( فقه المعاملات )
( 23 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب البيوع )
( 23 )
(باب الغصب- باب الاتلافات )
[ الغصب ]
هو استيلاء على حق الغير قهراً دون حق بخلاف السارق فيختفي أول أمره وآخره والمنتهب يجاهر أول أمره وآخره والمختلس يختفي أول أمره بغصب محرم ، ويجب على الغاصب أن يرده ، فإن تلف يرد بدله ، وإن زاد على ثمنه فيرده بزياداته ، وإن غرس فيها فيزيله ، إلا إن كان الزرع قريباً من الحصاد فيخير صاحب الأرض بين تركه وبين أخذ الأجرة أو يأخذه بنفقته .
الشرح :
الغصب محرم فهو تعدي على حق الغير والغاصب يختلف عن السارق ، فالسارق يختفي في أول أمره وفي آخره ، ويختلف الغاصب عن المنتهب
فالمنتهب يجاهر بأخذ الشيء في أول أمره وفي آخره وهو يختلف عن المختلس ، فالمختلس يختفي في أول أمره دون آخر أمره ، والغصب محرم لأنه تعدي على حق الغير
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) ويجب على الغاصب أن يرد ما أغتصبه ، فإن تلف ما أغتصبه فإنه يرد بدله حتى ولو زاد ثمنه فلو كان ثمنه مائة ريال فأصبح في القيمة ألف ريال فإنه يرد الألف ، وإن غصب شاةً فولدت فإنه يرد نتاجها معها ، وإن اغتصب أرضا فغرس فيها فإنه يزيل هذا الغرس وما نقص من قيمة الأرض بسبب نزع هذا الغرس فإنه يضمن هذا النقص ، إلا إذا كان الزرع قريباً للحصاد ففي قلعه إفساد وتبذير فيقال لصاحب الأرض إما أن تبقي الزرع ويكون للغاصب وتأخذ أجرة الأرض ، وإما أن تأخذ الزرع وتدفع للغاصب النفقة التي تكفل فيها بالقيام على هذا الزرع .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
الأيدي المترتبة على أيدي الغاصب أيدي ضمان إذا كان يعلم وهي أيدي عشر مثل المشتري والوكيل …….. إلخ ؟
الشرح :
الأيدي المترتبة على أيدي الغاصب أيدي ضمان إذا كان يعلم فلو أن شخصاً غصب جهازاً فوهبه لشخص فهذا الموهوب يضمن لِمَ ؟ لأنه كان يعلم بأن هذا الجهاز مغتصب ، لكن إن كان لا يعلم فلا شيء عليه وإنما يكون على الغاصب لو أن الغاصب باع هذا الجهاز على شخص فيكون هذا المشتري غارماً ضامناً إن كان يعلم فإن كان لا يعلم فعلى الغاصب .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
ما أثر في الأرض بإزالته يغرم ما نقص منها ، وكذا لو غصب شيئا يؤجر فعليه أجرة ما مضى وكذا لو حبسه ونقصت قيمته فعليه غرامة النقص ، أما إن زادت فهي لمالكها وكذا لو صاد بالجارح فالصيد للمالك .
الشرح :
لو غصبت شيئاً يؤجر كأن يغصب بيتاً فإن عليه الأجره ، وكذلك لو حبست شيئاً فنقصت قيمته فإنه يرده ويرد ما نقص من قيمته ، وإن غصب جارحاً كأن يغصب صقراً فصاد بهذا الصقر ، فإن هذا المصيد يكون تابعاً لهذا الجارح والجارح تبعاً لمالكه .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
كل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة لعدم إذن المالك كالإجارة لأنه تصرف فضولي
الشرح :
إذا غصب بيتاً فأجره فهذه الإجارة باطلة ، فكل تصرفاته باطلة لِمَ ؟ لأنه لا يملك هذا الشيء المغتصب ، لكن لو أن الغاصب أجر البيت هذا تصرف فضولي فأجازه مالكه ، فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح أن التصرف الفضولي يجوز فيه العقد إذا رضي صاحبه .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
من أخذ ما ليس له بحكم حاكم بعذوبة لسانه فهو غاصب .
الشرح :
لقوله عليه الصلاة والسلام في المتخاصمين قال :
( إنما أقضي على نحو ما أسمع فلعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له جمراً من نار جهنم )
فإذا كان له من اللسان ما يستطيع أن يأخذ نصيب صاحبه مع أنه ظالم فإنه في حكم الغاصب .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
من كان عنده غصوبات أو ودائع وجهل أصحابها فيردها إلى ورثتهم فإن جهلهم فهو مخير بين تسليمها للحاكم أو يتصدق بها والثواب لصاحبها ويضمن أن جاء أو يضعها في مصالح المسلمين وهل يأخذ منها أن كان فقيراً قولان ، وأفتى شيخ الإسلام بالجواز إن تاب .
الشرح :
إن كان عنده غصوبات أو سرقات سابقه أو ودائع وجهل أصحابها فإن كان يعلم بهم فعليه أن يرد هذه الأشياء إلى أصحابها إن كان لا يعلم بهم فماذا يصنع ؟
نقول :
إن كانت هناك ورثة فلتدفع إليهم ، وإلا فأنت مخير بين أمور هي : إما أن تسلمها للحاكم ليضعها في بيت مال المسلمين حتى يصرفها في مصالح المسلمين العامة سواءً دينية أو دنيوية كمشاركة في طرق ومشاركة في تشجير أو مشاركة في بناء مساجد أو مشاريع تخص مصالح المسلمين أو تتصدق بها والثواب: لصاحبها وإن جاء صاحبها فلتخبره فإن رضي أن له الثواب وإلا عليك الضمان ولو أن شخصاً أغتصب أو سرق ولم يجد صاحبها ولا ورثتهم وكان فقيراً
أيأخذ منها أم لا ؟
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ له أن يأخذ منها إن كان قد تاب فإن تاب له أن يأخذ منها فإنه سينفقها على الفقراء وهو من الفقراء .
! ! ! ! ! ! !
(( باب أحكام الإتلافات ))
مسألة :
[ أحكام الإتلافات ]
يستوي فيه الأهل وغيره ، فمن باشر الإتلاف أو تسبب فيه كان هذا المال محترماً فعليه الضمان كمن فتح باباً مغلقا فسُرق .
الشرح :
الإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره فالصبي والمجنون لو أتلف ولم يباشره ضمن كما لو أن الإنسان فتح قربة فانسكب ما فيها ، هو لم يباشر هذا الانسكاب ولكنه فتح وكاءها فإنه يضمن ، أو فتح باباً مغلقاً وسُرق ما في هذا البيت فإنه متسبب
وعندنا قاعدة :
[ المتسبب كالمباشر ]
فإن كان هذا الشيء المتلف ليس محترما فلا ضمان فيه مثل أن يتلف خمراً أو مخدرات أو شيئاً من المحرمات ، لكن لا يجوز أن يتلف هذه الأشياء إلا بإذن الحاكم حتى لا تصبح الأمور فوضى .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يجب على أصحاب البهائم حفظها في الليل وما أفسدته ضمنه دون النهار ، إلا إن كان هو معها أو أرسلها بقرب ما تتلفه عاده .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قضى بأن أهل البهائم يحفظون بهائمهم في الليل وأن أهل الزرع يحفظونه بالنهار ) فهذا هو العرف ، فإذا أتلفت الماشية شيئاً بالليل فمن يضمن ؟ يضمن صاحب الماشية ، وإن أتلفت الزرع في النهار فلا يضمن صاحب البهائم شيئاً ، إلا إن كان صاحب البهائم في النهار فرط بحيث أرسلها قريباً من شيء
تتلفه أو كان معها ولم يمنعها فإنه والحالة هذه يضمنها
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
من انفلتت دابته وأفسدت شيئاً لم يضمن إلا إن فرط أو كانت عقوراً فيضمن مطلقاً .
الشرح :
إذا انفلتت دابته فأتلفت شيئاً فإنه لا يضمن إلا إن كان متعدياً أما إذا كانت هذه الدابة عقوراً ، كأن يقتني كلباً عقوراً فانفلت منه ثم اتلف فإنه يضمنه لأنه متعدي باقتنائه لهذا الحيوان العقور .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
إن كانت البهيمة بيد الراكب أو سائق ضمن جنايتها بمقدمتها لابمؤخرتها ولهذا لو ركبها اثنان فالمتصرف فيها عليه الضمان .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( الرجل جبار )
أي هدر ، فلو أن إنساناً معه بهيمة كجمل مثلاً وكان يقوده أو يسوقه فما تتلفه بمقدمتها ضمنه ، وأما ما تتلفه بمؤخرتها فإنه لا يضمن لقوله عليه الصلاة والسلام : ( والرجل جبار ) وكذلك الحكم فيما لو كان هناك اثنان فالمتصرف فيها هو الذي يضمن فقد يركب اثنان على بعير فيُتلف هذا البعير شيئاً فالمتصرف في هذا البعير هو الذي يضمن .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
من صال عليه شيء فيدفعه بالأسهل ، فإن لم يندفع إلا بقتله فيقتله للقاعدة ( كل مدفوع لأذاه لا حرمة له ولا قيمة ) وعلى هذا لو أنكر أولياء المقتول أنه صال على قاتله فيقال إن كان المقتول معروفاً بالبر وقتل في محل لا ريبة فيه فلا يقبل قول القاتل وإلا قبل مع يمينه .
الشرح :
من صال عليه شيء من إنسان أو حيوان أو نحو ذلك فإنه يدفعه بالأسهل فإن لم يندفع بالأسهل فيتدرج فإن لم يندفع إلا بقتله فإنه يقتله ولا شيء عليه لأن كل مدفوع لأذاه لا حرمة له ولا قيمة ، لكنه لو قتل الإنسان وادعى أنه صال عليه ، قال : أنا قتلته لأنه صال علي وأنكر أولياء المقتول قالوا إنه ما صال عليك بل إنك قتلته عمداً فينظر كما قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إن كان هذا المقتول معروفا بالبر وبالخير وبالطاعة وقتله في محل لا ريبة فيه فلا يقبل قول القاتل وأما إن كان هذا الشخص معروفاً بالفجور والفسق وقد قتله في محل فيه ريبه وكان القاتل ذا خير وطاعة فإن القاتل يقبل قوله مع يمينه .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
من لا حرمة له في الشرع كالخمر فلا ضمان في إتلافه ؟
الشرح :
الخمر محرم في الشرع وليس له حرمه ولا ضمان في إتلافه ، لكن لا يجوز أن يتلف الخمر أو الأشياء المحرمة إلا بإذن الحاكم حتى لا تصبح الأمور فوضى .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
[ الظفر ]
الصحيح فيها إن كان سبب الحق ظاهرا بحيث لا يتهم بالخيانة، فيجوز أن يأخذ بقدر حقه بطريق مباح إما بخيانة أو طريقة محرمة فلا وإن كان سبب الحق خفياً فلا يأخذه .
الشرح :
مسألة الظفر وهي:
أن يكون لك على شخص شيئ فيمتنع من بذله وقد ظفرت بشيء له هل يجوز أن تأخذ هذا الشيء نظير ما كان لك عنده أم لا ؟
اختلف العلماء فيها
وسبب الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أدي الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما شكت إليه هند زوجة أبي سفيان ، أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيها وولدها ما يكفيها بالمعروف قال :
( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )
فمن هذين الحديثين في ظاهرهما التعارض اختلف العلماء
والقول الذي يرجحه ابن القيم ـ رحمه الله ـ من أنه إن كان سبب الحق ظاهراً فيجوز أن يأخذ بحيث لا يتهم فمثلاً الزوجة لو أخذت من مال زوجها إنما نأخذ حقها فإنها إن أخذت لا تتهم لأن لها وجهه
كذلك لو أن الشخص قدم على قوم ولم يضيفوه فله أن يأخذ قدر ضيافته أما ماعدا ذلك فإنه لا يجوز أن يؤخذ إذا كان سبب الحق خفياً بحيث لو أخذ سيتهم بأنه خائن وكذلك لو أنه أراد أن يأخذ من صاحبه بطريقة احتيال أو خيانة فإنه لا يجوز .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
القاضي يحكم بالبينة لا بعلمه .
الشرح :
القاضي لا يحكم بعلمه وإنما يحكم بالبينة فلو كنت قاضياً وتعرف الحق مع فلان وقد شهدت بذلك ورأيت ذلك ثم اختصم إليك وكان مع الآخر البينة ومع من تعرف الحق أن له ، ولكن لا بينة معه ، فإنك تحكم بالبينة لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما أقضي على نحو ما أسمع ) .
! ! ! ! ! ! !