شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 9 ) حديث ( 11 ) (إنها ليست بنجس … )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 9 ) حديث ( 11 ) (إنها ليست بنجس … )

مشاهدات: 444

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس التاسع حديث ( 11 )

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

( عن أبي قتادة رض الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة :

(  إنها ليست بنجس ، إنما هي من الطوافين عليكم ” ) .

أخرجه : الأربعة ، وصححه الترمذي وابن خزيمة .

 

( من الفوائد )

” أن لهذا الحديث سببا “

وهو أن أبا قتادة رضي الله عنه أصغى الإناء للهرة لما أرادت أن تشرب ، فتعجبت امرأة من بيته ، فذكر هذا الحديث .

( ومن الفوائد  )

” بيان أن سؤر الهرة ، يعني ما فضل من طعامها أو شرابها أو ما بقي مما ولغت فيه ، بيان أن ذلك طاهر ”

فإذا لم نكن نعلم أنها أكلت نجاسة ، فإن هذا السؤر بالاتفاق طاهر ، لكن إذا علمنا قبل ولوغها في الإناء أنها أكلت نجاسة ، فهل يكون سؤرها طاهر أم لا ؟

قال بعض العلماء : نعم ، لأن الحديث أطلق .

وقال بعض العلماء : لا ، حتى يمضي عليها زمن يغلب على الظن أن النجاسة قد زالت ، باعتبار أن الحديث نص على سؤرها ، فالحديث دل على طهارة فمها ، أما إذا كان فمها نجسا ، فإن الحكم بالنجاسة على ما في فمها ، لا على فمها ، ولعله الأقرب ، والعلم عند الله .

( ومن الفوائد  )

أن بعض العلماء قال : إن لعاب وفم الهرة طاهر ، أما ما عدا ذلك من الظاهر من بدنها فإنه نجس ، فلو لامست يده الرطبة عضوا من أعضائها الظاهرة ، فإنه يده تتنجس .

والصواب / القول الآخر ، وهو أن فمها ولعابها وأعضاءها الظاهرة طاهرة ، لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بالتطواف ، كما يطوف علين

ا الخدم والولدان ، قال تعالى : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ }النور 58 .

( ومن الفوائد  )

أن العلة المذكورة وهي التطواف ، تدل على أن فضلاتها الأخرى من قيئها وبولها وروثها ودمها يكون نجسا “

إذاً الطهارة تكون للظاهر من بدنها .

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحكم يخصها حال الحياة “

أما إذا ماتت فيه نجسة ، فإذا كانت بهيمة الأنعام التي هي حلال تتنجس بعد الموت ، فالهرة من باب أولى ، لأنه لا يجوز أكلها .

 

( ومن الفوائد  )

أن كلمة ( نجس ) مصدر ، يستوي فيه المؤنث والمذكر ، فلم يقل

( نجسة ) فليست وصفا ، وإنما هو مصدر ، كما يستوي فيه الإفراد والجمع ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }التوبة 28 ، فالمشركون جمع ، ونجس : مصدر

هو في ظاهره أنه مفرد .

( ومن الفوائد  )

أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في رواية عند ابن ماجه ( هي من الطوافين ) بدون ( إنما ) والإتيان بـ ( إنما ) إتيان بها لتأكيد الحكم ، لأن ( إنما ) كما سيأتي معنا إن شاء الله في البلاغة ( من أدوات الحصر ) فهي : [ تفيد إثبات الحكم لما بعدها ، وتنفيه عما سواها ]

فأتي بها لتأكيد هذا الحكم ، حتى لا يرتاب شخص في طهارتها .

( ومن الفوائد  )

أن هناك رواية عند أحمد :

( إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )

وقد جاءت رواية الشك عند ابن ماجه :

( إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات ) فرواية الإمام أحمد تبين أنه لا شك ، وأتت بصيغة الجزم ، فيكون المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما هي من الطوافين ) المقصود ذكور القطط ( والطوافات ) إناث القطط .

 

( ومن الفوائد  )

أن كلمة ( من ) إما أن تكون تبعيضية ، يعني هي بعض من الطوافين عليكم ، أو تكون للجنس ، يعني من جنس ما يطوف عليكم ، وعلى كلا المعنيين تدل كلمة ( من ) على أن هناك طوافين آخرين غير الهرة ، من هم ؟

الخدم ، هذا ما يتعلق بالآدميين ، وما يتعلق بالبهائم : كالحمير ، البغال ، الكلاب المأذون في اتخاذها ككلب الصيد .

النوع الثاني : ما لا يمكن التحرز منه ، مما يعيش في البيوت ، مثل الفأرة ، وكذلك الطيور التي يحرم أكلها مما يطوف علينا تأخذ هذا الحكم ، ولكن أتأخذه من حيث العلة أم من حيث الخِلْقة ؟

المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن هذه الأشياء تأخذها من حيث الخلقة ، قالوا ما كان على خلقة الهرة وما دون فهو من الطوافين علينا ، وأما ما كان أكبر من الهرة في الخلقة فلا يدخل ، مثل الحمار ، لأنه أكبر من حجم الهرة .

والقول الآخر – وهو الصواب – أن العلة هي التطواف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص :

( إنما هي من الطوافين عليكم ) فنص على التطواف ، إذاً ما يطوف علينا مما نألفه أو ما لا يمكن التحرز منه من البهائم والطيور فإن هذا الحكم حكمه ، وهو طهارة سؤره .

ولذلك الصحيح من قولي العلماء : أن آسار السباع طاهرة ، لما ورد عند بن ماجه من طرق متعددة ، وحسنه كثير من العلماء أن الرسول صلى الله عليه وسلم ( سئل عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع ؟ فقال صلى الله عليه وسلم لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر ) يعني ما بقي ( طهور ) .

لكن لو قال قائل : الكلب المأذون باتخاذه أيأخذ هذا الحكم ؟

الصواب / أنه لا يأخذه مع أنه من الطوافين علينا ، لم ؟

لأن الحديث الآخر الذي سبق معنا ، وهو حديث أبي هريرة خصصه .

إذاً / يكون سؤر ما يطوف علينا من الذكور والإناث طاهر ، قياسا على الهرة .

( ومن الفوائد  )

أن العلة قد تكون منصوصا عليها في الدليل ، كما هنا ( إنما هي ) لأن الأصل ( إن ) وهي من أدوات العلة ، دخلت عليها ( ما ) فكفتها عن العمل ، فلما امتزجت بها صارتا أداة حصر ، ومن العلل ما لا ينص الشرع عليها فيستنبطها العلماء ، مثل [ غسل بول الجارية ونضح بول الغلام ] استنبط منه العلماء عللا وحكما .

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحديث دليل للقاعدة الفقهية [ المشقة تجلب التيسير ] فإذا سئلت ما دليل هذه القاعدة ؟ فالأدلة كثيرة ، من بينها هذا الدليل .

( ومن الفوائد  )

” أن الهرة وصفت بأنها من الطوافين ، فجمعت جمع مذكر سالم ، وجمع المذكر السالم للعقلاء ، ومعلوم أن الهرة ليست من العقلاء ، فنزلت منزلة العقلاء باعتبار أنها تطوف علينا كما يطوف علينا العقلاء من بني آدم من الخدم .

( ومن الفوائد  )

وقد اختلف فيها العلماء ، لكنها مهمة جدا ، وهذا يذكرنا بفائدة علم النحو وعلم البلاغة ، وهي : أن كلمة ( ليس ) لنفي الحاضر ، فهي أداة نفي لكنها لا تنفي المستقبل ولا الماضي ، وإنما تنفي الحاضر ، إلا إذا قيدت بالماضي أوالمستقبل ، فقوله صلى الله عليه وسلم ( إنها ليست بنجس ) نفى عنها النجاسة في الحاضر ، لكن يمكن أن تعتريها النجاسة ، فيمكن أن تتلطخ بنجاسة في المستقبل ، أو شربت شيئا نجسا ، أو ما يحل بها من الموت مستقبلا ، فكلمة ( ليس ) عند أهل اللغة ، ومن بينهم البلاغيون ، لنفي الحاضر  ، إلا إذا قيدت بالماضي أو قيدت بالمستقبل .

 

( ومن الفوائد  )

أن هذا الحديث المذكور فيه الهرة ووجودها في البيت ، لا يدل على جواز شرائها ، فإن الكلب المباح اقتناؤه يكون في البيت ولا يجوز بيعه ولا شراؤه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن ثمن الكلب ) كما في الصحيح ، فكذلك الهرة ، فليس هذا الحديث دليلا لجواز شرائها وبيعها ، مع أن كثيرا من الفقهاء يرون أن بيع الهرة جائز ، لأن في اتخاذها في البيوت منفعة مطلقة ، غير مقيدة بحاجة ولا بضرورة ، لكن المشكلة على ما ذهبوا إليه أنه جاء في صحيح مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السِنَّور )

الذي هو الهر ، فهل نقول بجواز بيع القطط وشرائها ؟ على ما ذهبوا إليه باعتبار أن في اتخاذها منفعة مطلقة من غير تقييد بحاجة ولا ضرورة ؟ أو أن نقول إنه لا يجوز لهذا الحديث ؟

الصحيح أنه لايجوز