عمدة الأحكام ( كتاب الصلاة )
قال المصنف رحمه الله :
وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ( حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَنِ الْعَصْرِ , حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى – صَلاةِ الْعَصْرِ – مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً , أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً ) .
الشرح
هذا الحديث فيه من الفوائد ما في الحديث السابق ويزاد عليه بعض الأشياء :-
من الفوائد :
أن وقت صلاة العصر ينتهي إلى اصفرار الشمس .
من الفوائد :
أن السنة يفسر بعضها بعضا حتى في معنى الكلمة فإن معنى كلمة ( حشا ) هي بمعنى كلمة ( ملأ ) .
ومن الفوائد :
أن دعوة النبي على هؤلاء زيد فيها في هذا الحديث على الحديث السابق ( أن يملأ الله أجوافهم نارا ) فتكون دعوة عليه الصلاة والسلام على هؤلاء بالنار في القلب وفي القبر وفي البيت .
ومن الفوائد :
أن الواجب على المسلم إذا تذكر فائتة من فوائت الصلاة الواجب عليه أن يبادر بها فور تذكرها كما هو صنيع فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق في حديث علي ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام كما سيأتي معنا ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ).
ومن الفوائد :
أن تأخير النبي لصلاة العصر حتى خرج وقتها مع العلم أن الصلاة كما هو معلوم من النصوص الشرعية ، الصلاة لا يجوز أن تؤخر عن وقتها بأي حال من الأحوال وهنا أخرها ، وتأخيره لها عليه الصلاة والسلام محمول على إما على أن صلاة الخوف لم تشرع بعد وإنما شرعت في مستقبل الأمر ، أو وهو توجيه آخر أخذ به بعض العلماء وهو توجيه سديد وله قوة واعتبار : أن تأخير الصلاة عن وقتها لا يجوز بأي حال من الأحوال إلا في حالة واحدة وهي فيما إذا كان أداء الصلاة لا يتمكن العبد من أدائها لا بحضور قلب ولا بفعل جوارح بمعنى أنه لو صلاها لا يدري عن حاله هل هو صلاة أم لا ؟ لعظم الموقف ، وهناك قول آخر يقول : الأمر يبقى على ما هو عليه ولا يجوز أن تؤخر الصلاة بأي حال من الأحوال تمكَّن من أدائها بحضور قلب وفعل جوارح أو لم يكن ذلك ، وهذا يسري على بقية الأعذار التي يعذر بها الإنسان فيما لو كان الإنسان مثلا يدافع الأخبثين مدافعة شديدة والصلاة سيخرج وقتها هل يصلي قبل خروج الوقت أم أنه يؤخر الصلاة إلى ما بعد خروج الوقت حتى يؤديها باطمئنان .
وكذلك لو قدم إليه طعام لو اشتغل بالصلاة ما حضر له قلب البتة فهذا يسري على الخلاف السابق .
ومما يؤيد هذه الحال وهي حالة ما إذا لم يتمكن المسلم من أداء الصلاة بأي حال من الأحوال مما يؤيد التأخير ( أن الصحابة رضي الله عنهم لما أرادوا أن يفتحوا مدينة تسمى [ تُستُر ] أعياهم الأعداء فلم يتمكنوا من صلاة الفجر إلا عند الضحى ) .
الحديث السادس
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( أَعْتَمَ النَّبِيُّ بِالْعِشَاءِ . فَخَرَجَ عُمَرُ , فَقَالَ : الصَّلاةُ , يَا رَسُولَ اللَّهِ . رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ . فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ : لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي – أَوْ عَلَى النَّاسِ – لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ ) .
الشرح
معاني الكلمات :
أعتم : أي دخل في العتمة ، كما لو قلت أحرم فلان أي دخل في الإحرام .
من فوائد هذا الحديث ما يلي :-
أن التعبير عن صلاة العشاء بالعتمة مما جاء في بعض الأحاديث، ولكن كما أسلفنا يجب ألا يهجر الاسم الشرعي المُطَّرد ، ما هو الاسم الشرعي ؟ هو ( صلاة العشاء ) .
ومن الفوائد :
بيان مكانة عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يتحدث إلا هو .
ومن الفوائد :
أن حديث ( جنبوا مساجدكم الصبيان والمجانين ) حديث لا يصح ويرده ما ذكر هنا وهو شهود الصبيان لصلاة الجماعة في المسجد مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن الأفضل في صلاة العشاء أن تؤدى في آخر وقت صلاة العشاء وهذا هو الصواب خلافا لمن قال :إن أداءها في أول وقتها هو الأفضل ، ولكن الصواب ما ذكرنا وهو أفضلية تأخير صلاة العشاء إلى الثلث من الليل ما لم تكن هناك مشقة وما لم يترتب على هذا التأخير ترك صلاة الجماعة فلو قال قائل : سأترك صلاة الجماعة حتى أنال فضل تأخير صلاة العشاء وأصلي منفردا فماذا يقال لهذا ؟ يقول له : لقد قدمت السنة على الواجب ، فيكون التأخير له فضل فيما لو اجتمعت جماعة في حي من الأحياء وتوافقوا على أن يؤخروها ويؤدوها جماعة في آخر وقت صلاة العشاء ، وكذلك يسري الحكم على النساء اللواتي في البيوت فإن الأفضل لهن أن يؤخرن صلاة العشاء .
ومن الفوائد :
بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فعلل صلى الله عليه سلم ترك تأخير صلاة العشاء بسبب المشقة التي قد تنال الأمة أو تنال بعضها ومما يؤكد شفقته ما مر معنا في حديث جابر إذ قال ( وَالْعِشَاءَ أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ . وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ )
ومن الفوائد :
بيان ما كان عليه الرواة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سلف هذه الأمة، فإنهم إذا شَكَّوا في الحديث أتوا بكلمة ( أو ) كما ذكر هنا (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي – أَوْ عَلَى النَّاسِ ) وكما في الحديث السابق ( أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً ) .
الحديث السابع
عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ : إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ , وَحَضَرَ الْعَشَاءُ , فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ ) .
الحديث الثامن
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ .
الحديث التاسع
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( يقُولُ : ( لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ , وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ) .
الشرح
من فوائد هذا الحديث ما يلي :-
أن الظاهر من الأحاديث ومن بينها هذا الحديث أن الظاهر منها أن الإقامة تُسمع خارج المسجد بل ثبت عن ابن عمر ( أنه يسمع الإمام يقرأ والطعام يقدم إليه فيقدم الطعام ) وهذا يدفع قول من يقول بأن الإقامة بالمُكَبِّر وأن إعلام الصلاة بالمكبر وان قراءة الإمام في الصلاة في المكبر من البدع هذا يدفع قوله لأن بعض العلماء يقول : الصلاة والاقامة لا تعلنان وإنما تكون داخل المسجد، لكن من ظاهر هذه النصوص التسامح في هذا الأمر ولا يصل إلى الابتداع .
ومن الفوائد :
أن من أعذار ترك صلاة الجماعة حضور الطعام الذي يشتهيه المصلي والعلة في التسامح في هذا الأمر حتى لا ينشغل ذهن وتفكير المصلي بالطعام كل ذلك من أجل أن يدخل العبد في صلاته وهو مستحضر لها حتى ينتفع بها قال تعالى { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } العنكبوت45 ،فإذا لم يحضر القلب فيها ما أفادت ابن آدم ولا منعته في الغالب من الوقوع في الذنب .
ومن الفوائد :
هل الأمر بتقديم الطعام على الصلاة أمر وجوب أم استحباب ؟
بعض العلماء يرى أنه مستحب ، والبعض الآخر يرى أنه واجب ولو قدَّم الصلاة مع حضور هذا الطعام الذي يشتهيه لو قدَّم الصلاة بطلت صلاته .
والصواب / أنها لا تبطل ، لم ؟ لأن العلة من النهي هو ذهاب الخشوع ومعلوم أن الإنسان قد يصلي الصلاة في بعض الأحيان ولا يستحضر في جزء منها شيئا منها ومع ذلك فصلاته صحيحة والأحاديث في هذا كثيرة من بينها ما جاء في الصحيحين ( أن النبي أخبر بأن الشيطان يأتي ابن آدم حتى يخطر بينه وبين صلاته فيقول اذكر كذا لما لم يكن يذكر فلم يدر كم صلى ) .
ومن الفوائد :
أن العَشاء في عرف السلف ليس هو العَشاء المتعارف عندنا فإن عشاءهم بعد المغرب بينما نحن نرى العَشاء بعد صلاة العِشاء لأنه قال (وَحَضَرَ الْعَشَاءُ , فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ )
ومن الفوائد :
أن إباحة ترك صلاة الجماعة بحضور الطعام يشترط له شروط :-
أولا : ألا تكون عادة متبعة وسنة مطردة يقدم فيه الطعام وقت الصلاة وإنما يحصل هذا في أمور عابرة .
ثانيا : أن يكون مشتهيا لهذا الطعام فإن لم يكن فلا يؤخر حضور صلاة الجماعة ويدل له ما جاء في صحيح مسلم ( أن النبي كان يأكل طعاما فأشعر بالصلاة فترك الطعام وذهب إلى الصلاة ) .
ومن الفوائد :
أن العَشاء المذكور هنا ليس مرادا به التخصيص وإنما هو في كل طعام يقدَّم بين يدي الإنسان وقت حضور الصلاة سواء كانت صلاة ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء أو فجر .
ومن الفوائد :
أن النفي إذا ورد في النص الشرعي يحمل أول ما يُحمل على نفي الوجود فإن لم يحمل على نفي الوجود يحمل على نفي الصحة ، فإن لم يحمل على نفي الصحة فيحمل على نفي الكمال ، فهنا قال ( لا صلاة ) هنا نفي هل هو نفي للوجود ؟ ( لا ) لأن الصلاة فعلت وجدت إذاً / في المرتبة الثانية ننتقل إلى نفي الصحة فإن هذه الصلاة وجدت مع حضور الطعام المشتهى هل ننفي صحة صلاته أم لا ؟ قولان كما أسلفنا فبعض العلماء كشيخ الإسلام يرى أن النفي هنا نفي للصحة فلا تصح هذه الصلاة وهذا هو الأصل ، لكن نختار ويختار غيرنا من العلماء المحققين يختارون أن النفي هنا نفي للكمال إذاً انتقلنا إلى المرتبة الثالثة والأخيرة وهي نفي الكمال ، لم انتقلنا من نفي الصحة إلى نفي الكمال ؟ لأن الأحاديث الأخرى بيَّنت أن ذهاب الخشوع لا ينفي صحة الصلاة ، وهذه قاعدة سر عليها [ إذا أتاك نفي في الشرع أول ما تحمله تحمله على نفي الوجود إذا لم يوجد تنتقل إلى المرتبة الثانية وهي نفي الصحة فإن لم يكن فلتنتقل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة وهي نفي الكمال ] .
ومن الفوائد :
أن قوله ( بحضرة الطعام ) يفهم منه أن هذا الطعام إذا قُدِّم في وقت الصلاة لابد أن يكون شيئا يُطعم ويُتمكن من أكله إذاً لو قُدِّم لإنسان طعام وهناك عذر شرعي كالصيام قُدَّم له قبل صلاة العصر وهو صائم هل هذا سبب لترك صلاة الجماعة ؟ ( لا ) لم ؟ لأن هذا المأكول ليس في حقه طعاما ، وكذلك لو كان هناك عذر حسي ليس شرعيا كما لو كان هذا الطعام شديد الحرارة لا يمكن أن يبرد إلا بعد وقت طويل هل يُعد هذا المُقدَّم طعاما يؤكل عند حضور الصلاة ؟ لا يكون طعاما .
ومن الفوائد:
بيان رحمة الإسلام بالمسلم فإنه راعى حاله في أمر الصلاة حال أكله للطعام وحال إخراجه لهذا الطعام لأن منعَه من الطعام يُشغل ذهنه ويُتعِب نفسه وكذلك الحال فيما لو كان هذا الطعام الذي أكله منذ مدة صار فضلات فلو قدَّم الصلاة على إخراج هذا الطعام ألا يتعبه ويرهقه ؟ بلى ، فهذه رحمة الإسلام بالمسلم وهذا يدل على يسر هذه الشريعة لأنه ليس هناك شيء أعظم في أركان الإسلام بعد الشهادتين من الصلاة ومع ذلك رفق الإسلام بالمسلم .
ومن الفوائد :
أن معنى الأخبثين ( البول والغائط ) وسميا بأخبثين لنتانة وقبح هذين الأمرين ، وهذا يشير إشارة إلى أن البول والغائط نجسان مع ما ورد في الأحاديث الأخرى .
ومن الفوائد :
أن حبس البول والغائط يضر بابن آدم ضررا بيناً فإذا تسامح الشرع في أمر الصلاة فمن باب أولى إذا لم تكن هناك صلاة ومعلوم عند الأطباء خطر حبس البول والغائط على صحة ابن آدم ويؤكَّده هذا الحديث لأنه عبَّر هنا فقال ( يدافعه ) ومعلوم أنك إذا دافعت شخصا ألا تصاب بتعب وجهد وربما ينالك الأذى ؟ بلى ، إذاً كذلك الحال إذا دافعت الأخبثين .
ومن الفوائد :
أن قول الراوي ( سمعت ) ليس كقوله ( قال ) أو ( عن ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كلمة السماع تدل على أن هذا الراوي أخذ هذا الحديث من النبي مباشرة ولم يأخذه من صحابي آخر ولذا اختلف التعبير هنا قال ( عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بينما بعض الأحاديث التي مرت معنا فيها لفظ ( القول ) وهذه لها اعتبار عند المحدثين في مصطلح الحديث .
ومن الفوائد :
أن العلماء أخذوا من هذا الحديث وأمثاله قاعدة وهي [ أن كل ما شوَّش ذهن الإنسان عند حضور الصلاة يكون عذرا في تركها جماعة ]
إذاً لو كان الإنسان حارسا على مكان لو تركه وصلى جماعة لنهب أو سرق هل هو عذر ؟ نعم عذر .
لو أن إنسانا يُمرِّض مريضا عنده ولو تركه لتضرر هذا المريض إذاً هذا عذر لأنه لو صلى انشغل ذهنه بمريضه وهلم جرا مما يشابه ذلك من إذهاب الخشوع في الصلاة .
الحديث العاشر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ( شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ – وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ – أَنَّ النَّبِيَّ ( نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ , وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ ) .
من فوائد هذا الحديث :-
أن الناس في الشهادة ليسوا على درجة واحدة فقد يكون الرجل مرضيا في الشهادة ولكن يكون هناك شخص آخر أرضى منه .
ومن الفوائد:
أن إبهام ابن عباس رضي الله عنهما لهؤلاء الرجال وتصريحه باسم عمر يدل على فضل عمر رضي الله عنه هذا من ناحية ويدل على قوة هذا الحديث إذ إن من بين مَنْ سمعه ونقله عمر رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
أن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم فإن الأحاديث التي يذكرها ابن عباس رضي الله عنهما أغلبها منقولة من الصحابة ولم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ويدل لهذا قوله رضي الله عنه هنا ( شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ – وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ ) ولذا يقول ابن القيم رحمه الله يقول [ إن ابن عباس رضي الله عنهما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مبشارة إلا ما يقرب من عشرين حديثا وأما ماعداها فهي من الصحابة الآخرين ومن الفوائد :
أن وقت صلاة الفجر ينتهي بطلوع الشمس .
ومن الفوائد :
أن التنفل بعد صلاة الصبح محرَّم حتى تطلع الشمس وهذا هو أحد الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فيبدأ النهي من بعد صلاة الفجر سواء صلاها بغلس أو صلاها باصفرار المهم أن الوقت المنهي عن الصلاة فيه يبدأ من بعد فراغه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس .
وبعض العلماء : يرى أن النهي يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، بمعنى أنه إذا أُذِن لصلاة الفجر عند دخول الوقت لا يتنفل أبدا إلا بركعتي الفجر وأما ما عداها فلا ، ويستدلون على ذلك بحديث لفظه ( إذا طلع الفجر فلا صلاة بعده إلا ركعتي الفجر ) وهذا الحديث قال بعض العلماء إنه لا يقوى على مزاحمة هذا الحديث الثابت في الصحيحين ومن ثم فإن هذا الحديث يُرد ، وبعض العلماء حمله على محمل حسن وهو أنه لا يشرع للعبد ولا يسن له أن يتنفل بعد طلوع الفجر الثاني يعني بعد أذان الفجر لا يشرع له ولا يستحب له أن يتنفل أكثر من ركعتي الفجر، فإذا طلع الفجر السنة في حقه أن يصلي ركعتي الفجر فقط وهذا هو صنيع النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لو أنه صلى ركعتين أو أربعا أو أكثر بعد أذان الفجر وقبل صلاة الفجر هل يجوز له أو لا يجوز ؟ على القول الآخر يحرم ولكن على ما رجحنا نقول الصلاة صحيحة ولم يفعل شيئا محرما ولكن ترك الأولى ، وما هو الأولى بناء على هذا الحديث ؟ أن يقتصر على ركعتي الفجر .
ومن الفوائد :
أن النهي هنا عن الصلاة بعد الصبح قد خُصِّص منه كما ثبت في صحيح مسلم بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم قد خصص منه ركعتا الفجر أعني سنة الفجر لمن لم يصلها قبل صلاة الفجر .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث يحتاج في فهمه أكثر ، يحتاج إلى ما ثبت في صحيح مسلم من أن النهي ممتد إلى أن ترتفع الشمس قَدْر رمح فيكون هناك وقت نهي ثانٍ متعلق بالوقت الأول ، فالوقت الأول من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس ، الوقت الثاني وهو وقت قصير جدا يكون من شروق الشمس إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح ، إذاً لا يحق لإنسان أن يصلي بعد شروق الشمس مباشرة وإنما ينتظر حتى ترتفع الشمس قدر رمح أي قدر رمح بالعين المجردة بمعنى أنها ترتفع قدر رمح فيما يراه الناظر بالعين المجردة ، كم المسافة ؟
قال بعض العلماء : تصل إلى متر ، وبعضهم أوصلها إلى ثلاثة أمتار وبعضهم قد ضبطها بالوقت فقال : بعد شروق الشمس بربع أو ثلث ساعة ، فلو جلست بعد صلاة الفجر تذكر الله عز وجل وأردت أن تصلي ركعتين وجاء وقت الشروق فيما لو كان الشروق مثلا ( الساعة السادسة ) متى تصلي ؟ ( الساعة السادسة والربع ) والأفضل أن تجعلها إلى ( الساعة السادس والثلث ) من باب الاحتياط .
إذاً ما بعد الشروق تنتظر ما يقرب من ثلث ساعة ثم تصلي .
والعلة في النهي في هذا الوقت القصير ما ذكره النبي في صحيح مسلم ( من أن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني شيطان وحينها يسجد لها الكفار )
إذاً / نهينا عن مشابهة الكفار في هذا الأمر من باب أولى أن ندع مشابهتهم في الأمور الأخرى التي يتميزون بها من اللباس ونحوه .
ومن الفوائد :
أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس بناء على ما ذُكر في هذا الحديث ، ولكن هذا الحديث – وهذه فائدة مهمة وهي أن السنة يكمِّل بعضها بعضا ويفسر بعضها بعضا هذا الحديث يحتاج إلى ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي قال ( صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس ) ومن ثم فإن وقت صلاة العصر انتهاءً له وقتان الأول :
( وقت اختياري ) وهو إلى اصفرار الشمس ولا يجوز لأحد لأي عذر من الأعذار أن يؤخر صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس .
( وقت اضطراري ) وهو من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس كما ذكر هنا وكما ذكر في الأحاديث الأخرى .
ما معنى الضروري ؟
معنى الوقت الضروري لو أن كافرا أسلم بعد اصفرار الشمس هل يلزم بصلاة العصر ؟ نعم .
لو أن حائضا طهرت بعد اصفرار الشمس تلزم بصلاة العصر .
لو أن مغمى عليه أو مجنونا أفاق بعد اصفرار الشمس هل يلزم بصلاة العصر ؟ نعم ، هذا هو معنى وقت الضرورة ، فلو أن الإنسان مثلا ما وجد ماء وتكاد الشمس أن تصفر فلا يحق له أن يؤخر صلاة العصر بعد اصفرار الشمس ولو كان يعلم علما يقينيا أنه سيجد الماء قبل غروب الشمس لا يحق له بل عليه أن يتيمم فيصلي صلاة العصر قبل اصفرار الشمس
إذاً / الوقت الضروري هو ما ذكر لكم وما يشابهه من أمثلة، أما الوقت الاختياري فكما ذكر إلى اصفرار الشمس ولا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة العصر إلى بعد الاصفرار لأي عذر من الأعذار .
ومثل حالة الاضطرار لو أن إنسانا جرح جرحا فلو اشتغل بالصلاة قبل اصفرار الشمس لتأثر فلربما هلك فيؤخر صلاة العصر إلى ما بعد اصفرار الشمس من أجل أن يضمد جرحه ، هذا هو معنى الضرورة .
ومن الفوائد :
أن الوقت الثالث من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها / من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
وأما الوقت الرابع / فهو وقتٌ قصير جدا يبدأ من حين ما يبدأ القرص يغيب .
إذاً / عندما من بعد صلاة العصر إلى أن تبدأ الشمس بالمغيب فإذا بدأت في المغيب هذا هو الوقت الرابع المنهي عنه ، وهذا الوقت الرابع المنهي عنه الحكمة منه ما ذكر في الحكمة التي ذكرت عند شروق الشمس قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينها يسجد لها الكفار ) .
والوقت الخامس غير مذكور لكنه مذكور في صحيح مسلم ونذكر هنا حتى تتم الفائدة / وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( حين يقوم قائم الظهيرة ) هو وقت قصير جدا وهو قُبيَّل صلاة الظهر ، متى يقوم قائم الظهيرة ؟
إذا توقفت الشمس عن الحركة في أنظارنا ، فإنها حينما تطلع الشمس من المشرق ترتفع لأنها ستنتقل من المشرق إلى المغرب قبيل الظهر تقف و تكون في كبد السماء فإذا تحركت حركة يسيرة تجاه الغرب حينها زالت الشمس وبدأ وقت صلاة الظهر ، إذاً من حين ما تكون قائمة في كبد السماء ومتوقفة يبدأ وقت النهي فإذا تحركت إيذانا بأنها ستنتقل إلى جهة المغرب هذه الحركة تسمى بالزوال لأنها زالت من المشرق إلى المغرب وهذا الوقت يقدر بعشر دقائق تقريبا ، فقبل وقت صلاة الظهر في أي فصل من الفصول في فصل الشتاء أو فصل الصيف أو الخريف أو الربيع قبل صلاة الظهر بعشر دقائق تقف عن الصلاة .
والعلة من النهي هنا قوله عليه الصلاة والسلام ( فإن جهنم تُسجَّر ) أي توقد ويزاد عليها .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث يدل على أن ما بعد صلاة العصر وقت نهي ، من حين ما تصلي العصر يبدأ وقت النهي وهذا الذي عليه جمهور العلماء ، ورأي آخر يرى : أن التنفل بعد صلاة العصر جائز شريطة أن تكون الشمس ما زالت حية نقية ، فإذا ضعفت في النقاء وضعفت في البياض يبدأ عندهم وقت النهي ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي ركعتين بعد صلاة العصر ) كما جاء عند البخاري وغيره ، وللعلماء في هذا الفعل منه عليه الصلاة والسلام أقوال ولكن أقربها أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إذاً بالنسبة إلى آحاد الأمة فعلى القول الراجح لا صلاة بعد العصر ، لكن فعل النبي خاص به .
إذاً / لو أن صلاة الظهر والعصر جمعتنا جمع تقديم كأن يكون هناك مطر غزير فأرادوا أن يجمعوا بين الظهر والعصر ، صلوا الظهر ثم بعدها مباشرة صلوا العصر هل للإنسان أن يتنفل ؟
لا يتنفل ، لأنه أصبح وقت نهي ، إذاً من حين ما تصلي العصر فلا صلاة .
اللهم إلا أن فقهاء الحنابلة قالوا : لو جمعت صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم فأين راتبة الظهر البعدية ؟ قالوا : يؤديها بعد صلاة العصر فهذه مستثناة لأنها راتبة تابعة لصلاة الظهر .
ومن الفوائد :
أننا ذكرنا العلل في النهي عن الصلاة بعد الشروق وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضيَّف الشمس للغروب يعني حين تميل للغروب ولم نذكر علة الوقتين الآخرين ، فلماذا نهينا عن الصلاة بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس ؟ ولماذا نهينا عن الصلاة بعد صلاة العصر إلى أن تضيف الشمس للغروب ؟
النهي لأن الإنسان ربما لو صلى بعد صلاة الفجر أو صلى بعد صلاة العصر لربما يستمر به الحال في الصلاة إلى أن يقع في مشابهة الكفار حين يسجدون للشمس .
ومن الفوائد :
أن اللغة يوجد فيها اختصار أو يسمونه إيجازا ، ونوع هذا الإيجاز إيجاز حذف لأن هناك شيئا يدل عليه ، ماذا قال في حديث عبد الله بن عباس ؟ ( نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب ) ما الذي يغرب ؟ الشمس ، حذفت هنا إيجازا واختصارا لأن ما قبلها دل عليها .
الحديث الحادي عشر
عن أبي سعيد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ( عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قالَ : ( لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ , وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ ) .
وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ الخطابِ ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ ، وأَبي هريرةَ ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ ، وزيدِ بنِ ثابتٍ ومعاذِ بنِ جبلٍ ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُلَميِّ ، وعائشةَ رضي الله عنهم ، والصَّنابحيِّ ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
الشرح
من الفوائد:
أن الرواة المذكورين هنا لهم أحاديث متعلقة بأحاديث النهي عن التنفل في الأوقات المنهي عنها ، ونحن حينما ذكرنا التي لم تذكر هنا ذكرنا ما ذكر في حديث عمرو بن عبسة .
من الفوائد:
أن النفي المذكور هنا ( لا صلاة بعد الصبح ولا صلاة بعد العصر ) يحمل على أي مرتبة من مراتب النفي ؟
هل هو نفي وجود ؟ يوجد إنسان يصلي بعد العصر ويصلي بعد الفجر ، إذاً لا يحمل على نفي الوجود ، وإنما يحمل على نفي الصحة .
إذاً /من تنفل في الأوقات المنهي عنها فهو آثم ولا تنعقد صلاته يعني أنه ليس في صلاة في حكم الشرع ، كأنه حينما حنى رأسه أو وضع رأسه في الأرض كأنه يتحرك حركات مجردة فكأنه يتمرن أو يتدرب فلم تنعقد صلاته .
وما ذكر في الحديث السابق يذكر بعضه هنا في حديث أبي سعيد .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين