظاهرها .
فنقول / سواء كان بباطن الكف أم بظاهر الكف ، لم ؟
لأنه إنما عبَّر بالإفاضة لأنه هو الغالب ، لأن غالب ما يمس الذكر بباطن الكف ، والقاعدة الأصولية تقول :
[ إن النص إذا جاء في سياق الغالب فإنه لا مفهوم له ]
مر معنا في الدرس الماضي :
[ أن النص إذا جاء في سياق الغالب فإنه لا مفهوم له ]
قال تعالى :
{ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم }النساء
ولذا هل يجوز له أن يتزوج بنت زوجته من رجر آخر وهي ليست في حجره وليس مربيا لها وليست في بيته ؟
الجواب / لا ، لم ؟
لأن الغالب أن المرأة إذا تزوجت ولها بنت اشترطت أن تكون ابنتها معها .
( ومن الفوائد )
” أن هذا الحكم خاص بالآدميين “
وإذا كان خاصا بالآدميين فإن هذا الحكم يدخل فيمن مس ذكره ومن مس ذكر غيره .
ولذا لو أن الأم نظفت ابنها فمست ذكره من غير حائل فإن وضوءها ينتقض ،لم ؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أوجب الوضوء فيمن مس ذكر نفسه ، فذكر غيره من باب أولى ، لأن ذكر غيره مظنة الشهوة أكثر من نفسه .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحكم يدخل فيه النساء “
لأن بعض العلماء قال : إنما يخص الرجال ، لم ؟
قال لأنه قال : ( من مس ذكره )
فيقال / جاء عند أحمد قوله صلى الله عليه وسلم
( من مس فرجه )
والفرج : يطلق على ذكر الرجل وعلى فرج المرأة .
بل جاءت رواية :
( أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ )
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( من مس فرجه فليتوضأ )
يدخل في ذلك ” الدبر ” فمن مس حلقة دبره فقد انقض وضوؤه ، ولا يقصد من ذلك الإلية أو العجيزة – لا – وإنما المقصود حلقة الدبر ، أما إذا مس غيرها ، فإن وضوءه باقي .
إذاً / لو مس خصيته لا ينتقض وضوؤه .
( ومن الفوائد )
” أن هذا الحديث كما أسلفنا خاص بالآدميين ، وبالتالي لو أن الرجل مس دبر البهيمة فإن وضوءه باقي “
( ومن الفوائد )
” أن الحديث نص على الماس لا الممسوس ذكره “
فلو أن المرأة كانت على وضوء ، والزوج كان على وضوء فمست المرأة بيدها ذكر زوجها ينتقض ضوء من ؟
ينتقض وضوء الزوجة لأنها الماسة ، أما الممسوس ذكره فلا يدخل هنا ، إلا إذا خرج منه شيء ، فيكون الناقض للخارج .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحكم يخص الذكر المتصل بالآدمي “
فلو أن رجلا قطع ذكره فجاء شخص فمس هذا الذكر المقطوع وهو على وضوء ، فوضوؤه باقي ،
لأن المعهود هو لمس الذكر المتصل .
( ومن الفوائد )
” أن ما بقي من الذكر يأخذ حكم الذكر كله “
فلو أن جزءا من ذكره قطع أو أن ذكره قُطع فبقيت منه بقية فلمس هذه البقية ، فإن وضوءه ينتقض ،لكن لو أن الذكر كله قطع ، فمس الموضع فوضوؤه باقي ، لعدم وجود الذكر .
( ومن الفوائد )
أنه ذكر هنا أحد صيغ الأمر ” الفعل المضارع مع لام الأمر ” .
وبقي ثلاث صيغ وهي ” صيغة افعل .
واسم فعل الأمر : { فَضَرْبَ الرِّقَابِ )
اسم الأمر : ” صه ” يعني اسكت .