( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه :
{ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى “أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ, أَوْ رَوْثٍ” وَقَالَ: “إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ” }
رَوَاه
اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَه.
( من الفوائد )
أنه يحرم الاستجمار بالعظم والروث “
فأما ” العظم ” فلأنه طعام إخواننا من الجن ، كما جاء عند مسلم :
( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما )
وإما لكونه أملسا ، وإذا كان أملس فإنه لا يطهر المحل .
وأما ” الروث ” إما لأنها علف دواب إخواننا من الجن ، كما عند مسلم :
( وكل بعرة علف لدوابكم )
وإما أن تكون هذه الروثة ” روثة ما لا يؤكل لحمه ” فتكون نجسة .
( ومن الفوائد )
أن العلة إذا ذكر في الحديث تسمى ” بعلة منصوصة ” بمعنى أن الشرع نصَّ عليها ، لأن كلمة ( إن ) من أدوات التعليل ، ولها أشباه ، قال تعالى :
{ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ }
مع أنها ذات عقل ، لكن لماذا وقعت في هذا الشرك ؟
{ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ }النمل43 .
بسبب أنها كانت في بيئة كافرة ، وهذا يدل على خطورة البيئة .
( ومن الفوائد )
أن تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنهما لا يطهران )
دليل لمن قال من العلماء :
إن هذه الأشياء لو استجمر بها فطهرت المحل فلا يحتاج إلى استجمار بأحجار أخرى .
فيقال : الصواب أنه لا يطهر ، ولو تطهر المحل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنهما لا يطهران )
وما نوع عدم التطهير ؟
عام ، لا يمكن أن يطهرا ولو شيئا يسيرا ، فمن باب أولى الشيء الكثير ، للقاعدة الأصولية التي تقول :
[ إن الفعل المنفي يدل على العموم ]
قال هنا ( لا ) نافية ، دخلت على الفعل ( يطهر ) فدل على أن التطهير بجميع أنواعه منفي عن هذين الشيئين .
وهذه قاعدة مفيدة جدا لطالب العلم .
( ومن الفوائد )
بيان شمولية الإسلام فإنه ما ترك شيئا مما يعتري البشر إلا بينه ، حتى في خفايا الأمور وفي دقائقها مما يتعلق بالخلاء .
( ومن الفوائد )
إن في قوله :
( إنهما لا يطهران )
دليل للفقهاء الذين يقولون ” إن النجس ليس بطاهر في نفسه ولا بمطهر لغيره ” لأنه قال:
( إنهما لا يطهران )
باعتبار أن العظم نجس ، وباعتبار أن الروثة نجسة .
( ومن الفوائد )
” حرص الإسلام على طهارة ابن آدم “
وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن ابن آدم عليه أن يكون حريصا على طهارة بدنه ،وأوجب من هذا أن يكون حريصا على طهارة باطنه .
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( إنهما لا يطهران )
مفهومه : أن ما سواهما يطهر ” هذا إذا لم يأت دليل آخر ، ولذا عند أبي داود ، قالت الجن :
( مر أمتك ألا تستنجي بعظم أو روث أو حممة )
يعني ” فحما ”
( فإن الله قد جعل لنا فيها رزقا )
( ومن الفوائد )
لو قال قائل : لماذا قلتم إن ( لا ) نافية ، لماذا لم تكن ناهية ؟
الجواب /
لأنها لم تجزم الفعل الذي بعدها ، فلو كانت (لا ) ناهية ، لقال صلى الله عليه وسلم :
( إنهما لا يطهرا )
فلما قال ( إنهما لا يطهران )
دل على أن ( لا ) نافية ولا تأثير لها على الفعل .
فـ ( يطهران ) فعل مضارع من الأفعال الخمسة ، مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون .