شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 67 ) حديث 76 ( من غسل ميتا فليغتسل … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 67 ) حديث 76 ( من غسل ميتا فليغتسل … )

مشاهدات: 464

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 67 حديث 76

( باب نواقض الوضوء  )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” من غسَّل ميْتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ “

أخرجه : أحمد ، والنسائي ، والترمذي وحسنه .

وقال أحمد : لا يصح في هذا الباب شيء

( من الفوائد )

قال الإمام أحمد رحمه الله ” لا يصح في هذا الباب شيء “

وكذا قال ابن المديني رحمه الله .

والبخاري رحمه الله يرى أن الأشبه في هذا الحديث أنه ” موقوف ” وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما تكلم به الصحابي .

وهناك من العلماء من يرى ثبوته  .

وذكر ابن مفلح رحمه الله في البلوغ قاعدة في الحديث إذا كان ضعفه ليس ضعفا قويا ، قال :

[ إذا جاء الحديث في سياق الأمر لم يكن هذا الأمر للوجوب ، وإنما يكون بين الوجوب والإباحة وهو ” الاستحباب .

وإذا كان في سياق النهي لم يكن للتحريم ، وإنما كان بين المباح وبين المحرم  وهو ” المكروه “

فلو أثبتنا هذه الحديث / فإن هذه الأوامر التي في الحديث لا تكون على سبيل الوجوب ، وإنما على سبيل الاستحباب ، لم ؟

لأنه جاء عن الصحابة رضي الله عنهم – كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما  :

( إنما يكفيكم أن تغسلوا أيديكم )

وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما :

( أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يغسلون الموتى ، فمنهم من يغتسل ومنهم من لا يغتسل )

فدل هذا على أن هذا الحديث إذا قيل بصحته فليس للوجوب ، وإنما يستحب في حق من غسل ميتا أن يغتسل وليس بواجب ، ويستحب في حق من حمله أن يتوضأ .

فالذي صرف الوجوب إلى الاستحباب هو فعل الصحابة رضي الله عنهما ، وما ذكره ابن مفلح رحمه الله من قاعدة .

و ( ابن مفلح ) رحمه الله هو أحد طلاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا الطالب نفع شيخ الإسلام إذ كانت هناك آراء لشيخ الإسلام ما كانت لتعرف إلا عن طريقه رحمه الله ، مع أن من طلاب شيخ الإسلام رحمه الله [ ابن القيم – الذهبي – ابن رجب – ابن كثير – ابن عبد الهادي – البزار ] أئمة كبار  .

فإن في هذا دلالة على أن في كلٍ خير ، ولا يقل أحدٌ إن أحدا يغني عني – كلا – بل ما ضبطه هذا قد يفوت على هذا ، وما حضر هذا يغيب عن هذا ، فدل هذا على أن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى أن يأخذ كل فرد منها ما عند الآخر ، لا يقل أحد أنا أعلم الجميع ، من قاله فقد أبعد النجعة ، وبعد عن الصواب ، خفيت أحاديث على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم وعلم بها صغار الصحابة ، ولو أن الأمة فطنت إلى هذا الأمر ما وجدت بينهم شتاتا ولا فرقة ولا سبابا ، لأنه ما من مسلم إلا وعند من المزايا ما ليست عند الآخر ، قد يتفاوت الناس في هذا ، فعندك من المزايا ما ليس عندي ، وعندي من المزايا ما ليس عندك ، إذاً في الأمة الخير ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي :

( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره ؟ )

لا شك أن أوائل هذه الأمة من القرون المفضلة ، لا شك أنهم أفضل، لكن لا يعني أن الأمة ينعدم الخير من أفرادها ، فكم سطَّر لنا التاريخ من القصص والوقائع بين طلاب وبين مشائخهم ، هؤلاء الطلاب نبهوا مشائخهم على أخطاء وقعت منهم اجتهادا ، ومع ذلك رضخوا للحق ، والموفق من وفقه الله ، ولا يصل إلى هذه المرتبة إلا من هو منصف ، ينصف نفسه وينصف دينه .

فخلاصة القول / أن هذا الحديث حكمه الاستحباب .

 

 

 ( ومن الفوائد )

أن بعض أهل اللغة قال : إن الميت إذا شددت منه الياء ( ميِّت ) كان المقصود منه من لم يمت بعد ، وهو الحي الذي سيكون مآله إلى الموت ، كما قال عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم :

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }الزمر30

شدَّد الياء .

بينما لو أطلقت هذه الكلمة على من مات تكون ” الياء ” مخففة ، قال تعالى :

{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ }الأنعام122

إذاً النطق هنا ( من غسَّل ميْتا )

( ومن الفوائد )

أن الموت عرَّفه بعض العلماء فقال : ” إنه حادثة تزول معها الحياة “

ومن حيث تحليل هذا المصطلح هو ” مفارقة الروح للبدن “

لو قال قائل : بعض الناس يموت دماغياً لكنه نابض القلب ، من حيث الطب يقولون إذا مات دماغيا فإنه ميت حقيقة .

ولذلك اختلف العلماء المعاصرون : لو أن الإنسان مات دماغيا بحكم الأطباء ، هل يجوز أن ترفع عنه الأجهزة التي تحرك قلبه ؟

الصحيح / أنه لا يجوز  ، بل يبقى على حاله حتى يتوقف القلب ،  حتى لو ثبت عن طريق الطب أن الدماغ إذا مات تموت معه الحياة ، نقول قد يكون اجتهاد هؤلاء اجتهادا خاطئا ، فنقدم على ما لا تحمد عقباه .

بدليل / أنه لا يمكن أن تثبت أحكام الوفاة بهذا الموت الدماغي ، لو قال الورثة نريد أن نقسم الإرث لأنه مات دماغيا ” فلا يجوز “

لو أن زوجته كانت حاملا فلما مات دماغيا وضعت ، هل تنتهي عدتها ؟ لا ، فأحكام الوفاة لا تثبت بهذا الموت الدماغي .

( ومن الفوائد )

هل الروح تموت ؟

الجواب / معتقد أهل السنة والجماعة “أن الروح تبقى بعد مفارقتها للبدن إما منعمة وإما معذبة “

ولذلك تكفن وتحنط وتجد من النعيم إذا كانت مؤمنة ما تسعد به  ، وتجد من العذاب إذا كانت غير مؤمنة ما تشقى به  .

لكن يصح أن نقول ” إن الروح تموت ” والمقصود من موتها ” مفارقتها للبدن “

فموت الروح ” مفارقتها للبدن “

أما أنها بعد مفارقتها للبدت تفنى –لا – وليس هذا من معتقد أهل السنة والجماعة ، لأن النصوص الشرعية جاءت بأن الروح تبقى إما منعمة وإما معذبة ، وقد تتصل بالبدن فيسعد ويتنعم معها أو يتعذب معها .

( ومن الفوائد )

” أن هذا الحكم منصب على الغاسل “

والغاسل / هو الذي يقلِّب الميت ويباشر تغسيله .

إذاً / الذي يصب الماء فقط لا يشمله هذا الحكم .

 

( ومن الفوائد )

أن قوله ( مَنْ غسَّل )

” من ” اسم شرط ، وأسماء الشرط تفيد العموم “

إذاً / أي شخص غسل ميتا  ، سواء كان هذا الغاسل صغيرا أو كبيرا  ، ذكرا أو أنثى ، فإنه يغتسل استحبابا .

( ومن الفوائد )

أن كلمة ( ميْتا ) نكرة في سياق الشرط ، والقاعدة في الأصول :

[ أن النكرة إذا جاءت في سياق الشرط تفيد العموم ]

إذاً / لو أن زوجة غسَّلت زوجها فإنها تغتسل ، فإذا كان هذا المغسول صغيرا أو كبيرا  ، ذكرا أو أنثى ، مسلما أو كافرا ، فإنه يستحب الغسل ، مع أن تغسيل الكافر محرم ، لكن تصوَّر لو أن مسلما أقدم على تغسل الكافر إما جهلا ، وإما عمدا  ، فإن كان خطأً فلا إثم عليه ، وإن كان عمدا فيأثم ، لأن الكافر لا يغسل  ، ولا يجوز للمسلم أن يغسله ، ولذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

( أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه ) أبو طالب ( قال يا رسول الله إن عمك الضال قد مات ، فقال صلى الله عليه وسلم :” قم فواره ” )

وفي قول علي رضي الله عنه ( إن عمك الضال ) هذا يرد به على الرافضة الذين يقولون إن أبا طالب أسلم .

وما جاء من رواية أن العباس رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :

( لقد رأيت شفتي أبي طالب تتحرك يا رسول الله )

فهذا لا يصح .

إذاً العلم اليقيني أن أبا طالب مات على الكفر

( ومن الفوائد  )

” لو غسَّل المسلم بعض بدن الميت ” ؟

فإن هذا الحديث يصدق عليه ، فهذا الحكم يشمل من باشر الغسل كله أو شارك فيه ، فمن شارك بغسل بعضه أو أنه قلَّبه بيديه فإن هذا الحكم مندوب في حقه .

( ومن الفوائد )

أن بعض الموتى لا يمكن أن يغسلوا ، قد يكون متفتتا بحريق ، لو غسل تفتت أكثر ، فماذا يصنع به؟

ييمم ، فلو أن شخصا يمَّم الميت أيقال لهذا المُيَمِم اغتسل ؟

الجواب / لا ، لم ؟ لأن الحديث نص على ( من غسَّل )

( ومن الفوائد )

أن قوله عليه الصلاة والسلام :

( ومن حمله فليتوضأ )

على أي صفة كان الحمل لهذا الميت سواء كانت حملا مستمرا إلى أن يوضع في القبر ، أو مشاركا في أول الذهاب بها ، أو في آخر الذهاب بها أو في ثنايا الذهاب بها فإن هذا الحكم مستحب في حقه .

( ومن الفوائد )

أن الحكمة من الغسل من تغسيل الميت – والعلم عند الله – أنه من أجل أن يتذكر هذا الغاسل ما حلَّ بهذا الميت من حادثة الموت فغسِّل ، فليغتسل له باعتبار ما سيكون من حاله ، تذكيرا له بما يؤول إليه .

( ومن الفوائد )

أن بعض أهل العلم حمل قوله ( ومن حمله فليتوضأ )

على الوضوء اللغوي فالمراد ” غسل اليدين “

وحمله هذا قد يعتد به باعتبار فعل الصحابة رضي الله عنهم .

لكن الصواب / أنه يحمل على الحقيقة الشرعية ، لأن المتكلم بهذا الكلام هو الشارع ، فيحمل على الوضوء المعروف بغسل الأعضاء الأربعة .