شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 70 ) حديث 79 (أن النبي احتجم وصلى ولم يتوضأ )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 70 ) حديث 79 (أن النبي احتجم وصلى ولم يتوضأ )

مشاهدات: 668

( شرح كتاب ”  بلوغ المرام  ) ـ الدرس 70 حديث 79

( باب نواقض الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه :

أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ، ولم يتوضأ “

أخرجه : الدارقطني ، ولينه .

 ( من الفوائد )

هذا الحديث حديث ضعيف ، وأورده ابن حجر رحمه الله هنا ليقرر مسألة سابقة ، وهي ” أن ما خرج من الإنسان من شيء نجس من بدنه من غير السبيلين – يعني الذكر والدبر – فهو لا يعد ناقضا للوضوء .

فإن هذا الحديث لو صح فإنه يؤيد ما قرر سابقاً ، وهو ما قرر سابقا هو الصواب من أن ” ما خرج من الإنسان من دم أو قيئ أو نحوهما ولو كثر  من غير السبيلين ، فإن وضوءه باقٍ  “

بينما لو خرج شيء من السبيلين فإنه الوضوء لا يصح ، وسبق تقرير هذه المسألة .

( ومن الفوائد )

أن الحجامة تخرج دما كثيرا ، والدم الكثير يؤثر على بدن الإنسان “

ومن ثم / لو صح هذا الحديث ففيه ردٌ على ما اشتهر عند الحنابلة من أن ما خرج من دم كثير من البدن من غير السبيلين فإنه يكون ناقضا للوضوء .

والصواب / ما قررنا ، بدليل ما جاء عند البخاري قول الحسن رحمه الله :

(  ما زال المسلمون يصلون في جروحاتهم )

وما كانوا يقطعون صلاتهم  .

وقال بعض العلماء : إن هذه حالة الضرورة ، وبعضهم جنح إلى أنه كمن به حدث مستمر ؟

الجواب /

يقال صحيح هذا الأمر ، ولكن كونه عليه الصلاة والسلام لم يوضح ولم يبين وسكت عن الأمر دل على أن الأمر سواء ، سواء كان في حالة ضرورة أم لم يكن  [ وتأخير البيان عن وقت الحاجة منه عليه الصلاة والسلام لا يجوز في حقه ]

وإلا لقال إنما سمح بهذا من أجل وجود الضرورة أو من أجل وجود تدفق الدم الذي لا يمكن إيقافه ، فلما لم يبين ذلك دلَّ على أن الأمر فيه سعة ، ولم يأت دليل أنه عليه الصلاة والسلام أمر من خرج منه دم في حال السعة أن يتوضأ .

ولذا لو قلنا لمن يقول بالنقض ما دليلكم ؟

قالوا / لأن هناك آثارا من بعض الصحابة كانت به ” بثرة ” ففقأها في صلاته واستمر .

فيقال / ليس هناك دليل على التفريق ، بل إن هذا قد يكون حجة عليكم باعتبار خروج الدم ، وبمجرد خروج الدم ينتقض الوضوء ، لكن لا دليل واضح صريح في هذا .

( ومن الفوائد )

أن ذكر الحجامة هنا يدل على فضيلة الحجامة ، والحجامة ورد في فضلها أحاديث كثيرة ، منها ما جاء في صحيح البخاري ومنها ما جاء في السنن ، وهذه الحجامة  ” نوع من أنواع العلاج ” وبالتالي فإن العلاج لا يتنافى مع التوكل على الله عز وجل ، ولعظيم فائدة الحجامة على البدن فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركها ، بل إن الحجامة لو واصل عليها الإنسان سلم بإذن الله تعالى من أمراض كثيرة ، لأنها تخرج الدم الفاسد ، ولذا عند ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم :

( احتجموا لسبع عشرة ولتسع عشرة ولإحدى وعشرين ولا يتبيَّغ بأحدكم الدم فيقتله )

التبيَّغ / هو أن يتردد الدم في مجراه ، وهذا ما يولد عندنا ما يسمى ” بالجلطة ” فهو عليه الصلاة والسلام أوضح وبيَّن أن من أنواع المرض ” الجلطة ” .

ومما يدل على أهمية الحجامة :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قال:

( ما مررت على ملء من الملائكة إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة )

( ومن الفوائد )

أن التبرع بالدم ليس في نفعه كنفع الحجامة بالنسبة لنا نحن في الجزيرة العربية ، فأهل الحجاز الجو عندهم حار  ، كما قال ابن القيم رحمه الله – فيحتاجون إلى الحجامة ، لم ؟

لأن الدم يطفو على الجلد ، فتكون الحجامة بالنسبة إلى الأماكن الحارة أطيب ، ولذلك أفضل وأحسن أوقات للحجامة في فصل الصيف لا في فصل الشتاء .

وقال رحمه الله كما في ” زاد المعاد ” إن الفصد ” والفصد هو / أن يؤتى إلى العرق فيقطع منه حتى يخرج الدم .

فهذا ما يشبه عندنا ” بالتبرع بالدم “

يقول رحمه الله ” إن الفصد لأهل الأماكن الباردة أفضل من الحجامة  “

ولذا لو تبرع الإنسان فليتبرع أولا ” ابتغاء الأجر من الله عز وجل .

ثم ليكن هذا التبرع في فصل الشتاء أنفع .

 

( ومن الفوائد )

” أن الحجامة نافعة لكل الأعمار ، فلا ترتبط بسن ولا تربط بزمن إذا احتاج إليها الإنسان “

لكن أفضل أوقاتها : ليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين ” لم ؟

قالوا / لأن الدم يفور في بدن الإنسان ويعظم في منتصف الشهر وما بعده ، ولذا جاءت الشريعة بالحث على ( صيام أيام البيض )  اليوم ( الثالث عشر و الرابع عشر والخامس عشر ) كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وهو حديث حسن بمجموع طرقه .

ثم أتت الحجامة في مثل هذه الأيام زيادة في ذلك ، ومعلوم أن قلة الطعام في الصيام تقلل من الدم ، والحجامة تخرج الدم الفاسد .

لكن لو احتاج إليها الإنسان فليفعلها دون التقيد بزمن ، ولذا ابن عمر رضي الله عنهما أرسل خادما له ليبحث له عن حاجم ، قال:

(  فإن الدم قد ثار بي فابحث لي عن حاجم )

قال ابن القيم رحمه الله : ” هذا يدل على أن الحجامة متى ما احتيج إليها في أي زمن فليفعلها دون التقيد بما ورد “

التقيد بما ورد إذا لم يكن للإنسان حاجة ماسَّة ، وكلٌ يعرف نفسه .

( ومن الفوائد )

أن الحجامة ليس لها عدد معين ، بل لو أن الإنسان احتجم في كل شيء كان أطيب وأنفع ، ولذ1 النبي صلى الله عليه وسلم من حرصه على الحجامة  ( احتجم وهو مُحْرِم ) مع أن المحرم سيأخذ شعراً ، ومع ذلك احتجم مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على الحجامة ، وجاء حديث وفيه شيء من الضعف لكنه ضعف يسير ، ويكون مقبولا بالنظر إلى النصوص الأخرى :

( ما على أحدكم ألا يتداوي بشيء لشيء إذا احتجم )

معنى هذا الحديث / لا يحرص أحدكم على العلاج ما دام أنه مستمرٌ على الحجامة فلا يحتاج إلى علاج ، بمعنى أنه سيسلم من كثير من الأمراض بإذن الله تعالى ، فالحجامة في الغالب نوع من أنواع توقي الأمراض ، ولذلك يقولون في الحكمة الطبية [ الوقاية خير من ا لعلاج ] فهذه الحكمة لها أصل في الشرع ، أين أصلها ؟

هنا في الحجامة .

وأيضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر )

وهذا لا ينافي التوكل ، ولذا لو أخذ الإنسان تطعيمات حتى لا يقع به مرض في مستقبل أمره فله أصل في الشرع .

( ومن الفوائد )

جاء في أفضل وقتها حديث ضعيف ، لكنه من حيث الواقع مقبول :

( الحجامة على الريق )

لكن الحجامة على العريق أنفع من حيث الواقع ، ولذا من أراد أن يحتجم فعليه أن يكون فارغ المعدة ، فهذا أطيب له .

( ومن الفوائد )

أن قول النبي صلى الله عليه وسلم :

( كسب الحجَّام خبيث )

الخبث / يطلق في الشرع وله معاني ، من بينها :

( المكروه ) ولا يدل على التحريم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( احتجم وأعطى الحجَّام أجرته )

فلو كان أجر الحجامة محرما ما دفع عليه الصلاة والسلام أجرة هذا الحجام .

 

 

( ومن الفوائد )

أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( احتجم في الكاهل وفي الأخدعين )

الكاهل /  الظهر أسفل الرقبة .

الأخدعان / مكانان في مؤخرة الرأس .

فهذه أفضل الأماكن ، لكن لو احتاج الإنسان إلى أن يستفرغ الدم الذي يكون في عضو من أعضائه فحسن ، وهذا مجرب ، قبل ثنتي عشرة سنة أتعبت من ركبتي ، فاحتجمت فشفاني الله عز وجل ، ففيها خير عظيم .

ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كان سنته :

( أن من اشتكى من رأسه شرع له الحجامة ، وإذا اشتكى من قدميه شرع له الحناء )

فالحناء علاج ، لكن لا يجوز للرجل إلا إذا كان على وجه التداوي ، لم ؟

لأنه من خصائص النساء ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن :

( أنه رأى رجل امرأة – وهي بيضاء –  فقال أيد رجل أم يد امرأة ؟ )

بمعنى أن المرأة مطالبة بأن تتحنى من باب الجمال .

( ومن الفوائد )

أن الحجامة مشروعة للرجال وللنساء ، ولذلك غلام حجم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي للجميع .

والآن ولله الحمد تطورت وسائل الحجامة ، كانوا فيما مضى يمصون الدم ، الآن وجدت أجهزة يسيرة ولا تتعب الإنسان ، بل ذُكر لي أن في الصيدليات – ولا أدري ما مدى فائدتها – أن هناك بعض اللصقات توضع في بعض مواطن البدن فيكون لها تأثير كتأثير الحجامة .

( ومن الفوائد )

أن قوله صلى الله عليه وسلم :

( أفطر الحاجم والمحجوم )

عند أبي داود ، والصحيح / أن الحجامة من مفطرات الصوم ، وقد تكلم عنها ابن القيم رحمه الله في تهذيب سنن أبي داود بما يقرب من ثنتي عشرة صفحة ، ورد على من خالف في هذا ردا واضحا جليا ، من قرأه وتأمله وجد أن القول بأن الحجامة تفطر هو المتعين .

وأما قوله عليه الصلاة والسلام :

( أفطر الحاجم والمحجوم )

المحجوم / يخرج منه الدم .

لكن الحاجم في مثل هذا الزمن مع وجود هذه الأدوات ، فإنه لا يفطر ، ولذا ذكر هذا ابن القيم رحمه الله ، يقول  ” إنما أفطر الحاجم لأنه يمص الدم ، فمصه للدم مظنة نزول الدم إلى جوفه  “

كما أن النوم مظنة الحدث  .

ولذا يقول رحمه الله ” لو أن الدم خرج من غير أن يمصه الحاجم فإن العلة منتفية في حقه “

ولم يشهد رحمه الله زماننا هذا حتى يرى هذه الأدوات الطبية .