شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 78 ) حديث 90 ـ 93 (اتقوا اللاعنين …. )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 78 ) حديث 90 ـ 93 (اتقوا اللاعنين …. )

مشاهدات: 469

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ من الحديث 90 حتى الحديث 93

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ r { اِتَّقُوا اَللَّاعِنِينَ: اَلَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ اَلنَّاسِ, أَوْ فِي ظِلِّهِمْ }  رَوَاهُ مُسْلِم.

زَادَ أَبُو دَاوُدَ, عَنْ مُعَاذٍ: { وَالْمَوَارِدَ }

وَلِأَحْمَدَ; عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: { أَوْ نَقْعِ مَاءٍ }  وَفِيهِمَا ضَعْف. 

وَأَخْرَجَ اَلطَّبَرَانِيُّ : اَلنَّهْيَ عَن ْ   تَحْتِ اَلْأَشْجَارِ اَلْمُثْمِرَةِ, وَضَفَّةِ اَلنَّهْرِ الْجَارِي )  مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيف ٍ

 

 

 ( من الفوائد )

أن على المسلم أن يتقي الفعل والقول الصادر منه الذي يتسبب منه ضرر على الآخرين ، سواء كان فيما يخص مصالحهم الدينية أو مصالحهم الدنيوية .

( ومن الفوائد )

أنه يجب على المسلم أن يتقي لعنة الناس ، لأنه إذا آذاهم استحق اللعنة ، ولذا جاء عند الطبراني بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه لعنتهم )

( ومن الفوائد )

أن قوله ( اتقوا اللاعنين )

فيه بيان أن التقوى في ظاهرها قد تكون لغير الله ، والذي يتقى هو الله .

لكن هذا الظاهر ليس بمراد ، لم ؟

لأن من اتقى ما يوجب الإثم فإنه في الحقيقة اتقى الله عز وجل ، كما أمر عز وجل باتقاء النار ، قال تعالى :

{ فَاتَّقُواْ النَّارَ  }البقرة24

ولكن ليعلم أنه لا يسلم أحدٌ من التقوى أبدا ، فالعبد لابد أن يكون متقيا ، فإن لم يتق الله اتقى غيره .

( ومن الفوائد )

أن معنى قوله :

( اتقوا اللاعنين )

يعني ما يجلب لعنة الناس .

( ومن الفوائد )

أن قضاء الحاجة لا يجوز في طرق الناس ولا ظلهم “

لكن ما المراد بهذا الطريق ؟

ما جاء في الحديث الآخر ( قارعة الطريق )

أي الطريق الذي يقرع ويمشى عليه من قِبل الناس ، أما إذا كان مهجورا فلا حرمة له  .

وما المراد بالظل ؟

ليس كل ظل يحرم التخلي فيه ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به عند قضاء الحاجة أن يستتر بشجرة ، ومعلوم أن الشجرة لها ظل ، فيكون المقصود بالظل المنهي عن قضاء الحاجة تحته هو ما احتاج إليه الناس .

( ومن الفوائد )

أن العلماء قالوا :

[ كل مجمع للناس لهم فيه مصالح دينية أو دنيوية فلا يجوز قضاء الحاجة فيه ]

وما ذكر في هذا الحديث إنما هو على سبيل ضرب المثل ، وبالتالي فإنه لو قضى حاجته في المسجد كان أفظع وأغلط ، وقد ورد النهي في ذلك كما في الصحيحين ( في قصة بول الأعرابي )

وكذلك يستوي في هذا مجمع الأموات ومجمع الأحياء ، فقضاء الحاجة في القبور محرم ، ولذا عند ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم :

( ما أبالي أوسط الطريق قضيتُ حاجتي أم في القبور )

فساوى عليه الصلاة والسلام بين قضاء الحاجة في السوق وهو مجمع الناس وبين قضائها في القبور ، قال ابن القيم رحمه الله : ” لأن أفنية القبور هي محل تزاور الموتى “

ولذلك ما يدعو به بعض الأئمة لما يذكر أهل المقابر يقول :

” وجيران قُرب لا يتزاورون “

فيه ملحظ ، لم ؟ لأنهم يتزاورون .

قال شيخ الإسلام رحمه الله ” ولو تباعدت المقابر “

فلو كانت مقبرة في السعودية ومقبرة في الهند أو الصين فإنهم يتزاورون ماداموا مسلمين .

والدليل على مسألة تزاور الموتى : ما جاء من الآثار عن الصحابة ويؤيده حديث أبي أيوب عند النسائي وغيره :

( أن الرجل إذا مات فقدم على الموتى قالوا أنظروه فإنه جاء من نصب الدنيا ، فيستبشرون به كما يستبشر الرجل بقدوم غائبه ، فيسألونه ؟ هل تزوج فلان ؟ هل تزوجت فلانة ؟ ماذا فعل فلان ؟ فيقول ألم يأتكم ؟ فيقولون لا ، ذُهب به إلى أمه الهاوية ) لأنه سبقه في الموت ، فلما لم يأتهم دل على أنه ذهب به إلى النار  ، ولذلك قال الإمام مالك :

” إن الآثار جاءت بأن الروح مرسلة “

يعني تنطلق حيث شاء الله عز وجل .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل :

لو أن هناك مجمعا لبعض الناس يفعلون فيه الغيبة وفعل المعصية ، فهل يجوز أن تقضى الحاجة فيه من أجل أن ينفروا ؟

الجواب / بعض العلماء مال إلى هذا الأمر ، وبعضهم منع ، لأنه ربما لو فعل هذا الفعل زاد هؤلاء شرا على شر ، والقاعدة الشرعية التي ذكرها شيخ الإسلام في إنكار المنكر :

[ ألا يترتب على إنكار المنكر منكر أكبر ]

( ومن الفوائد )

بيان حرص الإسلام على إبقاء المودة والمحبة بين الناس ، لأن فعل هذا الشيء لو أبيح أو سكت عنه الشرع لتناكر الناس فيما بينهم ، فهذا دليل من أدلة حرص الإسلام على اجتماع القلوب ، فلا يجوز للمسلم أن يؤذي إخوانه بشيء لم يذكر في الأحاديث مثلا ” التنخم في الطريق ” فهذا من الخطأ ، ولذلك قد يمر الإنسان في الطريق فيجد ما يسوء عينه ونفسه ، فيجب أن يحرص المسلم على إزالة الأذى من الطريق حتى الشوك ، فكيف به إذا  فعل الأذية بنفسه ؟!

( ومن الفوائد )

حرص الإسلام على المقدرات ، فإن المقدرات للناس المياه ، ولذلك في الحديث الآخر الذي أشار ابن حجر إلى تضعيفه وحسنه الألباني رحمه الله : ( اتقوا الملاعن الثلاث ” البَزَاز في الموارد ) يعني في المياه .

وهذا الحديث وإن كانت به علة كما يرى ابن حجر رحمه الله فإن النص السابق كفيل بتحريم التخلي في كل ما فيه مصلحة للناس ، ولا شك أن المياه مصلحة للناس ، وفي الأحاديث الأخرى وضعفها ابن حجر ( على ضفة النهر الجاري ) لأنه محل جلوس الناس ، والصيادين .

( والأشجار المثمرة ) أما إذا لم تكن مثمرة وليس في هذا المكان حاجة للناس للقعود فيه فلا إشكال ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستتر بالشجر .

ولذلك ما يذكره الفقهاء من تحريم التخلي تحت شجر له ظل مثمر يأخذون بهذا الحديث ، وإن كان ضعيفا إلا أن النصوص الشرعية تحرم هذا الفعل .

( ومن الفوائد )

إذا رئي شخص يقضي حاجته في طريق الناس الذي يطرق فهل يلعن ؟

قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اتقوا اللاعنين  )

قال بعض العلماء : اتقوا ما يجلب لعنة الناس ولا يعني أنه يجوز لهم أن يلعنوه ، لأن من تسبب في إيذاء الناس استحق من الله اللعن ، لكن ليس لهؤلاء أن يلعنوه .

وقال بعض العلماء : يلعن ، لأن النص جاء بهذا  ، وجاء عند الطبراني :

( من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه لعنتهم )

يعني استحق اللعنة منهم ، وهذا القول هو الأقرب ، لكن لا يلعن على وجه التعيين ، وإنما يلعن بالوصف فإذا رئي يقال ” لعن الله من قضى حاجته في طرق الناس “

ولذا اختلف العلماء : هل يجوز أن يلعن شخص بعينه ؟

فقال بعض العلماء : يجوز مطلقا .

وبعضهم قال : يجوز في حق الكافر .

والصواب / أنه لا يجوز أن يلعن شخص بعينه ، فلا تقل لشخص لعنك الله ، ولذلك قال عز وجل :

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }آل عمران128، لما لعن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الكفار ، حتى لو كان كافرا فلا يجوز لأحد أن يقول مثلا” لعنة الله على بوش ”  لأنه ربما أن يسلم هذا الرجل ، إلا من ثبت لعنه عن طريق الشرع أو ثبت مآله إلى النار فهنا يجوز ، لو قال ” لعنة الله على أبي جهل ، لعنة الله على أبي لهب ” فجائز .

قال شيخ الإسلام رحمه الله ” الكلام عند البلاغيين ينقسم إلى قسمين ” خبر وإنشاء ” فيقول رحمه الله كما نقل ذلك عنه تلميذه ابن مفلح في الآداب الشرعية ” قال :

” إن اللعن قسيم إثبات أن هذا من أهل الجنة أو أنه من أهل النار ، فكما أنه لا يجوز لك أن تقول إن فلانا من أهل النار إلا بدليل شرعي ، فكذلك لا يجوز لك أن تلعنه “

أما بالنسبة إلى الوصف فلا بأس بذلك ، ولذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين اليهود والنصارى ، قال :

( ألا لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )

ولا ينزلق أحد في معتقد المرجئة ، فنقول هو كافر ونجري عليه الأحكام الشرعية إذا مات على الكفر ، لكن مآله الله أعلم به ، ولذلك ” أصيرم بن عبد الأشهل ” أتى وقاتل ، لو لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قذف في قلبه الإيمان فقاتل من أجل الإنسان ما درى أحد .

( ومن الفوائد )

بيان شمولية الإسلام إذ ما ترك ما قلَّ وما عظم إلا بينه ، وهذا يدل على أن الدين صالح لكل زمان ومكان ، بخلاف مقولة البعض ” الدين تابع لكل زمان ومكان ” هذا خطأ ، فالدين هو الحاكم على أهل ذلك الزمن وعلى أهل ذلك المكان ، فلو أن الناس أخذوا به سادوا ، وأعطيكم مثالا واضحا في عصرنا :

الكفار في الدول الأوروبية لا يطبقون الشرع ولا يؤمنون به ، لكن لما ترى تعاملهم تقول هذا التعامل هو ما أمر به الإسلام ، فلما أخذوا تعاليم الإسلام ظاهرا سادوا ، فدل هذا على أن تعاليم الإسلام صالحة لكل زمان ومكان ، فتخلفنا إنما هو بسبب تقصيرنا وضعفنا في تطبيق الشرع .

( ومن الفوائد )

بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة كل قول يصدر منه صلى الله عليه وسلم ، لما قال ( اتقوا اللاعنين ) سألوا ( وما اللاعنان )

( ومن الفوائد )

أن من حسن الأساليب في بعض الأحيان ألا تعطى المعلومة مباشرة ، وإنما تكون عن طريق السؤال .

وإما عن طريق ذكر المعلومة على وجه الإيهام حتى يسألوا .

( ومن الفوائد )

أنه ذكر هنا ( الطريق ) على وزن فعليل بمعنى  مفعول أي مطروق .

وكلمة ( الطريق ) تذكر وتؤنث ، تقول هذا طريق ، وتقول هذه طريق .