عمدة الأحكام الدرس الثامن ( كتاب الصلاة – باب صفة صلاة النبي [ 2 ] – بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )

عمدة الأحكام الدرس الثامن ( كتاب الصلاة – باب صفة صلاة النبي [ 2 ] – بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )

مشاهدات: 550

 عمدة الأحكام  ( كتاب الصلاة )

الدرس الثامن والأخير 

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحديث الرابع والأربعون

عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ . كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ : انْتَصَبَ قَائِماً , حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ : مَكَثَ , حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ : قَدْ نَسِيَ ) .

الشرح

من معاني الكلمات :

لا آلُو : أي لا أقصر ولا أتجاوز .

من فوائد هذا الحديث :

حرص الصحابة رضي الله عنهم على أن يطبقوا للناس ما رأوه من النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته .

ومن الفوائد :

استحباب إطالة الركن أعني ركن القيام بعد الرفع من الركوع ، وكذلك يستحب إطالة ركن الجلوس إذا رفع من السجدة الأولى .

 

الحديث الخامس والأربعون

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه  قَالَ : ( مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً . وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الصلاة مع التخفيف .

ومن الفوائد :

أن ما كان عليه الصلاة والسلام من تطويل القراءة في بعض الصلوات هو الإتمام .

الحديث السادس والأربعون

عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ الْبَصْرِيِّ – قَالَ : ( جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا , فَقَالَ : إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ , وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ , أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي , فَقُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ : كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي ؟ فَقَالَ : مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هَذَا , وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ في الركعة الأولى ) . أَرادَ بشيخِهمْ ، أَبا يزيدَ ، عَمرَو بنَ سَلَمَة الجَرْميَّ .

الشرح

 

 

من فوائد هذا الحديث :

تناقل الصحابة رضي الله عنهم ما رأوه من النبي صلى الله عليه وسلم نقلا قولياً ونقلا تطبيقيا .

ومن الفوائد :

أن مالك بن الحويرث قَدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عليه الصلاة والسلام  فرآه يجلس جلسة الاستراحة المذكورة هنا ( وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ) ومن هنا اختلف العلماء هل جلسة الاستراحة مستحبة أم غير مستحبة أو أنها مستحبة إذا احتاج إليها المصلي ؟

ثلاثة أقوال : أقربها وأصوبها أن جلسة الاستراحة سنة متى ما احتاج إليها المصلي وذلك لأن هذه الجلسة ليس فيها ذكر فدل على أنها ليست مقصودة لذاتها وإنما هي مقصودة لغيرها وهي الاستراحة ، ولأنه عليه الصلاة والسلام ما كان يفعلها لما كان في أول حياته نشيطا وإنما فعلها في آخر حياته ولذا ثبت عند مسلم ( أنه عليه الصلاة والسلام صلى سنة وهو قاعد في قيام الليل ) وكان يقول للصحابة رضي الله عنهم كما في السنن ( إني بَدَّنتُ ) أي كبرت ( فلا تسبقوني لا بالركوع ولا بالسجود) والقول الذي يليه في الصواب / أنها سنة مطلقة احتاج إليها المصلي أو لم يحتج إليها ، ولكن الذي يقرب والعلم عند الله هو ما ذكرنا .

الحديث السابع والأربعون

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ  : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ , حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن من لباس النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يستر نصف بدنه الأعلى إذ إن إبطيه يُريان عند سجوده عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

استحباب التفريج بين اليدين ، وذلك بأن يجافي بين يديه ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( اعتدلوا في السجود ) بمعنى أن الإنسان لا يمتد حتى يكون كهيئة المنبطح ولا ينكمش انكماشا ظاهرا بل عليه أن يجافي بين عضديه وأن يرفع بطنه عن فخذيه لأن هذه صفة الشخص النشط الراغب في الصلاة ، لكن الانكماش يدل على أن هناك علامة على عدم الرغبة في هذا السجود أو في هذه الصلاة ، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يشفقون على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة مجافاته .

الحديث الثامن والأربعون

عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : ( سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه : أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ )

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن المفتي له أن يجيب المستفتي إجابة مختصرة ولذا قال أنس ( نعم ) ولذا في الصحيحين لما سألت المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ( إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ) ولا يلزم أن يُفَصِّل ، إلا إذا اقتضى المقام التفصيل في الفتيا فهذا شيء حسن .

ومن الفوائد :

استحباب الصلاة في النعلين ، وهي سنة ينبغي للمسلم أن يحرص عليها لا سيما إذا كنت في الصحراء .

الحديث التاسع والأربعون

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه  : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ , فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا , وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا ).

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن ( أمامة ) هي بنت زينب رضي الله عنها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم جدها ، وأما أبوها فهو أبو العاص بن الربيع المذكور في هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن الأصل في ملابس الطفل ( الطهارة ) فإنه عليه الصلاة والسلام كان يحمل أمامة وهي بنت صغيرة ، وما كان يتقصى هل في ثوبها نجاسة أو ليس في ثوبها ؟ مع أن الأطفال عرضة إلى أن تتنجس ثيابهم ولا يوجد في ذلك العصر هذه ( الحفائظ ) الموجودة .

ومن الفوائد :

أن النجاسة التي في بطن الإنسان لا تأخذ حكم النجاسة إلا إذا خرجت من هذا الموضع لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحمل أمامة وفي بطنها من النجاسة ما فيها .

ومن الفوائد :

بيان لطف النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال ، ولذا لما ركب أحد سبطيه إما الحسن أو الحسين ركب ظهره وهو في صلاة الفرض فأطال السجود عليه الصلاة والسلام فكأن الصحابة رضي الله عنهم استشعروا أمرا غريبا ! فقال عليه الصلاة والسلام : إن ابني هذا قد ارتحلني فأحببت ألا اعجله ،  لما ركب على ظهره الشريف عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن هذه الحركة الحاصلة منه عليه الصلاة والسلام لا تؤثر في الصلاة (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا , وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا)  وهذا يرد على مَنْ قال من العلماء : إن ثلاث حركات في الصلاة يبطلها ، فهذا الحديث يرد هذا القول ، فالحركة المؤثرة في الصلاة التي تبطلها هي الحركة الكثيرة التي هي مستمرة ومتوالية من غير ضرورة ، وذلك أن ترى إنسانا يتحرك حركة كثيرة في الصلاة حيث تقول : أهذا في صلاة أم ليس في صلاة !؟ لكثرة حركته .

الحديث الخمسون

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ : ( اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ )) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

الأمر بالاعتدال في السجود ، وقد أسلفت ذكر الاعتدال ، وذلك بأن يسجد فلا يمتد كهيئة المنبطح ولا ينكمش ، وإنما يرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه وينحي عن مرفقيه ، فهذا هو الاعتدال في السجود ، بَيْنَ – بَيْنَ لا إفراط ولا تفريط .

من الفوائد :

نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراش الرجل ذراعيه افتراش الكلب ، وقد مر معنا ، ( كافتراش السبع ) ، وهل هذا النهي نهي تحريم أم نهي كراهة  ؟

قولان لأهل العلم ، والصواب أنه نهي تحريم لأنه عليه الصلاة والسلام شبهه بافتراش الكلب .

باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

الحديث الحادي والخمسون

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فرد، فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ  فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،  فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ – ثَلاثاً – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي , فَقَالَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ , ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً , ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً , ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً . وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا )

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

وهي فائدة سبق ذكرها : أن الطمأنينة في جميع الأركان ركن من أركان الصلاة لو اختلت هذه الطمأنينة بطلت الصلاة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل (ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) مع أنه لما دخل في الصلاة دخل وهو ينوي الصلاة ، لكن لما لم يأت بالطمأنينة فكأنه ليس بمصلي .

من الفوائد :

أن السلام المتكرر على الشخص وهما في نفس المكان إذا وجد بينه وبين السلام الآخر فاصل لا بأس به ، لأن هذا الرجل كان في المسجد وسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم كلما صلى ، فكان عليه الصلاة والسلام يرد عليه السلام  ، ولذا ما ينكره البعض من المتشددين من أنه إذا سلَّم الإنسان من صلاة النافلة لا يسلم على مَنْ عن يمينه ولا على من عن يساره ، هذا ليس بصحيح ، إذا التقيت بأخيك المسلم فسلِّم عليه والحديث يدل على هذا ، بل إن هذا السلام متكرر ، حتى لو التقيت به ودخلت معه فسلَّمت عليه ثم صليت وصلى فلما انصرفت يسن لي بناء على هذا الحديث أن أسلِّم عليه ولا مانع من هذا .

ومن الفوائد :

أن العالم عليه أن يؤخر الإجابة والبيان عن السائل حتى يشتاق السائل إلى الجواب ، فإذا اشتاق إلى الجواب كانت المعلومة أثبت في ذهنه ، ولذا أمر عليه الصلاة والسلام هذا الرجل أن يعود ثلاث مرات حتى قال هذا الرجل ( وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي )  .

ومن الفوائد :

أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة .

ومن الفوائد :

أن قراءة القرآن في الصلاة أمر محتَّم وواجب ، لقوله ( ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ) ، وهل السورة التي بعد الفاتحة واجبة أم أنها سنة ؟ الصواب : أن السورة التي بعد الفاتحة سنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه ذلك الرجل يشكو معاذا رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام  ( ماذا تقول في صلاتك ؟ قال : أقرأ الفاتحة وأسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار ولا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، فقال عليه الصلاة والسلام : حولها ندندن ) يعني أن تطويلنا لهذه الصلاة من أجل الجنة ومن أجل أن نعاذ من النار .

وبعض الفوائد مرت معنا في بعض الأحاديث فيكتفى بها .

بابُ القراءةِ في الصَّلاةِ

الحديث الثاني والخمسون

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه،  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ : ( لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ).

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن قوله ( لا صلاة ) هنا نفي ، هل يراد نفي الوجود أم نفي الصحة أم نفي الكمال ؟

قال بعض العلماء : يراد منه نفي الصحة ، فمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته غير صحيحة .

وبعض العلماء يقول : إن النفي هنا نفي للكمال ، فمن لم يقرأها فصلاته صحيحة لكنه ترك الأفضل .

والصواب / أن النفي هنا نفي للصحة ، فإذاً من لم يقرأ بفاتحة الكتاب سواء كان مأموما أو منفردا أو إماما فإن صلاته لا تصح لأن الحديث أطلق فلم يخصص لا مأموما ولا إماما ولا منفردا ، ولكن هل يقرأ في جميع الركعات أم  يكتفى ببعض الركعات ؟

الصواب / أنه لابد من قراءة الفاتحة في كل ركعة ، لكونه عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم قال ( وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا ) وقد وردت رواية أنه عليه الصلاة والسلام أمره ( أن يقرأ بأم الكتاب ) وهل هي ركن في حق المأموم ؟

اختلف العلماء في هذا ، فقال بعضهم : إنها ركن في حق المأموم لا تسقط عن المأموم لا في صلاة سرية ولا جهرية .

وقال بعض العلماء : إن المأموم تسقط عنه صلاة الفاتحة سواء كان مع إمامه في صلاة سرية أو جهرية .

والبعض من العلماء يفصِّل فيقول : إن كان في صلاة سرية فيلزمه أن يقرأ ولا تصح صلاته بدون قراءتها ، وإن كان في صلاة جهرية فقراءة الإمام له قراءة ويتحملها الإمام .

والأقرب في هذا / أن الفاتحة ركن في حقه سواء كانت صلاة سرية أم جهرية ، لأنه ورد في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ فقالوا : نعم ، قال : لا تفعلوا إلا بأم الكتاب ) فتكون أم الكتاب مستثناة من قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الأعراف204 ، ومن ثم لو قرأ الإمام في السورة التي تلي الفاتحة فالمأموم يقرأ الفاتحة ولا يضره مثل هذا ، ولكن هذه السورة تسقط قراءتها إذا أتى المأمومُ إمامَه وهو راكع ، فيكبر تكبيرة الإحرام وهو منتصب ثم يركع وتسقط عنه قراءة الفاتحة ، وما يفعله البعض من أنه إذا أدرك إمامه وهو راكع كبر تكبيرة الإحرام وقرأ دعاء الاستفتاح ثم ركع ، هذا خطأ ، دعاء الاستفتاح سنة فإذا سقطت قراءة الفاتحة فمن باب أولى أن يسقط دعاء الاستفتاح ، فمن حين ما تدرك إمامك وهو راكع تكبر تكبيرة الإحرام ، ويشترط أن تكون قائما ، لأن البعض من الناس يكبر تكبيرة الإحرام وهو منحني حتى يدرك الركوع ، فلو كبر وهو منحني لا تكون فرضا له وإنما تكون نافلة لأنه يشترط في صلاة الفرض أن يؤتى بتكبيرة الإحرام وهو قائم ، وكذلك تسقط قراءة الفاتحة فيما لو شرع المأموم في القراءة ثم ركع الإمام كأن ينتصف المأموم في القراءة ثم ركع الإمام وخشي المأموم أن تفوته الركعة هنا يركع وتسقط عنه قراءة الفاتحة .

ومن الفوائد :

أن القراءة لا تكون قراءة كما أسلفنا إلا بتحريك الشفتين واللسان .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء قال : لا تصح للمصلي قراءة إلا إذا أسمع نَفسَه  ، فإن هذا القول يرده هذا الحديث ، فإن الحديث لم يشترط إلا القراءة ولم يذكر وصفا زائدا على هذه القراءة ، لم يقل لابد أن يسمع صوته .

ومن الفوائد :

أن سورة ( الحمد ) تسمى بفاتحة الكتاب ، وكونها تسمى بهذا الاسم لا يجوز أن يفتتح بها أي أمر من أمور الدين أو الدنيا قراءة ، لأن البعض من الناس إذا أراد أن يفتتح شيئا قرأ الفاتحة أو إذا توفي له شخص قال نقرأ عليه الفاتحة أو ما شابه ذلك ، فعلى المسلم أن يتقيد بما جاء به الشرع .

الحديث الثالث والخمسون

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ , يُطَوِّلُ فِي الأُولَى , وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ , وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَاناً ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى , وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ . وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ , وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن السورة التي تُقرأ بعد الفاتحة يستحب قراءتها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر ، وهل يقرأ في بعض الأحيان بسورة في الركعتين الأخريين ؟

السنة جاءت بهذا كما عند مسلم ، فبعض الأحيان لو زاد على الفاتحة في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة لو زاد عليها بقراءة سورة فالسنة قد جاءت بهذا .

ومن الفوائد :

أن السنة أن يطوِّل الإمام في الركعة الأولى من صلاة الظهر والعصر والصبح ، فقد جاء سبب ذلك كما عند أبي داود ( أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا كنا يظن من أجل أن يدرك الناس الركعة الأولى) .

ومن الفوائد :

أن على الإمام أن يراعي حال المأمومين ، فإذا سمع صوتا وكان في الركوع وأطال من أجل أن يُدرك المأموم الركعة فلا بأس بذلك مراعاة لهم شريطة ألا يشق على المتقدمين فلا نراعي حال المتأخر على حال المتقدم .

ومن الفوائد :

أنه عليه الصلاة والسلام كان يُسْمِع الصحابة رضي الله عنهم كان يسمعهم أحيانا في صلاة الظهر يسمعهم بعض الآيات من أجل أن ينقلوا عنه عليه الصلاة والسلام ما كان يقرأه في الصلاة السرية .

ومن الفوائد :

أن الإسرار بالقراءة في الصلاة السرية والجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية سنة وليست واجبة لأن صلاة الظهر صلاة سرية ومع ذلك كان يجهر أحيانا فدل على أن الأمر يسير في هذا ، فلو أن شخصا صلى المغرب والعشاء دون أن يقرأ بالقراءة فصلاته صحيحة ولو كان متعمدا ، أو جهر بقراءة سورة الفاتحة في صلاتي الظهر أو العصر لا بأس بذلك لكنه ترك الأفضل .

ومن الفوائد :

أن الفاتحة تسمى بـ ( أم الكتاب ) وسميت بهذا الاسم لأن مقاصد القرآن وأصوله موجود كل ذلك في الفاتحة .

الحديث الرابع والخمسون

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه  قَالَ: ( سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

يسن أن تُقرأ هذه السورة في صلاة المغرب ، مع أن السنة في الأصل في صلاة المغرب أن يقرأ بقصار المفصَّل ، لكن لو قرأ بطوال المفصَّل في بعض الأحيان فلا بأس بذلك بل هو السنة والاقتصار على قصار المفصَّل في صلاة المغرب دائما خلاف السنة ، فالأولى أن يكثر من قراءة قصار السور في صلاة المغرب لكن في بعض الأحيان يطيل .

ومن الفوائد :

أن الصحابي إذا تحمَّل الحديث من النبي عليه الصلاة والسلام حال كفره ثم أسلم فنقل ما رآه أو سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم حال كفره فإنه هذا النقل مقبول بعد إسلامه ، فجبير رضي الله عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الطور كان وقتها كافرا فلما أسلم نقل فقبلت روايته ، أما إذا لم يسلم فلا تقبل له رواية .

الحديث الخامس والخمسون

عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  كَانَ فِي سَفَرٍ , فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ , فَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن السنة كما جاء الحديث بذلك في سنن النسائي ، أن السنة أن يقرأ في صلاة العشاء بأوساط المفصَّل ، ولو قرأ بقصار المفصل كما فعل عليه الصلاة والسلام هنا فهذا هو السنة ، لكن الأصل أن يقرأ بأوساط المفصَّل .

والمفصَّل ( من سورة ق إلى سورة الناس )

طوالـه  ( من سورة ق إلى سورة عمَّ    )

وأوساطه ( يبدأ من عمَّ  إلى سورة الضحى )

وقصاره ( يبدأ من الضحى إلى سورة الناس   ) .

ومن الفوائد :

أن قوله ( فصلى العشاء الآخرة ) يدل على أن صلاة المغرب يطلق عليها اسم العشاء ، ولذا يمكن في وقت الجمع أن تقول : جمعت بين العشاءين ، والمقصود من ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء .

ومن الفوائد :

أن من السنة أن يقرأ الإمام سورة كاملة في الركعة .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حُسن الصوت ، ولذا يستحب للإمام أن يحسن صوته وأن يسعى إلى ذلك وليحذر كل الحذر من مداخل الشيطان أن يأتيه ويقول إنك تحسن صوتك من أجل مراءاة الناس أو من أجل أن يجتمع عليك الناس فلا يلتفت إلى هذه المداخل .

الحديث السادس والخمسون

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ , فَيَخْتِمُ بـ ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ” فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ : سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ صَنَعَ ذَلِكَ ؟ فَسَأَلُوهُ . فَقَالَ : لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ , فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  : أَخْبِرُوهُ : أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ ) .

الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن قراءة سورتين في ركعة لا بأس به كما كان يفعل هذا الصحابي رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

أن تكرار السورة الواحدة في كل ركعة لا بأس به شريطة ألا يظن ألا غيرها لا يجزئ ، فإن قرأ وكرر معتقدا أن ما عداها يكون مجزئا فلا بأس بذلك .

ومن الفوائد :

أن على المسلم إذا استشكل أمرا ولا سيما من الولاة ، لأن هذا الصحابي والٍ على سرية ، أنه إذا استشكل أمرا صدر من الولاة فعليه أن يسألهم وألا يبادر بالإنكار ، فإنهم أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام يستفهمون منه .

ومن الفوائد :

أن الله عز وجل يُحِب ويُحَب ، خلافا لمن ضل ممن ضل من الفِرَق الضالة فنفوا أن الله عز وجل يُحَب من خلقه ونفوا أن الله عز وجل يُحِب خلقه .

ومن الفوائد :

فضل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } الإخلاص ، ولذا في الأحاديث الأخرى ( أنها تعدل ثلث القرآن ) .

ومن الفوائد :

بيان أن الاعتناء بتوحيد الأسماء والصفات وتأمل الإنسان لصفات الله عز وجل من أعظم القرب التي تقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى ، فلا يغفل طالب العلم عن أن يتعلم توحيد الأسماء والصفات .

الحديث السابع والخمسون

 

عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ لِمُعَاذٍ : ( فَلَوْلا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى , وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا , وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى ؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ ).

الشرح

 

 

من فوائد هذا الحديث :

استحباب قراءة هذه السور في صلاة العشاء ، وهي من أوساط المفصَّل ، وقد مر معنا هذا الحديث فيكتفى بالفوائد السابقة في ذلك الحديث .

بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحديث الثامن والخمسون

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بِ ” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” ) .
وَفِي رِوَايَةٍ : (( صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ))
وَلِمُسْلِمٍ : (( صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ( وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِ ” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “, لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلا فِي آخِرِهَا ) .
الشرح

من فوائد هذا الحديث :

أن ذكر أبي بكر وعمر وعثمان في هذا المقام من باب تثبيت الحكم وتقويته لأن هؤلاء كانوا ألصق من غيرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الفوائد :

أن ظاهر هذه الأحاديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن الصواب كما جاءت الأحاديث الأخرى ( انه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) فدل هذا على أن هذه الأحاديث أفادت ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وليست نافية لقراءة بسم الله الرحمن الرحيم .

ولكن لو جُهر ببسم الله الرحمن الرحيم ؟

قال بعض العلماء : إن الجهر بها مخالف للسنة .

وقال البعض : هو السنة .

والصواب / أن ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم من السنة ، فلا يجهر بها لكنه لو جُهر بها أحيانا فلا يُثرب عليه .

ومن الفوائد :

بيان أن أنس رضي الله عنه قد عُمِّر بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذ صلى خلف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .

ونكتفي بهذا القدر .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، ونسأله عز وجل أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا.

وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين