مختصر فقه العبادات
[ 2 ]
كتاب الطهارة
( باب الآنية – وباب آداب الخلاء )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :
ذكر باب الآنية بعد أقسام المياه لأن الماء سيَّال فيحتاج إلى ما يجمعه فكان ذ كر الفقهاء رحمهم الله للآنية بعد الماء ذكراً مناسباً لأن الآنية تجمع الماء .
( مسألة )
[ آنية وثياب عموم الكفار طاهرة ولو لاقت عوراتهم ما لم تتيقن نجاستها والأولى تركها ]
( الشرح )
كما أسلفنا [ أن اليقين لا يزول بالشك ]
فالأصل في الثياب الطهارة ، [ فكل ثياب الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس ونحوهم طاهرة ما لم تتيقن نجاستها ]
فإذا شككنا فالأصل أنها طاهرة ، ولذا :
( كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم يلبسون ما نسجه الكفار وما صبغوه ) حتى لو لاقت عوراتهم مثل السراويلات ،ولكن الأولى ترك لباس ما لاقى عوراتهم .
ولكن لا يدل على النهي والتحريم إلا إذا تيقنا النجاسة.
*******
( مسألة )
[ كل إناء طاهر ولو ثميناً يُباح اتخاذه واستعماله إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما ]
( الشرح )
قولنا ( كل إناء طاهر ) يخرج : النجس .
فكل إناء طاهر ” يجوز أن يُستخدم وأن يُتخذ للزينة حتى ولو اكان ثميناً “
مثل / المصنوع من الياقوت والزبرجد والماس ونحو ذلك ، لأن الأصل الإباحة ” إلا آنية الذهب والفضة وما موه بهما “
لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :
( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) وقال عليه الصلاة والسلام :
( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يُجرجر في بطنه نار جهنم )
فالأصل [ بقاء ما كان على ما كان ]
وهو الحِل ، إلا ما جاء به النص تحريماً كالذهب والفضة والمموه بهما 0
والمموه / كأن يُطلى الإناء بشيء من الذهب أو شيء من الفضة .
++++++
( مسألة )
[ يباح عند الحاجة تضبيب الإناء إذا انكسر بضبة يسيرة لغير قصد الزينة ]
( الشرح )
يجوز ” أن تُستخدم الفضة فقط دون الذهب فيما لو انكسر الإناء فلحم وضبب بضبة يسيرة من الفضة ، حتى ولو وجد غير الفضة فيجوز له ، لكن لا يكون قصده في وضع هذه الضبة اليسيرة لا يكون قصده التجمل والتزين بها فإن كان هذا قصده فلا يجوز 0
والدليل على جواز استخدام الضبة اليسيرة في الإناء المنكسر / ما جاء عند البخاري أن أنس رضي الله عنه قال :
( انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فأتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة )
%%%%%%%
( مسألة )
[ الصحيح أن العلة من تحريم الذهب والفضة أنها تنافي مُقتضى العبودية ]
( الشرح )
ما العلة في تحريم الذهب والفضة هل هو الإسراف ؟0هل هو كسر قلوب الفقراء؟
يقول بن القيم رحمه الله : ” العلة ليست هذه الأشياء أنما العلة لأن الذهب والفضة تنافي مقتضى العبودية فلابسهما أو الآكل أو الشارب في صحافهما وآنيتهما تقلل وتضعف عنده العبودية “
ولذا قال عليه الصلاة والسلام :
( فإنهما لهم في الدنيا ) لأنهم خرجوا عن عبودية الله عز وجل قال ( إنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ) .
$$$$$$
( مسألة )
الجلود على ثلاثة أقسام
أولاً : ” جلد طاهر مطلقاً ” وهو جلد الحيوان مأكول اللحم المذكى بقطع حلقومه وأوداجه .
ثانياً : جلود نجسة مطلقاً على الراجح وهي جلود ما لا يوكل لحمه كالنمر مثلاً 0
ثالثاً : جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت حتف انفها فتطهر بعد الدبغ لا قبله وبأي صفة اندبغ فزالت النجاسة طهر ]
( الشرح )
الجلود على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ” مأكول اللحم إذا ذكي بقطع حلقومه ومريئه وأوداجه ” فإن جلده طاهر دُبغ أو لم يُدبغ 0
النوع الثاني : مأكول اللحم إذا مات حتف أنفه فإن جلده نجس ولا يطهر إلا بالدبغ .
و بأي صفة دُبغ طهر حتى لو ألقاه شخص في آلة دبغ وهولا يدري أنه جلد ميتة فطهر أو زالت منه النجاسة يطهر لأن النجاسة كما أسلفنا [ من باب التروك لا تفتقر على نية ] 0
النوع الثالث : ما لا يؤكل لحمه فجلده نجس على القول الراجح سواء ذبح مع الحلقوم والمرئ أو مات حتف أنفه مثل النمور مثل القطط الفهود والأسود والذئاب ونحوها والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم :
( لما مر بشاة لميمونة يجرونها قال عليه الصلاة والسلام ما هذه ؟ قالوا إنها ميتة فقال صلى الله عليه وسلم هلا انتفعتم من إهابها ؟ )
يعني جلدها ( قالوا انها ميتة فقال عليه الصلاة والسلام: إنما حرم أكلها )
وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود ( نهى عن جلود النمار وعن جلود السباع )
وقال عليه الصلاة والسلام ( دباغ الأديم ذكاته ) فدل على أن ما يطهر بالدبغ هو الذي يُذكى إذا كان مأكول اللحم 0
فخلاصة القول :
أن ما ذكي من مأكول اللحم فجلده طاهر دُبغ أو لم يُدبغ 0
وما ليس بمأكول اللحم فجلده نجس مُطلقاً
وما كان مأكول اللحم فمات حتف أنفه فإن جلده نجس إلا إذا دُبغ وبأي صفة اندبغ فطهر حُكم بطهارته .
&&&&&&
( مسألة )
[ إذا مات الطائر وفي بطنه بيض صلب فباطن هذا البيض طاهر وكذا لو ماتت شاة وأخرج من بطنها جنين حي فهو طاهر ]
( الشرح )
الشاة لو ماتت فوجد في بطنها حيوان حي فهو طاهر .
وكذلك الطائر مثل الدجاج لو ماتت الدجاجة فوجد في بطنها بيض :
إن كان هذا البيض صلباً فهو طاهر .
وإن كان رطباً فإن هذا البيض يأخذ حكم الأصل الذي هو النجاسة 0
******
(مسألة )
[ الصحيح أن لبن الميتة نجس ، أما صوفها وقرنها وحافرها فطاهرة ]
( الشرح )
الميتة الأصل فيها النجاسة لقوله تعالى :
{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }الأنعام145
وهذا شامل ما لم يستثن الشرع والشرع قد استثنى الصوف والشعر لقوله تعالى:
{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ }النحل80
فإذا جُزّ جزّاً فيكون طاهراً لأنه بعيد عن الحياة فلا يخالطه الدم لأن الميتة إنما حُرمت من أجل دمها المحتقن فيها ومثله في الطهارة القرن والحافر .
وأما لبنها / فالصحيح أنه نجس لأنه في ضرعها وضرعها من صلبها 0
&&&&&&
( مسألة )
[ الصحيح أن مصران الميتة إن جُعلت حبالا لا تطهر ]
( الشرح )
قال بعض العلماء : إن مصران الميتة إذا مُدت فأصبحت حبالاً فإنها تطهر .
والصحيح / أنها لا تطهر لعموم قوله تعالى:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة }
******
( مسألة )
[ ما أُبين من حي فهو كميتته طهارة ونجاسة حلا وحرمة ، ويُستثنى من ذلك المسك وفأرته والطريدة ]
( الشرح )
ما قُطع من حي فحكمه حكم ميتته، لقوله عليه الصلاة والسلام :
( ما قُطع من البهيمة وهي حيه فهو ميت )
فلو قُطعت يد شاة وهي حية، بالنظر إلى هذه الشاة ماذا يكون حكمها إذا ماتت ؟
حكمها النجاسة فكذلك ما قُطع منها وهي حية .
والسمكة لو جُز عضو منها يكون هذا العضو حلالاً طاهراً ، وذلك لأن ميتة السمك طاهرة وعلى هذا فقس
ويستثنى مما جُز من الحي الذي ميته نجسة :
( الطريدة )
والطريدة : مثل بعير يشرد ولا يتمكن من الإمساك به فيقوم القوم ويقطعونه قطعة قطعة فإذا أجهزوا عليه ، فإن هذا اللحم لو بنيناه على القاعدة الأولى لقلنا إنه نجس ، لكنه لا يدخل ضمن ما سبق فيكون هذا اللحم طاهراً مباحاً .
لكن لو جُز نصفه ثم شرد فإن هذا المتبقي نجس ولذلك هواة الصيد ” للضباب ” مُفرد ضب ، قد يُرمى فيجزون بالرمي شيئا منه ثم يدخل في جحره فهذا المقطوع حرام نجس
والدليل على استثناء الطريدة : فعل الصحابة رضي الله عنهم ، قال الإمام أحمد (كان الصحابة يفعلون ذلك في مغازيهم ) .
ويستثنى :
( المسك وفأرته)
يعني الوعاء ، فهناك غزال يُسمى ” بغزال المسك ” يطردونه طرداً فينزل من سُرته قطعة دم فيربطونها ربطاً محكما حتى لا تتغذى من دم الغزال ، فبعد حين تنفصل فتصبح وعاءً وفيه مسك.
فهذا المنفصل لو جعلناه على القاعدة الأولى لكان نجساً ، لكنه طاهر ,
والدليل / أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أثنى على المسك في عدة أحاديث من بينها ما جاء عند مسلم :
( أطيب الطيب المسك )
$$$$$$
( مسألة )
[ يُسن تغطية الإناء ، ووكاء السقاء بالليل ، لأن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ]
( الشرح )
قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا كان الليل فأوكئوا السقاء واذكروا اسم الله عليه ، وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله عليه ، وخمروا الإناء ولو أن تعرض عليه عوداً ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء إلا وقع فيه شيء من هذا الوباء )
%%%%%%
( مسألة )
[ يُسن إطفاء النار عند النوم ]
( الشرح )
لأن النبي عليه الصلاة والسلام :
( أُخبِر بأن هناك بيتاً في المدينة قد احترق على أهله ، فقال عليه الصلاة والسلام ” إن هذه النار عدولكم فإذا نمتم فأطفئوها )
والذي يظهر أن الحكم لا يقتصر على السنية، بل يجب فلا يجوز للإنسان أن يُعرِّض أهله ونفسه للهلاك ومثلها وسائل التدفئة التي تشابه النار فيما لو وقعت مثلاً لأحرقت البُسط وما في البيت 0
( باب آداب الخلاء )
آداب الخلاء يعني ” آداب قضاء الحاجة ” ويسميها بعض العلماء ” آداب الإستطابة “
( مسألة )
يستحب عند الدخول :” تقديم الرجل اليسرى ” وقول ” بسم الله ، أعوذ بالله من الخبث والخبائث “
وعند الخروج : يقدم اليمنى ويقول غفرانك ]
( الشرح )
جاء في حديث حفصة أن النبي عليه الصلاة والسلام :
( كان يجعل يمينه لأكله وشربه وأخذه وإعطائه وشماله لما سوى ذلك )
فما كان من باب التكريم فتقدم فيه اليمنى ، وما كان سوى ذلك فتقدم فيه الشمال ، سواءً كانت يداً أو قدماً .
فإذا أراد أن يدخل إلى الخلاء فهل الخلاء تكريم ؟ليس بتكريم فيُقدم اليسرى .
ويقول عند إرادته الدخول : ” بسم الله ، أعوذ بالله من الخبث والخبائث “
والخبث : هو الشر .
والخبائث : هم الشياطين .
فيقول:
” أعوذ بالله من الخبث والخبائث”
أو ما ورد :
( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
وإذا خرج من الخلاء : فإنه سيخرج إلى تكريم فيقدم رجله اليمنى .
ويقول : ” غفرانك “
فإنه لما ذهب عنه الأذى من بطنه سأل الله عز وجل المغفرة بأن يُزيل عنه أذى الذنوب في الآخرة الذي هو أشد ، وكل هذا على سبيل الاستحباب 0
( مسألة )
[ يستحب ألا يتوضأ في المكان الذي بال فيه ]
( الشرح )
النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود قال :
( لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه )
وذلك لأنه يورث الوسوسة .
وهذا النهي : يكون للتحريم ، لأن هذا نهي صريح .
وبعض العلماء يقول : إن كان الخلاء مُبلطاً فيجوز لأن الماء يزيل هذه النجاسة .
ولكن الحكم عام
( مسألة )
[ لا يُستحب نتر الذكر بعد البول ]
( الشرح )
لا يُستحب أن ” ينتر الذكر “
وذلك : ” أن يُحرك ذكره من الداخل لكي يستدعي البول “
وليس معناه المسح ، فمسح الذكر يختلف عن النتر .
فالنتر ” أن لا يمس ذكره ، ولكنه من الداخل يُحركه حتى يستدعي ما بقي وفضل من البول .
والدليل الوارد فيه ضعيف :
( إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا )
حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله إن ” نتره بدعة “
فإذا بال الإنسان يغسل ذكره ثم يقوم ولا يفتح على نفسه باباً للوساوس 0
( مسألة )
[ يجوز البول قائماً إذا أمن من التلوث ، وأمن أن ينظر إلى عورته]
( الشرح )
يجوز البول قائما بشرطين :
أولا : أن يأمن أن يرتد إليه بوله.
ثانيا : أن يأمن من ان ينظر أحد إلى عورته
والدليل / ما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه ( أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى سُباطة قوم فبال قائماً )
وأما قول عائشة رضي الله عنها عند النسائي :
( من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه )
فهذا منتهى علمها في البيت ، وحذيفة رضي الله عنه علم ما هو خارج البيت ، فقول حذيفة مُقدم على قولها .
( مسألة )
[ يُستحب في الفضاء أن يبعد حتى لا يُسمع له صوت ، ولا يُشم منه ريح ، وأما إذا ترتب على القرب رؤية عورته فيجب البعد ]
( الشرح )
الواجب على المسلم أن يحفظ عورته “
لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود :
[ احفظ عورتك إلا من زوجتك أوما ملكت يمينك ]
فإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته فيجوز له أن يقضيها وهو قريب من الناس ، بشرط : ” أن لا تُرى عورته “
فإذا ترتب على القرب رؤية عورته فيجب عليه أن يبعد .
والسنة أن يبعد حتى لو لم تُر عورته مع القرب لفعله عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة .
ومقدار أقل هذا البعد أو ضابطه / أن لا يُسمع منه صوت ولا تُشم منه رائحة والأفضل أن يتوارى مع بعده 0
( مسألة )
[ يُكره مس ذكره بيمينه حال البول ، وكذا الاستنجاء والاستجمار بها ، ويكره الكلام حال قضاء الحاجة ، وكذا المكث بعد قضاء الحاجة على حاجته]
( الشرح )
النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين ( لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه )
” فمس الذكر باليمين حال البول “
قال بعض العلماء : يُكره .
وقال بعض العلماء : يحرم ، وهو الأقرب وكذلك الحكم في الاستنجاء باليمين يكون الكلام فيه كالكلام في مس الذكر باليمين 0
و” يكره الكلام حال قضاء الحاجة “
لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
( لما سلَّم عليه رجل وهو يبول لم يرد عليه السلام حتى تيمم ثم رد عليه السلام)
وكذلك ” المكث بعد قضاء الحاجة الصحيح أنه يحرم” لأن الإنسان إذا قضى حاجته ليقم أما بقائه مكشوفاً للعورة فهذا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام ( احفظ عورتك )
ولأن البقاء على موضع قضاء الحاجة يورث أسقاما وأمراضا وحياة وبدن الإنسان ليس ملكا له فيجب عليه أن يُحافظ عليه .
( مسألة )
[ يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء أما في البنيان فالأحوط ترك ذلك ]
( الشرح )
حال قضاء الحاجة في الصحراء :
فإنه يحرم استقبال القبلة أو استدبارها ”
” أما في البنيان “
فقد فقال بعض العلماء : بالتحريم أيضاً وبعض العلماء : لم يقل به في البنيان .
والأحوط ” ترك الاستقبال والاستدبار في البنيان “
لأن الأدلة قوية في هذه المسألة .
وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ”
قال : فقدمنا من الشام فوجدنا مراحيض قد بُنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله )
والدليل على التسامح في البنيان – وإن كان الأحوط ترك ذلك – ما جاء في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( رقيت بيت حفصة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلا الشام مستدبر الكعبة )
فخلاصة القول / أن الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة في الصحراء يحرم أما في البنيان فالأظهر الجواز .
لكن التورع و الأحوط لقوة الأدلة أن يدع ذلك 0
( مسألة )
[ يحرم أذية الناس بان يبول أو يتغوط في أماكنهم وطرقاتهم ]
( الشرح )
النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال :
( اتقوا اللاعنين ، قالوا يا رسول الله : وما اللعنان ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )
فلا يجوز لأحد أن يؤذي عباد الله في طرقاتهم وأماكن جلوسهم لا ببول ولا بغائط ولا مخاط ولا شيء من هذا .
( مسألة )
[ يحرم قضاء الحاجة في الماء الراكد وعلى ما نهي عن الاستجمار به وبين القبور ]
( الشرح )
النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال :
( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه ) وعند مسلم ( لا يغتسل منه )
وعند أبي داود :
( ولا يغتسل فيه من الجنابة )
والماء الدائم خلاف الجاري 0
ومن هنا فالماء الدائم من خلال هذه الأحاديث يحرم البول فيه ، ومن باب أولى التغوط .
ويحرم فيه الاغتسال من الجنابة ، ولو لم يبل فيه .
وهذا هو القول الراجح / أن النهي للتحريم ، وليس للتنزيه .
ويُستثنى من ذلك المياه المستبحرة “
مثل / الغدران الكبيرة ، فهي ثابتة في اماكنها وقد استثنى العلماء من الماء الدائم المياه المستبحرة أما الذي يجري فلا يدخل في هذا الحكم
وكذلك يحرم أن يقضي حاجته على ما نهي عن الاستجمار به ، وسيأتي معنا أشياء يحرم الاستجمار بها مثل ” العظم والروثة والطعام ” فلا يجوز لأحد أن يقضي حاجته على ما يحرم لاستجمار به .
وكذلك يحرم قضاء الحاجة بين القبور لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند بن ماجه :
( لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أم في السوق )
لأن بين القبور هي أماكن تزاور الموتى .
( مسألة )
[ الصحيح أنه لا يُكره البول في إناء ]
( الشرح )
” البول في إناء لا يُكره على الصحيح “
لما جاء عند ابي داود :
( كان للنبي عليه الصلاة والسلام قدح من عيدان يبول فيه تحت سريره )
فلا وجه للكراهة كما قال بعض العلماء .
( مسألة )
[ إذا فرغ الإنسان من قضاء حاجته تنظف بالحجر ثم بالماء ، وهذا أكمل ، وإن اقتصر على الماء فحسن ، وإن اقتصر على الاستجمار مع وجود الماء أجزأ مع تركه الأفضل ]
( الشرح )
إذا فرغ الإنسان من قضاء حاجته فهو مخير بين ثلاثة أمور :
أولا : ” أن يستجمر ثم يستنجي بالماء ” وهذا أكمل من حيث التنظيف وليس هناك دليل صحيح في الجمع بين الإستنجاء والإستجمار .
ثانيا : ” أن يقتصر على الماء ” كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام في غالب أحيانه .
ثالثا : أن يقتصر على الاستجمار ولو كان الماء موجودا “
لكن الأفضل ان يستنجي بالماء ، والدليل على الإجزاء ما مر معنا كما في سنن أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام:
( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجرئ عنه)
( شروط الإستجمار )
[ أن يكون طاهرا منقياً غير عظم وروث وفحم وطعام الآدميين وبهائمهم ، وأن يكون الاستجمار بثلاث مسحات ، فإن لم يُنق فبأكثر ، ولا يجزئ أقل من الثلاث ، ولا بما نهي عن الاستجمار به على الصحيح]
( الشرح )
هذه هي شروط الاستجمار التي لا يصح إلا بها ، وهي :
أولا : ” أن يكون المستجمر به طاهراً ” ويخرج النجس ، لقوله عليه الصلاة والسلام عن الروثه ( هذه ركس )
ثانياً :” أن يكون منقياً ” لأن مالا يُنقي لا يحصل منه المقصود .
ثالثاً : ” أن يكون غير عظم وغير روث “
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( قال للجن : لكم كا عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم )
وقال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري :
( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام )
وكذلك لا يكون الإستجمار بالفحم :
لنهي النبي صلى الله وسلم عن ذلك كما في سنن أبي داود ، وذلك لأن الفحم طعام الجن
رابعاً : ” أن لا يكون المستجمر به طعاما للآدميين ولا طعاماً لبهائمهم “
فإنه إذا نهي عن الاستجمار بطعام الجن ودوابهم فطعام الآدميين وطعام بهائمهم من باب أولى .
الخامس : ” أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات فأكثر “
ولا يجزئ أقل من ثلاث على القول الصحيح حتى لو حصل التطهير بواحدة واثنتين ، لما جاء عند مسلم من حديث سلمان رضي الله عنه قال :
( نهينا أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار ) والمقصود من الثلاثة الأحجار يعني المسحات لورود لفظ ( المسح ) في أحاديث أخرى .
ولذا ” لو استجمر بحجر واحد له ثلاث شعب كل شعبة مسح بها المحل فحصل المقصود بهذه الثلاث فإن الإستجمار يكون صحيحاً “
فإن لم يحصل التنظيف بثلاثة أحجار فليزد .
وكذلك : ” لا يُجزئ الإستجمار بما نهي عن الاستجمار به على القول الصحيح “
فلو أنه استجمر بعظم فتنظف المحل فإنه غير مجزئ لمخالفة النص 0
( مسألة )
[ يسن قطع الإستجمار على وتر وعلامة الإنقاء به أن يرجع إليك الحجر غير مبلو ل ]
( الشرح )
” يسن قطع الإستجمار على وتر “
بمعنى أنه إذا لم يحصل التنظف والتطهر بثلاث فحصل بأربع يقال له زد خامسة ، فإن حصل التنظيف بسادسة نقول له زد سابعة .
فيسن قطعه على وتر لما جاء في سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام :
( من استجمر فليوتر فمن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج )
حسنه بن حجر رحمه الله .
وعلامة الإنقاء بالاستجمار : ” أن يرجع إليك الحجر غير مبلول “
وقال بعض العلماء : أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء “
فإذا بقي أثر لا يزيله إلا الماء فهذه هي علامة الإنقاء في الاستجمار لكن الضابط المذكور هنا أفضل وأيسر.
( مسألة )
[ الاستنجاء يحصل بواحدة أو بأكثر على الصحيح وضابط الإنقاء به أن تعود خشونة المحل ، وغلبة الظن كافية بالإنقاء للاستنجاء دفعاً للحرج ]
( الشرح )
الاستنجاء المراد منه التطهر بالماء ويحصل بواحدة إذا تنظف المحل .
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
( أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً )
فهو حديث ضعيف ، ومن ثم فبأي صفة أو بأي عدد طهر المخرج فقد حصل المقصود .
وضابط الانقاء بالاستنجاء بالماء : ” أن تعود خشونة المحل “
ويكفي في ذلك غلبة الظن دفعاً للحرج والمشقة
( مسألة )
[ يجب الاستنجاء لكل خارج من السبيلين ويستثنى النجس اليابس والريح والمن ]
( الشرح )
متى يجب الاستنجاء ؟
يجب لكل خارج من السبيلين من الذكر أومن الدبر ، ويستثنى من ذلك ثلاثة أشياء :
أولا : ” الريح ” فلا يستنجي منها لأنها طاهرة على الصحيح .
ثانيا : ” المني ” وذلك لأنه طاهر على الصحيح كما مر معنا.
ثالثا : ” الشيء اليابس ” فإذا خرج من الإنسان من دبره حصاة مثلاً يابسة لم تلوث المحل فلا معنى للاستنجاء لعدم حصول النجاسة.
( مسألة )
[ دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى ، مكروه ويجوز عند الحاجة وأما القرآن فمحرم الدخول به ، ويجوز عند الضرورة كأن يخاف عليه من السرقة ]
( الشرح )
ذكر الله عز وجل أنه يجب على المسلم أن ينزهه ، فإذا دخل الخلاء وهو مأوى الشياطين ومحل النجاسات فيبعد ما لديه من أوراق فيها ذكر الله عز وجل ، فإن دخل بشيء مكتوب فيه ذكر الله فهو مكروه .
ولم يصل إلى درجة التحريم : لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ” كان يلبس الخاتم ولا ينزعه عند دخول الخلاء ” وكان مكتوب عليه [ محمد رسول الله ] .
ويجوز الدخول به عند الحاجة : كالبلوى التي أبتلي بها الناس في الأوراق النقدية ، فالتهليلية الموجودة في بعض الأوراق النقدية ، لا يشق على الإنسان في منعه من الدخول بها إلى الخلاء .
وأما القرآن فيحرم الدخول به إلى الخلاء إلا إذا وجدت ضرورة ، كأن يخشى عليه من كافر أو يخشى عليه من السرقة أو نحو ذلك.
وخلاصة القول : أن ما كان مكتوباً فيه ذكر الله فيكره الدخول به إلى الخلاء إلا عند الحاجة وأما القرآن فيحرم إلا عند الضرورة .
( مسألة )
[ يسن ألا يرفع ثوبه عند قضاء الحاجة حتى يدنو من الأرض إذا كان في فضاء ]
( الشرح )
دليله : فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود فكان ( لا يرفع ثوبه صلى الله عليه وسلم حتى يدنو من الأرض ) .
( مسألة )
[ يجيب المؤذن في الخلاء سراً بقلبه ]
( الشرح )
إذا كان في الخلاء فإنه يسن له إذا سمع الأذان أن يتابعه بقلبه وكذلك إذا عطس له أن يحمد في قلبه.
( مسألة )
[ الأحوط أن لا يتوضأ ولا يتمم حتى يستجمر ويستنجي مما يجب لهما إلا إذا كانت النجاسة غير خارجة من السبيلين فلا احتياطا في صحة الوضوء والتيمم قبل غسله ]
( الشرح )
إذا قضى حاجته وأراد أن يتوضأ فليستنجي أو ليستجمر فإن قدَّم الوضوء على الاستنجاء أو الاستجمار فموضع خلاف بين العلماء ، هل يصح وضوءه أو تيممه قبل الاستنجاء أو الاستجمار ظ؟
قولان ، والأحوط : ألا يتوضأ قبل الاستنجاء والاستجمار .
أما لو وقعت النجاسة فرضا على ذكر الإنسان وهي غير خارجة منه فتيميه ووضوؤه قبل غسلها تيمم ووضوء صحيح .
وموضع الخلاف في النجاسة الخارجة من المخرج ، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن المذي ( توضأ وانضح فرجك ) فقدم الوضوء على غسل الذكر .
وفي رواية ( اغسل ذكرك وتوضأ )
و ( الواو ) لا تقتضي الترتيب ، ومن ثم نشأ الخلاف بين العلماء ، وأما ما جاء عند النسائي ( ليغسل ذكره ثم ليتوضأ )
فإنها معلولة بالانقطاع ، كما قال ابن حجر رحمه الله ، ولو صحت لكان الاستنجاء والاستجمار واجبا قبل الوضوء والتيمم .
( مسألة )
[ لو انسد المخرج الأصلي وفتح لها مخرج آخر فلا استجمار إنما استنجاء ]
( الشرح )
لو أجري للإنسان عملية وانسد مخرجه الأصلي وفتح مخرج في بطنه وأصبح يخرج منه الغائط والبول فلا ينفع إلا الاستنجاء ولا يصح الاستجمار ، لأن الاستجمار إنما يكون في المخرج المعتاد ، فإذا لم يكن من المخرج المعتاد كان حكمه كحكم إزالة النجاسة على البدن ، ولا ينفع في إزالتها على البدن إلا الماء .
( مسألة )
[ لا تكلف الثيب أن تغسل داخل فرجها ]
( الشرح )
الثيب لا تلزم بأن تدخل إصبعها في فرجها لتنظف ما بقي وفضل من النجاسة بل الواجب في حقها أن تنظف المحل من الظاهر ولا تكلف مثل هذا الفعل فهو غير وارد عن الصحابيات الفضليات رضي الله عنهن ولم يأمر عليه الصلاة والسلام نسائه بذلك .
( مسألة )
[ يكره قضاء الحاجة في مهب الريح وفي الجحور وفي النار وفي الرماد كما قال بعض الفقهاء ولا دليل عليه ]
( الشرح )
لا دليل على الكراهة لأن ما ورد في بعض ما ذكر هنا من أحاديث فهي أحاديث ضعيفة من بينها :
) نهي الني صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجُحر ) وروي عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام ) من بال فليرتد لبوله ) لكن لا دليل على الكراهة .
لكن يقال يستحسن حتى لا يقع في الوساوس أن يجتنب البول في مهب الريح ويستحسن أن لا يبول في الحجر حتى لا يخرج شيء من الدواب فيؤذيه .
وإن علم أن هناك دواب فلا يجوز لأنه لا يجوز أن تؤذي هذه المخلوقات .
وأما ” النار والرماد ”
قال بعض الفقهاء : لأنها تورث السقم ، ولا دليل على ما ذكروا لكن يستحسن أن يبتعد الإنسان عن مثل هذا .