( شرح كتاب ” بلوغ المرام ) ـ الدرس 71 حديث 80
( باب نواقض الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن معاوية رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” العين وكاء السّه ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء “
رواه : أحمد ، والطبراني وزاد :
” ومن نام فليتوضأ ”
وهذه الزيادة في هذا الحديث عند أبي داود من حديث علي دون قوله ” استطلق الوكاء ”
وفي كلا الإسنادين ضعف .
( من الفوائد )
قال ابن حجر رحمه الله ” وفي كلا الإسنادين ضعف “
وضعفه بسبب ” بقية بن الوليد ” وبقية ثقة لكنه يدلس .
والتدليس : أن يسقط بعض الرواة ، ولا يُقبل إلا إذا صرح المدلس بالسماع .
فقول ابن حجر رحمه الله ” في كلا الإسنادين ضعف ” بسبب ” بقية بن الوليد “
لكن قال الألباني رحمه الله ” بقية بن الوليد صرَّح بالسماع ، كما جاء في رواية أحمد .
ولذا حسَّن المنذري وابن الصلاح والنووي رحمهم الله هذا الحديث .
( ومن الفوائد )
أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء : ” إن النوم ينقض الوضوء قلَّ أم كثر “
لأنه لم يذكر هنا نوما قليلا أو نوما كثيرا .
ومرت هذه المسألة معنا وذكرنا عندها ثمانية أقوال ، ويا ليت ابن حجر رحمه الله أدرج هذا الحديث في أول نواقض الوضوء عند حديث أنس رضي الله عنه :
( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ويصلون ولا يتوضئون )
والصحيح / أن النوم ناقض للوضوء ما لم يكن يسيرا ، فالنوم الكثير الذي يذهب معه شعور الإنسان ينقض الوضوء “
وبهذا تجتمع الأدلة ، لأن من بين الأدلة ما جاء أن النوم ناقض للوضوء كما في هذا الحديث ، ومنها ما جاء أن النوم ليس بناقض للوضوء ، فطريقة الجمع / أن يقال ” إذا كان النوم كثيرا فينقض الوضوء وإذا كان يسيرا فلا ينقض الوضوء “
ما ضابط النوم اليسر ؟
هو ألا يذهب شعور النائم ، لقول عليه الصلاة والسلام :
( فإنه لا يدري أين باتت يده )
ولذا لو أن الإنسان أخذته نومة فسألنا هل انتقض وضوئي أم لا ؟ فقد يكون الإنسان جالسا في المسجد وأخذته نومة ، فقال هل انتقض وضوئي أم لا ؟
فنقول : هل ذهب شعورك كله بحيث لا تسمع شيئا أبدا ؟
إن قال نعم ، قلنا توضأ ، هذا هو النوم الكثير .
لكن لو قال : لم يذهب شعوري كله ، قلنا كيف ؟
قال : أن أسمع حولي من يصدر أصواتا لكن لا أدري ماذا يقولون ؟ ولا أدري من أتى ومن ذهب ؟
هنا يقال : وضوؤك باقٍ على حاله .
( ومن الفوائد )
أن العين بمثابة الرباط الذي يربط به الكيس ، فالعينان رباط للدبر .
( العين وكاء السَّه )
فالسَّه / هو الدبر .
وإذا نامت العينان استطلق الوكاء ، وبالتالي إذا نام هل تحققنا من خروج الريح ؟
الجواب / لا ، لكن مظنة خروج الريح .
فهذا الحديث دليل لمن قال ” إن النوم مظنة للحدث “
ولذا الأنبياء ومن بينهم النبي صلى الله عليه وسلم من خصائصهم ” أنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم “
ولذلك كان عليه الصلاة والسلام :
( يسمع له غطيط ويصلي ولا يتوضأ ، فسئل ؟ فقال صلى الله عليه وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي )
وهذا يدل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بلغوا ذروة الكمال من حيث كونهم مخلوقين ، وأعلى هؤلاء هو النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أن قوله صلى الله عليه وسلم :
( من نام فليتوضأ )
الأمر هنا للوجوب ، لكن ليس لكل نوم ، وإنما للنوم الكثير .
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( من نام )
( من ) تفيد العموم ، تصور لو أن شخصاً عمره – مثلا – عشر سنوات كان على وضوء ونام وغطَّ في نومه ، فلا يجوز لنا أن نتركه هكذا ، بل نقول له قم فتوضأ .
فأي أحد ينام النوم العميق من ذكر أو أنثى ، من مميز أو كبير فإنه يتوضأ .
( ومن الفوائد )
بيان عجز ونقص المخلوق فإنه إذا نام لم يشعر بما يحصل لحاله من حاله ، فكيف يتوقى ما يحصل لحاله من غيره ؟
وهذا يدل على ضعفه ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء رضي الله عنه قال :
( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم قُلْ )
كلمات تحمل التفويض والتوكل على الله عز وجل .
( اللهم أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك )
الظهر لما يسنده الإنسان هل يسنده على شيء خفيف ضعيف ؟
لا ، وإنما يسنده على شيء قوي ، لأن الإنسان إذا سقط على ظهره تألم وتأثر ، فهو بحاجة إلى مدد من الله عز وجل .
وهذا يدل على نقص حياة ابن آدم ، فإذا كانت هذه الحياة التي يعيشها حياة نقص فلا يحرص عليها ، إنما يحرص عليها بفعل ما يقربه إلى الله عز وجل حتى ينال الحياة الكاملة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }الفجر24
حينما يذبح الموت :
( يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت )
ولذا لما كانت هذه الحياة حياة كاملة سئل صلى الله عليه وسلم :
( أينام أهل الجنة ؟ قال النوم أخو الموت )
فلا نوم ولا نعاس ، ولذا هو جل وعلا لا ينام ولا يصيبه نعاس لكمال حياته :
{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }البقرة255
وبما أننا في نقص من الحياة فعلينا أن نتوكل على من له الحياة الكاملة ، ولذا قال عز وجل في أواخر سورة الفرقان :
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }الفرقان58
( ومن الفوائد )
أن النوم علامة ودلالة على قدرة الله عز وجل “
وبه يستدل على بعثه عز وجل للخلق ، ولذا أصحاب الكهف ناموا تلك المدة الطويلة ، فبعثهم الله من نومهم ، وهو جل وعلى جعل النوم علامة ، قال عز وجل :
{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }الروم23
” بل إن النوم رحمة لنا “
{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }القصص73
لأننا بحاجة إلى النوم ، ولذا لو أن الإنسان أصابته وعكة أو أرق فلم ينم تكدرت عليه حياته .
( ومن الفوائد )
أن النوم لا يقرب أجلا ولا يؤخره “
يمكن أن يقول الإنسان لو أكثرت من النوم ما واجهت مصاعب في الحياة ، ولا رأيت ما يدخل علي الهم والغم ، فلو أكثرت من النوم فلربما تطول حياتي !
قرأت قبل شهرين في بعض الأخبار أن شخصا من الغرب ، قال أريد أن أثبت أن كثرة النوم تطيل الحياة ، فكان هذا الرجل يكثر من النوم ولا يستيقظ من النوم إلا قليلا ، ومع هذا كله لم يتجاوز سن الخمسين ووافته المنية .
( ومن الفوائد )
قال ابن القيم رحمه الله ” النوم نوعان “
( طبيعي وغير طبيعي )
ما هو النوم الطبيعي ؟ وكيف يحصل ؟
قال رحمه الله : لما تضعف القوى الموجودة في داخل بدن الإنسان وتضعف عن حركتها تصعد الرطوبات الموجودة في البدن مع الأبخرة إلى الدماغ فيحصل النوم “
لكن قد لا تضعف القوى ، لكن قد يأتيها ما هو أقوى منها وهذا هو النوم ” غير الطبيعي ”
وهو يحصل إما من مرض أو من غير المرض ، فإذا أصيب الإنسان بالمرض نجد أن نومه يكثر ، لم ؟
لأن هذا المرض تسلط على القوى النفسية في بدن الإنسان فضعفت هذه القوى فتصاعدت هذه الرطوبات وهذه الأبخرة إلى الدماغ .
أو أن يكون من غير المرض كما لو أن الإنسان أكل وجبة عظيمة دسمة فلم تستطع هذه القوى أن تقاومها ، هنا تصعد هذه الرطوبات وهذه الأبخرة فيتسلط النوم على ابن آدم .
ولذلك لما غالت النصارى في مريم وابنها عليهما السلام ، ماذا قال عز وجل ؟
{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ }المائدة75
ومن يأكل الطعام بحاجة إلى أن ينام ليستريح ، ولذلك قال عز وجل عن نفسه :
{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ }الأنعام14
وقال عز وجل :
{اللَّهُ الصَّمَدُ }الإخلاص2
فمن معاني { الصَّمَدُ }عند المفسرين ” الذي لا جوف له ” لأنه عز وجل لا يأكل ولا يشرب لأنه ليس بمحتاج .
ولذلك أكل أهل الجنة للتنعم وللتلذذ وليس لبقاء البدن ، لأن الله عز وجل كتب على أبدانهم أن تبقى :
( ينادي منادٍ يا أهل الجنة إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ن وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا )
( ومن الفوائد )
أن النوم إذا كثر فإنه يقسي القلب “
ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه ، قال ” احذر من فضول هذه الأشياء ”
[ فضول الطعام – فضول الكلام – فضول النوم – فضول المخالطة ]
حتى لو كان مع الأخيار ، فالكثرة مذمومة ، لكن لتكن لك ساعات مع إخوانك تستعين بها بعد الله عز وجل على طاعة الله عز وجل .
ولذلك الناس لما أسرفوا في هذا الباب قست القلوب ، النعمة موجودة فكثر الأكل ، وكثرة الأكل تولد منها كثرة النوم ، ولذلك ما أعشق هذا المجتمع للإجازات ويتباشرون بها !
من هو الشخص الذي جلس مع نفسه أكثر ما يجلس مع الناس لينظر في حاله ، ماذا صنعت في هذا اليوم ؟ في هذا الأسبوع ؟ ما هو حالي مع شرع الله عز وجل ؟
لكن معظم الأوقات تهدر ، ويا ليتها تهدر فيما فيه مصلحة لدين أو دنيا .
والمخالطة مع الآخرين ينجم منها كثرة الكلام ، ولذلك الناس لما عشقوا وسائل التواصل أصبح الناس لا يتواصلون مع أقربائهم القريبين ولا حتى مع من يعيش في مجتمعهم ، يتواصلون مع من هو خارج مجتمعهم ، بل قد يتواصلون مع كفار ، أصبح الواحد يحرص على أن يتواصل مع هؤلاء فلو استيقظ نظر إلى جهازه ما الذي أرسله هؤلاء ؟
لكن أين محبته لكلام الله عز وجل ، فعلى الناس أن يتنبهوا لهذا الأمر .
( ومن الفوائد )
يقول شيخ الإسلام رحمه الله عن جلسته بعد الفجر ” هي غدوتي لو تركتها لخارت قواي “
فهي الطعام الذي يعينني على أن أنواجه مستقبل يومي ، فإذا صلى الفجر لم يجرؤ أحد أن يكلمه ، لأنه لا يكلم أحداً حتى تشرق الشمس ، لكن بعدها يقول ” أكون على نشاط عظيم ”
فتبدأ دروسه رحمه الله إلى ما بعد العشاء .
والشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله – لم ندركه – ولكن ذكر لنا بعض مشائخنا مما أدركه كانت دروسه إلى ما بعد العشاء ، واستقطب طلاب العلم ، وأقام لهم الدور وسكنوا وصرف المبالغ من أجل أن يتعلموا ، وكانت دراسة مستمرة ، بعد الإشراق وبعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء
وحياتهم من أسعد ما يكون .
ولذا يقول بعض الصحابة – كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح – قال :”
” النوم أول اليوم خُرْق “
فمن ينام بعد الفجر هذا أخرق ، يعني لا يحسن التصرف ، لم ؟ لأنه فوَّت هذا الزمن المبارك الذي تقسَّم فيه الأرزاق .
” دخل ابن عباس رضي الله عنهما على ابنه وقد نام بعد الفجر ، فقال له مغضبا أتنام في وقت تقسم فيه الأرزاق ؟! “
وقسمة الأرزاق ليست في المال فقط ، رزق علم ، رزق صحة ، رزق بركة .
ولذلك صخر الغامدي هو من روى حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
( بورك لأمتي في بكورها )
فيقول ” كنت أبعث بتجارتي في الصباح فربحت “
وهو ينسب إلى ” بني غامد ” يقول بعض العلماء ما روى إلا هذا الحديث “
ولذا يقولون ” التجارة في بني غامد أكثر من غيرهم “
لكن قال ابن حجر رحمه الله ” روى حديثا آخر “
قال رحمه الله :
” النوم في أول النهار خرق ، وفي وسط النهار خُلُق “
وهي القيلولة ، يقوم الإنسان وهو على خلق .
” والنوم آخر النهار حمق “
يقوم الإنسان أشبه ما يكون بالأحمق ، ما يريد أن يكلم أحدا ولا أن يكلمه أحد .
فعلى المسلم أن يستفيد من وقته ، فعليه أن يكون معتدلا ” لما زار سلمان الفارسي أبا الدرداء رضي الله عنهما ورأى أم الدرداء مبتذلة ) ليست بتلك المرأة المتهيئة ( فقالت سلْ أخاك ) يعني أن حياته كلها ما بين صوم وما بين قيام ليل ( فنام عنده سلمان فلما أراد أبو الدرداء أن يقوم ، قال له سلمان نم ، فلما أراد أن يقوم بعد ساعة ، قال له نم ، إلى قبيل الفجر ، قال قم فقاما فصليا ” فشكا أبو الدرداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر سلمان ، فقال صدق سلمان ” إن لنفسك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، وإن لوزرك ) يعني ضيفك ( وإن لوزرك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه )
فيكون الإنسان معتدلا ، ومن أراد الصحة والعافية فعليه بالآداب الشرعية ، أعرف بعض الأشخاص كان موجعا ويتألم في بدنه ، فمنَّ الله عز وجل بالتقاعد ، فتقاعد فزادت أوجاعه ، لأنه أصبح ينام إلى قبيل الظهر ، فزادت معه الآلام ، لكن الله عز وجل منَّ عليه بعد مضي عشر سنوات ألا ينام بعد الفجر ، فأصبحت قوته كأنه في حال شبابه .