عمدة الأحكام ( كتاب الصلاة )
الدرس السادس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ , أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟ ) .
وجوب متابعة الإمام .
أن مسابقة الإمام حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّب عليها هذا الوعيد الشديد ، وهل تبطل صلاة مَنْ سابق إمامه أو لا تبطل ؟
قولان لأهل العلم :
والصواب / بطلان صلاته .
إمكانية وجود مسخٍ في هذه الأمة ، فيمكن أن يمسخ أناس على صورة حمار كما وقع في بني إسرائيل إذ مسخهم الله عز وجل قردة وخنازير.
أن بعض العلماء قال : إن المسابق للإمام هو شبيه بالحمار فإن الحمار فيه من البلادة ما وافق هذا المسابق إمامه الحمار في بلادته ، إذ إن هذا المسابق لإمامه أيمكن بمسابقته أن ينصرف قبله ؟ الجواب / ( لا ) فدل على أن هناك نوعا من البلادة فيه .
وبعض العلماء يقول : إن هذا وعيد شديد يمكن أن يحصل حسا وليس هو مرتبطا بهذا المعنى الذي ذكره من ذكره من العلماء من بلادة هذا المسابق لإمامه .
أن المسلم منهي عن مشابهة الحيوان ولذلك ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نقرة كنقرة الغراب والتفات كالتفات الثعلب ) فحري بالمسلم ألا يشابه البهائم فإن الله عز وجل ما ذكر الحمار إلا في أبشع السياق قال تعالى { إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } لقمان19، وقال تعالى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة5 .
تحري الرواة فيما ينقلونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى الراوي بحرف ( أو) إيذانا بأن هناك شكاً .
أن اشرف ما في بدن الإنسان رأسه ولذا إن وقع المسخ وقع على هذا العضو الشريف إذا قال ( أن يحول الله رأسه رأس حمار ) .
أن ذكر جملة ( قبل الإمام ) يدل على أن من كان مؤتماً بأي إمام في صلاة نفي أو فرض عليه أن يتقيَّد بمتابعته ولا يلزم أن يكون إماما راتبا .
أن ذكر الرفع هنا لا يعني أن الخفض أو الهبوط أو التسليم قبل الإمام لا يعني أنه لا يدخل ضمن هذا الذنب بل إن هذا مثال، ويسري غيره عليه .
أن التنصيص على الرفع يدل على أن المنهي عنه هو مسابقة الإمام بالأفعال أي بالجوارح بينما لو سابق إمامه بالأقوال فلا بأس بذلك كأن يسبح تسبيحة الركوع قبل إمامه ، ويستثنى من ذلك أمران من الأقوال ( التسليم وتكبيرة الإحرام ) فإن سبق إمامه فكبَّر قبله لم تنعقد صلاته وكذلك الحكم في التسليم لو سبق إمامه فسلَّم قبله عامدا بطلت صلاته .
أن اختلاف المأموم عن إمامه مذموم في الشرع ، ولذا ما شرعت صلاة الجماعة إلا من أجل أن تجتمع القلوب والأبدان على الخير كما أسلفنا ذكر ذلك في تسوية الصفوف .
أن التنصيص على الرفع المقرون بهذا الوعيد يدل على أن هذا الحكم في حق العامد أما من كان ناسيا فسبق إمامه فلا تبطل صلاته ، ولكن ماذا يصنع ؟
اختلف العلماء في هذا ولكن الأقرب أنه لو رفع من الركوع قبل أن يرفع إمامه عليه أن يعود إذا تذكر فيدرك إمامه في الركوع ثم يرفع معه فإن لم يفعل مع تذكره ومع علمه تبطل صلاته لأنه استمر على فعل المحرم لكن إن لم يتمكن ، أراد أن يركع لكن إمامه رفع من الركوع فكذلك الصواب أنه يتابع إمامه ويكون ركوعه صحيحا ورفعه صحيحا ولا حرج عليه في ذلك ، لكن إن كانت له ركعات قد سُبِق بها فليسجد سجود السهو ، فإن كانت صلاته مع الإمام من أول الصلاة فإن الإمام يتحمل هذا السهو .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ . فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ . فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا . وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ . وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا . وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أجمعون ) .
إنما : أداة حصر تثبت الحكم وتقرره .
سمع الله لمن حمده : أي استجاب الله لمن حمده .
حصر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم في متابعة إمامه .
أن الإمام له قدر ومكانة فإذا تُقدِم عليه أو تُؤخر عنه اضمحلت هذه المكانة التي وضعها له الشرع .
أن تحريص النبي صلى الله عليه وسلم على متابعة الإمام في الصلاة تدريب وتمرين للأمة ألا تخالف إمامها الأعظم الذي هو ولي الأمر حتى لو ارتكب ما ارتكب من كبائر الذنوب ما لم يحصل كفر بواح عند للأمة فيه برهان ظاهر كما قال عليه الصلاة والسلام .
أن جملة ( فلا تختلفوا عليه ) تأكيد على التأكيد السابق ، التأكيد السابق أنه حصر المأموم في متابعة إمامه وأكد على ذلك بقول ( فلا تختلفوا عليه ) .
أن التعبير بقوله ( فلا تختلفوا عليه ) يختلف عن التعبير فيما لو قال ( فلا تختلفوا عنه ) فلما قال ( فلا تختلفوا عليه ) دل على أن اختلاف نية المأموم عن الإمام لا تؤثر ، فلو صلى المأموم بنية صلاة الظهر والإمام يصلي بينة صلاة العصر أو أن الإمام يصلي نفلا والمأموم يصلي متابعة له بينة الفرض فلا يؤثر ، ولها أدلة كثيرة ولذا دلَّل على ما ذكرنا أنه ذكر الأفعال هنا ( فإذا رفع ) ( فإذا سجد ) .
أن عدم الاختلاف في قوله ( فلا تختلفوا عليه ) يدل على أن المأموم مع إمامه في حالات متعددة :-
الحالة الأولى : أن يتابعه ، فمن حين ما يركع يركع ومن حين ما يسجد يسجد بعده لأنه أتى بالفاء ( فاركعوا ) ( فاسجدوا ) وهي تفيد الترتيب والتعقيب فتكون حركات المأموم بعد حركات الإمام متأخرا أو مسرعا ؟ عقيَّبه لأن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب ، وهذه المتابعة واجبة.
الحالة الثانية : المسابقة ، وهذه كما أسلفنا حرام وتفصيلها ورد في الحديث السابق .
الحالة الثالثة : الموافقة ، فإن وافق إمامه في الأفعال بمعنى أنه ركع معه وسجد معه فيكره له ولا تبطل صلاته ، فإن وافقه في الأقوال فلا يؤثر ، سبَّح تسيبحة الركوع وسبح مع إمامه ، كما أسلفنا المسابقة في الأقوال لا بأس بها ولا أثر لها إلا في أمرين في التسليم وفي تكبيرة الإحرام ، فكذلك الموافقة لا تؤثر اللهم إلا إذا كانت الموافقة في التسليم فتكون مكروهة ، إن سلَّم معه مباشرة ، لكنه لو سلَّم التسليمة الأولى كما يفعل بعض الوافدين من الجنسية الباكستانية إذا سلَّم الإمام التسليمة الأولى يسلَّم المأموم التسليمة الأولى قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية فهنا لا يُعد مسابقا ولا موافقا لكنه ترك الأولى ، فهو أقل تأثيرا ممن وافق إمامه في التسليم ، وأما الموافقة في تكبيرة الإحرام فحرام ولا تنعقد الصلاة وتكبيرة الإحرام لها مزية ، فلا تنعقد صلاة امرئ إلا إذا كبَّر بعد الإمام فلو بقي من الإمام حرف واحد من التكبير كحرف ( الراء ) ثم كبَّر المأموم فصلاته لم تنعقد وهي أعظم ركن في الصلاة .
الحالة الرابعة : التخلُّف ، فإن تخلف في نفس الركن فلا بأس بذلك لكنه ترك الأولى ، بمعنى أن الإمام كبر تكبيرة الركوع فركع ثم انتظر المأموم واقفا، فالسنة له أن يركع بعد إمامه مباشرة لكنه وقف برهة من الزمن فهذا ترك الأولى ، لكنه لو تخلف عنه بالركن بمعنى أن إمامه رفع قبل أن يركع فهذا حرام عليه ، ركع إمامه وهو ما زال قائما فرفع الإمام من الركوع وهو ما زال قائما فلما رفع إمامه من الركوع ركع هذا تبطل صلاته إن كان متعمدا ، وإن كان ناسيا فماذا يصنع ؟
أصوّب الأقوال وأصحها لو كان ناسيا فذكر فهنا يقال له اركع ثم تابع إمامك في الرفع واستمر وصلاتك صحيحة ما لم يكن عليك ركعات أخرى فيكون عليك سجود السهو ، ولا تكون الركعة فائتة له إلا إذا وصل إمامه إلى الموضع الذي وصل فيه .
مثال / تصور لو أن الإمام رفع من السجود قال ( رب اغفر لي ) رفع المأموم فسها المأموم ، سجد إمامه السجدة الثانية ثم قام إلى الركعة الثانية ثم ركع ثم رفع ثم سجد ورفع وجلس بين السجدتين تذكر المأموم وهو ما زال في هذا الموضع ، هنا لو قلنا تابع إمامك كيف يتابعه ؟ الإمام وصل إلى نفس الموضع ، ماذا نقول له ؟ نقول له تعتبر لك ركعة ملفقة بمعنى أنك تتابع إمامك على ما أنت عليه ثم تأتي بركعة إذا سلَّم إمامك .
وهناك قول آخر يقول : إنْ ترك ركع الركوع فعليه أن يأتي بركعة بعد أن يسلِّم إمامه ، وهذا المشهور من مذهب الحنابلة .
ومن الفوائد :
أن الركوع الذي يتم به إسقاط الواجب اختُلف فيه ، والأقرب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام، بمعنى أن من رآه قال إن هذا في هيئة الركوع ليس في هيئة القيام ، لأن البعض من الناس ينحني انحناء يسيرا ، والسنة له ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام من تسوية الظهر مع الرأس ، لكن البعض من الناس يركع ركوعا أو ينحني انحناء خفيفا هل يعد راكعا أم لا ؟ وكيف نعرف هل هذا راكع أم أنه قائم ؟
نقول : إذا كان إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام فهذا راكع ، كيف ؟ مَنْ رآه قال إنه راكع، فسقط عنه واجب الركوع ، ومن قال ( لا ) هذا هيأته هيئة قائم فإن ركن الركوع لا يكون ساقطا عنه .
[ ونحن نريد أن نأتي بأبرز وأظهر الأقوال وإلا هناك أقوال متعددة ، ولذا لو جلسنا نستفيض في الشرح يمكن نبقى في كل يوم في حديث واحد ] .
ومن الفوائد :
أن معنى ( سمع الله ) يعني استجاب الله ، وإذا استجاب الله عز وجل فمن دلالة اللزوم أنه يسمع كيف يجيبك من لا يسمع ؟ ففيه إثبات صفة السمع لله عز وجل .
ولو قال قائل : لماذا قلتم أن معنى ( سمع الله لمن حمده ) ( استجاب الله لمن حمده ) ؟
نقول : ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في دعائه ( وأعوذ بك من دعوة لا تُسمع ) جاء في رواية أخرى صحيحة تبين هذه قال ( وأعوذ بك من دعوة لا يستجاب لها ) ، ولذا ماذا يقال ؟ ( ربنا لك الحمد ) .
ومن الفوائد :
أن الإتيان بالفاء هنا في قوله ( فقولوا ) يدل على أن هذه الجملة تقال متى ؟ بعد أن يستتم رافعا من الركوع ؟ أو حين ما يرفع ؟
الجواب / حينما يرفع ، لكن إن كان إماما فيختلف كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين ( فإذا رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمع الله لمن حمده فإذا استتم قائما قال : ربنا ولك الحمد ) إذاً الإمام من حين ما يرفع ماذا يقول ؟ ( سمع الله لمن حمده ) والمأموم من حين ما يرفع ماذا يقول ؟ ( ربنا ولك الحمد ) وهذا هو الصحيح من قولي العلماء ، لأن البعض من العلماء يقول : إذا رفع من الركوع يقول المأموم ( سمع الله لمن حمده ) كما يقول الإمام لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والصواب ما ذكرنا لأن حديث ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) عام خصص منه المأموم ، أين التخصيص ؟ هنا ( وإذا قال سمع الله لمن حمده ) الضمير يعود إلى مَنْ؟ إلى الإمام ( فقولوا ربنا ولك الحمد ) الضمير يعود إلى المأموم .
ومن الفوائد :
أن قول ( ربنا و لك الحمد ) واجب من واجبات الصلاة .
ومن الفوائد :
أن قوله ( فقولوا ) يدل على أن الذمة لا تبرأ في أذكار الصلاة وفي أقوالها إلا بالنطق بها ، بمعنى أنه يحرك شفيته ولسانه ، فلو استحضرها بقلبه وقد أغلق فمه لا تصح صلاته ولذا يُرى البعض يكبر تكبيرة الإحرام ولا يحرك شفتيه ولسانه بقراءة الفاتحة يظل صامتا ، لماذا لا تقرأ ؟ يقول : أنا أقرأ لكن في قلبي ، هذا لا ينفع فلابد من القول .
ومن الفوائد :
أن الأولى بالمسلم أن ينوع فيما نوعته السنة فهنا ماذا يقال ؟
( ربنا ولك الحمد )
وفي رواية ( ربنا لك الحمد )
وفي رواية ( اللهم ربنا لك الحمد )
وفي رواية ( اللهم ربنا ولك الحمد )
وفي رواية ( اللهم لك الحمد )
وفي رواية ( لربي الحمد ) فينوع مرة هذا ومرة هذا .
ومن الفوائد :
أن على المأموم إذا صلى إمامه جالسا لعذر أن يصلي وراءه جالسا بقطع النظر عن حال هذا الإمام ، وهذا ما استدل به بعض العلماء على أنه متى ما صلى جالسا يصلي جالسا ، والبعض يرى أن المأموم لا يجلس ، لأن المأموم ليس لديه عذر .
والصواب / أنه إن صلى إمامه من أول أمره جالسا لعذر يصلي جالسا كما سيأتي بيانه في حديث عائشة رضي الله عنها ، وأما إذا كان الإمام صلى قائما في أول أمره ثم أصابته عِلَّة أجلسته فهنا هل يصلي هذا المأموم قائما باعتبار الحالة الأولى أو أنه يصلي جالسا باعتبار حالة إمامه الأخيرة ؟
يصلي على حسب حالة إمامة الأولى قائما ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض صلى بهم أبو بكر رضي الله عنه فلما شعر عليه الصلاة والسلام بنشاط أتى عن يسار أبي بكر وصلى عليه الصلاة والسلام جالسا وأبو بكر والصحابة خلفه يصلون قياما ، هذا هو الأقرب من الأقوال الثلاثة .
ومن الفوائد :
هل يشترط فيما ذكرنا من إباحة صلاة المأموم جالسا إذا صلى إمامه جالسا هل يشترط أن يكون هذا الإمام إماما راتبا أي أنه إذا كان إماما غير راتب فلا يدخل ضمن هذا الحكم بل يصلي قائما على أي حال ؟ بعضهم يشترط ويقول : لابد أن يكون إماما راتبا وأن تكون علته يمكن أن يشفى منها فإذا كانت علته مستمرة ولو كان إماما راتبا صلى وراءه جالسا .
والصواب / أنه يصلى خلفه جالسا سواء كان إماما راتبا أو لم يكن ، سواء رجي زوال علته أم لم ترج لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما خصص وإنما قال ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) هل قال راتب ؟ هل قال يرجى أن تزول علته ؟ لم يذكر شيئا من هذا .
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ , صَلَّى جَالِساً , وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاماً , فَأَشَارَ إلَيْهِمْ : أَنْ اجْلِسُوا لَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا , وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ , وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ ) .
معاني الكلمات :
شاكٍ : يعني مريض .
من فوائد هذا الحديث غير ما ذكر في الحديث السابق :
أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات لنا في التقدير والاحترام لا في المحرمية فإنهن أجنبيات عن الأمة فهن أمهات للصحابة وللأمة باعتبار الاحترام .
ومن الفوائد :
أن المرض عذر من الأعذار التي يترخص بها في ترك صلاة الجماعة لأنها قالت هنا ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ ) ويمكن أن تكون هذه الصلاة نافلة .
ومن الفوائد :
أن المرض عذر في ترك بعض الأركان لأنه عليه الصلاة والسلام ترك ركن القيام بسبب المرض .
ومن الفوائد :
أن جملة ( وهو شاك ٍ ) جملة حاليّة تفيد التقييد ، ما معنى هذا الكلام حتى يستفاد منه في أحاديث أخرى ؟
معناه / أن عائشة رضي الله عنها قيدت هذه الحال التي تخالف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما مضى من صلاته وهو قائم ، فلما ذكرت ( وهو شاكٍ ) قيدت هذه الحالة بأنها حالة عذر .
ومن الفوائد :
أن قولها ( فأشار إليهم ) يدل على بطلان حديث ( الإشارة المفهومة في الصلاة كلام ) إذ لو كانت كما ذكر في هذا الحديث لبطلت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن تنبيه المصلي لمن حوله بإشارة لا تؤثر في الصلاة .
ومن الفوائد :
أن الكلام مُبطل من مبطلات الصلاة لأنه عليه الصلة والسلام في صلاته أشار وما تكلم إلا لمَّا انصرف .
ومن الفوائد :
أن الانصراف في بعض الأحاديث يُذْكر ويراد منه السلام ولذا الحديث الذي في السنن في صلاة التراويح ( من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) معنى هذا الانصراف هو ( السلام ) ليس معناه أن يصرف الإمام ، فيمكن أن يبقى هذا الإمام في المسجد مدة طويلة .
ومن الفوائد :
أن كلمة ( أنْ ) في قوله ( أن اجلسوا ) هنا تفسيرية وقاعدتها [ أنه إذا سبقها فعل يتضمن معنى القول وليس قولا فإنها تفسيرية ] تفسر هذا الفعل ( فأشار إليهم ) ماذا يريد أن يفسر بهذه الإشارة ؟ ( أن اجلسوا ) قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ } النحل36
{ بَعَثْنَا } ما تفسير هذا البعث ؟ { أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ } فـ ( أن ) هنا تفسيرية وهذه قاعدتها .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الأَنْصَارِيِّ ( قَالَ : حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ – وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ – قَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ : لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا , ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ ) .
من فوائد هذا الحديث :
أن جملة ( وهو غير كذوب ) ليست راجعة إلى البراء لأن الصحابي عدل لا يمكن أن يكذب ولا يحتاج إلى تزكية من دونه فإن الله عز وجل زكَّاه وإنما هي تزكية لمن روى عن البراء ، فجملة ( وهو غير كذوب ) ليست راجعة إلى البراء .
ومن الفوائد :
أن السنة في حق المأموم ألا تبدر منه حركة حتى يصل الإمام إلى الركن ولذلك قال ( لم يحن أحد منا ظهره ) ولذا ضبطها بعض العلماء قال : لا تسجد ولا تكبر إلا إذا انقطع صوت الإمام ، هذا إذا كان الإمام متبعا للسنة بمعنى أنه يكبر من حين ما يسجد أما إذا كان الإمام لا يتقيد بالسنة كما يفعله البعض تجد أنه يريد أن يسجد فلا يتكلم بكلمة من كلمات التكبير إلا إذا قرب من السجود وهذا خطأ بل التكبير من حين ما تنزل .
ومن الفوائد :
فضل الصحابة رضي الله عنهم إذا تلقوا من النبي صلى الله عليه وسلم العلم مباشرة فنقلوه إلى الأمة ولذا لبَّوا واستجابوا لأمره كما عند مسلم ( ليليني منكم أولو الأحلام والنُّهى ) .
ومن الفوائد :
هل السنة في حق المصلي أن يرى ما أمامه كأن يكون أمامه جدار أو حائط ؟ أو أن يرى إمامه الذي يصلي به ؟ أو ينظر إلى موضع سجوده؟
ثلاثة أقوال : وأقربها أنه ينظر إلى موضع سجوده كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام لما صلى في الكعبة ، لكن هنا يدل على أن البراء ومن معه ممن هم خلف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ينظرون إلى سجودهم أم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ ينظرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام .
فنقول : الأصل أن ينظر إلى موضع السجود لكن هؤلاء الصحابة ينظرون في بعض الأحيان ممن يلي النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن ينقلوا ما يرونه منه عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
أن السنة للمصلي أن يفتح عينيه وألا يغمضها إذ لو كانوا يغمضون أعينهم لما رأوا انحناء النبي عليه الصلاة والسلام .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا , فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) .
من فوائد هذا الحديث :
أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن تأمين المأموم يكون بُعيّد وعقيب تأمين الإمام لأنه أتى هنا بالفاء قال ( فأمِّنوا ) وهي تفيد الترتيب والتعقيب، فظاهره يقتضي أن الإمام إذا قال ( آمين ) نقول بعده ( آمين ) ولكن هذا الظاهر غير مراد لأن الروايات الأخرى بيّنت أن تأمين المأموم يوافق تأمين الملائكة والملائكة يأمِّنون إذا أمَّن الإمام فإذاً يكون تأمين المأموم مع تأمين إمامه من حين ما ينتهي من قول ( وَلاَ الضَّالِّينَ ) يقول الجميع ( آمين ) الإمام والمأموم ، إذاً / الفاء هنا خرجت عن معناها وتسمى بالفاء التي تفيد الترتيب الذكري لا الزمني كيف ؟
مثل ما يقال : [ إذا ارتحل الأمير فارتحلوا ] .
هل هنا فاء ؟ نعم ، تفيد الترتيب الزمني ، بمعنى أن الإمام إذا ارتحل ومضى نرتحل ؟ أم أن ارتحالنا يكون معه ؟ يكون معه ، فدل على أن الترتيب هنا ليس زمنيا وإنما هو ترتيب ذكري .
ومن الفوائد :
أن قوله ( إذا أمَّن الإمام فأمنوا ) يستفاد منه أن السنة في حق الإمام أن يرفع صوته بالتأمين حتى نسمعه ونؤمِّن معه ، والسنة له أيضا أنه من حين ما يفرغ من قول ( وَلاَ الضَّالِّينَ )يؤمن ويرفع صوته بالتأمين حتى نوافقه .
ومن الفوائد :
أن هناك رواية وردت ( إذا أمَّن القارئ فأمِّنوا ) وهنا هل هذا القارئ هو الإمام أم أنه شخص آخر ؟
فإن كان الإمام بقينا على ما نحن عليه ، وإن كان غير الإمام فهذه الرواية تدل على أن من كان في غير الصلاة فقرأ الفاتحة يؤمِّن .
من الفوائد :
أن التأمين معناه / اللهم استجب ، فدل على أن في الفاتحة دعاء { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } ثم نقول ( آمين ) يعني / اللهم استجب.
ومن الفوائد :
أن مسابقة الإمام في التأمين قبل أن يفرغ من قول { وَلاَ الضَّالِّينَ } كما يصنعه البعض مخالف للسنة وفيه مسابقة للإمام .
ومن الفوائد :
أن التأمين مأمور به ولكن هل هو على سبيل الوجوب أم الاستحباب ؟ يقول العلماء : هو مستحب وليس واجبا ولذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الحديث القدسي كما في صحيح مسلم ، فدل على أنه ليس واجبا وأن التأمين ليس من الفاتحة .
ومن الفوائد :
أن البعض ينقطها بتشديد الميم فيقول ( آمَّين ) وهذا لو كان متعمدا بطلت صلاته لأنه تكلّم في الصلاة ، ( آمَّين ) يعني قاصدين ، إنما النطق السليم ( آمين ) إما أن تنطقها بالقصر ( أمين ) أو أن تنطقها بالمد ( آمين ) .
ومن الفوائد :
شهود الملائكة عليهم السلام لصلاة الجماعة وهذا يدل على فضل صلاة الجماعة .
ومن الفوائد :
تنشيط النبي صلى الله عليه وسلم للنفوس على فعل الخير إذ كان يذكر في بعض الأحيان الثواب المترتب على هذا العمل إذ قال ( فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ : غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ).
ومن الفوائد :
أن مغفرة ما تقدم من الذنوب بقول ( آمين ) يقول العلماء : إن المغفرة هنا للصغائر أما الكبائر فلابد من التوبة منها ، ولكن هب أن هذا الإنسان ليس لديه لا كبائر ولا صغائر فأين يذهب فضل التأمين ؟ يكون له حسنات فإن كان لديه كبائر وليس لديه صغائر أين يذهب التأمين إذا قلنا إن التأمين يكفر الصغائر وهو ليس لديه صغائر وإنما لديه كبائر ؟
قالوا / يرجى أن هذا التأمين يخفف من مغبة وعقوبة هذه الكبائر ، ولذا يقول ابن القيم رحمه الله يقول [ إن السبب الواحد في تكفير الذنب ليس كالسببين وليس كالثلاثة ] ولذا لو قال ( آمين ) غفر له ما تقدم من ذنبه ، إذا صام يوم عرفة يكفر سنتين ، وصام يوم عاشوراء يكفر سنة إلى غير ذلك من هذه الأحاديث ، تصوّر لو أن هذه الأسباب اجتمعت أليست أقوى في تطهير العبد مما لو كان هناك سبب واحد ؟ بلى .
ومن الفوائد :
أن على المسلم ألا يستقل العمل القليل فإن هذا العمل القليل اليسير في الفعل يكون له أجر عظيم كما هو في شأن التأمين ، هل يعجز الإنسان أو يضره أن يقول آمين ؟ ( لا ) .
ومن الفوائد :
أن هؤلاء الملائكة يمكن أن يكون تأمينهم في صلاة ويمكن أن يكون خارج الصلاة ، فإن كان تأمينهم خارج الصلاة فهذا يدل على ما ذكرنا من أن التأمين في غير الصلاة مندوب إليه .
ومن الفوائد :
فضل سورة الفاتحة فإن هذا التأمين ما أتى إلا من أجل الدعاء الوارد في الفاتحة فإذا كان لهذا التأمين هذا الفضل فما ظنكم بسورة الفاتحة ؟ وما ظنكم بركن القيام في الفضل ؟ وما ظنكم بالصلاة كلها ؟ .
ومن الفوائد :
أن قوله ( غُفر له ) أن الغافر هو الله عز وجل وإنما لم يذكر للعلم به ولكن هل يصح أن يقال في حق المخلوق أنه غفر ؟ أو أن يقول مخلوق لآخر : اغفر لي فيما لو زل عليه ؟ نعم يجوز قال تعالى { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الشورى43 .
وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين