شرح صحيح البخاري درس ( 1 ) ترجمة ( للإمام البخاري وكتابه الصحيح )

شرح صحيح البخاري درس ( 1 ) ترجمة ( للإمام البخاري وكتابه الصحيح )

مشاهدات: 867

ترجمة للإمام البخاري

وكتابه الصحيح

فضيلة الشيخ  زيد بن مسفر البحري      حفظه الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. 

أما بعد..    

فنشرع بعون من الله عزوجل في شرح صحيح البخاري وأسميته بالشرح المختصر الشامل روايةً ودراية وإنما قلت الشرح المختصر ليس بالمفهوم الذي لدى الناس وإنما هو مختصر بإذن الله لسهولة العبارة ونسأل الله الإعانة على ذلك ولذلك أردفت هذا الوصف بقوله الشامل يعني يشمل ما يتعلق بكل ما ينفع ويفيد الأمة بإذن الله تعالى، رواية ودراية الفرق بين الرواية والدراية الرواية: نقل الحديث وضبط ألفاظه والإتقان في ذلك،أما الدراية: فهو التفقه في الأسانيد فهناك من ينقل ويضبط ويتقن في النقل لكن ليست لديه آلة الحكم على هذه الأحاديث من حيث عللها ومن حيث مراتب صحتها ومن حيث الإطلاع الواسع على الشواهد والمتابعات، ويدخل في الدراية أيضاً ما يتعلق بفقه الأحاديث، مايستفاد من هذه الأحاديث من أحكام فقهية ولغوية وماشابه ذلك. وصحيح البخاري غني عن التعريف وهو مشهور بهذا الإسم  ( صحيح البخاري )  لكن الإسم المعروف عند أهل العلم هو ( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه ) هذا هو العنوان لهذا الكتاب لكن المشهور( صحيح البخاري )، وصاحب هذا الكتاب أيضاً معروف وهذا الكتاب صاحبه – أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي بن بردزبه – وهذا هو الضبط المشهور ضُبط بغير هذا الضبط وجده هذا فارسي ومات على دين الفارسية أما ابنه المغيرة فقد أسلم، أسلم على يد اليمان الجعفي فنُسب إليه ولايةً الجعفي وذلك على مذهب أن من أسلم على يد شخص فإن ولاءه له وأما إبراهيم فلم تُعرف له ترجمة الذي هو بن من؟ المغيرة وهو جد البخاري محمد بن اسماعيل بن إبراهيم، أما أبوه اسماعيل بن إبراهيم فهو عالم من علماء الحديث ولذلك سمع من الإمام مالك ومن حمَاد بن زيد وصَحِب بن المبارك وذكره ابنه في التاريخ أيضاً وقال سمع من مالك وحمَاد بن زيد وصحبا بن المبارك، وأبوه هذا كان يقول   – وكان صاحب تجارة – كان يقول ” لا أعلم في مالي درهماً من حرام ولا شبهة من حرام ” ولذلك خلَف تركةً لابنه محمد فتوفي أبوه والإمام البخاري كان صغيراً آنذاك، فرعته أمه وكان له أخً أكبر منه فقدَّر الله عزوجل على البخاري وهو في صغره أن أصابه العمى كُف بصره فجعلت أمه تدعو كثيراً سبحان الله عظم الإلحاح في الدعاء كُف بصره فرأت أمه ذات ليلة نبي الله ابراهيم الخليل عليه السلام من أنه يبشرها في المنام فيقول ” إن الله رد بصر ابنك عليه لكثرة دعاءك له ” فلما أصبحت إذا ببصره قد عاد إليه. فرحل مع أمه وأخيه إلى مكة فرجع بعد ذلك أخوه وأمه وبقي هوفتعلم من علماء مكة وكان ذهابه إلى مكة يقول بن حجر رحمه الله ” لو تقدم ذهابه والإستفادة من العلماء آنذاك لفاق كثيراً ” ولا شك أنه فاق كثيراً من أقرانه لكنه يريد بذلك أنه يكون أكثر فائدة من غيره. وقد مكث في صحيح البخاري ستة عشرة سنة وكان ابتداء ذلك في مكة ليس في هذه السفرة الأولى، لا وكان يطوف بالبلدان رحمه الله وكان يكتب هذا الصحيح، لكن الإبتداء في مكة ولذلك ظل فيه ست عشرة سنة ولم يظل ست عشرة سنة في مكة حتى يزول الوهم الذي قد يُفهم، فكما سبق ورث من أبيه لكن التجارة لم تصرفه عن العلم لأن العلم لايقارن بشئ ولذلك ذكر بن القيم رحمه الله وجوهاً عظيمة بالمئات تبين فضيلة طالب العلم على طالب المال فتولى هذا المال شخص جعله البخاري عليه و البخاري رحمه الله كان مشغولاً بطلب العلم فقدَّر الله عزوجل أن أصابه دين كبير فقيل له لو كتبت إلى الوالي لتستعين به على سداد دينك فقال ” إني أخشى على ديني من أن يؤتى لو كتبت إليهم” يخشى أن يُستغل من هذه الحيثية وليس كل قرب من الوالي يكون مؤثراً على ديانة الإنسان ليس على وجه الإطلاق، ولذلك الزُهري رحمه الله قد تُحدث فيه ونيل منه بسبب صحبته للسلطان، على كل حال رفض رحمه الله وكان متعففاً وكان قوي الحافظة فكان يرد على مشايخه الذين تلقى منهم وهو ابن عشر سنين يرد عليهم في تصحيح الأسانيد وفي الرجال ولذلك كان معه بعض أقرانه وكان يحضر إلى المشايخ آنذاك وكانوا يكتبون ولا يكتب فرأوا أنه يحضر عبثاً فسألوه ذات يوم وألحُّوا عليه فسرد لهم أكثر مما كتبوه سرد لهم خمسة عشر ألف حديث بإتقان فأصبحوا يصححون ما كتبوا من حفظه وكان يسمع الحديث في بلد بل أحاديث في بلد فلا يكتبها إلا في البلد الآخر من قوة حفظه رحمه الله ولذلك علي بن المديني من أئمة هذا الفن يقول البخاري ” ما جلست عند شيخ إلا استفاد مني أكثر مما استفدت منه “، لكن كان يقول عن بن المديني ” ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند بن المديني ” لكن بن المديني يعرفه فقال لما ذُكر لابن المديني هذا الكلام قال: ” دعوه فإنه يعلم أنه ليس هناك أحد أفضل من نفسه عند نفسه “،  ولذلك لما حضر إلى بغداد قالوا سيحضر إليكم البخاري فقالوا نريد امتحانه، فوكَّلوا عشرة أشخاص وكل شخص معه عشرة أحاديث فقلبوا تلك الأسانيد وجعلوا تلك الأسانيد لمتون ومتوناً جعلوها لأسانيد أخرى، فلما دخل عليه الأول وعرض عليه الأحاديث العشرة كل حديث يقول لا أعرفه لا أعرفه فمن في المجلس استصغروه قالوا من هذا؟ هذا البخاري لا يعرف الأحاديث ! لكن من كان من أهل العلم وقتها عرفوا أنه عرف ما دُبر له، فأتى الثاني والثالث إلى العشرة بعدها لما  فرغوا قال للأول ” أما حديثك الذي ذكرت فإنه بالإسناد التالي ” وذكر السند وذكر الحديث الثاني والثالث ثم أتى إلى الرجل الثاني والثالث. فيقول بن حجر رحمه الله  ” العجب ليس في – وإن كان عجباً ولا شك في ذلك يقول – العجب ليس في رده للأسانيد إلى متونها وإنما العجب من أنه حفظ الخطأ الذي ذكروه وصوَّبه “. ولذلك لما أتى إلى أهل البصرة واجتمعوا عنده – وكان في وقت شبابه – قال: ” إنما أنا شاب وتريدون أن أحدثكم فسأحدثكم بأحاديث عندكم ليست من طريقكم ” فذكر الحديث الأول وقال: ” هذا الحديث عندكم من طريق فلان لكنه ليس عندكم من طريق فلان ” حتى شهد له مشايخه بقوة الحفظ. اسحاق بن راهويه يقول: ” اكتبوا عن البخاري فلو كان في عهد الحسن البصري لاحتاج الناس إليه ” بل إن بعض الأئمة فضَّله على الإمام أحمد في الفقه وفي الحديث مع أن الإمام أحمد من شيوخه، فكان ذا حافظة قوية وهذه منحة من الله ﷻ. حتى إنه كان متعففاً رحمه الله وكان بعيداً عن الدنيا وعن متعها حتى إنه في أيام تجارته لما أتت له تجارة أتاه من أتاه من التجار وقالوا نعطيك فيها خمسة آلاف فقال ” دعوني اتركوني ” فلما أتى اليوم الثاني أتى نفر من التجار وقالوا نعطيك عشرة فرفض وقال ” لا أغير نيتي ” وباعها على التجار مع أن هناك ربحاً أعظم وهو الربح المضَّعف قال لا أغير نيتي وهذا بخلاف ما يفعله بعض الناس لما يبيع له شيئاً من عقار أونحوه يغير نيته ويقول ما كتبت شيئاً ولا عقدت عقداً، بمجرد ما قلت للشخص بعتك وقبلتَ ولو لم يكن هناك حتى عربون فقد لزم البيع إلا إن أقالك في هذه البيعة فالشاهد من هذا أنه كان متعففاً حتى إنه كان قليل الطعام حتى أصيب بمرض، فالأطباء لما كشفوا عليه وهذا المرض أقعده وأتعبه قالوا إنه لا يأتدم يعني أنه يأكل الأكل اليابس من غير إيدام فكان لا يأتدم حتى ألحَّ عليه من ألحَّ عليه من المشايخ ومن العلماء آنذاك بأن يأتدم ولو بسُكَّرَة كان يأكل الخبز مع السكر مع سُكَّرَة لأنه أصيب بهذا المرض نتيجة الجفاف الذي حصل له لأنه كان يأكل ولا يأتدم.                             والبخاري رحمه الله ذهب إلى بلدان شتى فتعلَّم وعلَّم فألف كتابه هذا من ست مائة ألف حديث، وكان يقول: ” ما وضعت حديثاً إلا توضأت وصليت لله إستخارة لهذا الحديث هل أضعه أم لا ” ولذلك ظهر بهذه الجودة وحكم عليه العلماء بأنه أصحُّ الكتب بعد كتاب الله ﷻ وذلك لأنه رحمه الله كان شرطه في اعتبار الرجال كان قوياً كان يشترط أن الراوي الذي عاصرمن روى عنه أن يلتقي به ولو مرة واحدة، لكن الإمام مسلم كان لا يشترط هذا الشرط يكفي المعاصرة، ولذلك بعضهم قال ما تحت أديم السماء أصحُّ من صحيح مسلم لكن يُحمل هذا الكلام على أنه لاينفي أن يكون البخاري مساوياً له هذا من باب التنزُّل ويُحمل وهو الأقرب من أن صحيح مسلم قيل بالصحة باعتبار أنه كان يسرد الأحاديث في الباب سرداً بخلاف البخاري فإنه يكرر الحديث وأحياناً يقتطع منه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الشرح، وإلا  فمسلم أحد طلابه، وكان يقول: “دعني أقبل قدميك ” ويقول” ياطبيب علل الحديث “وكان يثتي عليه بل كان له موقف عجيب في نيسابور لأن البخاري رحمه الله ابتلي ابتلاءات فإنه خولف في بلدته وعُورض ولذلك ذهب إلى نيسابور فتلقاه أهلها من خارج البلد حتى إن شيخه محمد بن يحيى الذهلي قال ” إن محمد بن اسماعيل سيقدم وإني سأستقبله فمن كان منكم مستقبلاً له فليستقبله معي فخرجوا فاستقبلوه وكان من بين طلاب محمد بن يحيى الذهلي الإمام مسلم وأحمد بن سلمة فاجتمع الناس عند البخاري فقال محمد بن يحيى الذهلي ” لا تسألوه عن اللفظ بالقرآن فلربما يأتي بجواب غير الذي عندنا فيتشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ” لكن هناك من حسده فسُئل ذات يوم وهو في مجلس له عن جملة لفظ بالقرآن مخلوق فقال البخاري رحمه الله “القرآن كلام الله منزَّل غيرمخلوق وأفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا ” فشُنع عليه وقيل إنه يقول إن لفظي بالقرآن مخلوق ومعلوم من أن جملة لفظي بالقرآن مخلوق بدعة لأن هذا لم يرد عن السلف بل الجواب القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق. فشيع في ذلك من أنه يقول: ” إن لفظي بالقرآن مخلوق ” فغضب محمد بن يحيى الذهلي وقال: ” من أراد أن يجلس مجلسنا فلا يحضر مجلسه ” فلم يحضر عنده أحد إلا الإمام مسلم وأحمد بن سلمة، حتى إن الإمام مسلم أتى بدابة وجمع كتبه التي أخذها عن محمد بن يحيى الذهلي وأرسلها إليه، فحصلت فتنة بذلك فقيل للبخاري إن هذا الرجل وهو- محمد بن يحيى الذهلي وهوثقة وشيخ للبخاري – إن له حظوة في هذه البلد فحتى لا تعظم الفتنة فلتخرج فخرج، مع أن البخاري من تعففه وإنصافه روى عن محمد بن يحيى الذهلي كما سيأتي لكنه روى عنه لأنه لا يريد أن يذهب العلم هذا من جانب، من جانب آخر لم يصرح بإسمه وإنما كان يقول في بعض المواطن حدثنا محمد وأحياناً يقول حدثنا محمد بن خالد ينسبه إلى جده لماذا لم يصرح بإسمه؟ لماذا لم يترك الرواية عنه؟ من أجل أن يحفظ العلم ولماذا لم يصرح بإسمه؟ خيفةً من أنه لو صرح بإسمه لقيل إنه وثَّقه لما روى عنه وذكر اسمه فيكون ما ذكره محمد بن يحيى الذهلي في البخاري يكون صحيحاً فيما حكم عليه فلهذا الغرض أبهمه، حتى إن البخاري رحمه الله كان يقول لما سُئل قال: ” لقد كذبوا علي، القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق وإنما قلت أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا “حتى إنه رحمه الله بسبب هذه الفتنة ألَّف كتاب خلق أفعال العباد.

البخاري رحمه الله له فقه دقيق ولذلك العبارة المشهورة / فقهه في تراجمه / يترجم لكن بها فقهاً عجيباً ولذلك لم يورد إلا في أندر الندرة أو أنه لم يورد حديثاً بسنده ومتنه مرتين وإنما لما يذكر – انظر إلى الرسوخ في هذا العلم – لما يذكر حديثاً إن ذكره بسنده ذكره بمتنٍ آخر وإن ذكره بمتنه ذكره بسند آخر والعكس وأحياناً يكون فيه التصريح بالسماع لراوٍ ذكره في موطن آخر بالعنعنة يعني بكلمة عن وسيأتي بإذن الله تعالى في ثنايا الشرح ما يدل على هذا. فالشاهد من هذا من أنه ذهب إلى نيسابور وحصلت الفتنة فرجع إلى بلدته بخارى فعلَّم الناس وسمع منه الناس صحيحه فقال الوالي عليها آنذاك وهو نائب للخليفة العباسي قال له لتحضر عندنا وترقق معه في العبارة لتُسمعنا البخاري فقال البخاري: ” لا آتيك العلم لا يأتي وإنما يؤتى إليه فلتحضر في درسنا أو في بيتي حتى أسمعك صحيح البخاري ” فغضب، فأمره أن يخرج من بخارى، انظروا إلى الإبتلاء فخرج رحمه الله ودعا على واليها فما مر زمن إلا طيف بواليها على أتان يعني على أنثى الحمار بأمر من الخليفة العباسي يُطاف به للتشهير به، ثم أودع في السجن حتى مات، وكان من ساعده على البخاري ما من أحد ساعده إلا ابتلي ببلايا ومحن وكان مجاب الدعوة رحمه الله ولذلك يقول: ” دعوت الله مرتين فاستجاب لي فأخشى لو دعوته أن ينقص ذلك من حسناتي ” يعني أنه استُجيب له مرتين في الحال يعني ما دعا بدعوة إلا استجاب الله له في الحال فيقول: ” دعوت الله مرتين فاستجيب لي ” فخرج رحمه الله من بخارى. سمرقند طلبوه أن يأتي إليها فلما توجه إليهم إذا بأهل سمرقند يختلفون فيه منهم من يقول لا يأتي ومنهم من يقول يأتي. سبحان الله لو أقل هذه الإبتلاءات مرت على بعض طلاب العلم لربما ترك العلم لكن هذا الرجل عانى معاناة شديدة ومع ذلك ما فتر من طلب العلم ولا من تعليمه للناس. فجلس عند صاحب له حتى ينظر فالشاهد من هذا استقر أمرهم على ماذا؟ على أنه يدخل في سمرقند سبحان الله لما خرج إليهم وخطا خطوات سقط وأصابه عرق شديد توفي رحمه الله وله من العمر كم؟ وكم أعمارنا؟ وماذا قدمنا؟ وكلٌ يقيس على نفسه، له من العمر اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشريوما، والواحد قد يبلغ الخمسين والستين وهو من العلم خواء وهو من العبادة خواء أو ضعيف ولذلك كان كما يقال يختم في رمضان بالنهار في كل يوم مرة حتى إنه دُعي ذات يومٍ إلى بستان بالنهار فصلى الضحى فلما فرغ من صلاته قال لمن حوله: ” انظر مالذي تحتي؟ ” فإذا بها حشرة قد لسعته لسعات أثرت في جسمه فقيل له لمَ لم تقطع الصلاة؟ قال: ” كنت في سورة فخشيت أن أقطعها ” فكان عابداً ورعاً متعففاً عالماً رحمه الله. وقد سمع منه البخاري كما ذكرالفَربري نسبة إلى بلدة ويصح الفِربري بكسر الفاء وبفتحها، قال سمع منه تسعون ألف نفس سمع منه الكتاب يعني هو قرأ عليهم فسمع منه تسعون ألف نفس لم يبق أحد منهم إلا أنا لكن عورض من أنه بقي غيره، ولذلك العلماء حرصوا على شرحه له شروحات كثيرة جداً وليس له هذا الكتاب فقط لا بل له أكثر من مئة كتاب له التاريخ الكبير و  التاريخ الصغير وله الأدب المفرد وكان يقول: ” ما أحفظ راوياً إلا وأحفظ سنة مولده وسنة وفاته وفي أي موطنٍ كان ” ولذلك شرح هذا الكتاب خلق كثير، شرحه الكرماني وله فوائد في هذا الشرح ولكن عنده أوهام، وشرحه النووي إلى آخر كتاب الإيمان، وشرح جزء منه بن كثير وشرحه بن رجب وسماه فتح الباري ولكن لم يكمله وكان من أحسن الشروحات، وهناك من علَّق على التراجم وهناك من ذكر فوائد المهم خلق كثير تولى الإهتمام بصحيح البخاري والمشهور فتح الباري لابن حجر رحمه الله وهناك كتاب شرح البخاري عمدة القاري للعيني الحنفي لو قرأته وقرأت فتح الباري لقلت إنه في الغالب نسخة واحدة نفس النقولات وهما في عصر واحد والسبب في ذلك أن العيني رحمه الله كان يستعير كتاب فتح الباري من شخص بعلم بن حجر فكان ينقل نقلاً مشابهاً لكن لا يعني أن هذا الكتاب الذي هو للعيني ليس به فوائد لا بل به فوائد وزاد فيها فالشاهد من هذا من أنه عُني بهذا الكتاب عناية كاملة من قبل العلماء ، ومن باب الفائدة لطالب العلم قد تقرأ في هذه الشروحات مثلاً فتح الباري لابن حجر أو للعيني أو لأي شارح تقرأ مثلاً في رواية السَرْخَسي أو السَرَخسي على النطق الآخر في رواية أبي ذر رواية الكشمَهَني بفتح الهاءأو الكُشمَهِني بكسر الهاء أو الكُشمِهِني بجعل الألف ياءً هؤلاء سمعوا صحيح البخاري من البخاري فهي روايات ومفيدة ومهمة وهؤلاء الرواة رووا عنهم طلاب لهم، يعني مثلاً في رواية أبي ذر شيخه الكشمِهني فهذه فائدة لما تمر بالإنسان يعرف أنها من روايات البخاري.

وسيرة البخاري رحمه الله سيرة ما يُكتفى بها في هذه الدقائق التي ذكرت فيها ماذكرت من خصال له ومن صفات لكن من باب أن يطَّلع المسلم وطالب العلم على سيرة هذا الرجل، ولذلك سبحان الله لما اجتهد وصبر في تلك الإبتلاءات عوضه الله عزوجل بأن جعل كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عزوجل ولذلك ترون أن من عادى البخاري في هذا الزمن و لصق به ما لصق به من التهم أو ماشابه ذلك إلا ابتُلي ببلايا وفُضح على الملأ، قال الله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ﴾ كيف وقد تولى حفظ سنة رسول الله ﷺ ولذلك أحد أصحاب الشافعي كان يدرس الفقه فرأى في المنام النبي ﷺ فقال له ﷺ: إلى متى تقرأ في كتب الشافعي ولم تقرأ كتابي؟ فقال: وما كتابك يارسول الله قال: صحيح البخاري. ولذلك يقول البخاري رحمه الله:        ” رأيت النبي ﷺ أني أ ذبُّ عنه بمروحة فسألت أحد المعبرين فقال أنت تذبُّ عن سنة رسول الله ﷺ ” ولذلك شجعته هذه الرؤية مع رؤية أخرى في أن النبي ﷺ ما كان يمشي إلاوخلفه محمد بن اسماعيل ما يضع النبي ﷺ رجله على شئ إلا وضع البخاري رجله في ذلك الموطئ، ولذلك بعض مشايخه كان يقول: ياليت من يكتب في أحاديث النبي ﷺ فيقول شجعني هذا مع تلك الرؤى، وذلك لأن كتابة الأحاديث ما كانت تُكتب لأن النبي ﷺ نهى عن كتابة الأحاديث لأنهم كانوا في عصره ﷺ كانوا يحفظون ويعتمدون على الحفظ وكانت حافظتهم قوية لكن لما مات كثير من الصحابة وتفرق بعض الصحابة في البلدان قال عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن حزم:       ” اكتب حديث رسول الله ﷺ فإني أخاف دروس العلم وذهاب العلماء ” كما ذكره البخاري معلقاً في هذا الكتاب وسيأتي إن شاء الله تعالى ولذلك أول من كتب الحديث هو عمر بن عبد العزيز لما أمر أبا بكر بن حزم ولذلك كانوا في أول الأمر يكتبون باباً بابا وأول من كتب طبقة من بينهم سعيد بن أبي عَروبة يكتبون باباً بابا ثم بعد ذلك كتب الإمام مالم موطأه في المدينة و الثوري كتب في الكوفة والأوزاعي كتب في الشام ثم بعد ذلك أتى من أتى بعدهم فصنف الأحاديث على حسب المسانيد كالإمام أحمد وهناك من صنف على حسب أبواب الفقه كأصحاب السنن وليُعلم أن من روى عن البخاري من أصحاب السنن الترمذي، الترمذي روى عن البخاري واختلف العلماء في النسائي هل روى عنه أو لا؟ وصححوا من أنه لم يرو عنه من أهل السنن إلا الترمذي. فجمعه رحمه الله وعرضه على مشايخه فأقروه إلا أربعة أحاديث وهذه الأربعة من هذه الأحاديث اختلف البخاري معهم ويكون رحمه الله يكون قوله مرجحاً على قولهم ولذلك لا يُطعن في صحيح البخاري لأن مشايخه الأئمة الأثبات أقروا الأحاديث في ذلك وصححوها وحتى صحيح مسلم قال ماكتبت حديثاً إلا وعرضته على أبي زُرعة فإن أقره أثبته وإلا فلا. ولذلك ما تُتبع به البخاري ومسلم من الدارقطني في بعض الأحاديث سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى والحديث عنها. فحُق لهذا الكتاب أن يكون أصح الكتب بعد كتاب الله ﷻ يلي ذلك صحيح مسلم، أما ما قيل من أنه ليس هناك كتاب تحت أديم السماء أصح من موطأ الإمام مالك فهذا قبل أن يكتب البخاري صحيحه ومسلم أيضاً صحيحه وذلك لأن شرط البخاري أعظم حتى من شرط الإمام مالك ولذلك في الموطأ بعض البلاغات وبعض الإنقطاعات فدل هذا على أن أصح الكتب صحيح البخاري ثم صحيح مسلم. وقد رُؤي في البخاري رؤية من أن شخصاً رأى النبي ﷺ فقال ماذا تنظر يارسول الله؟ قال أنتظر محمد بن اسماعيل ، فيقول ما مرت أيام إلا وقد مات محمد بن إسماعيل في الساعة التي رأيت النبي ﷺ فيها في منامي.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ﷺ تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري رحمه الله رحمه الله تعالى آمين، “بسم الله الرحمن الرحيم.” البخاري رحمه الله قال في مقدمة هذا الكتاب: “بسم الله الرحمن الرحيم “ولم يذكر خطبةً فعدم ذكر الخطبة من الحمد والتشهد إما لأنه حمد الله وتشهد في نفسه أو لأن البسملة تتضمن الذكر الذي به الحمد له والتشهد أو لأنه اكتفى بذكر النصوص الموجودة ومنها حديث عمر لأن عمر رضي الله عنه خطب بحديث إنما الأعمال بالنيات فكان ما كتبه رحمه الله كافياً في كون ذكره لهذا الحديث بمثابة الخطبة.

قال رحمه الله باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ وقول الله جل ذكره ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ﴾ ذكر رحمه الله هذه الآية ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ﴾ لأن لها متعلقاً بالباب، الباب ماهو؟ كيف كان بدء الوحي، فكما أن الأنبياء السابقين أتاهم الوحي كذلك أتى النبي ﷺ ولذلك قال: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قدمَّه في الذكر﴿ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ﴾ والآية سبق وأن فسرناها في التفسير وهي واضحة ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ ﴾ وذكر نوحاً باعتبار أنه أول الرسل ﴿ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ﴾ ذكرهم على وجه الإجمال ثم ذكرهم على وجه التفصيل ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ﴾ ثم بعد ذلك أتى بذكر موسى ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا

قال رحمه الله حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة ابن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه ” هذا الحديث كما أخرجه البخاري أخرجه مسلم وأخرجه أصحاب السنن وأخرجه الإمام أحمد لكن لم يخرجه الإمام مالك في موطأه إذاً رواه وأخرجه الأئمة الثقات الأثبات، والبخاري رحمه الله ذكر هذا الحديث وفي ظاهره أنه لا متعلق له في كتاب بدء الوحي  وإنما ذكره من باب أن يذكر نفسه ويذكر من قرأه بتصحيح النية ” إنما الأعمال بالنيات ” .

قال حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبيروبين اسمه عبد الله بن الزبير وهو ممن صحب الشافعي و من أفقه شيوخ مكة الذين أخذ عنهم البخاري رحمه الله و قد صحب بن عيينة وهو الراوي الذي بعده سفيان يعني سفيان بن عيينة صحبه مدة طويلة مما يقرب من تسع عشرة سنة وكان يقول رويت عنه عشرة آلاف حديث، وهذا عبد الله بن الزبير الحميدي منسوب إلى جده الأعلى حميد أو إلى حميدات بطن من بطون القبائل وهو ليس الحميدي الذي جمع الصحيحين لأن من جمع الصحيحين هذا متأخر وهو محمد بن أبي نصر فهو يختلف عن هذا.

قال حدثنا سفيان، سفيان هنا سفيان بن عيينة وأخذ العلم منه الشافعي، الشافعي من طلابه وقد شارك الإمام مالك في كثيرمن شيوخه وهوسفيان بن عيينة الهلالي الثقة ثبْت حافظ متقن رحمه الله. قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وهو حافظ وثقة ولذلك يقول الإمام مالك: ” ماذهب منا أحد إلى العراق إلا تغير في حفظه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري” وكان لا يكتب فأوتي إليه بما كتب من كتب فأنكره لكثرتها فقالوا نعرض عليك فما أجزته أثبتناه فقُرأت عليه تلك الكتب فأجازها كلها وهذا يدل على قوة حفظه رحمه الله.