البلاغة
المجاز
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما يتعلق بعلم البيان :
المجاز :
وعرفوه بأنه :
(( اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة دالة على عدم إرادة المعنى الأصلي ))
فإن كانت القرينة قرينة ” المشابهة “ فهو استعارة
وإن لم تكن فهو ” مجاز مرسل “
هذا ما عُرف به المجاز
والمجاز :
اختلف العلماء في وجوده :
هل هو موجود في اللغة أم غير موجود ؟
قولان :
والصحيح :
أنه ليس هناك في اللغة ما يسمى بالمجاز
وإنما كما ذكر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم :
” أنه من تنوع أساليب العرب “
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى :
أن المجاز لم يكن معروفا في القرون المتقدمة وإنما عرف بعد ذلك
وينبني على وجود المجاز في اللغة من عدمه مسألة أخرى :
وهي أن القرآن نزل بلغة العرب فهل فيه مجاز أو لا ؟
اختلف العلماء في ذلك :
فمنهم من يقول: بوجوده
ومنهم من يقول : بنفيه
والقائلون بنفيه في اللغة من باب أولى أن ينفوه عن القرآن
ونقول تنزلا من أن المجاز موجود في اللغة :
” فلا يجوز أن يكون في القرآن “
لأسباب :
السبب الأول :
أنه لم يكن جاريا على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم ولم يتحدثوا به
ثانيا :
أن المجاز بالإجماع عند من يقول به : يُنفى
يعني : يجوز نفيه
وليس على النافي أي عتب أو حرج
ولو قيل بهذا :
لكان في القرآن ما يجوز نفيه
ولذا سماه ابن القيم بالطاغوت :
لأن أهل البدع اتخذوه ذريعة في نفي صفات الله جل وعلا :
فينفون اليد عنه جل وعلا ويقولون :
المقصود : القدرة أو النعمة
وينفون الاستواء :
فيقولون : هو الاستيلاء
ونزول الرب عز وجل يقولون :
نزول أمره
ولو قال قائل :
ما جاز في اللغة يجوز في القرآن لأنه نزل بهذه اللغة
فيقال : هذا ليس بصحيح
فإن هناك أشياء يجمع عليها أهل اللغة بأنها غير موجودة في القرآن مع أنها موجودة في كلام العرب :
وذلك كقولهم لما في علم البديع المعنوي :
مما يسمى : بالإغراق والغلو
كما مدح الشاعر أحد الملوك :
فقال :
إن السحاب غار منك فجرت دموعه
غار منك لكرمك
وهذا أليس هو الكذب ؟
بلى كذب والقرآن منزه عنه
ذكر الجد في صورة هزل :
وليس موجودا في القرآن
((إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ{13} وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ{14}))
وأيضا :
تجاهل العارف :
أأنت رجل أم طفل ؟
يراد منه المبالغة في ذمه
هذا أيضا ليس موجودا في القرآن ولا يمكن أن يكون موجودا فيه
وأما ما ورد من آيات :
مثل :
((جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ))
((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ))
وهذا كما أسلفنا تنوع في الأسلوب
والمرجح عند المحققين كشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم :
” نفي المجاز في اللغة وفي القرآن “
وقد تحدث عن هذا ابن القيم في :
” الصواعق المرسلة “
وشيخه من قبله في :
” الفتاوى “
وهناك رسالة للشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان وهي مرفقة في إحدى الطبعات في الجزء العاشر واستوفى الحديث عن هذا ، وهو يرى ما يراه شيخ الإسلام وتلميذه
وعنوان رسالته :
[ منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ]
ومن أضرب تنوع الأسلوب عند العرب :
ما يسمى بالسببية :
ـــــــــــــــــــــــــ
كقولك :
رعت الماشية المطرَ
أي : العشب
لم عبر عن العشب بالمطر؟
لأن المطر هو السبب
ما هي القرينة التي دلتنا على ذلك ؟
كلمة ” رعت “
وهذه الأضرب التي سأذكرها تسمى عند من يقول بالمجاز أنه مجاز مرسل علاقته ” السببية “
ومن أضرب تنوع الأسلوب على رأي المحققين :
” المسببية “
ـــــــــــــــــــ
مثل قوله تعالى :
((وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً ))
أي : مطرا يتسبب عنه الرزق
ومن أضرب تنوع الأساليب :
” الكلية ” :
ـــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
((يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ))
أصابعهم أي أناملهم
لماذا عدلنا عن هذا ؟
ما هي القرينة ؟
استحالة دخول الأصبع في الأذن
مثال آخر :
قول القائل :
شربت ماء النهر
أي : بعضه
لأنه يستحيل أن يشرب كل ماء النهر
ومن أضربها :
” الجزئية ” :
ـــــــــــــــــــــــــــ
نشر الملك عيونه :
أي جواسيسه
ويمثلون له أيضا بقوله تعالى :
((فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ))
والتحرير للجسم كله
ومنها :
اللازمية :
ــــــــــــــــــــ
كقولك : طلع الضوء
أي : الشمس
لأن الضوء يوجد عند طلوع الشمس
ومنها :
ــــــــــــ
الملزومية :
ــــــــــــــــــــ
ملأت الشمس المكان
أين المجاز المرسل على قولهم في أي كلمة ؟
في الشمس
والمراد : الضوء
ومن الأضرب :
الآلية :
ـــــــــ
كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام :
{وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }
أين تنوع الأسلوب هنا ؟
لسان
والمراد هنا : الذكر الحسن
لأن آلة الذكر الحسن اللسان
ومن أضربه :
العموم :
ـــــــــــ
قوله تعالى :
(( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ))
والناس هنا :
هو النبي عليه الصلاة والسلام
ومثل قوله تعالى :
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ))
ومنه :
الخصوص :
ـــــــــــــــــــــــ
كأن يطلق الشخص على قبيلة :
مثل :
تميم
ربيعة
ربيعة قبيلة وتميم قبيلة
ومن الأضرب :
اعتبار ما كان في الماضي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
((وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ))
أي : الذين كانوا يتامى
ومنها:
اعتبار ما سيكون في المستقبل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
((إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً ))
هو يعصر عنبا
ومنها :
الحالية :
ــــــــــــــ
كقولك :
فلان جالس في سعادة
يعني : أن حالته سعيدة
ومن الأضرب :
محلية :
ـــــــــــــــ
كقوله تعالى :
{فَلْيَدْعُ نَادِيَه }
النادي في الأصل :
هو المكان الذي يتسامر فيه الأصحاب
وهو هنا سيدعو المكان ؟
أم من في المكان ؟
يعني : فليدع أهل ناديه
وكقوله تعالى :
((يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم))
والقول يكون باللسان
لكن لماذا عدل عن اللسان للأفواه ؟
لأنها محل اللسان .
ومن الأضرب :
المجاورة :
ـــــــــــــ
كأن يقول :
كلمت الجدار :
أين الأسلوب ؟
نقول :
الجدار :
هو الذي حصل فيه تنوع الأسلوب
عند أولئك يقولون :هذا هو المجاز
ما القرينة ؟
لأن الجدار لا يكلم
والمراد : كلمت الجالس بجواره
ومن الأضرب :/
إقامة صيغة مقام أخرى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك كإطلاق المصدر على اسم المفعول :
قال تعالى :
((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))
أين المصدر؟؟
صنع
أطلق على المفعول به أي : مصنوع الله
أو إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول
((لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ))
اسم الفاعل : عاصم
أي : لا معصوم
أو إطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل :
{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }
اسم المفعول : مستورا
أي حجابا ساترا
فإذا كانت العلاقة المشابهة فعند أولئك يقولون :
مجاز مفرد بالاستعارة
وليعلم :
أن الاستعارة ليست إلا تشبيها مختصرا
لكن الاستعارة أبلغ من التشبيه
كقولك :
رأيت أسدا في المعركة
الأصل : شجاعا في المعركة
رأيت شجاعا كالأسد في المعركة هذا هو الأصل
ما الذي حذف ؟
المشبه والأداة ووجه الشبه
فهذا ما يسمى بالاستعارة
لكن ما القرينة هنا ؟
المعركة
ومن ثم :
ــــــــــــــ
فالمشبه هو:
المستعار له
والمشبه به هو:
المستعار منه
من يخرج لي المستعار له والمستعار منه من المثال السابق
رأيت أسدا في المعركة
أين المشبه ؟
شجاع محذوف
أين المشبه به ؟
الأسد
وهو المستعار منه
ولهم تسميات فيها يقولون :
استعارة تصريحية
واستعارة مكنية
نذكرمثالا على التصريحية وضابطها :
ضابطها :
أن يذكر في الكلام المشبه به فقط
قول الشاعر :
فأمرطت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العُناب بالبردِ
فقد استعار اللؤلؤ والنرجس والورد والعناب والبرد لدموعها وعينيها وخديها وأناملها وأسنانها
أما إذا ذكر المشبه فقط وأشير إلى المشبه به بذكر لازمه فهذه هي المكنية
وعندهم بيت من حيث العقيدة فاسد ولتوضحوا لي مكمن الفساد :
يقولون :
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
التمائم
(( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ))
(( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ))
شبه المنية بالسبع بجامع الاغتيال في كل منهما
إذاً :
أين المشبه ؟
المنية
ورمز إلى المشبه به وهو الأظفار
وعندهم تفريعات وعندهم :
الاستعارة العنادية ويعرفونها :
بأنها التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد لتنافيهما ويمثلون على ذلك بقوله تعالى :
((أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ))
أي : ضالا فهديناه
فشبه الضلال بالموت
فيقولون :
لا يمكن اجتماع الموت والضلال في شيء واحد .
على كل حال لا نريد التوسع فيها
وعندهم :
استعارة مطلقة :
ومرشحة
والمجردة
وعلى كل حال :
نحن نقول :
بأن هذه الأشياء من تنوع الأساليب
لكننا أخذنا نُبذا حتى تكون دليلا لنا على معرفة المشبه والمشبه به
ويكاد أن يكون علم البيان قد انتهى
لكن مسألة أخيرة تسمى :
بالكناية
وهي عندنا من تنوع الأسلوب :
والكناية :
هي لفظ أطلق وأريد لازم معناه مع وجود قرينة لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي
كقول :
فلان لا يضع العصا عن عاتقه
كناية عن كثرة سفره على قول
أو ضربه للنساء
أما علم البديع :
فهو علم يعرف به الوجوه والمزايا التي تزيد الكلام حسنا
وهذا هو الضرب الثالث من ضروب البلاغة :
الأول :
علم المعاني وهو ما يكون في القلب
ثم هذه المعاني قد يعبر عن المعنى الواحد منها بأساليب متنوعة
ثم هذه الأساليب كيف نحسنها ؟
فتزداد جملا على جمال
وهي محسنات على نوعين :
محسنات معنوية
ومحسنات لفظية
وهي محل حديثنا في الدرس القادم إن شاء الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ