( فقه المعاملات )
( 27 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( باب الهبة –باب العطية )
[ الهبة ]
وهي تكون في الحياة ، أما الوصية بعد الموت ، وأما العطية ففي حال المرض وهي مستحبة ، والهبة التي بعوض تأخذ حكم البيع .
الشرح :
عندنا هبة وعندنا عطية وعندنا وصية فالهبة هي التي تكون في حال حياة الإنسان وصحته ، وأما العطية فهي التي تكون في مرضه ، وأما الوصية فهي التي تكون بعد وفاته ، وسيُشرح في هذه المسائل أحكام الهبة التي تتعلق بحال صحة الإنسان والهدية مستحبة وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري كان يقبل الهدية ويثيب عليها ، وأما الهبة التي يؤخذ عليها عوض فهي تأخذ حكم البيع كأن تقول لتهدي إلي قلمك وأهدي إليك ساعتي أو ما شابه ذلك فهذه تأخذ حكم البيع .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
تلزم الهبة بالقبض وله أن يرجع إذا لم تقبض ، وصفته كصفة القبض في البيع ، ولهذا من وهبها لمن هي بيده تعتبر قبضاً لأن الإستدامة أقوى من الإبتداء وإن قبضها وكيله قبل موته يعتبر قبضاً .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) فإذا قبضها المتهب فلا يجوز للواهب أن يرجع فيها وأما قبل أن يقبضها فله أن يرجع لأثر عن أبي بكر رضي الله عنه ، وصفة القبض في الهبة كصفة القبض في البيع فما كان مكيلاً فيكون بكيله وكان موزوناً فيكون قبضه بوزنه وهلم جرا ،
ولهذا لو وهبت لشخص وديعة لك عنده فإن القبض قد حصل ولذا لو وهبتها لشخص فقبضها منك وكيله قبل أن يموت المتهب فإن هذا يعد قبضاً ولا يجوز التراجع فيه .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لو مات يقوم الورثه مقامه في الرجوع أو الأذن .
الشرح :
فإذا مات الواهب قبل أن يقبضها المتهب فورثه الواهب يقومون مقامه في الإذن أو في الرجوع .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
هبة الدين لمن هو في ذمته إبراء وتصح .
الشرح :
فلو قلت ما في ذمتك وهو ألف ريال وهبته لك فيعد هذا إبراء وتصح الهبة .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
تصح هبة الكلب الذي ينتفع به .
الشرح :
لأنه لا يأخذ عليه عوض بينما قلنا في الإجارة لا يجوز لأنه بيع منافع .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
الهبة لا تقبل توقيتاً ولا التعليق وإن علقها بعد موته فلها أحكام الوصية ولو وقتها بعمر أحدهما لزمه ولغي التوقيت على الصحيح ويملكها .
الشرح :
الهبة لا تقبل التوقيت فلو قال وهبتك ساعتي شهراً فلا تصح هذه الهبة أو وهبتك قلمي إذا أذن أبي أو إذا قدم زيد فلا تصح إلا إن علقها بعد موته كما لو قال وهبتك سيارتي إذا مت فهذه تأخذ حكم الوصية ، والوصية سيأتي معنا حكمها ، ولو علقها بعمر أحدهما كأن يقول : هي لك وقت عمري أو وقت عمرك فإن هذا التوقيت يلتغي ويكون المتهب مالكاً لها وتكون لورثته من بعده لقول الرسول عليه الصلاة والسلام
( لاتعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً فلمن أُعمر ولورثته من بعده )
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لا يجوز أن يهب بعض أولاده دون البعض والواجب أن يسوي بينهم على قدر إرثهم والحكم خاص بالأولاد دون الأقارب .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )
وهذا خطاب يشمل الأم ويشمل الأب فإذا أعطى أحد الأولاد شيئاً فيجب عليه أن يسوي بينهم في العطية أو يتراجع في عطيته وإذا أعطاهم هل يعطي الذكر مثل حظ الإنثيين فهذه قسمة في الحياة فتقاس على القسمة التي بعد الممات والحكم خاص بالأولاد دون الأقارب فلو أنه أعطى أحد إخوانه فلا يلزم أنه يعطى الأخر مثله .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
تحرم الشهادة تحملاً وأداءً على تخصيص بعضهم وكذا على كل عقد فاسد والأم مثل الأب فيما سبق وبالتالي إما أن يتراجع أو يسوي بينهم .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام لما نحل بشير ابنه النعمان ونحلة وأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام :
( أعطيت أولادك كلهم )
قال : لا ،
قال :
( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم لا تشهدني فإني لا أشهد على جور )
فلا يجوز أن يشهد على مثل هذه العطية الجائرة ، فكذلك كل عقد فاسد فإنه لا يجوز للمسلم أن يشهد عليه وكما أن الأب داخل تحت هذا الحكم ، فكذلك الأم فإذا أعطت الأم أحد أولادها فيجب أن تتراجع أو أن تسوي بينهما .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
ما يحتاجون إليه من النفقة فيُعطى كل واحد منهم حاجته .
الشرح :
لاتسوية في النفقة فالتسوية العادلة أن يعطى كل شخص مايحتاج إليه ، فلو كان الولد الذي هو الذكر يحتاج إلى ثوب في قيمة مائة ريال والبنت تحتاج إلى ثوب قيمته مائتي ريال فيعطى كل شخص ما يحتاج إليه فالنفقة تختلف عن العطية .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يحرم الرجوع في الهبة حال قبضها إلا الوالدة بشروط أربعة :
أولاً :
[ أن تكون باقية في ملك الولد ] .
ثانياً :
[ أن يكون تحت تصرفه تصرفه ] .
ثالثاً :
[ ألا تزيد زيادة متصلة ] .
رابعاً :
[ ألا يكون الأب قد اسقط حقه في الرجوع ] .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام كما سبق نهى أن يتراجع الرجل في عطيته كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، إلا الوالد فيما يعطي ولده فيجوز للوالد إذا وهب أحد أبنائه أو إذا وهب أبنائه وقبضوها ، له أن يتراجع في هذه الهبة لكن بشروط :
أولاً :
[ أن تكون هذه الهبة باقية في ملك الولد ] فلو أنه باعها أو وهبها فلا رجوع للأب .
ثانياً :
[ أن تكون في تصرفه ]
فلو أنه رهنها فلا يحق للأب أن يرجع .
رابعاً : [ ألا تزيد زيادة متصلة ] لِمَ ؟
لأن هذه الهبة لم تبقى على حالتها الأولى ، فلو وهبه شاة فسمنت فلا يحق للأب أن يعود فيها .
رابعاً :
[ ألا يكون الأب أسقط حقه في الرجوع ]
كما لو قال : هذه هبة لا رجعة فيها فإنه لوشاء أن يرجع مرة أخرى لما جاز له .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لو مات الأب قبل التسوية الأصح عند شيخ الإسلام رحمه الله أن لهم الرجوع .
الشرح :
فلو أن الأب أعطى أحد أبنائه شيئاً ولم يسوي بينهم فمات الأب ، قال فقهاء الحنابلة ليس للورثة الحق في ذلك فإن الإبن قد امتلكها ولا يحق لهم أن يرجعوا عليه لكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول : يُرجع عليه لأن هذا ظلم والظلم يزال وقد وردت بعض الآثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في مثل هذا .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
يكره رد الهدية ويسن الإثابة عليها .
الشرح : النبي عليه الصلاة والسلام قال :
( لا تردوا الهدية )
فردها مكروه ولذا لما أهدى إليه الصعب بن جثامة شيئاً من حمار وحشي فرده وجد في نفسه شيئاً قال : ( إنا لم نرده عليك إلا لأنا حرم ) وأما الإثابة عليها فقد كان عليه الصلاة والسلام عند البخاري
( يقبل الهدية ويثيب عليها )
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
الصدقة أفضل منها إلا إن كانت هناك مصلحة كهبة القريب تودداً .
الشرح :
فالصدقة أفضل من الهبة لأن الصدقة يراد منها ابتغاء الأجر ، لكن الهدية يراد منها ابتغاء التودد ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ( تهادوا تحابوا ) لكن قد تكون الهبة أفضل من الصدقة فيما لو كانت لقريب تزيد هذه الهبة من الصلة بين القريبين فتكون الهبة بهذا الإعتبار أفضل .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
قال شيخ الإسلام رحمه الله من أعطى المال ليمدح فمذموم ، وإن كان لكف ظلم أو [لألا] ينسب إلى البخل فهو مشروع .
الشرح :
من أعطى المال ليمدح فهذا شيء مذموم ، لكن من أعطاه من أجل أن يكف عنه ما ينسب إليه من بخل فهو مشروع لذا لما اكثروا على النبي عليه الصلاة والسلام في الطلب قال ( إنهم يُريدون أن يُبخلوني ولست بباخل ) .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
لا يحق للأم أن تمتلك من مال أبنائها وكذا الجد .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند ابن ماجه
( أنت ومالك لأبيك )
ومن هنا يجوز للأب دون الأم ودون الجد أن يتملك من مال ولده وإن لم يحتج الأب إلى هذا المال
لكن بشروط :
أولاً :
[ ألا تكون هناك ضرورة لدى الولد يضطر إلى هذا المال ]
فيكون الولد أحق .
ثانياً :
[ ألا تكون هناك حاجة للولد لهذا المال ] فإذا تعارضت حاجة الأب وحاجة الولد فحاجة الولد مقدمه ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال: ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) .
ثالثاً :
[ ألا يأخذها الأب ويعطها ولداً آخر ]
الأب ممنوع من أن يفضل أحد أبنائه من ماله الخاص فكيف يأخذ من مال أحد أبنائه ويعطه لولد آخر .
رابعاً :
[ أن يكون الأب قد قبضها ]
فإن لم يكن قابضاً لها فلا يحق ذلك .
خامساً :
[ أن تكون عيناً موجودة ]
ولذا لو أن الأب قال لأحد الأشخاص إن عليك ديناً لولدي فقد أبرأتك فلا يحق للأب لأنه ليس موجوداً ولم يقبضه الأب وكذا لو أن الأب في ذمته مال لابنه فلا يحق للأب أن يبرئ نفسه وذمته من هذا المال فإذا وجدت هذه الشروط فيجوز للأب أن يتملك من مال ولده .
! ! ! ! ! ! !
باب أحكام العطية نأأني
مسألة :
العطية حال الصحة أفضل .
الشرح :
العطية في حال الصحة أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن أفضل الصدقة قال : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ) .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
المرض قسمان :
أولاً :
[ مرض غير مخوف أي لا يخاف منه الموت في العادة فتصح العطية كعطية الصحيح من جميع ماله ] .
الشرح :
فالإنسان في حال صحته له أن يتصرف في ماله فلو انفق ماله كله فله ذلك ، وأما إذا كان مريضاً فينظر إن كان هذا المرض غير مخوف كأن يكون به وجع في أسنانه فهذا مرض غير مخوف فيكون تصرفه في ماله كتصرف الصحيح السليم الذي لا شيء به .
ثانياً :
[ مرض مخوف فتصح من الثلث لتعلق نفوس الورثة بالمال ومثل المخوف من كان في خطر ومن شفي من المخوف تنفذ وكذا من كان مرضه غير مخوف ثم مات ]
الشرح :
فإن كان المرض مخوفاً مثل من به سرطان قد استفحل في جسمه فإنه لو أعطى فإن عطيته لا ينفذ منها إلا الثلث ، ولا تكون من رأس المال لِمَ ؟
لأن الورثة يرقبون موت هذا الشخص فنفوسهم قد تعلقت بهذا المال فيكون حكم هذه العطية كحكم الوصية ومثله من كان في خطر كما لو كان في البحر وهاجت الأمواج أو امرأة في وقت الطلق فهذه حالة خطره فلا ينفذ من عطيتها إلا بمقدار الثلث
ولو أن الإنسان أعطى في مرضه غير المخوف فتطور هذا المرض فمات منه فإن العطية تنفذ من جميع المال
وكذلك لو وهب أو أعطى في مرضه المخوف ثم أعطى أكثر من الثلث ثم شفى ثم مات بعدها فإنها تنفذ .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
المرض المزمن إن ألزمه الفراش فهو مخوف .
الشرح :
المرض المزمن المستمر هل يعد مخوفاً أم لا ، فالجواب : أنه إذا كان يلزم صاحبه الفراش فهو مرض مخوف .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
تنفذ الوصية والعطية فإن ضاق الثلث عنهما قدمت العطية .
الشرح :
العطية تكون في حال الحياة لكنها في حال المرض لكن الوصية تكون بعد الموت فلو أنه أعطى في مرض موته وأوصى فإننا ننفذ العطية والوصية من الثلث بعد وفاته لكن إن كانت الوصية والعطية تزدان عن الثلث فماذا نصنع ؟
أو كانت العطية التي أعطاها لشخص تبلغ الثلث فأيهما يقدم تقدم العطية فهي أسبق من الوصية .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
إن تزوج في المرض المخوف فنكاحه صحيح .
الشرح :
لِمَ جعلت العطية بمقدار الثلث؟ لأنها تبرع محض ولذا لو أنه في مرض موته المخوف تزوج فإن نكاحه صحيح لِمَ ؟ لأنه لم يحصل منه تبرع .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
معاوضة المريض المخوف صحيحة من رأس المال إذا لم يكن فيها محاباة .
الشرح :
وكذلك لو في مرض موته المخوف اشترى وباع فنقول البيع والشراء صحيح ولو من رأس المال ولو زاد على الثلث لِمَ ؟ لأنها معاوضة وليس تبرعاً إلا إن كان في بيعه وشرائه محاباة فإن المحاباة لا تقبل لأنها تكون بمنزلة العطية .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
إن لم يعرف نوع هذا المرض فتوقف العطية فإن شفي أخذها وإن مات فمن الثلث
الشرح :
فلو أنه أعطى عطية تزيد على الثلث وشك في مرضه مخوف أو غير مخوف توقف العطية فإن استبان أنه غير مخوف نفذت وإن استبان أنه مخوف فإنه يعطى من الثلث .
! ! ! ! ! ! !
مسألة :
الفرق بين الوصية والعطية ، الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر ويملك الرجوع فيها ولا يعتبر بها القبول إلا بعد الموت وكذا تملكها يكون بعد الموت .
الشرح :
الفرق بين الوصية والعطية أن الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر فلو قال أوصيت بمائه ريال لفلان ثم قال بعد حين أوصيت لفلان لشخص آخر بألف ريال فإنهم يشتركون في الوصية
بحيث يأخذون من الثلث
أما العطية فإننا نقدم الأول فالأول
فلو أعطى فلاناً ثم بعد حين أعطى فلاناً ثم بعد حين أعطى فلاناً فإن وفى الثلث للجميع أعطوا وإن لم يوف فإنه يعطى الأول فالثاني فإن فقتل شيء فيعطى الأخير ،
أما الوصية لا فإنهم يعطون كلهم ،
وأما الوصية يملك الرجوع فيها فإن الموصي له أن يتراجع في حال حياته
فلو أوصى ببيته أو أوصى بشيء لفلان فإن له أن يتراجع لقول عمر رضي الله عنه للموصي أن يغير في وصيته ما شاء وأما العطية فكما سبق إذا قبضت فإنه لا رجوع فيها ولا يعتبر لها القبول إلا بعد الموت فإن الموصى له لو أوصى له بشيء قبلها أو لم يقبلها فإنه لا اعتداد بقبوله
إنما قبوله يكون بعد الموت لأنه لا يملكها إلا بعد الموت فكذلك لا يصح له قبول أو رفض إلا بعد الموت .
! ! ! ! ! ! !