شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 88 ) حديث 104 (علمنا رسول الله في الخلاء أن نقعد على اليسرى …)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 88 ) حديث 104 (علمنا رسول الله في الخلاء أن نقعد على اليسرى …)

مشاهدات: 473

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ حديث 104

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

 وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ:

{ عَلَّمْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اَلْخَلَاءِ: ” أَنَّ نَقْعُدَ عَلَى اَلْيُسْرَى, وَنَنْصِبَ اَلْيُمْنَى” }

رَوَاهُ:  اَلْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيف ٍ 

 

( من الفوائد )

هذا الحديث حكم عليه الأئمة بأن ” إسناده ضعيف ”

لكن الأطباء يستحسنون مثل هذه الجِلسة عند قضاء الحاجة فيقولون إن الاتكاء على الجانب الأيسر يسهل خروج الفضلات ، فيقولون إن هناك مَعْيين غليظين تجتمع فيهما الفضلات يكون أحدكم على شكل حرف ( c   ) والآخر يكون على شكل رقم ( 4 ) فيقولون إذا جلست هذه الجلسة معتمدا على الجانب الأيسر يمتدان ، وبالتالي يسهل خروج الفضلات

أما الفقهاء لما ذكروا هذا الحديث ذكروه وقالوا :

إنه من أجل أن يسهل خروج الفضلات إضافة إلى أن فيه تكريما لليمين إذ ترفع القدم اليمنى ويتكأ على القدم اليسرى

وليعلم أن الفقهاء رحمهما الله قد يأتون بأحكام مبنية على أدلة ضعيفة ، وهؤلاء لهم جهدهم ولا يبخس فضلهم ، فإنهم من علماء الأمة ولهم في هذا فضل كبير إذا استوحوا ما جاء في النصوص الشرعية وفي الآثار مما يكون من أحكام وصنفوها تصانيف وقسموها من حيث الشروط ومن حيث الواجبات ومن حيث الأركان ومن حيث المندوبات فحصروا طالب العلم في أحكام واضحة أمامه ، إضافة إلى أنهم مرَّنوا ذهنه على الاستنباط ، وإن كانوا في بعض المسائل يستدلون عليها بأحاديث ضعيفة ، ولذا تنقم طائفة من أهل الحديث – وهذا النقم وللأسف – ما عُرف إلا في هذا العصر ، ينقمون على الفقهاء ويطعنون فيهم – وفي كلٍّ خير – فلا يمكن أن يتم حديث إلا بفقه ، ولا يمكن أن يتم فقه إلا بحديث ، ولذلك أنصح طالب العلم ” أن تكون له دراية مسبقة بالفقه قبل أن يتخصص في الحديث ، لأن هذا يعطيه مراناً على الاستنباط ، يعطيه قدرة على تنزيل المسائل على الأحاديث  ، ولذا من يرى بعض العلماء ممن اشتغل بالفقه ثم اشتغل بالحديث تجد أن آراءه في الجملة صائبة وليس فيها شذوذ في الحكم ، لو نأتي مثلا إلى شيخنا ابن باز رحمه الله من حفَّاظ ” زاد المستنقع ” ولكن لما دخل في الحديث جمع بين الأمرين ، فكانت آراؤه في محلها ، تأتي مثلا إلى ابن حجر رحمه الله في الفتح ، ما تجد عنده تلك الغلظة ولا تلك الشدة ، وإنما يذكر آراء العلماء ويعتذر لمن أخطأ ، أما أن تأتي طائفة في هذا العصر وتنسف ما قدَّمه الفقهاء من جهد ، فلو أتي لمن في هذا العصر وقيل له استنبط أو صنِّف من خلال الأدلة واجبات الصلاة أو شروط الصلاة أو أركان وواجبات الحج ، كم تحتاج من وقت حتى تجمعها ؟

ثم إذا جمعتها هل أنت حصرتها أم لا ؟

فلما تأتي هذه المسائل مرتبة ، يسهل على طالب العلم أن يفهم العلم ، ولذلك من يدخل في الحديث وقد درس شيئا من الفقه بإذن الله تعالى تأتي أحكامه أحكاما واضحة وبينة من خلال الآية أو الحديث ، فهنا بفضل الله عز وجل ثم بفضل دراسته للفقه يحصل على الخير العظيم ، أما أن يلج من أول الأمر إذا به ينسف هذه الأحكام ، وليس للإنسان القدرة على جمع الروايات ، وأنا أعجب من بعض الأشخاص ممن يعنى بالحديث ، يتكلم عن مسألة ويعنف – هذا رأيك ولا نحجم على أحد – لكن لا تأتي إلى آراء الآخرين وتعيبها ، وليس هذا من أدب طالب العلم ، فيجب أن تعرف لكل شخص قدره وحقه ، سواء كان من أهل الفقه أو التفسير أو الحديث ، فلابد أن تكون منصفا ، ولذلك قد يلج بعضهم في الحديث ولم يقرأ فتح الباري أو لم يقرأ عون المعبود أو تحفة الأحوذي ، أو المنهاج شرح مسلم للنووي ، لما تقرأ لهؤلاء الشراح تعرف أنهم يعرفون لكل شخص قدره  ، تجد شرحا مُعظَما ومُعظِما فيه آراء العلماء ، ولا يسلم أحد من الخطأ ، أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يختصمان ويتجادلان في عزيمة أبي بكر لقتال أهل الردة ، يقول عمر رضي الله عنه ” كيف لك أن تقاتل قوما يقولون لا إله إلا الله ؟ ”

فيقول أبو بكر رضي الله عنه ” إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله ” فقال ” ومن حق لا إله إلا الله ” الزكاة “

من الراوي ؟ الراوي هو ابن عمر رضي الله عنهما وفي بعض الروايات ( وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) ومع ذلك نسي ابن عمر رضي الله عنهما ولم يتفطن أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما لهذه الرواية ، وإلا لو كانت هذه الرواية حاضرة أمامهم لما تنازعوا ، ولو كان ابن عمر رضي الله عنهما ذاكرا لبين ، ولذلك ذكر هذا الكلام ابن حجر رحمه الله ” قال لا يسلم أحد من الوهم والنسيان “

ولابد أن تكون مقلدا لغيرك حتى في الحديث ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله ” لن يسلم إمام من الأئمة من التقليد “

الألباني رحمه الله لما خرَّج أحاديث الكلم الطيب ” لشيخ الإسلام ، فيه أحاديث واضحة الضعف ، فيقول الألباني رحمه الله ” عذره أنه قلَِّد غيره ” لأنه لا يمكن أن يسلم أحد من التقليد .

أردت بهذا الكلام أن أنبه إلى خطورة الأمر ، فلا تأت إلى هؤلاء وتنسف جهدهم ، ففي كل خير ، والموفق هو من أنصف في الحكم على الآخرين ، لأن من ينصف عنده تواضع ، لكن من يرى أن فلان يطاح بقوله ، وأن قوله باطل ولا يعتد به ، فلا أبرئ من يقول هذا القول من الكبر ، لأنك لما تحكم آراء الآخرين ترى أن قولك هو القول السليم ، عمر رضي الله عنه الملهم المحدَّث يفتي في المسألة ” الحمارية في الفرائض ” على أنه يحرم الأخوة الأشقاء من الميراث ويعطي الأخوة من الأم ، أتاه الأخ الشقيق وقال ” هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة ؟ “

فرجع عمر رضي الله عنه وشرَّكهم ، فلما أتاه رجل وقال إنك قضيت في السنة الماضية بكذا ، فقال عمر ذلك على ما قضينا وهذا على ما قضيناه “

ولذا أخذ العلماء قاعدة من هذا الأثر :

[ أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ]

فربما أنني أجتهد في حكم وأقول بالوجوب ، ثم إذا بي بعد فترة أقول بالاستحباب ، لا آتي إلى الشخص الذي قلت له إنه واجب قد تغيَّر رأي ، لم ؟

لأنه ربما يحصل اجتهاد فأنتقل من الاستحباب إلى الوجوب .

( ومن الفوائد )

أن راوي هذا الحديث هو ” سراقة بن مالك “

وهو الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة فساخت يدا فرسه في الرمل ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ” كيف لك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ ” كأن سراقة يتعجب ، رجل مطارد ، شريد !

حتى أتى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ الصحابة كنوز كسرى ، قال يا سراقة البس سواري كسرى “

وهذا الحديث يعطي الإنسان قوة في التفاؤل في أحلك الظروف ، لأنك إذا تفاءلت في أحلك الظروف دل على أنك مؤمن بقضاء الله عز وجل وقدره تمام الإيمان ، وبالتالي يأتيك عون من الله عز وجل .

مثل ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وقد أحيط به من غطفان واليهود وقريش ، وكان يقول للصحابة رضي الله عنهم :

( إني أرى كنوز فارس والروم )

فيقول المنافقون ” أحدنا لا يستطيع يقضي حاجته من الرعب وهذا يقول إني أرى كنوز فارس والروم ؟!

فتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم .