شرح كتاب ( بلوغ المرام )ـ حديث 94
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
{ إِذَا تَغَوَّطَ اَلرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ, وَلَا يَتَحَدَّثَا. فَإِنَّ اَللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ }
رَوَاهُ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ اَلسَّكَنِ, وَابْنُ اَلْقَطَّانِ, وَهُوَ مَعْلُول ٌ
( من الفوائد )
أن ابن حجر رحمه الله قال ” وهو معلول “
وقد صححه ابن السكن وابن القطان كما أشار إلى ذلك رحمه الله .
وهذا الحديث قال الشوكاني رحمه الله ” لا وجه لتضعيفه ” فإنه ثابت ، والألباني رحمه الله فيما مضى كان يعله ثم تراجع رحمه الله .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث استشهد به الفقهاء على كراهية الكلام حال قضاء الحاجة “
فإن قيل بهذا فإنه لا يقتصر في الحكم على الكراهة ، لم ؟
لأنه قال في نهاية الحديث ( فإنه يمقت على ذلك )
والمقت هو ” أشد البغض ”
فلا يبقى على الكراهة بل يتعدى إلى المحرم ، بل يتعدى إلى أن يكون من كبائر الذنوب .
لأن الكبيرة “ هي : ما توعد عليها بحدٍّ في الدنيا أو بعقاب في الآخرة أو غضب أو لعنة أو نار في الآخرة “
والمقت أعظم من اللعن .
ولا شك أن ما ذكره الفقهاء هو الصحيح من أنه يكون مكروها ، ولكن ليس لهذا الحديث ، وإنما لحديث في الصحيحين :
( النبي صلى الله عليه وسلم لما سلَّم عليه رجل فقال إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر )
فيكون الحكم في هذا الحديث /
أن الكلام بين شخصين أو أكثر حال قضاء الحاجة مع حالة عدم الاستتار من كبائر الذنوب .
ففرق بين الكلام حال قضاء الحاجة فيما لو طرق عليه ابنك أو زوجتك وأنت تقضي حاجتك فتكلمت ، نقول هذا مكروه
أما في هذا الحديث يذهب شخصان ولم يتوار كل شخص عن الآخر وجعل يتحدثان ، هذا هو الحكم وهو من المحرمات بل من كبائر الذنوب .
( ومن الفوائد )
قوله ( إذا تغوط الرجلان )
” الغائط “ في اللغة هو المكان المنخفض من الأرض ، لأن من أراد أن يقضي حاجته أتى إليه فيتوارى به عن عيون الآخرين ، فنقل اسم هذا الموضع إلى الخارج من فضلة الإنسان تنزها عن ذكر ما يستقبح ، ولذلك لم يذكر الله عز وجل الجماع صراحة { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }البقرة187{ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ }النساء 21 .
والبلاغيون يسمونه ” استعارة “ وهو نوع من أنواع المجاز عندهم ، ولكن الصحيح أنه ليس هناك مجاز لا في القرآن ولا في السنة ولا في اللغة ، وقد ذكر هذا المحققون كشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وكذلك الشنقيطي في أضواء البيان رحمهم الله .
( ومن الفوائد )
أن قوله : ( إذا تغوط الرجلان )
قيد أغلبي ، فلو خرج ثلاثة أو أربعة أو أكثر فالحكم هو هو ، لو خرجت امرأتان أو ثلاث أو أربع أو خمس فالحكم هو هو ، ويسميه بعض العلماء ” مفهوم اللقب ” وهو غير معتبر شرعا ، فالمفهوم معتبر في الشريعة ، قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا زكاة في المعلوفة )
يفهم منه أن غير المعلوفة فيها الزكاة .
لكن مفهوم اللقب غير معتبر شرعا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشرك الخفي :
( أن يزين الرجل صلاته لنظر رجل إليه )
لو زيَّن صلاته من أجل نظر امرأته ، فالحكم هو هو .
بل إن اعتباره في بعض الأحيان قد يكون كفرا ، مثل :
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ }الفتح29
لو قال إن غيره ليس برسول ، فهذا كفر .
( ومن الفوائد )
وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة وأن كشفها من المحرمات ، ولا يفعل ذلك إلا من كان عنده نقص في العقل ، لأن نقصه في دينه واضح لأن الدين يأمر بالتستر ، لكن لو لم يأت الشرع بالتستر لكن مقتضى العقل والمروءة أن يتستر .
ولذلك ما يلبسه بعض الشباب من ملابس تظهر شيئا من عورتهم ، هذا لا شك أنه مخالف للشرع ومخالف للفطرة ومخالف للعقل .
( ومن الفوائد )
لو كشف عورته في بيت الخلاء ولا ينظر أحد إليه وليس ثمت حاجة ؟
قد نص الفقهاء على كراهية هذا الأمر ، والبعض يرى التحريم ، لأنه كشف للعورة من غير حاجة .
( ومن الفوائد )
لو كان في الصحراء ويأمن ألا ينظر أحد إلى عورته كان جائزا ، وقد بوَّب البخاري على ذلك ، ولذلك :
( كان أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فسقط عليه جراد من ذهب)
( ومن الفوائد )
بيان العلة التي من أجلها حُرِّم هذا الفعل وهو ” مقت الله تعالى “
وبالتالي فإن العلة إما أن تكون منصوصا عليها كما هنا .
وإما أن تكون مستنبطة .